وثائق تكشف حصول أمراء الحرب في سوريا على مساعدات الأمم المتحدة

الخميس 27 أكتوبر 2022 10:57 ص

"ذهب ما يقرب من 47% من تمويل مشتريات الأمم المتحدة في سوريا، إلى شركات مرتبطة بانتهاكات حقوقية ارتكبتها حكومة نظام بشار الأسد".. هكذا كشف تقرير صادر عن البرنامج السوري للتطوير القانوني، ومرصد الشبكات السياسية والاقتصادية.

ولفتت وثائق كشف عنها التقرير، عن وجود "فساد ممنهج" في المساعدات الإنسانية المقدمة لسوريا، وقالت إن أفراداً متهمين بارتكاب انتهاكات حقوقية، يتربحون من صفقات شراء مع وكالات الأمم المتحدة.

وكشفت الوثائق أن الأمم المتحدة قدمت ما يقرب من 137 مليون دولار للشركات السورية المرتبطة بمنتهكي حقوق الإنسان ومنتفعي الحرب والأشخاص الخاضعين للعقوبات وغيرهم من الشخصيات المرتبطة بنظام "الأسد"، في عامي 2019 و2020.

وأشارت الوثائق إلى أن الشركات التي تلقت أموال مشتريات الأمم المتحدة في سوريا شملت كيانات يملكها زعيم ميليشيا خاضع للعقوبات على صلة بمذبحة خارج دمشق وأفراد عائلة رجل أعمال يُزعم أنه استفاد من المتاجرة بأنقاض المباني التي قصفتها القوات الحكومية. 

وذهب ما يقرب من ربع أموال الأمم المتحدة التي تم تحليلها في التقرير المتعمق إلى الشركات المملوكة لأشخاص فرضت عليهم الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو بريطانيا عقوبات بسبب صلاتهم بنظام "الأسد" أو أي تورط آخر في الصراع، وفقاً للتقرير الصادر عن المنظمتين غير الربحيتين.

وكتب معدو التقرير: "عندما يتم إساءة استخدام المساعدات الإنسانية وتشويهها بشكل منهجي، تحت ذريعة حماية حياد العمليات الإنسانية، فقد تصبح سلاحاً خطيراً في أيدي الحكومة ضد شعبها".

ومن المعروف منذ فترة طويلة أن الأمم المتحدة تقدم التمويل للشركات المرتبطة بنظام "الأسد"، الذي أشرف على حرب أهلية استمرت عقداً من الزمان وأسفرت عن مقتل مئات الآلاف من الأشخاص وأجبرت حوالي 7 ملايين شخص على الفرار من ديارهم.

على سبيل المثال، أنفق موظفو الأمم المتحدة عشرات الملايين من الدولارات للإقامة في فندق فورسيزونز في دمشق، الذي يمتلك معظمه "سامر فوز" وهو رجل أعمال برز خلال الصراع.

وكانت الولايات المتحدة فرضت عقوبات على "فوز" في عام  2019 ، قائلة إنه "استفاد من فظائع الصراع السوري في مؤسسة مدرة للربح"، وكان "يدعم بشكل مباشر نظام الأسد القاتل".

ويشكل التقرير، أول محاولة رئيسية لتحليل مقدار أموال المشتريات التي تذهب من الأمم المتحدة إلى منتهكي حقوق الإنسان أو الشخصيات التي تخضع للعقوبات أو المرتبطة بطريقة ما بنظام "الأسد" في خضم الصراع.

وقال إن ما يقرب من نصف إنفاق الأمم المتحدة في عامي 2019 و2020 ذهب إلى ما وصفه بشركات "ذات مخاطر عالية أو عالية جدًا"، بما في ذلك تلك الشركات المملوكة للمنتفعين من الحرب والأشخاص الخاضعين للعقوبات وحلفاء النظام البارزين، بعد استبعاد الموردين الذين تم حجب هوياتهم "لأسباب أمنية" أو "لأسباب تتعلق بالخصوصية".

وقام الصحفيون من OCCRP وشريكها الإعلامي، الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية "سراج"، بالمساعدة في البحث، وسمح لهم الوصول إلى التقرير، وأجروا تحليلاً خاصاً لبيانات مشتريات الأمم المتحدة، والتي غطت أكثر من 7000 عقد تم تنفيذها من عام 2015 إلى عام 2021.

ومن خلال فحص أكبر 18 مورداً خلال تلك السنوات الست، حدد فريق OCCRP-SIRAJ نحو 13 شركة مملوكة من قبل أفراد خاضعين للعقوبات أو آخرين لهم صلات بنظام "الأسد"، مما يؤكد العديد من النتائج الرئيسية في التقرير.

