معهد واشنطن: تونس تواجه مستقبلا غامضا نتيجة الأزمات السياسية والاقتصادية

الخميس 15 ديسمبر 2022 12:02 م

"تتسارع وتيرة الأحداث في تونس منذ خُروجها عن المسار الديمقراطي ودخولها تحت حكم الإجراءات الاستثنائية التّي أقرّها الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو/تموز 2021، مع جعل التونسين في مواجهة مستقبل غامض نتيجة أزمات سياسية واقتصادية"..

هكذا يخلص تقرير معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، في تقرير، لافتا إلى أن التونسيين ينقسمون حول مدى تأثير الإجراءات التي اتخذها "سعيد" في الحكم، لكن التحديات الداخلية التي يواجهها "سعيد" إلى جانب الأزمة الاقتصادية العامة، من شأنها أن تعزل تونس بشكل متزايد على المسرح الدبلوماسي.

ويضيف التقرير: "رُبّما يختلف التونسيون حول طبيعة الأزمة السياسية التّي تعصف بتونس وأسبابها وتداعياتها القريبة والبعيدة، لكنّ لا أحد منهم سيختلف حول حقيقة الوضع الاقتصادي المتدهور والكارثي التّي وصلت إليه البلاد".

ويزداد المشهد التونسي ضبابية وقتامة يوما بعد يوم خُصوصا مع غياب أي بوادر انفراج في الأفق القريب، وفشل كلّ من "سعيد" ورئيسة حكومته "نجلاء بودن" في إخراج البلاد من أزمتها الراهنة وإنعاش الاقتصاد.

وتُواجه تونس منذ شهور شُحّا متزايدا في التزود ببعض المواد الأساسية كالسُكّر والسميد والزيت والقهوة إضافة إلى المحروقات والأدوية، مع ارتفاع الأسعار بشكل جُنوني يكاد يكون يوميا مما أثّر على القدرة الشرائية وعلى معيشة المواطن التونسي الذّي أصبح غير قادر حتى على مجابهة نفقاته اليومية.

وفي واقع الأمر، باتت المنظومة المالية في تونس اليوم مُهدّدة بالانهيار وذلك في ظلّ بلوغ البنك المركزي والمنظومة المالية المحلية طاقتها القُصوى، وعدم قدرتها مستقبلا على توفير ما من شأنه أن يضمن مستحقات الشعب.

ولفت إلى أن الحكومة التونسية أعلنت بعد مفاوضات طويلة مع صندوق النقد الدولي، عن توصلها إلى اتفاق مبدئي مع الصندوق من الناحية التقنية مدته 48 شهرا مقابل الحصول على مبلغ قدره 1.9 مليار دولار لدعم السياسات الاقتصادية في تونس.

وشمل الاتفاق عدة شروط فرضها الصندوق على تونس لضمان الحصول على قرض الصندوق منها تخفيض المصاريف واحتوائها من خلال الإلغاء التدريجي للدعم، وزيادة العدالة الضريبية والاعتناء بالدعم الاجتماعي للفئات الهشة وتعويض الأسر ضعيفة الدخل عن تداعيات ارتفاع الأسعار، ودعم الحكم الرشيد والشفافية في القطاع العام، وتعزيز الإصلاحات الهيكلية.

وفي مقابل هذه الإصلاحات، فإنه يضطلع المجتمع الدولي بدور مهم في تيسير تنفيذ البرنامج من خلال التعجيل بإتاحة التمويل اللازم لضمان نجاح السلطات في جهودها على صعيد السياسات والإصلاحات.

ويحمل الاتفاق بين صندوق النقد وتونس عدة جوانب إيجابية منها أن تونس لم تطلب مبلغا محددا من الصندوق، بل إنها قدمت مطلبا لتمويل برنامج إصلاحي مدته ثلاث سنوات، إضافة إلى شرط عدم التوجه نحو بيع المؤسسات العمومية، بل التوجه فقط نحو الإصلاح وإعادة الهيكلة.

