هل تتحول المظاهرات في إيران إلى عنف مسلح؟.. معهد واشنطن يجيب

السبت 10 ديسمبر 2022 04:22 م

"لا يزال لدى النظام الإيراني وسائل إضافية لجعل حملة القمع التي يقوم بها أكثر فتكاً، ومن المحتمل أن تكون بعض أرجاء البلاد مستعدة لحمل السلاح رداً على ذلك، مع تداعيات غير مؤكدة على الأرض".

هكذا يخلص تقرير حديث لـ"معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى"، الذي دعا الإدارة الأمريكية أن تكون مستعدة لدعم الخيار الذي يُجمع عليه الشعب إذا كان ذلك هو ما يقرره.

يقول التقرير الذي كتبه "فرزين نديمي" و"پاتريك كلاوسون"، إنه قد يكون من الصعب تصوّر تحول المظاهرات في إيران نحو الكفاح المسلّح.

قبل أن يضيف: "لكن من المتوقع أن يشهد الوضع تصعيداً نتيجة عوامل متعددة: جو المواجهة غير المسبوق في وجه النظام؛ واستعداد المحتجين المثبت للردّ بخطوات دفاعية عنيفة في بعض الأحيان (يدعي النظام مقتل أكثر من 60 من أفراد الأمن التابعين له وإصابة عدد أكبر بجراح أثناء مواجهة المتظاهرين)، وعدم استعداد طهران الواضح للنظر بجدية في مطالبهم السلمية؛ وتعدّد الخيارات الفتاكة والقمعية التي لم تلجأ إليها بعد قوات النظام".

وعلى مدى العقدين الماضيين، شهدت الجمهورية الإسلامية انتفاضات شعبية بوتيرة متكررة، أولاً في عام 1999، ثم مجدداً في 2009 و 2017-2018 و 2019.

ولمواجهة الموجة الحالية، تستخدم السلطات الكثير من التكتيكات نفسها التي لجأت إليها في الجولات السابقة، بدأت بالاعتماد على "قوة إنفاذ القانون" التي غالباً ما يشار إليها ببساطة بـ"الشرطة".

ثم تمّ تكليف "وحدات الحرس الخاصة" التي تستعمل الدراجات التابعة لهذه الوكالة وعناصر أخرى بإحداث فوضى في المظاهرات، واعتقال المتظاهرين، وضرب الناس (أحياناً حتى الموت)، وتفريقهم باستخدام مزيج من الهراوات، والغاز المسيل للدموع، والقنابل الصوتية، وكرات الطلاء، والخردق، والرصاص الحيّ.

وعندما عجزت الشرطة عن حسم الأمور، استقدم النظام وحدات مدربة على نحو خاص للسيطرة على أعمال الشغب من ميليشيا "الباسيج" المنتشرة على نحو واسع، ولا سيما ألوية "الفاتحين"، و"الإمام علي"، و"الإمام الحسين"، و"بيت المقدس"، و"عاشوراء".

وأعقب ذلك انضمام وحدات وُصفت بأنها "كتائب العمليات الهجينة التابعة لـ"الحرس الثوري الإسلامي/الباسيج"، في إشارة إلى تعاون محلي أوثق بين قوات الميليشيات و"الحرس الثوري".

بالإضافة إلى ذلك، بدأت عناصر مهمة من "وزارة الاستخبارات" وغيرها من أجهزة الاستخبارات في العمل جنباً إلى جنب مع "قوة إنفاذ القانون"، وارتدت، عادة، الثياب المدنية من أجل الاندماج بشكل أفضل مع المحتجين، أو تحديد الأهداف المحتملة، أو القيام بالاعتقالات، أو ارتكاب عمليات القتل من مسافة قريبة (سواء كانت مستهدفة أو عشوائية). واستخدمت قوات "الباسيج" هذا التكتيك أيضاً.

