أتلانتك كاونسل: السياسات الحقوقية والبيئية تهدد استفادة مصر من مؤتمر المناخ

الخميس 20 أكتوبر 2022 10:23 م

يسابق المنظمون الزمن للانتهاء من الاستعدادات اللازمة لقمة الأمم المتحدة للمناخ "COP27" في شرم الشيخ المصرية في الفترة من 6 إلى 18 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. وتعتبر هذه القمة أكبر تجمع سنوي في العالم حول المناخ.

لكن هناك انتقادات لاستضافة مصر هذا المؤتمر بسبب انتهاكات حقوق الإنسان والسياسات البيئية غير المثالية. ويشكك البعض أيضا في قدرة مدينة مثل شرم الشيخ على استضافة مؤتمر عالمي بهذا الحجم، بالنظر إلى التحديات اللوجستية والتنظيمية والإدارية المتعلقة بمثل هذا التجمع.

ومع ذلك، فإن فرصة استضافة المؤتمر حفزت القاهرة على اتخاذ خطوات إلى الأمام فيما يتعلق بالتكيف مع المناخ وحقوق الإنسان، حتى لو كان هناك الكثير مما يجب القيام به لإظهار أن السلطات جادة بشأن الإصلاحات السياسية والبيئية.

وفي الوقت نفسه، فإن استمرار الدعم المادي والمعنوي من الولايات المتحدة والشركاء الآخرين - والمزيد من التدقيق في انتهاكات حقوق الإنسان - من شأنه أن يضمن عدم التراجع عن التقدم الذي أحرزته البلاد في العام الماضي.

مصر كمضيف

واستعدادا للمؤتمر، خضعت شرم الشيخ لعملية تجديد شاملة (بما في ذلك الفنادق) وتم بناء جسر جديد (لتسهيل الوصول إلى مركز المؤتمرات) وتم تركيب محطات للطاقة الشمسية؛ وحتى نقاط شحن السيارات الكهربائية لتلبية احتياجات الأسطول الجديد المكون من نحو 300 حافلة تعمل بالغاز والكهرباء، والتي ستنقل الضيوف من وإلى مركز المؤتمرات عبر الشوارع التي تصطف على جانبيها الأشجار.

في غضون ذلك، أعرب وزير الخارجية المصري "سامح شكري"، وهو أيضًا الرئيس المعين للمؤتمر، عن أمله في أن تؤدي النقاشات خلال المؤتمر إلى نتائج ملموسة. وفي كلمته الافتتاحية في المنتدى الإقليمي العربي لتمويل العمل المناخي الذي استضافته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) في بيروت في منتصف سبتمبر/أيلول، دعا "شكري" مندوبي "COP27" إلى "تحويل التعهدات إلى شراكات تخلق قصص نجاح حقيقية".

وتركز القيادة المصرية على الدول الغنية والصناعية المسؤولة بشكل أساسي عن تغير المناخ لدفع فاتورة الكوارث المناخية المتوقعة التي ستنشر الفوضى في البلدان النامية.

ومن شأن تأمين التمويل لجهود التكيف مع المناخ في البلدان النامية أن يسمح لمصر بوضع نفسها كقائدة لأفريقيا فيما يتعلق بالعمل المناخي وهو أمر تحتاجه القاهرة بشدة في وقت تكافح فيه الدولة المكتظة بالسكان مع التضخم المرتفع والعجز المتزايد في الميزانية والنقص في الاحتياطي الأجنبي، وهو الأمر الذي دفع بعض المحللين للتحذير من احتمالية اندلاع انتفاضة جديدة.

وفي الواقع، تعرض مؤتمر "COP27" لجدل كبير من دعاة حماية البيئة وجماعات حقوق الإنسان. أولاً، بدأت مصر في الاتجاه الخاطئ باختيار شركة "كوكا كولا" - واحدة من أكبر ملوثات البلاستيك في العالم - لرعاية قمة المناخ. وأثار هذا القرار دهشة الناشطين والمعلقين. وأدى اختيار مصر كمضيف إلى وضع البلاد تحت رقابة دولية متجددة، ما لفت الانتباه إلى سياساتها البيئية المؤسفة التي تجعلها "ليست نموذجًا يستحق العرض".