ويعد هذا الاتفاق وفق الباحث، خطوة جيدة ومهمة على الأقل على المدى القصير لإنقاذ اقتصاد البلاد وطمأنة شركاء تونس وتجديد ثقتهم، حيث إن التوقيع مع صندوق النقد سيفتح المجال أمام الاقتراض من دول أخرى اشترطت الاتفاق أولا مع صندوق النقد الدولي.

ومع ذلك، فقد لا يكون الاتفاق مع صندوق النقد كافيا لإنقاذ النظام المالي التونسي، فعند الاطلاع على ميزانية الدولة لسنة 2022، نفهم أن تحصيل مبلغ 1.9 مليار دولار من صندوق النقد الدولي لا يكفي لسد العجز، وهو تمويل ضئيل جدا ولن يكون كافيا لتغطية نفقات الدولة لسنة 2022 والمُقدّرة بـ 7 مليارات دولار، ولن يُسرّع الانخراط الفعلي في عملية إنقاذ الاقتصاد خاصّة أنّ الأمور تعقدت كثيرا مع اندلاع الحرب في أوكرانيا، والتّي جعلت أرقام الميزانية التونسية قد تجاوزها الزمن، وصار لزاما إعادة النظر فيها.

على مستوى الرأي العام، فإنه مع إعلان الحكومة عن إلغاء الدعم عن المواد الاستهلاكية كأحد شروط الصندوق، فستتأثّر فئات واسعة من التونسيين بارتفاع نسبة التضخم والفقر ما يفتح الباب على مصراعيه لغليان داخلي يُمهّد لانفجار اجتماعي كبير.

وبالتالي فإنه لن يكون الاتفاق مع صندوق النقد حلا لإنعاش الاقتصاد الميت إكلينيكيا، بل ترقيعي، خاصة أنه متوجه للاستهلاك لا للاستثمار.

المثير أن صندوق النقد الدولي، أعلن الأربعاء إرجاء إلى أجل غير مسمى، النظر في ملف الاتفاق المبدئي لحصول تونس على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار.

ووفق التقرير، تثير التغييرات التي حدثت في نظام الحكم في تونس والمرتبطة بالأزمة المالية التي تمر بها أيضًا التساؤل حول كيفية استجابة الدول الأخرى، فبعد الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها "سعيد" في يوليو/تموز 2021، تأرجحت العلاقات الأمريكية -التونسية ما بين بيانات دبلوماسية مُتتالية ظاهرها الدعوة إلى "استعادة المسار الديمقراطي" والتهديد أحيانا بخفض المساعدات.

في نهاية المطاف، اتسم رد الفعل الأمريكي بنوع من القبول للمسار الحالي مع الحرص على التذكير بتوفير المزيد من المشاركة للمواطنين التونسيين.

ودفعت سياسة "سعيد" حينها إدارة الرئيس "جو بايدن" إلى التصعيد والردّ عليها، حيث أوقفت واشنطن قرضا بمليارات الدولارات من صندوق النقد الدولي، إضافة إلى إيقاف منحة بنية تحتية تقدر بـ500 مليون دولار مُقدّمة من مؤسسة "تحدّي الألفية" إلى تونس.

كما أحجمت وزارة الخارجية عن بعض أموال الدعم العسكري، وهدّد الكونجرس بخفض أو إلغاء المُساعدة الاقتصادية لتونس ما لم تتحسّن الظروف.

علاوة على ذلك، هناك هواجس ومخاوف أمريكية وغربية من أنّ الخيارات التي ينتهجها "سعيد" قد تُعمّق من حدة الأزمة السياسية وربما تؤدي إلى اضطرابات وانفجار اجتماعي كبير، لا يُمكن لأحد التكهّن بتداعياته.

وبينما وجدت قرارات "سعيد" صدى كبيرا لدى الإعلام الأمريكي ومراكز الأبحاث من حيث الاهتمام والنقد، كان الموقف الرسمي الأمريكي أكثر حذرا في التعامل مع الرئيس التونسي، حيث لم يتجاوز حاجز التنديد وإصدار بيانات دبلوماسية باردة.

