لبنان أمام شبح فراغ حكومي ورئاسي

السبت 4 يونيو 2022 08:37 ص

بانتخاب رئيس له، أنجز البرلمان اللبناني الجديد أول استحقاق على عاتقه، لكنه ينتقل بذلك إلى مرحلة أكثر تعقيداً نظراً للتشعّبات السياسية في لبنان، ليبقى أمامه الاستحقاقان الأصعب، وهما تكليف رئيس حكومة، وانتخاب رئيس للجمهورية، نظراً لكون ولاية الرئيس الحالي "ميشال عون" تنتهي هذا العام.

وصول برلمان جديد في لبنان يعني تلقائياً تحوّل الحكومة الحالية إلى حكومة تصريف أعمال، وأنه بات أمام استحقاق اختيار شخصية من الطائفة السنية لتكليفها برئاسة وتشكيل الحكومة الجديدة.

خلال السنوات الماضية، دأب الفرقاء اللبنانيون على التوافق على شخصية معينة لانتخابها، حتى بات اسم الرئيس الذي سيكلّف معروفاً مسبقاً، حتى قبل إجراء الاستشارات النيابية الملزمة.

هذه الاستشارات الملزمة تجري بين النواب ورئيس الجمهورية حيث يعمدون إلى تسمية المرشح الذي يختاره كل نائب منهم أو تكتل نيابي لهذا المنصب، على أن يتم تكليف الشخصية التي تحصد أعلى نسبة أصوات.

لكنّ الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أجريت في 15 مايو/ أيار الماضي، غيّرت تركيبة مجلس النواب، بحيث لم يعد هناك أكثرية مطلقة لأي من التكتلات، وذلك بسبب تمكن عددٍ من النواب المستقلين وآخرين أطلق عليهم "التغييريين" لأنهم جاؤوا نتاج ثورة 17 تشرين، من اختراق التحالفات الأكبر في لبنان ودخول المجلس النيابي.

ونتيجةً لذلك، تراجع عدد مقاعد "حزب الله" و"حركة أمل" و"التيار الوطني الحر" (مسيحي) وحلفاءهم من 71 إلى نحو 60، فيما المقاعد الـ 68 المتبقية موزّعة على قوى مختلفة بعضها قريب من الرياض وواشنطن، والبعض الآخر مستقل.

وفي 30 مايو/أيار 2022، انتخب النواب بالغالبية نبيه بري رئيس "حركة أمل" (شيعية)، رئيساً له، لولاية مدّتها 4 سنوات، هي السابعة له على التوالي في هذا المنصب.

وحصل بري (84 عاما)، على 65 صوتاً من إجماليّ 128، فيما صوّت 23 نائباً بورقةٍ بيضاء، إضافة إلى 40 ورقة ملغاة.

والآن، باتت الأنظار متّجهة إلى استحقاق تكليف رئيس للحكومة لتشكيلها، بظل أزمة اقتصادية طاحنة تعيشها البلاد.

ثغرة في الدستور

تنصّ المادة 53 من الدستور اللبناني، على أن "رئيس الجمهورية يسمّي، رئيس الحكومة المكلف، بالتشاور مع رئيس مجلس النواب استناداً إلى استشارات نيابية ملزمة يطلعه رسمياً على نتائجها".

وخلال الاستشارات النيابية، تزور الكتل البرلمانية القصر الجمهوري، وتجتمع مع رئيس البلاد ميشال عون وتقدم له اسم الشخصية التي ترشحها لرئاسة الحكومة.

ولغاية الآن، لم يحدد عون موعداً للاستشارات النيابية، حيث من المرجح أن تنضج الأمور والموعد الأسبوع المقبل أو حتى بعده، إفساحاً للمجال أمام الاتصالات واللقاءات، وفق المراقبين.

وهناك ثغرة في الدستور دائماً ما تثار في مثل هذه الحالات، وهي أنه لم يحدد صراحةً أيّة مدة زمنية تلزم رئيس الجمهورية بتحديد موعد الاستشارات النيابية ضمنها، الأمر الذي يفتح المجال واسعاً أمام إطالة مدة الفراغ إلى حين التوافق غالباً على شخصية معينة.