ووجدوا أيضاً أن في عامي 2015 و2017 ، حوالي 1.4 مليون دولار من تمويلات الأمم المتحدة تم تقديمها إلى الأمانة السورية للتنمية، وهي مؤسسة أنشأتها "أسماء الأسد"، زوجة رئيس النظام السوري، وفقا لخدمة التتبع المالي التابعة للأمم المتحدة.

وحافظت الحكومة السورية على قبضة محكمة على الاقتصاد لعقود من الزمن، حيث يهيمن حلفاء وأقارب عائلة "الأسد" الحاكمة على القطاعات الرئيسية مثل البترول والاتصالات والبنية التحتية والعقارات.

ومنذ ثورة عام 2011 والحرب الأهلية التي تلت ذلك، أصبح النظام السوري أكثر اعتماداً على فئة جديدة من المستفيدين من الحرب ووكلائها لمساعدته على الالتفاف على العقوبات والحفاظ على السيطرة على المصادر القليلة المتبقية من العملة الأجنبية.

وفي الوقت نفسه، أصبحت سوريا واحدة من أكبر متلقي المساعدات الإنسانية في العالم.

ومنذ عام 2011، تدفق أكثر من 40 مليار دولار من أموال المساعدات إلى البلاد، أكثر من نصفها كان من خلال الأمم المتحدة، وفقا للباحثين.

وارتبطت مجموعة متنوعة من الشركات الأخرى التي تتلقى أموالاً من الأمم المتحدة بعائلة "الأسد"، بما في ذلك العديد من أقارب وشركاء ابن عم "الأسد"، قطب الأعمال الخاضع للعقوبات "رامي مخلوف"، الذي تم تجريده من العديد من أصوله ووضعه قيد الإقامة الجبرية بسبب نزاع مع السلطات السورية على مدار العامين الماضيين.

في وقت سابق من هذا الشهر، ذكرت وكالة "أسوشيتدبرس" بشكل منفصل أن موظفين في منظمة الصحة العالمية التابع للأمم المتحدة في سوريا اتهموا رئيستهم بسوء إدارة ملايين الدولارات واستخدام أموال الوكالة لشراء هدايا لمسؤولي الحكومة السورية.

ويعد تدفق العملات الأجنبية الناجم عن الإنفاق على المساعدات الإنسانية نعمة للحكومة السورية، التي تكافح من أجل تدبير السيولة وسط العقوبات الدولية، وانهيار القطاعات الاقتصادية الأكثر إنتاجية، والأزمة المالية في لبنان المجاور.

وتطلب الحكومة السورية من وكالات الأمم المتحدة تبديل العملات بسعر الصرف الرسمي، وهو أقل بكثير من أسعار السوق السوداء.

وأظهر التقرير أن الكثيرين في الدائرة المقربة من النظام قد استفادوا من تدفق من أموال المساعدات.

على سبيل المثال، تلقت شركة تدعى "صقر الصحراء ذ.م.م"، يديرها "فادي أحمد"، أكثر من مليون دولار في عامي 2019 و2020 من منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) ووكالة اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" ضمن مجموعة متنوعة من الفئات بما في ذلك الملابس والمعدات المكتبية والإلكترونيات ومكونات التصنيع.

وفي عام 2012، تولى "أحمد"، المعروف أيضا باسم "فادي صقر"، قيادة ميليشيا قوات الدفاع الوطني الموالية للحكومة في دمشق.

وقالت الدراسة إن الميليشيا شاركت في العام التالي في مذبحة راح ضحيتها عشرات الأشخاص في حي التضامن بالعاصمة السورية.

أما المالك الشريك لـ"Desert Falcon" فهو "بلال النعال"، الذي كان عضواً في البرلمان السوري منذ عام 2020، فكشف التقرير أن شركة "النعال ذ.م.م"، تلقت كذلك أكثر من 1.2 مليون دولار من أموال المساعدات، من "اليونيسف" و"الأونروا"، تحت فئات تشمل تقديم  الملابس والمواد الورقية والمعدات الطبية.

وهناك شركة أخرى، هي "جوبيتر للاستثمارات ش.م"، حصلت على أكثر من نصف مليون دولار من "اليونيسف" مقابل "خدمات الإدارة والتنظيم"، وهي مملوكة لعائلة حليف النظام "محمد حمشو"، بما في ذلك 4 أقارب يخضعون للعقوبات.

