جورج فريدمان: العالم ما يزال أحادي القطب .. وهذه هي الأدلة

السبت 22 أكتوبر 2022 07:04 م

في الأسابيع الأخيرة، قال الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" إن الولايات المتحدة تحاول فرض نظام عالمي جديد للسيطرة على روسيا والصين وأوروبا، وكذلك القوى الأضعف في العالم.

ومن السهل تجاهل هذا الكلام باعتباره مجرد تعبير عن غضب من قائد منخرط في حرب، ولكن هناك ما هو أكثر من ذلك.

وتكشف تصريحات "بوتين" أنه يحاول التصالح الآن مع حقيقة أن موسكو أساءت فهم طبيعة العالم تمامًا أثناء تخطيطها للحرب في أوكرانيا.

على وجه التحديد، أساءت روسيا فهم الميزان الدقيق للتصرفات الأمريكية، فالولايات المتحدة لم تدفع قواتها لمنع تقدم روسيا، لكنها في الوقت ذاته لم تتخل عن أي جزء من أوكرانيا.

لقد فهمت الولايات المتحدة التهديد الذي تشكله روسيا على الحدود مع الناتو - أي حرب باردة جديدة - كما فهم البيت الأبيض أوكرانيا أفضل من فهم روسيا لها.

لذلك أرسلت الولايات المتحدة إلى أوكرانيا كميات هائلة من الأسلحة، التي لا يمكن مضاهاة قوتها وتطورها، ووجهت ضربة بعد ضربة بشكل غير مباشر .

وفشلت موسكو أيضًا في فهم علاقة أمريكا مع أوروبا. ورغم أن الأوروبيين اشتكوا مرارًا وتكرارًا من تخلي واشنطن عن التزاماتها تجاه أوروبا (مع أن هذا لم يكن الحال أبدًا) إلا إن ذلك لم يمنع مراكز التفكير الأمريكية من التدقيق في هذه الفكرة، في الوقت الذي اندفعت فيه روسيا لتصديقها.

وفي أوقات السلام، يمكن للولايات المتحدة عدم الاكتراث بالعلاقات مع أوروبا، بل إثارة الخلاف بشأن القواعد التجارية والاعتماد على الطاقة الروسية.

ولكن عندما تندلع الحرب، تتحول هذه العلاقة بسرعة. وعلى سبيل المثال، فإن ألمانيا لم تقدر الوقود الروسي بقدر ما قدرت ضمانات الأمن الأمريكية.

وأظهرت الحرب للأوروبيين أن روسيا يمكن أن تؤذيهم، وعندما جاء وقت الأفعال، أدركوا أن المصالح الأمريكية مرتبطة بأوروبا.

وربما تفاجأ "بوتين" بوقوف الألمان مع الأمريكيين، لقد كان يفتقر إلى فهم أن هناك أنواع مختلفة من القوة، وأن القوة التي أظهرتها روسيا كانت أقل من إحداث النجاح.

حقيقة العلاقة بالصين

ومع ذلك، فإن أسوأ خطأ ارتكبه "بوتين" يتعلق بالعلاقة بين الولايات المتحدة مع الصين.

ببساطة،لا تستطيع موسكو إيذاء أو مساعدة الصين، فيما يمكن للولايات المتحدة أن تفعل كليهما؛ المساعدة من خلال زيادة الاستثمار وشراء المزيد من البضائع، والأذى من خلال وقف بيع بعض الرقائق الإلكترونية الدقيقة، على سبيل المثال.

اعتقدت الصين أنها لا تحتاج إلى الولايات المتحدة، وأقنعت نفسها أن واشنطن يمكن تخويفها بالقوة البحرية وغيرها، لكنها اكتشفت أن تهديداتها بشأن تايوان ومناطق أخرى تسببت ببساطة في نشر المزيد من السفن والأسلحة ضدها.

وتحطمت فائدة التحالف مع روسيا عندما أدركت الصين أن الولايات المتحدة يمكن أن تنخرط عسكريًا في أوكرانيا وفي بحر الصين الجنوبي في الوقت ذاته. 

وكان ينبغي أن يكون كل هذا واضحًا، وربما كانت الصين أكثر وعياً بالقدرات الأمريكية من روسيا، فقد عرف الرئيس الصيني "شي جين بينغ" متى يقلص خسائره، فيما ظل "بوتين" يضاعف رهاناته.