ولا يزال اعتماد مصر الكبير على الوقود الأحفوري مثار خلاف مع ناشطي المناخ الذين يتهمون البلاد بالتباطؤ في الحد من انبعاثات الكربون. وتم تقديم أول مساهمة وطنية محددة لمصر - وهي خطة طوعية تتحدث عن التزام الدولة بخفض انبعاثاتها - في عام 2020 بعد أكثر من عام من تصديق مصر على اتفاقية باريس للمناخ.

وانتقد بعض الناشطين والمعلقين هذه الخطة ووصفوها بأنها أيضًا "عامة ولا تتضمن خططا واضحة للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري" (تم تقديم خطة وطنية محدثة في يوليو/تموز وأعربت مصر من خلالها عن التزام بخفض انبعاثاتها بنسبة 33% بحلول عام 2030).

وتعرضت الحكومة أيضا لانتقادات بسبب "التدمير المنهجي" للمساحات الخضراء، وعلى وجه الخصوص قطع الأشجار في بعض الحدائق العامة بالقاهرة لإفساح المجال لمواقف السيارات والكافيتريات بحجة "التنمية الاقتصادية".

وجرى ذلك بالرغم من احتجاجات الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي وتحذيرات دعاة حماية البيئة من أن هذه السياسات ستؤدي إلى ارتفاع مستوى سطح البحر وإغراق أجزاء من الإسكندرية وبورسعيد ودلتا النيل الأقرب إلى البحر الأبيض المتوسط​​، مما قد يؤدي إلى نزوح ملايين الأشخاص ونقص حاد في المياه وتحديات هائلة تتعلق بالأمن الغذائي.

حقوق الإنسان

كما يتهم المنتقدون الحكومة المصرية بانعدام الشفافية وتبني سياسة "الإخفاء القسري" ضد المعارضين. وكان نشطاء البيئة من بين المستهدفين في الحملة الأمنية المستمرة على المعارضة منذ عام 2014. وتم القبض على "أحمد عماشة"، المدافع عن حقوق البيئة، في عام 2017 وبحسب ما ورد تعرض للاغتصاب والصعق بالكهرباء أثناء وجوده في السجن. وأُطلق سراحه في عام 2019، ثم أعيد اعتقاله في العام التالي وما زال يقبع خلف القضبان.

وفي الوقت نفسه، تشكو منظمات المجتمع المدني المستقلة التي تنتقد الحكومة من استبعادها من المشاركة بالمؤتمر من خلال ما وصفته بأنه عملية تسجيل "انتقائية" لضمان أن المنظمات غير الحكومية الموالية للحكومة فقط هي التي يمكنها الحضور. وتهدف هذه الخطوة إلى كبح الاحتجاجات، بما في ذلك المظاهرات السلمية، التي جرت تقليديًا في قمم المناخ السابقة.

وقالت السلطات إنها ستسمح فقط بالاحتجاجات المرخصة مسبقًا وإنها ستقتصر على منطقة احتجاج محددة. وليس من المستغرب أن يكون سجل مصر السيئ في مجال حقوق الإنسان أكبر مصدر قلق لأولئك الذين يعارضون استضافة مصر لمحادثات المناخ. وتقول جماعات حقوقية إن اعتقال عشرات الآلاف من السياسيين، وحالات الإخفاء القسري المتكررة، والتعذيب في السجون، فضلاً عن تضاؤل ​​مساحة حرية التعبير، لا تهيئ مناخًا ملائمًا لعقد القمة.

ووسط حملة القمع غير المسبوقة، دعت "مجموعة العمل المعنية بمصر"، وهي مجموعة مكونة من من خبراء الشؤون الخارجية ومنظمات حقوقية أخرى، إدارة "جو بايدن" على عدم تقديم دعمها لمضيفي المؤتمر حتى لا تقوم بتبييض سياسات النظام القمعية، لكن "بايدن" تجاهل هذه الدعوات حيث أعلن البت الأبيض أن الرئيس الأمريكي سيشارك في القمة.

ويعد الرئيس الأمريكي من بين 90 رئيس دولة أكدوا حضورهم. من جهته، قام "جون كيري"، المبعوث الأمريكي الخاص المعني بالمناخ الذي زار مصر مرتين هذا العام، بالتنسيق مع الرئيس المعين للمؤتمر بشأن الاتفاقية التي سيتم الإعلان عنها خلال المؤتمر لدعم المبادرة المصرية في مجالات المياه والغذاء والطاقة، وهي مبادرة تم إطلاقها في سبتمبر/أيلول للترويج للمشاريع الخضراء والمخططات الصديقة للمناخ.

