كارنيجي: لبنان في طريقه إلى أزمة فراغ في السلطة

الثلاثاء 31 مايو 2022 08:20 م

 لم تكد الانتخابات اللبنانية تنتهي، حتى حذر معظم المراقبين من المأزق السياسي الذي ستعيشه البلاد لمدة أشهر إن لم يكن أكثر. ومع عدم وجود مرشح توافقي للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في وقت لاحق من هذا العام، سنكون أمام فترة طويلة من المناورة، حيث يستخدم كل من "سمير جعجع" و"جبران باسيل" جميع الوسائل المتاحة للوصول إلى الرئاسة أو منع الآخرين من القيام بذلك.

ومن المرجح أن لا تؤدي جهودهما إلى أي شيء؛ مما سيدفع الجميع للبحث عن مرشح من خارج الأوساط السياسية المعروفة. لكن حتى هذا الاستنتاج له مشاكل خاصة به، حيث سيكون من الصعب للغاية العثور على مثل هذا المرشح ربما، غير قائد الجيش "جوزيف عون"؛ وذلك لأن أي شخص سينجو من فلتر الأحزاب السياسية سيواجه مطلبًا مسيحيًا مارونيًا بأن يكون الرئيس ممثلاً لمجتمعه.

والقائد "عون" هو الشخص الوحيد، بحكم المؤسسة التي يقودها، ذو المصداقية الكافية ليكون استثناءً لتلك القاعدة.

لكن لم يتضح بعد ما إذا كان "حزب الله" سيوافق، بالنظر إلى أن الجيش لعب دورًا حاسمًا في صد انتشار مسلحي "حزب الله" و"حركة أمل" حول الحي المسيحي في عين الرمانة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

إلى أين سيقودنا هذا الأمر!؟ الشيء الوحيد الذي يمكن قوله هو أن كارثة لبنان الاجتماعية والاقتصادية ستصل إلى مستويات يتعذر تحملها.

وتراجعت العملة اللبنانية، الأسبوع الماضي، ووصل سعر الدولار الواحد حوالي 36 ألف ليرة لبنانية، وتكافح محطات الطاقة لتوفير ساعة واحدة من الكهرباء للمنازل والشركات ومؤسسات الدولة يوميًا، ويتم تقنين استخدام المياه في بيروت وجبل لبنان بسبب ذلك.

وغالبًا ما تكون التكلفة الشهرية لكهرباء المولدات أعلى من الراتب الشهري للعديد من اللبنانيين؛ بسبب ارتفاع أسعار الوقود بشكل كبير. ويتم شراء البنزين بالأسعار العالمية، والتي أصبحت صعبة المنال بالنسبة لكثير من الأشخاص.

وتطل علينا أشهر الصيف الحارة؛ مما يعني تفاقم المعاناة. وقد يكون اللبنانيون قادرين على تحمل الكثير، لكن هذا التحمل ليس بلا حدود.

في ضوء ذلك، لن تستطيع القوى السياسية التركيز على رئاسة الجمهورية مع تجاهل الانهيار الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع اللبناني؛ وهذا لا يعني أن الأمور ستكون أفضل.

إن قدرة "حزب الله" على إجبار حلفائه، مثل "باسيل"، على تقديم تنازلات لتحريك المياه الراكدة، يضعفها عدم استعداد الحزب لاتخاذ مواقف معارضة لشركائه السياسيين.

لكن "حزب الله" ليس مستعدًا أيضًا لتحول البلاد إلى رهينة من أجل وصول "باسيل" إلى السلطة، كما فعل مع والد زوجته "ميشال عون" بين عامي 2014 و 2016.

في غضون ذلك، سيقول "جعجع" إنه حصل على أصوات مسيحية أكثر من "باسيل"، لذلك فهو المرشح الماروني الأقوى لرئاسة الجمهورية، وسيرد "باسيل" بأن لديه الكتلة النيابية الأكبر، وبالتالي فهو المرشح الماروني الأقوى.

