"اقتراع وهمي وانتقادات غربية".. التونسيون ينتخبون برلمانيا كرتونيا

السبت 17 ديسمبر 2022 12:20 م

تنتظر مراكز الاقتراع في تونس، التي فتحت أبوابها عند الساعة الثامنة صباحا السبت، المقترعين لانتخاب برلمان مجرّد من سلطات فعلية في انتخابات تشريعية تشكل الحجر الأخير في بناء نظام رئاسي يسعى "قيس سعيّد" إلى إرسائه منذ أن قرّر احتكار السلطات في البلاد صيف 2021.

وبدت الحملة الانتخابية التي استمرت ثلاثة أسابيع باهتة، كان ظهور المرشحين خلالها محدودا ومن دون أن يطغى عليها أي طابع تنافسي، بينما غاب عنها السجال الانتخابي في وسائل الإعلام، وفق "فرانس برس".

ويتكوّن البرلمان الجديد من 161 نائبا.

وسيحل محل البرلمان السابق الذي جمّد أعماله سعيّد في 25 يوليو/تموز 2021 وحلّه لاحقا واحتكر السلطات في البلاد، مبررا قراره آنذاك بالانسداد السياسي وتواصل الأزمات السياسية في البلاد اثر خلافات متكررة بين الأحزاب في البرلمان.

لكن هذا البرلمان الذي سيتم اعلان نتائج انتخابه بعد دورة ثانية بين فبراير/شباط ومارس/آذار القادمين، سيكون مجرّدا من السلطات استنادا إلى الدستور الجديد الذي تم إقراره اثر استفتاء شعبي في يوليو/تموز الماضي ولم يشارك فيه نحو 70% من الناخبين.

وبموجب هذا الدستور، لن يكون بوسع نواب البرلمان إقالة الرئيس ولا إسقاط الحكومة إلاّ بتوفر شروط "من الصعب جدّا" تحقيقها، حسب الخبير السياسي حمادي الرديسي.

في المقابل يمكن لمجموع النواب تقديم مقترحات ومشاريع قوانين لكن يبقى للرئيس الأولوية في ذلك.

وينص القانون الانتخابي الجديد على الاقتراع الفردي ويحل محل انتخاب اللوائح، ما يضعف مشاركة الأحزاب السياسية في الانتخابات. وقد نتج عن ذلك ترشح شخصيات غير معروفة غالبيتها بدون انتماءات سياسية.

ويقول أستاذ العلوم السياسية حمزة المؤدب لوكالة فرانس برس ان "هذا التصويت إجراء شكلي لاستكمال النظام السياسي الذي فرضه قيس سعيّد بتركيز السلطات بين يديه".

ويضيف أن "التونسيين يعلمون أن البرلمان لن يكون له وزن سياسي وسيتم تجريده من كل السلطات"، متوقعا إقبالا "ضعيفا جدا" على صناديق الاقتراع.

ليس حدثا

يرى المؤدب أنه "لا يوجد جو انتخابي (...) إنه ليس بحدث".

ويؤكد المؤدب على أن المترشحين غير معروفين لعامة الناس و"مبتدئون في السياسة، وغير قادرين على التعبئة في سياق اقتصادي متدهور للغاية".

وترشح للانتخابات 1085 شخصًا غالبيتهم غير معروفين.

وذكر "للمرصد التونسي للانتقال الديمقراطي"، أن نصف المرشحين أساتذة (نحو 26%) وموظفون حكوميون بمستوى متوسط (نحو 22%).

يظل الشغل الشاغل لـ 12 مليون تونسي، بما فيهم تسعة ملايين ناخب مسجل، ارتفاع تكاليف المعيشة مع تضخم يبلغ حوالي 10% واستمرار فقدان بعض المواد الغذائية المتكرر على غرار الحليب والسكر.

قاطعت غالبية الأحزاب السياسية في تونس وفي مقدمتها حزب النهضة ذو المرجعية الاسلامية والذي كان مسيطرا على البرلمان منذ 2011، الانتخابات وقالت إنها لن تعترف بنتائجها.

ويرى المؤدب في هذا السياق أن الهدف هو "إعادة تشكيل نظام سياسي أحادي، كما يريد الرئيس سعيّد، لا يشرك فيه الاتحاد العام التونسي للشغل ولا المجتمع المدني ولا حتى الأحزاب".

