فك شيفرة الموقف الروسي من اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود

السبت 26 نوفمبر 2022 02:49 م

قبل أيام، تم تمديد اتفاق ممر الحبوب عبر البحر الأسود (لتسهيل صادرات الحبوب الأوكرانية عبر 3 موانئ) لمدة 120 يومًا أخرى وفقًا لرئيسي أوكرانيا وتركيا. ولم تذكر روسيا ما إذا كانت ستشارك لكنها لم تعترض على التمديد. وبعد أن تراجعت عن إفشال اتفاق الحبوب، تفضل موسكو الابتعاد عن الصفقة حتى لا تبدو المشاركة الروسية نتيجة لتزايد نفوذ أنقرة على موسكو.

وينصب تركيز موسكو الآن على مواصلة انتقاد الصفقة بينما تحاول في الوقت ذاته استغلالها لتعزيز المصالح الروسية.

وتعد صادرات الحبوب مصدرا مهما للقوة والنفوذ بالنسبة لروسيا. أولاً، تعد روسيا منتجًا رئيسيا للقمح، لذا فإن صادرات القمح تدعم الاقتصاد الروسي وأهداف السياسة الخارجية. ولسنوات، كان الكرملين يحاول تعزيز محصول الحبوب وإقامة علاقات تجارية مستدامة مع مستوردي القمح في دول في الشرق الأوسط وأفريقيا وأماكن أخرى.

وتأمل موسكو أن يدعم هؤلاء الشركاء (الذين يهمهم الحبوب الروسية وغير مبالين أو معاديين للعقوبات الغربية) الاستراتيجية الروسية. وقد يؤدي ضعف المحاصيل هذا العام في بعض المناطق بسبب الجفاف أو صعوبة الحصول على الطاقة والأسمدة إلى تعزيز هذه الأهداف.

ثانيًا، تمثل إيرادات الحبوب حوالي ثلث عائدات روسيا من الصادرات الغذائية، وهو أمر مهم لدعم الميزانية الوطنية وتأمين العملة الأجنبية، خاصة في ظل العقوبات.

أخيرًا، يحتاج المزارعون الروس إلى التخلص من هذا الإنتاج الهائل، حيث بلغ محصول القمح في البلاد 105 مليون طن هذا العام (مقارنة بـ 77.8 مليون طن العام الماضي)، وتتوقع الحكومة أن يبلغ إجمالي محصول الحبوب أكثر من 150 مليون طن لهذا العام. ومع ذلك، ستصبح هذه النعمة نقمة إذا لم يتمكن المزارعون الروس من نقل البضائع إلى السوق.

ولا تزال تكاليف الشحن مرتفعة، ويواجه مصدرو الحبوب الروس صعوبات في استئجار السفن والتأمين على الشحنات وتلقي المدفوعات بسبب العقوبات.

ولا يعني تمديد صفقة الحبوب أن نفوذ روسيا تراجع بل إن استمرار مشاركتها سيكون دائمًا موضع شك. ويتوقع الكرملين أن نفوذه المتعلق بالحبوب سيتزايد في المستقبل القريب، مع توقعات تزايد الطلب على القمح الروسي نتيجة انخفاض الصادرات الأوكرانية العام المقبل بسبب الحرب، وكذلك عدم الاستقرار في أسواق الطاقة والأسمدة، ما قد يضر بالإنتاج في البلدان الأخرى ويزيد من الطلب على القمح الروسي.

وبالرغم من ارتفاع الطلب في الوقت الحالي، فإن السوق سيواجه تحديات أكبر خلال الأشهر القادمة، حيث يعاني المشترون الرئيسيون مثل مصر وباكستان من مشاكل مالية. علاوة على ذلك، أثار خروج روسيا المؤقت من مبادرة الحبوب الشكوك حول مستقبل الاتفاق، ما دفع كبار المستوردين مثل مصر والجزائر والسعودية للتخزين قبل انتهاء صلاحية الصفقة. وقد يكون وضع السوق مختلفًا تمامًا عندما يحين موعد تجديد صفقة الحبوب مرة أخرى في غضون 4 أشهر.