ميقاتي الأوفر حظاً

كرّس اتفاق الطائف (1989) الذي أنهيت بموجبه الحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1990) معادلة اقتسام السلطة على أساس المحاصصة التي توزّع المناصب الرئيسية على أساسٍ طائفيّ بين المكونات الأساسية الثلاثة، المسيحيين والسنة والشيعة.

وتتوزّع الرئاسات الثلاث بواقع: رئاسة الجمهورية للمسيحيين المارونيين، ورئاسة الحكومة للمسلمين السنّة، لتبقى رئاسة البرلمان من حصة الشيعة.

ويحافظ رئيس الحكومة اللبناني الحالي "نجيب ميقاتي" على علاقات جيدة مع مختلف القوى السياسية، كما أن خطابه ليس استفزازياً لأيّ فريق سياسي، وعلاقاته جيدة مع الدول العربية والأجنبية، ما يجعله شخصية توافقية بين أركان السلكة التقليديين.

وفي هذا الإطار، يرجّح المحلل السياسي "علي حمادة"، لـ"الأناضول" احتمال تكليف ميقاتي من جديد لتشكيل الحكومة.

كلام "حمادة" يتوافق مع المحلل السياسي "توفيق شومان"، الذي يقول إن "ميقاتي" هو واحد من الأسماء التي تملك الحظوظ والأسهم الأكبر لتسميته.

ويرجّح "شومان" لـ"الأناضول" أن "الشخصية التي ستترأس الحكومة المقبلة، لن تحظى بأصوات كثيرة، بل ستكون هناك مجموعة من المرشحين وكلّ شخصية تنال أصواتاً معينة، ومَن يحظى بالعدد الأكبر يتم تكليفه"، وذلك بسبب غياب أكثرية بالبرلمان، ووجود 3 تكتلات كبرى فيها.

بدوره، يرى المحلل السياسي قاسم قصير، أن الاسمَين الأكثر ترجيحاً للتكليف هما نجيب ميقاتي، و"نواف سلام" في حال تم التفاهم بينه وبين جماعة "حزب الله" و"حركة أمل".

وهذه ليست المرة الأولى التي يُطرح فيها اسم نواف سلام لهذا المنصب، ففي أعقاب اندلاع التحركات الشعبية الواسعة في لبنان عام 2019، وما نتج عنها من استقالة الحكومة وقتها برئاسة "سعد الحريري"، طُرح اسم سلام الذي كان يشغل منصب مندوب لبنان الدائم لدى الأمم المتحدة بين العامين 2007 و2017، لكنّ (حزب الله) اللبناني وحلفاءه عارضوا الأمر.

وتابع قصير لـ"الأناضول" أن أسماء أخرى يتم طرحها وتأتي في المستوى الثاني، وهي الاقتصادي عامر بساط أو النائب السنّي "عبدالرحمن البزري".

مخاطر داخلية وخارجية

يرجّح مطلعون أن تخفق القوى السياسية اللبنانية في تكليف شخصية سنية لترؤّس الحكومة، وبالتالي استمرار حكومة تصريف الأعمال بعملها إلى ما بعد انتخاب رئيس الجمهورية.

ويرى "حمادة" أن "استمرار عمل حكومة تصريف الأعمال (حكومة ميقاتي الحالية) أمر غير ممكن، فهناك مجلس نواب جديد ومتحوّلات ومتغيرات في تركيبة المجلس، لذا لا يمكن إحياء حكومة مستقيلة قائمة على توازنات مجلس قديم".

أما قصير، فيشدد على أن "استمرار حكومة تصريف الأعمال يحمل مخاطر داخلية وخارجية، وليس الخيار المناسب لأن الحكومة لديها عمل جدّي وهي من ستدير البلد بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية".

وتنتهي ولاية الرئيس اللبناني "ميشال عون" في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2022، حيث انتخبه أعضاء البرلمان عام 2016، لينتهي بذلك الفراغ الرئاسي الذي استمر 29 شهراً.