ولن تحسم طريقة انتخاب البرلمان للرئيس أي شيء، ولن يحصل أي من المرشحين على ثلثي الأصوات للفوز من الجولة الأولى؛ لذلك سيتم إجراء جولة ثانية يحتاج خلالها المرشح إلى أغلبية مطلقة، أي 65 صوتًا. وفي الوقت الحالي، لا يتمتع "جعجع" ولا "باسيل" بأصوات قريبة من العدد المطلوب، كما أنهما يواجهان معارضة غير معلنة حتى من بعض حلفائهما المزعومين.

في الواقع، يوجد في لبنان حاليا برلمان عالق دون ضمانات بتشكيل حكومة في الفترة بين الانتخابات النيابية والانتخابات الرئاسية. بعبارة أخرى، قد تستمر حكومات تصريف الأعمال حتى الانتخابات الرئاسية، والتي يمكن أن يتبعها فراغ في الرئاسة. ويمثل هذا عاصفة كاملة من الفوضى في وقت يتسارع فيه انهيار البلاد.

والأسوأ من ذلك أن احتمالات التوصل إلى تفاهم إقليمي بشأن لبنان ستختفي إذا انهارت محادثات إحياء الاتفاق النووي، مع رفض الرئيس الأمريكي "جو بايدن" إزالة الحرس الثوري من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية. وسيؤدي هذا إلى تعزيز الاستقطاب الذي يجتاح البلاد ويجعل الاتفاق على مرشح "حل وسط" أكثر صعوبة.

في هذا السياق، يبدو أن "عون" هو الشخصية الوحيدة القادرة على رأب الصدع، بالنظر إلى أنه يترأس المؤسسة الوطنية الوحيدة التي تحتفظ بتقدير كافة الطوائف. لكن حتى يكون مرشحًا، سيحتاج البرلمان إلى تعديل الدستور، حيث يلزمه القانون بالتقاعد قبل عامين على الأقل من الترشح للرئاسة.

وقد تم التغلب على هذا الشرط ببراعة في عدة مناسبات آخرها في عام 2008، عندما تولى "ميشال سليمان" الرئاسة. ولكن لكي يحدث هذا، سيحتاج "جعجع" و"باسيل" (وكذلك حزب الله) إلى التوافق على هذا الترتيب، ومن المحتمل أن لا يحدث هذا التوافق إلا بعد فترة طويلة، حين يدرك الرجلان تدريجيًا أن آفاقهم الرئاسية معدومة.

ومن الصعب رؤية نتيجة أخرى؛ سيقوم "جعجع" و"باسيل" بتقويض بعضهما البعض، وسيتعاون كلاهما لتقويض مرشح ثالث أضعف. وعندما تتسبب هذه اللعبة في تفاقم الغضب الشعبي مع تدهور الظروف الاقتصادية بشكل أكبر، قد يتدخل الفاعلون السياسيون الآخرون للتفاوض على مخرج.

وإذا لم يحدث ذلك، فإن الجمهورية اللبنانية الثانية ستواجه أزمة وجودية، وسيتعين على القوى السياسية أن تدرك أن العقد الاجتماعي في البلاد أصبح من الماضي.

المصدر | مايكل يونغ/ كارينجي – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

لبنان الرئيس اللبناني جبران باسيل سمير جعجع جوزيف عون

السفير السعودي في لبنان: نتائج الانتخابات مشرفة.. وأسقطت رموز الغدر

لبنان أمام شبح فراغ حكومي ورئاسي

ميقاتي الأوفر حظا.. لبنان يبدأ مشاورات اختيار رئيس الحكومة في 23 يونيو

عسكري لبناني يعرض ابنه للبيع لعلاج والدته المريضة.. ما القصة؟

عون يغادر الرئاسة تاركا لبنان في فراغ دستوري ومصير مجهول

مسؤولة لبنانية: العقوبات الغربية فاقمت الأزمة ودمرت الدولة