إضراب عمال النفط.. عنصر حساس قد يغير مسار الاحتجاجات في إيران

السبت 29 أكتوبر 2022 09:36 ص

يرتبط أمن البنية التحتية للطاقة في إيران بالأمن القومي للبلاد بالنظر إلى الدور المركزي الذي تلعبه صادرات الطاقة في الاقتصاد الإيراني.

وعلى مدى العقود الأربعة الماضية، استثمرت الجمهورية الإسلامية الكثير في أمن وحماية بنيتها التحتية الرئيسية، خاصة أن طهران اعتبرت أن هذه الأصول ستكون مستهدفة وسط حملة العقوبات غير المسبوقة التي تعرضت لها خلال السنوات الماضية.

وفي عام 1979 أثناء الثورة الإيرانية، لعب عمال صناعة النفط دورًا مهمًا في سقوط الشاه، حيث أوقفوا إنتاج النفط وحرموا حكومة الشاه من مصدر دخل رئيسي. وأبرز ذلك مكانة النفط الاستراتيجية في استقرار أو سقوط النظام في إيران. وخلال الثورة الإسلامية، كان يُنظر إلى عمال صناعة النفط على أنهم أحد أعمدة الثورة.

وكان لعمال وموظفي صناعة النفط والغاز الإيرانيين دورا حاسما وملهمًا للغاية بالنسبة للطبقات الأخرى والشعب الإيراني لدرجة جعلت مقولة (کارگرنفت ما رهبر سرسخت ما) "عامل النفط.. قائدنا الصلب" من أهم الشعارات الثورية في الأشهر التي سبقت الثورة.

والآن بعد 40 عامًا، أدت المشاركة المتزايدة لعمال النفط والبتروكيماويات في حركات الاحتجاج إلى اهتمام وسائل الإعلام العالمية بتغطية أوسع للأزمة الإيرانية. ونشرت صحيفة "نيويورك تايمز" في 12 أكتوبر/تشرين الأول الجاري تقريرا عن إضراب عمال صناعة النفط في جنوب إيران، واصفة إياه بأنه مؤشر على توسع نطاق الاحتجاجات ودخولها مرحلة حساسة.

وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن "تاريخ إيران يشهد بأن الإضرابات تسبب أضرارًا بالغة للاقتصاد، لا سيما الإضرابات التي قامت بها النقابات المهنية وقطاع النفط والطاقة"، في إشارة إلى الكيفية التي أدى بها الإضراب الجماعي إلى تسريع انهيار سلالة "بهلوي".

إضرابات النفط

في الأسبوع الماضي، أضرب العديد من العمال في صناعة النفط الإيرانية عن العمل، وأعلن المجلس المنظم لاحتجاجات عمال النفط اعتقال 18 عاملاً على الأقل من قبل قوات الأمن، وتسببت المخاوف من توسع إضراب العمال في إغلاق العديد من مشاريع الشركات الكبرى في عسلوية جنوبي إيران.

وأصدر "مجلس اتحاد العمال الأحرار" في إيران بيانين حذر فيهما من "قمع المتظاهرين ضد مقتل مهسا أميني"، وأعلن المجلس أنه إذا لم تلقي القوات الأمنية أسلحتها فإن العمال سيضربون عن العمل.

وأشارت مصادر محلية إلى أن الإضرابات في عسلوية قام بها عمال متعاقدون بعقود قصيرة الأجل وليس الموظفين بدوام كامل والذين هم تحت سيطرة مشددة من "الشركة الوطنية الإيرانية لتكرير وتوزيع النفط"؛ وهي شركة النفط المملوكة للدولة. كما يبدو أن الموظفين المتعاقدين يقودون الإضرابات في عبدان.

وتضم كل من عبدان وعسلوية مصفاتي تكرير مهمتين؛ فعبدان هي واحدة من أقدم مصافي النفط في إيران فيما تتعامل عسلوية مع الغاز المستخرج من جنوب بارس. وبالرغم أن المصفاتين بعيدتان عن العاصمة، لكن طهران أدركت بالتأكيد انتشار السخط في المصانع واسترجعت تأثير الأحداث المماثلة خلال ثورة 1979. وتمثل الاحتجاجات في المصافي - بالرغم من احتوائها نسبيًا حتى الآن - بعدا استثنائيا للاحتجاجات التي اندلعت عقب وفاة "مهسا أميني".

لا تزال صادرات الهيدروكربونات الإيرانية أمرا أساسيا لاقتصاد إيران، بغض النظر عن العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على البلاد. وفي الربع الثالث من السنة المالية 2022، صدرت إيران ما يقرب من 750 ألف برميل يوميًا من النفط الخام. وفي حين أن هذا الرقم لا يزال أقل من معدل ما قبل العقوبات البالغ مليوني برميل يوميًا، فإنه يمثل تحسنًا في معدلات الصادرات مقارنة بالأعوام من 2019-2021.

وحتى الآن، لم يكن لهذه الاحتجاجات تأثير كبير على الإنتاج، ولكن مع تصاعد وانتشار التحركات الاحتجاجية يمكن أن تتأثر قدرة البلاد على الإنتاج بشكل كبير.