وتجلى ذلك خلال عطلة نهاية الأسبوع عندما قال متحدث باسم المؤتمر الوطني الـ20 للحزب الشيوعي في الصين: "أحد أهم الأحداث في العلاقات الدولية في السنوات الـ50 الماضية هو استعادة وتطوير العلاقات الصينية الأمريكية، والتي أفادت كلا البلدين والعالم، لذا فإن أهم شيء في العلاقات الدولية على مدار الـ50 عامًا القادمة هو أن تجد الصين والولايات المتحدة طريقة لاستمرار الوفاق بينهما عبر الاحترام المتبادل والتعايش السلمي والتعاون المثمر للجانبين".

وأضاف: "تفوق المصالح المشتركة بين الصين والولايات المتحدة الاختلافات بكثير، ويخدم استقرار العلاقة بينهما المصالح المشتركة للشعبين".

نحن معتادون على أن تلقي الصين بالتهديدات ضد الولايات المتحدة، أما الآن فإنها تبحث عن طرق لاستيعاب الولايات المتحدة.

لقد لاحظت بكين الأداء الأمريكي في أوكرانيا، ورأت أن التحالف مع الولايات المتحدة أكثر جاذبية، حتى لو كان فضفاضًا أو مؤقتًا.

عالم أحادي القطب

ليس من المستغرب إذن أن يرى "بوتين" الولايات المتحدة كقوة تحاول إنشاء عالم أحادي القطب، لأنه بالفعل عالم أحادي القطب.

فالولايات المتحدة هي أكبر اقتصاد في العالم، باالرغم من مشاكلها الحالية، كما أن لديها جيشًا متطورًا قادرًا على إطلاق قوة ساحقة، وتدريب جيش في حالة حرب على أسلحة جديدة، واستخدام القوة بشكل خفي لتشكيل العالم.

وفي الواقع، فإن القوة الأمريكية ليست مطلقة، ويمكن التفوق عليها، لكنها نشطة وقادرة على إدارة أكثر من صراع عندما يكون العمل المتزامن مستحيلًا.

ببساطة، الولايات المتحدة تبدو أقوى قوة اقتصادية وعسكرية في العالم، عندما تختار أن تأخذ موقفا على الأرض.

وقد يظن رجال مثل "بوتين" أن قرار الولايات المتحدة بعدم التصرف أحيانا يشير إلى ضعفها، لكن ثقة الولايات المتحدة في قوتها تمنحها وقتًا للرد.

وغالبًا ما يرى الجمهور الأمريكي أن الولايات المتحدة ضعيفة ولديها سوء إدارة، وهناك ميل إلى نعت "جو بايدن" و"دونالد ترامب" و"باراك أوباما" و"بيل كلينتون" و"جورج بوش" كمجرمين أو معتوهين أو كليهما، وقد وجهت نفس التهم ضد "أندرو جاكسون" و"إبراهيم لنكولن" و"فرانكلين روزفلت".

إن انتقاد ازدراء القادة هو شرط أساسي لمنع الطغيان، حتى لو كان له عيوبه، وعلى سبيل المثال، أثرت حركة "أمريكا أولًا" التي عارضت مشاركة الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية على قدرة "روزفلت" على اتخاذ القرارات، وكان لها تأثير مباشر على "بيرل هاربور" وتسببت في توريط اليابان للولايات المتحدة في الحرب التي انتهت بالطبع بكارثة بالنسبة لهم.

هناك تصور عالمي بالضعف الأمريكي، ويشترك فيه الأمريكيون أنفسهم، لكن التقليل من شأن نفسك له مزايا، لكن ان الدول القوية للغاية فقط يمكنها هي التي يمكنها تحمل الازدراءة.

إن تصور الضعف الأمريكي هو تصور عالمي، يشترك فيه حتى الأمريكيون. الاستهانة لها فوائدها، لكن الدول القوية فقط هي التي يمكنها تحمل الازدراء.

لم تخبرنا الأشهر القليلة الماضية أن الولايات المتحدة تفكر في نظام عالمي جديد، وإنما علمتنا أن روسيا تضعف، وأن الصين تدير علاقتها مع الولايات المتحدة بحذر، وأن الهيكل الدولي الذي تم إنشاؤه بعد الحرب العالمية الثانية لا يزال في مكانه رغم أنه بات أكثر تعقيدًا، وأن العالم ما يزال أحادي القطب.

المصدر | جورج فريدمان/ جيوبوليتيكال فيوتشرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

حرب أوكرانيا روسيا الولايات المتحدة عالم أحادي القطب الناتو الصين الحرب الباردة

جورج فريدمان: تغيير القيادة العسكرية الروسية يتعلق بخطة جديدة في أوكرانيا

جورج فريدمان: بوتين لن يخرج من أوكرانيا إلا في سياق يدخله التاريخ