وكملاذ أخير، يمكن لـ"الحرس الثوري" إرسال وحدات قتالية أساسية بأسلحة أثقل، بما في ذلك الدبابات وناقلات الجند المدرعة. وقد تقوم هذه العناصر بإجراء ما يسمونه بـ"مسيرات التخويف" عبر المدن والبلدات، أو حتى إطلاق النار على المتظاهرين، وخاصة أولئك الذين يقتربون من القواعد العسكرية أو المباني الحكومية.

ووفقاً لناشطين في مجال الحقوق المدنية، قُتل حتى الآن أكثر من 458 مدنياً من بينهم 64 مراهقاً وطفلاً، واعتقل حوالي 18 ألف شخص، وتعرض العديد منهم للتعذيب وحُكم على العديد منهم بالإعدام.

ولا توجد تقديرات دقيقة بشأن عدد المصابين، لأن الكثيرين منهم يتجنبون الحصول على مساعدة طبية محترفة خوفاً من الاعتقال.

وعلى الرغم من هذه التكتيكات، لا تزال شريحة كبيرة من الشعب تعبّر عن مطالبها علناً بتغيير النظام.

وبالفعل، لم تكن الإجراءات القمعية فعالة بما يكفي لدرجة أن المرشد الأعلى "علي خامنئي" أمر بتشكيل منظمة هجينة أخرى من "الباسيج/الحرس الثوري"، وفقاً لوثيقة تم تسريبها ونشرها على "تليجرام" من قِبل جماعة "بلاك ريوارد" المبلغة عن المخالفات.

ووفقاً لبعض التقارير ستعمل هذه المنظمة الجديدة على مستوى الأحياء لمواجهة أي حشود منشقة غير مركزية بشكل مباشر، باستخدام حتى أعداد أكبر من العناصر بالزي المدني.  

ووفق للتقرير، فإن غالبية الرجال الإيرانيين يعرفون كيفية استخدام البنادق والمسدسات، كما أن بعض التقارير أفادت بأن المحافظات الحدودية تضمّ سوقاً ناشطة للأسلحة النارية قادرة على إيصال الأسلحة إلى المناطق المركزية.

ومع ذلك، يُشاع أن بعض أقسام هذه السوق تدار من قبل الأجهزة الأمنية، لذلك لن يكون بمقدور أي من الناشطين الذين تحوّلوا إلى مقاتلين التعويل على هذه الخطوط من الإمدادات.      

وحتى لو توفرت الأسلحة، والحديث للتقرير، يفتقر الثوار الشباب إلى التدريب الجيد لتنفيذ أي عمليات مجدية على المستويات التكتيكية والعملياتية المختلفة.

وسيحتاج المتظاهرون، إلى قادة مؤهلين ومعلومات استخباراتية في الوقت الفعلي لمواجهة "عدو هو على أهبة الاستعداد والتجهيز".

ويمكن اكتساب بعض هذه المهارات عبر الإنترنت (أي عندما تكون خدمة الإنترنت متاحة).

ومع ذلك، حتى المسلحين المؤهلين سيعجزون أمام الميزات الحركية للنظام كالدروع الثقيلة والطائرات المقاتلة/الطائرات المسيرة.

وتُقدّم الحرب الأهلية في سوريا دليلاً وافياً على قدرة هذا النوع من التفاوتات على الفتك بالأرواح وتدمير البنية التحتية في غياب أي مساعدات عسكرية دولية وشيكة، وفق التقرير.

يُذكر أن نزاعاً مسلحاً باستخدام الوسائل المحلية بالتزامن مع انتفاضة شعبية حاشدة هو ما حدث خلال المراحل الأخيرة من ثورة عام 1979 في إيران، حين تمرّد مجندو القوات الجوية وفتحوا مستودعات الأسلحة أمام الناس.

ويقول التقرير: "يتطلب تكرار هذه الظاهرة، تمرداً عسكرياً كبيراً والكثير من الانشقاقات".