صادرات النفط مهددة

يقول "ريد لانسون"، الخبير الاقتصادي في شركة "كيبلر"، إن أسواق الطاقة العالمية لن تتأثر بشكل كبير بالإضرابات في قطاع النفط الإيراني، نظرًا لأن القدرة التصديرية الإيرانية تعاني بالفعل من نظام العقوبات الدولي، فلا يوجد العديد من المشترين المتاحين للنفط الإيراني أصلا. ومع ذلك، ربما يمكن رؤية بعض التأثير في تجارة النفط الإيرانية مع الصين. 

وتأمل طهران أن تؤدي العقوبات الغربية ضد روسيا إلى زيادة الطلب على صادرات النفط الإيرانية، لكن ذلك سيتطلب من القادة الأوروبيين إقناع واشنطن برفع العقوبات ضد إيران، ولا يبدو ذلك مرجحا وسط حركة الاحتجاجات الحالية.

وحتى لو تراجع الغرب عن مساره بشأن العقوبات، فقد تؤدي الإضرابات داخل إيران إلى تعقيد الجهود الرامية لزيادة الإنتاج. وفي الوقت نفسه، فإن إجراءات النظام القمعية ستمنع الدول المهتمة بحقوق الإنسان في أوروبا من التعامل مع إيران.

وقبل إضراب عمال صناعة النفط، ادعى وزير النفط الإيراني "جواد أوجي" أن تصدير النفط الإيراني "يتم دون أي مشاكل للأسواق المستهدفة"، كما دفع بفكرة جعل النفط الخام الإيراني ومكثفات الغاز والمنتجات البترولية والمنتجات البتروكيماوية أكثر جاذبية للمشترين الدوليين.

وأكد "أوجي" أن قضية أمن الطاقة من أبرز القضايا في الاقتصاد العالمي، وأن أهميتها ستزداد مع حلول فصل الشتاء في نصف الكرة الشمالي.

وفي الوقت الذي توقفت فيه محادثات إحياء الاتفاق النووي، واقتربت انتخابات التجديد النصفي في أمريكا الشهر المقبل، أعلنت الإدارة الأمريكية أنها تراقب بعناية التطورات في إيران وأعربت عن معارضتها لحملة القمع المستمرة ضد المحتجين.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية "نيد برايس" الأسبوع الماضي إن الاتفاق النووي مع إيران ليس أولوية واشنطن في الوقت الحالي. وبدلاً من ذلك، فإن الولايات المتحدة عرضت دعمها لحركات الاحتجاج الإيرانية، وفق ما قاله "برايس".

وأضاف: "أوضح الإيرانيون أنهم غير جادين في إحياء هذه الاتفاقية"، مشيرا إلى أن إحياء الاتفاق النووي غير مرجح في ظل الظروف الحالية. وأضاف أن قائمة مطالب طهران للعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة غير مقبولة بالنسبة لواشنطن.

وإذا توسع نطاق الاحتجاجات في إيران ليشمل حقول النفط والغاز في جميع أنحاء البلاد وانضم جزء أكبر من عمال "الشركة الوطنية الإيرانية لتكرير وتوزيع النفط" إلى الاحتجاجات، فستواجه إيران أزمة هائلة في الطاقة والاقتصاد. وحذر وزير النفط عدة مرات من أن إيران تواجه بالفعل نقصًا في الغاز الطبيعي والكهرباء في الشتاء، وهو وضع قد يتحسن جزئيًا مع واردات الغاز من روسيا، ولكنه مع ذلك يشير إلى مشاكل هيكلية في صناعة الهيدروكربونات في البلاد.

ويمكن أن يؤدي تصاعد الاضطرابات الاجتماعية في قطاع الهيدروكربونات إلى انخفاض تدريجي في إنتاج النفط والغاز وانخفاض صادرات النفط الخام الإيراني، وقد يؤدي عدم الاستقرار في النهاية إلى مزيد من المصاعب الاقتصادية وحتى سقوط الجمهورية الإسلامية نفسها.

بالطبع، يفهم القادة في طهران هذا، وسيستخدمون كل الوسائل الممكنة، بما في ذلك العنف الشديد، لمنع انتشار الاحتجاجات بين العاملين في صناعة النفط.

المصدر | أومود شكري | منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مهسا أميني احتجاجات إيران عبدان عسلوية إضراب عمال النفط انتخابات التجديد النصفي الولايات المتحدة الاتفاقية النووية النفط المحادثات النووية الاتفاق النووي

الثاني خلال أسبوع.. إيران تحذر السعودية من التدخل في شؤونها

إيران.. اعتقال عشرات الموظفين في مصفاة بارس النفطية

في مواجهة تحديات هائلة.. هل يصل المحتجون في إيران إلى مبتغاهم؟

رئيسي: المظاهرات اصطفاف إلى جانب أمريكا التي نفذت 62 انقلابا حول العالم

مقتل 10 بينهم أطفال.. مظاهرات سيستان وبلوشستان تتواصل