بعبارة أخرى، يرى الكرملين أنه في وضعه سيكون أقوى بكثير خلال الجولة التالية من المفاوضات حول تمديد اتفاق الحبوب عبر البحر الأسود.

ولا تزال روسيا تواجه عوائق أمام تصدير الحبوب والأسمدة، كما يذكر الكرملين في كثير من الأحيان، بالرغم من الاتفاقات السابقة في إسطنبول. لكن بعد هذه الجولة الأخيرة من المحادثات، يناقش الغرب ضمانات لاستئناف صادرات الأمونيا الروسية عبر خط أنابيب توجلياتي - أوديسا، الذي توقف عندما بدأت الحرب (في سبتمبر/أيلول، أعرب الرئيس الأوكراني "فولوديمير زيلينسكي" عن معارضته لإعادة تشغيل خط الأنابيب)، ويشاع أن الولايات المتحدة مستعدة لتخفيف العقوبات المفروضة على بنك "روسيلخز بانك" الزراعي المملوك للدولة في روسيا.

وقالت فرنسا أيضا إنه تم إنشاء ممر لتوريد الأسمدة الروسية إلى إفريقيا عبر أوروبا ويمكن أن يبدأ التسليم في غضون أسابيع. وتتوقع موسكو أن تتمكن من الصمود مع المزيد من هذه الاختراقات نتيجة المخاوف من تدهور ظروف السوق في أوائل العام المقبل.

ويمكن القول إن الصبر الاستراتيجي سيكون مفيدا للغاية لروسيا طالما أنها تستطيع إرضاء مزارعيها. يشار إلى أن المزارعين توقفوا تقريبًا عن تسليم الحبوب إلى أوزبكستان وقيرغيزستان وتركمانستان والصين، المستوردين التقليديين، لأن رسوم العبور على السكك الحديدية في كازاخستان مرتفعة للغاية.

ووفقًا لخطوط السكك الحديدية الروسية، فإن النقل عبر كازاخستان يكلف شركات النقل ما يصل إلى 3300 روبل (54 دولارًا) للطن، بينما لا يكلف خط روسي مماثل أكثر من 630 روبل. وتجري شركة السكك الحديدية الروسية محادثات مع كازاخستان لخفض رسوم العبور على المنتجات الزراعية ويبدو أن الأمور ستنتهي بنتيجة إيجابية. وبالطبع، يصب التعاون مع آسيا الوسطى في مصلحة روسيا، خاصة مع اعتماد هذه الدول على الحبوب الروسية الأرخص ثمناً.

في غضون ذلك، ستنأى موسكو بنفسها عن صفقة الحبوب وتسعى للحصول على امتيازات، مثل تخفيف القيود على المدفوعات وصادرات الأسمدة.

وتدرك روسيا أيضا أن المشترين الشرقيين لن يتمكنوا من تعويض المنتجات الروسية التي أوقفتها العقوبات الغربية والعقوبات. ومع أخذ ذلك في الاعتبار، أعلنت موسكو عن زيادة حصة صادرات الحبوب إلى الدول غير الأعضاء في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي من 15 فبراير/شباط إلى 30 يونيو/حزيران 2023.

وحتى ذلك الحين، يبدو أن الكرملين راضٍ عن موقفه الذي تم صياغته بدقة تجاه صفقة الحبوب.

المصدر | إكاترينا زولوتوفا | جيبوليتكال فيوتشرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

روسيا أوكرانيا الحبوب كازاخستان تركيا حرب أوكرانيا البحر الأسود العقوبات الغربية اتفاق تصدير الحبوب

روسيا تبلغ تركيا باستئناف تصدير الحبوب من موانئ أوكرانيا

تركيا تتحرك لاستئناف مبادرة شحن الحبوب بعد انسحاب روسيا