ويقول قصير: "في حال لم يرضَ حزب القوات وحزب الكتائب (مسيحي)، وقوى التغيير، بتشكيل حكومة وحدة وطنية، فممكن للفريق الآخر (8 آذار) أن يشكل حكومة لوحده".

وهنا، يرى مراقبون أن على "السياديين" (قوى 14 آذار) والتغييريين، وهم يشكلون معاً أكثرية، أن يعيدوا تنظيم صفوفهم والعمل بجدية من أجل خلق مناخات حوارية لمواجهة الاستحقاقات المقبلة، وإن حصل هذا فسيصعّب مهمة "حزب الله" وحلفائه بإيصال مرشحهم لرئاسة الحكومة، وتشكيل حكومة على قياسهم.

لـِ "شومان" رأيٌ آخر، حيث يعتبر أن "لبنان ليس بحاجة إلى حكومة سياسية أو حكومة تكنوقراط (من اختصاصيين) تعمل وفق خارطة الطريق القديمة التي أدّت إلى انهيارٍ شاملٍ في لبنان.

وجزم أنه "بالضرورة أن نذهب إلى حكومة طوارئ بصرف النظر إن كانت سياسية أو تكنوقراط، تضع حداً لحالة الانهيار في البلد".

ومنذ العام 2019، يعاني لبنان أزمة اقتصادية حادّة غير مسبوقة، تستمرّ بالتفاقم منذ ذلك الوقت، حيث أدّت إلى انهيار قياسيّ في قيمة العملة المحلية الليرة مقابل الدولار، فضلاً عن شحٍّ في الوقود والأدوية، وارتفاع أسعار المواد الغذائية.

كلّ ما تقدّم يعني أن الاتفاق على شكل الحكومة سيكون مهمة صعبة أمام الأفرقاء السياسيين في لبنان، وسط عدم تحمّل البلاد صراعات سياسية تساهم في مزيد من الانهيار.

الحريري خارج المشهد

لطالما كان يُعتبر رئيس "تيار المستقبل" والزعيم السني "سعد الحريري"، المرشح الأبرز لرئاسة الحكومة.

إلا أنه في يناير/ كانون الثاني الماضي، أعلن "تعليق" عمله في الحياة السياسية وعدم الترشح للانتخابات النيابية الأخيرة.

وقال "الحريري" "إنني مقتنع أنه لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني والتخبّط الدولي، والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة".

وعن عودة "الحريري" إلى المشهد السياسيّ اليوم، يقول "حمادة" إن "هذا الأمر غير مطروح في المدى المنظور، و"الحريري" لن يقبل بأن يُطرح اسمه في رئاسة الحكومة قبل رحيل عون من القصر الجمهوري".

إذاً، طبخة الحكومة اللبنانية الجديدة لم تنضج بعد، فاللبنانيون اعتادوا ألا تتشكل حكوماتهم بسرعة، بل تستمر لأشهر وحتى سنوات، إلا أن الأزمة الاقتصادية التي تلقي بظلالها على لبنان بجميع أطيافه، سحبت من الأفرقاء ورقة التفاوض والمماطلة، نظراً لأهمية وجود حكومة ستكون مهمتها الأولى العمل على انتشال لبنان من الانهيار وإعادته إلى الطريق الصحيح، بالتعاون مع الإقليم والمجتمع الدولي، نظراً لكون لبنان ساحةً مصغّرة لتجاذبات دولية كبرى.

المصدر | الأناضول

  كلمات مفتاحية

لبنان فراغ حكومي

مصارف لبنان ترفض مسودة خطة التعافي المالي الحكومية

الحكومة اللبنانية تطلب تأجيل الانتخابات البلدية لمدة عام

ميقاتي الأوفر حظا.. لبنان يبدأ مشاورات اختيار رئيس الحكومة في 23 يونيو

شبح الفراغ الرئاسي يقترب من لبنان.. ما القصة؟

عون يغادر الرئاسة تاركا لبنان في فراغ دستوري ومصير مجهول