وفي حين أن الصفقة المخطط لها ستؤدي إلى خيبة أمل لدى النشطاء الذين كانوا يأملون في أن يفي "بايدن" بوعده الانتخابي (لا مزيد من الشيكات على بياض لديكتاتور مصر)، فإن إدارة "بايدن" لم تغض الطرف تمامًا عن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر.

وفي منتصف سبتمبر/أيلول، أعلنت الولايات المتحدة أنها ستمنع 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية لمصر بسبب فشلها في الوفاء بالتزاماتها فيما يتعلق بحقوق الإنسان، في حين تم السماح بصرف 270 مليون دولار متبقية بسبب ما وصفه وزير الخارجية الأمريكية "أنتوني بلينكن" بأنه "تقدم" أحرزته القاهرة بشأن المعتقلين السياسيين.

وفي الواقع، كان هناك تخفيف ملحوظ للحملة الأمنية في الأشهر الأخيرة، مع إطلاق سراح مئات السجناء السياسيين قبل المؤتمر. وأشرفت لجنة العفو الرئاسية على عمليات الإفراج بينما ينتقد ناشطون حقوقيون هذه الخطوة باعتبارها مجرد تجميلية ويقولون إن عدد المفرج عنهم ليس سوى "قطرة في محيط" مقارنة بعشرات الآلاف الذين يقبعون خلف القضبان.

ورغم ذلك فإن أي عمليات إفراج مرحب بها، كما يُظهر ذلك أن نهج الجزرة والعصا الذي يتبعه "بايدن" تجاه حليفه في الشرق الأوسط قد يؤتي ثماره.

تقدم نسبي

أحرزت مصر تقدمًا تتعلق بمعالجة تغير المناخ والتكيف معه من خلال إنشاء محطات تحلية المياه والبنية التحتية للوقاية من الفيضانات وزيادة قدرة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. كما أنها أول دولة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تصدر سندات خضراء لتمويل المشاريع الخضراء.

وفي حين أن مصر لم تقلل بعد من اعتمادها على الوقود الأحفوري، فقد أحرزت تقدمًا ملحوظًا في تنويع مصادر الطاقة؛ ويحفز بناء مزارع الرياح والطاقة الشمسية في مواقع استراتيجية في جميع أنحاء مصر انتقال البلاد إلى الطاقة النظيفة.

علاوة على ذلك، هناك خطط لزيادة قدرة الطاقة المتجددة بنسبة 68% أو 4 جيجاوات في السنوات الخمس المقبلة وإلى 13.7 جيجاوات بحلول عام 2030. ولتحقيق هدفها الطموح، وقّعت مصر العديد من الاتفاقيات مع شركاء التنمية الدوليين، بما في ذلك شراكة الهيدروجين المتوسطية التي أطلقتها مع الاتحاد الأوروبي في أبريل/نيسان لتشجيع الاستثمارات في توليد الطاقة المتجددة.

وبينما يبدو أن نهج إدارة "بايدن" باستخدام مزيج من المكافأة والعقاب  يعمل، فإن القاهرة بحاجة إلى الحفاظ على الزخم وإظهار أنها ملتزمة بالفعل بمواصلة التقدم الذي تم إحرازه حتى الآن.

ومن أجل ذلك، تحتاج مصر إلى تسريع تحولها الأخضر، واتخاذ خطوات ثابتة وملموسة لخفض انبعاثاتها والتحول نحو مصادر الطاقة المتجددة؛ وبالتالي الوفاء بالتعهدات المنصوص عليها في الخطة الوطنية المحدثة.

كما تحتاج القاهرة إلى الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين، وكثير منهم مسجونون لمجرد ممارسة حقهم في حرية التعبير. وإذا فعلت ذلك، يمكن أن تتوقع أدعما أكبر من المجتمع الدولي، وهو الأمر الذي سيساهم في استقرار البلاد ويعود بالنفع على كافة المصريين.

المصدر | شهيرة أمين | أتلانتك كاونسل - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

القاهرة مؤتمر المناخ حقوق الانسان العلاقات المصرية الأمريكية سامح شكري كوب 27 حماية البيئة

مواجهة التغير المناخي بضريبة الكربون

200 منظمة وناشط بيئي حول العالم يتضامنون مع معتقلي الراي في مصر

مقام بمكان شديد الرقابة.. ناشطون يحذرون من تقييد مشاركتهم بمؤتمر المناخ في مصر