وتشير التقارير الداخلية التي سرّبتها جماعة "بلاك ريوارد" إلى أنه ربما تم اعتقال ما يصل إلى 115 عنصراً عسكرياً لدعمهم الانتفاضة الحالية.

وذكرت بعض العناصر الإصلاحية أن إسقاط النظام، ولا سيما بالقوة، لن يؤدي إلا إلى إغراق البلاد في دوامة من الفوضى والدخول في نظام قمعي آخر.

فمن وجهة نظرهم، شكلت ثورة عام 1979 وكذلك ثورات "الربيع العربي" التي اندلعت بعد عقود، عبرة مفيدة في هذا الصدد عندما شهدت بعض الدول عودة الأنظمة القديمة بشكل أكثر قمعية (مصر)، بينما تخبطت دول أخرى بصراع طويل الأمد (ليبيا/ سوريا).

وقد دفع ذلك بالإصلاحيين إلى تأييد التغيير البطيء الذي لا يستفز العناصر المتشددة، ولكن الحركة الاحتجاجية الحالية ترفض انتهاج مقاربة تدريجية رفضاً قاطعاً.

وقد يكون الكفاح المسلح مباحاً تماماً في المناطق التي لطالما كانت قبلية ويملك الكثير من سكانها الأسلحة، بما في ذلك المناطق التي تهيمن عليها الأقليات العرقية مثل المناطق الحدودية الكردية والبلوشية والعربية.

ويقول البعض إنه قد يكون للمقاومة في منطقة كهذه مفعول متسلسل يؤدي إلى سقوط سريع لعناصر النظام في مناطق أخرى.

وفي نهاية المطاف، يبقى السؤال المطروح ما إذا كان إطلاق مقاومة مسلحة سيصبح محط جدل في أوساط المحتجين، نظراً لاستعداد طهران للتسبب في سفك الدماء وغياب الإرادة الدولية للتحرك بهدف ردع النظام.

ووفقاً للمادة (286) من قانون العقوبات الإسلامي الإيراني، فإن أي مواطن يؤيد علناً تغيير النظام يكون قد ارتكب جريمة يعاقب عليها بالإعدام بإجراءات موجزة، حتى في ظروف تبدو غير ضارة مثل إشعال النار في سلة مهملات.

وبالتالي، قد يستنتج بعض المحتجين في النهاية أن حمل السلاح لا يزيد الخطر المحدق بهم شخصياً بدرجة تُذكر.

يقول التقرير: "على الرغم من أن الحكومة الأمريكية لم تضع خطة رسمية تتمحور حول تغيير النظام في إيران، فإنه على إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أن تكون مستعدة لدعم الخيار الذي يُجمع عليه الشعب إذا كان ذلك هو ما يقرره".

وفي ظل تلك الظروف، ستكون المصلحة الرئيسية لواشنطن هي الانتقال السلمي إلى حكومة تمثيلية منتخبة ديمقراطياً وعلمانية، وفق التقرير.

ويضيف: "حتى إذا لم تحقق الحركة الاحتجاجية هذا الهدف، فإن أي تقدم تحرزه في تقليص شعبية النظام الحالي وقوته سيتوافق مع المصالح الأمريكية الأساسية".

ويختتم التقرير بالقول: "على الحكومة الأمريكية الإسراع في دراسة الخطوات التي يمكنها اتخاذها لمنع طهران من استخدام قدراته القمعية، مع الاستعداد أيضاً لاحتمال انتقام النظام ضد المصالح الأمريكية".

طالع النص الأصلي للتقرير

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

إيران مظاهرات مظاهرات إيران عنف مسلح الحرس الثوري

المظاهرات تتجدد في إيران والمعارضة بالخارج تسعى إلى توحيد صفوفها

معهد واشنطن: وثائق إيران المسربة تعطي صورة سلبية عن استقرار النظام