وهاجم الاتحاد الذي يمثل الثقل النقابي في البلاد، مؤخرا انتخابات الرئيس واعتبرها من دون "طعم ولا لون".

وهمية

قرّرت منظمة "بوصلة" التي تراقب النشاط البرلماني في البلاد منذ 2014، عدم مواصلة عملها الرقابي على البرلمان مبررة قرارها برفضها ان تكون "شاهد زور على برلمان كرتوني".

وقالت هذه المنظمة غير الحكومية إنها لا تريد "إضفاء الشرعية على هيئة وهمية يتم إنشاؤها فقط لدعم توجيهات الرئيس".

ويعتبر هاميش كينير المحلل في مكتب "فيريسك مابلوكروفت الدولي"، أن الانتخابات "ستسهل مع ذلك علاقات تونس مع شركائها الخارجيين الرئيسيين، من خلال إنهاء 17 شهرًا من عدم اليقين الدستوري" منذ احتكار "سعيّد" للسلطات في البلاد.

ويقول إنه سيكون من الأسهل الحصول على مساعدات من المانحين الدوليين "بفضل عودة وضوح الرؤية السياسية بشكل أكبر، حتى لو كانت الشرعية الديموقراطية للانتخابات التشريعية ضعيفة".

وتبدو هذه الانتخابات مفصلية بالنظر إلى الوضع الاقتصادي والمالي والاجتماعي في البلاد.

وأرجأ صندوق النقد الدولي الذي كان من المقرر أن يعطي الضوء الأخضر الإثنين لمنح تونس قرضا رابعا على 10 سنوات (حوالي ملياري دولار)، قراره إلى مطلع يناير/كانون الثاني بطلب من الحكومة التونسية التي لم يُغلق ملفها بالكامل، على ما أفادت مصادر وكالة فرانس برس. 

انتقادات غربية

صحف غربية وجهت من جانبها انتقادات للانتخابات التونسية.

إذ وصفت صحيفة "فايننشال" البريطانية تلك الانتخابات بأنها "صورية".

وقالت الصحيفة إنه بدلا من الإشادة بالتصويت باعتباره استعادة للديمقراطية، يقول محللون وسياسيون إن المؤسسة، التي حُرِمت من معظم الوظائف التي مارستها المجالس السابقة، لن تؤدي إلا إلى التصديق على قرارات الرئيس.

ونقلت الصحيفة عن محللين ومعارضين استياءهم من ما قد ينتج عن عملية التصويت.

وأشارت إلى أن تونس التي نُظر إليها كديمقراطية عربية نادرة بعد ثورة 2011 ضد دكتاتورية "زينالعابدين بن علي"، "غرقت عميقاً في الاستبداد منذ استيلاء سعيد على السلطة".

بدورها توقعت صحيفة "الجارديان" البريطانية أن تفضي نتيجة التصويت في انتخابات تونس التشريعية إلى برلمان يقوض حقوق المرأة ويسطر الذكور على غالبية مقاعده.

وأشارت الصحيفة إلى أن الإصلاحات التي أقرها الرئيس "سعيد" أدت إلى استبعاد النساء عن الترشح.

ونقلت الصحيفة عن نشطاء تحذيرهم من تدهور حاد لحقوق المراة في "ظلّ حكم رئيس يزيد استبداداً".

وأضافت أن النشطاء يحذرون من أن البرلمان الجديد لن يكون ذو صلاحيات قليلة فحسب، بل سيتضمن قلة من النساء أيضا.

وذلك بعد تحرك "سعيد" لإدخال قانون انتخابي لا يتضمن أي من أحكام المساواة بين الجنسين التي جعلت تونس رائدة إقليمية للتمثيل السياسي النسائي، وفق صحيفة "الجارديان".

وأشارت الصحيفة نقلا عن اللجنة الانتخابية، إنه جرت الموافقة على 122 مرشحة فقط، مقابل 936 مرشحا، مما يعني أنه من المؤكد أن المجلس الجديد سيبدو مختلفا تماما عن ذلك المنتخب عام 2014، حين كان ثلث أعضاء البرلمان تقريباً من النساء.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

قيس سعيد انتخابات تونس

تونس.. إقبال شبه معدوم بانتخابات الخارج فهل يتكرر الأمر بالداخل؟

بعد مقاطعة واسعة لانتخابات تونس.. مطالبات بإسقاط شرعية قيس سعيد ومشروعه