واتهم "حمشو" الذي تفرض عليه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات بالاتجار في أنقاض المنازل المدمرة والعمل كواجهة لـ"ماهر" شقيق "بشار الأسد"، الذي يرأس الفرقة الرابعة المدرعة التابعة للجيش.

وقال التقرير إن "أجنحة الشام"، وهي شركة طيران سورية خاصة تخضع لعقوبات فرضت عليها من قبل الولايات المتحدة، حصلت على عقد من برنامج الغذاء العالمي.

وفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية على الشركة ومالكها بسبب أزمة اللاجئين على الحدود البيلاروسية في عامي 2021 و2022 لكن تم رفع العقوبات في بداية العام.

من جانبه، يقول "كرم شعار"، المؤلف المشارك في التقرير، إنه وجد في بحث سابق أن الأمم المتحدة حولت حوالي 340 مليون دولار بالسعر الرسمي في عام 2020، وهو ما كان في المتوسط أقل بنسبة 50% من  سعر السوق السوداء في  ذلك العام.

ونتج عن الفارق ما يقارب 170 مليون دولار من أموال المانحين "المحولة" إلى سوريا، على الرغم من أنه ليس من الواضح بالضبط كيف حولت الحكومة هذه المبالغ المتحققة، وإلى أين، بحسب ما قال.

إجمالاً، أنفقت الأمم المتحدة أكثر من 406 ملايين دولار في عمليات شراء في سوريا في عامي 2019 و2020، مع ذهاب حوالي 75 مليون دولار إلى موردين تم حجب هوياتهم.

ومن بين الباقين، حلل التقرير أكبر 100 مورد في العام 2019 وفي العام 2020 من القطاع الخاص والمختلط.

وبالاعتماد على سجلات الشركات بحسب  الجريدة الرسمية السورية، فضلا عن مراجعة مصادر المعلومات المفتوحة والمواقع الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي، تم تقسيم الموردين إلى 4 مستويات من المخاطرة.

جاء ذلك استناداً إلى دليل كتبه البرنامج السوري للتطوير القانوني و"هيومن رايتس ووتش"، ونشر بداية العام الحالي

وشمل تصنيف  الشركات "عالية المخاطر للغاية"، وهي تلك التي لها صلات بانتهاكات حقوق الإنسان، والجماعات شبه العسكرية، وقطاع الأمن الخاص، وتدمير الممتلكات المدنية، وتطوير الأراضي التي تم فيها تهجير الناس قسراً، ودعم القوات المسلحة السورية والحكومة السورية منذ عام 2011.

وشملت الشركات "عالية المخاطر" تلك التي حصلت على عقود من الدولة السورية أو احتكرت قطاعات معينة، أو كانت مملوكة لأعضاء البرلمان أو غيرهم من المسؤولين المحليين، أو تبرعات لكيانات سورية، أو شاركت في الحصار الاقتصادي للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة.

ووجدت الدراسة أن حوالي 36% من الأموال التي حللتها ذهبت إلى شركات "عالية المخاطر للغاية".

في حين ذهب 10.3% أخرى إلى الشركات "عالية المخاطر"، و30.5% إلى الشراكات "متوسطة المخاطر"، و22.9% إلى الشركات "منخفضة المخاطر".

من جانبه، أعرب "كارستن فيلاند" وهو دبلوماسي ألماني ومؤلف كتاب "سوريا وفخ الحياد: معضلات إيصال المساعدات الإنسانية من خلال الأنظمة العنيفة"، عن قلقه إزاء النتائج التي توصل إليها.

وقال إنه "لأمر مروع للغاية أنه لم تبذل العناية الواجبة والكافية من قبل الأمم المتحدة للتحقق من أين جاءت هذه المنظمات، ومعرفة ما إذا كانت ذراعاً خفية لشخص آخر".

وتابع "فيلاند"، الذي عمل مع الأمم المتحدة، إن الإصلاح الشامل سيكون ضروريًا للخروج من "فخ الحياد" والتأكد من أن أموال الأمم المتحدة لن تذهب إلى موردين مثل أولئك المدرجين في التقرير.

وزاد: "إنه شيء صعب للغاية وعلى  صلة كبيرة بالسياسة، لدرجة أنه يجب أن يتخذ  قرار الإصلاح من شخص في أعلى الهرم".

وختم قائلا: "إن هذا لم يحدث.. لم أر أي إرادة حقيقية لمعالجة مثل هذه القضايا".

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

مساعدات فساد سرقة مساعدات أمراء الحرب سوريا بشار الأسد نظام الأسد

الأمم المتحدة تعلق جميع المساعدات في سوريا عقب قصف قافلة حلب