وأثار هذا البرود الأمريكي في التعامل مع الملف التونسي الكثير من التساؤلات حول كيفية تعاطي إدارة "بايدن" مع الأزمة في ظل النفوذ الكبير الذي تتمتع به واشنطن في الداخل التونسي (سياسيا واقتصاديا وعسكريا) والذي يتيح لها اتخاذ قرارات أكثر صرامة بعيدا عن الدبلوماسية الباهتة.

وبعد مرور شهر على انتهاء الاستفتاء الدستوري، شهد الموقف الأمريكي تحولا كبيرا نحو تونس، وقد تدعّم هذا التحوّل من خلال الزيارات التّي قام بها كلّ من نواب في الكونغرس ومجلس النواب الأمريكيين، وزيارة مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى "بربرا ليف".

وتبدو هذه الزيارات لمسؤولين أمريكيين رفيعي المُستوى بمثابة الفُرصة الأخيرة لـ"سعيد" لتعديل مساره والايفاء بالتزاماته السياسية لأنّه خرج عن الحدّ الأدنى الديمقراطي.

ووفق التقرير: "هذه البرجماتية الأمريكية لا تتعلّق فقط بالالتزام الديمقراطي، بل يتعلق بالخيارات الأمنية والاستراتيجية".

ويبرر الجانب الأمريكي موقفه، وفق التقرير، بعدم وجود احتجاجات شعبية كبيرة ضد الإجراءات التي اتخذها "سعيد"، وأنه لا يزال يملك المبادرة السياسية الكاملة في البلد، إذ لا توجد ضغوط داخلية عليه أو زعامات سياسية توازي نفوذه وسلطته.

ويضيف التقرير: "كما أن الطريق بات سالكا أمامه لاتخاذ أي إجراء يريده. وما سهل الأمر أن المعارضة متشرذمة ومنقسمة إيديولوجيا، والأحزاب الكبرى في حالة عجز وتعاني من أزمة ثقة مع مكوناتها، كما يعاني المجتمع المدني ضعفا كبيرا هو الآخر".

ويتابع التقرير: "لعل الجانب الأمريكي محق في أن الشارع التونسي منقسم وغير متوحد وأن المظاهرات مناسباتية وغير دائمة ولا تقلق النظام، لكنه يغفل عن تعامل السلطة الوحشي مع المتظاهرين والقبضة الأمنية التي يبطش بها سعيد بمعارضيه، وإخافتهم بالاعتقالات والتحقيقات القضائية وإحالتهم على القضاء العسكري".

ويلفت التقرير إلى أن "تلك الإجراءات القمعية وحالة الخوف المنتشرة أدت إلى إسكات جميع الأصوات الحرة، وجعلت من الصعب على المواطنين العاديين النزول إلى الشارع للاحتجاج على إجراءات سعيد غير الديمقراطية".

وفي المقابل، وحسب تقرير "معهد واشنطن"، تدرك السلطة في تونس أن التصريحات والزيارات الأمريكية المتتالية تكشف عن حاجة واشنطن إلى الحليف التونسي بالنظر إلى الموقع الجيواستراتيجي المُهم لتونس، وأنّ واشنطن لا تريد بطريقة أو بأخرى أن تخرج تونس عن دائرة النفوذ الأمريكي.

ويتابع: "بما أن الإدارة الأمريكية تنتهج البرجماتية والواقعية في سياستها الداخلية أو الخارجية فإنّها مُستعدة لمساعدة تونس اقتصاديا والتغاضي عمّا يفعله الرئيس حتّى لا تحدث الفوضى فيها ولا ترتمي في أحضان الأعداء الجُدد (بالتحديد روسيا والصين)".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تونس انقلاب تونس أزمة سياسية أزمة اقتصادية قيس سعيد

برلمان بلا صلاحيات ومقاطعة منتظرة.. التونسيون ينتخبون السبت

قيس سعيد وديمقراطية تونس.. مظهر آخر لانهيار الربيع العربي

تونس على خطى لبنان.. موديز تخفض تصنيفها الائتماني مع نظرة سلبية

تخفيض "فيتش" تصنيف تونس الائتماني إلى السالب.. ماذا يعني؟

أزمة تونس الاقتصادية.. الأسباب والتداعيات (إطار)