بعد 11 عاما من القطيعة.. أسباب وعقبات تقارب محتمل بين تركيا والنظام السوري

السبت 31 ديسمبر 2022 10:03 م

تحققت خطوة جديدة متقدمة على مسار تطبيع العلاقات بين سوريا وتركيا، على ما يبدو، من خلال اللقاء الذي استضافته موسكو، الأربعاء، وجمع وزيري دفاع البلدين إضافة إلى نظيرهما الروسي، وهو اللقاء الأول على هذا المستوى الرفيع منذ أكثر من 11 عاماً.

ويطرح هذا الاختراق في العلاقات الشائكة بين دمشق وأنقرة تساؤلات جادة بشأن نقاط الالتقاء والاختلاف بين الجانبين، لا سيما أن روسيا تبدو بدورها عازمة على المضي قدماً في دفع هذه اللقاءات إلى مستويات أعلى، وصولاً إلى عودة العلاقات التي قد تتُوج بلقاء الرئيسين التركي والسوري، وهو ما ألمح له الرئيس "رجب طيب أردوغان" منذ عدة أسابيع.

تأتي هذه الخطوة، استمرارا لما شهدته تركيا خلال العام 2022، الذي لم يكن عاديًّا في تركيا، فالمنافسة الانتخابية التي بدأت مبكرًا، غيرت الكثير من مواقف الأحزاب السياسية.

ولم يكن حزب "العدالة والتنمية" (الحاكم) استثناء، خاصة في مجال السياسة الخارجية التي شهدت نوعا من تصفير الأزمات مع دول عربية كمصر والسعودية والإمارات، بينما ظلت العلاقات مع دمشق تراوح مكانها مع تزايد أزمة اللاجئين السوريين في تركيا.

وفي ظل تحول الملف السوري برمته إلى ورقة انتخابية بامتياز في الحياة السياسية التركية، بات التطبيع بين أنقرة والنظام السوري بندا رئيسيا على جدول أعمال الحزب، ولكن التطبيع الذي يتطلب رغبة مشتركة على جانبي الحدود تعترضه معوقات وخلافات عميقة، وينتظره حراك محموم في 2023.

وقبل اندلاع النزاع عام 2011، كانت تركيا حليفاً اقتصادياً وسياسياً أساسياً لسوريا، وجمعت الرئيس التركي "أردوغان" علاقة صداقة برئيس النظام السوري "بشار الأسد"، إلا أنّ علاقتهما انقلبت رأساً على عقب مع بدء الاحتجاجات ضد النظام السوري.

وبعدما أغلقت تركيا سفارتها في دمشق في مارس/آذار 2012، كرّر "أردوغان" وصف "الأسد" بـ"المجرم"، بينما وصف الأخير نظيره التركي بأنه "لص" وداعم لـ"الارهابيين".

وقدمت تركيا دعماً للمعارضة السياسية واستضافت أبرز مكوناتها في إسطنبول، قبل أن تبدأ دعم الفصائل المعارضة المسلحة وتؤوي مئات الآلاف من اللاجئين على أراضيها.

ورغم أن تركيا شنّت منذ 2016 ثلاث هجمات ضد المقاتلين الأكراد، مكّنتها من السيطرة على أراض سورية حدودية واسعة، إلا أنها لم تدخل في مواجهة مباشرة مع دمشق، إلا بشكل محدود عام 2020، سرعان ما انتهت بوساطة روسية.

وبعد سنوات القطيعة، برزت مؤشرات تقارب تدريجاً، على هامش قمة إقليمية عام 2021، حيث أجرى وزيرا خارجية البلدين محادثة مقتضبة غير رسمية.

وتتالت التصريحات على لسان المسؤولين الأتراك التي كشفت عن رغبة لدى تركيا بالتطبيع، وبنقل الاتصالات الجارية حاليًّا بين الجانبين على مستوى الأجهزة الاستخبارية إلى مستويات أعلى.

وفي أغسطس/آب، دعا وزير الخارجية التركي "مولود جاويش أوغلو"، إلى مصالحة بين النظام والمعارضة في سوريا.

وأقرّت أنقرة ودمشق بتواصل على مستوى أجهزة الاستخبارات.

وتناقلت تقارير إعلامية شروطا متبادلة بين الطرفين، حيث تمثلت شروط أنقرة لإعادة العلاقات مع دمشق في تطهير سوريا من عناصر حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية، والقضاء على التهديدات القابعة على الحدود بشكل تام، وانخراط دمشق بعملية دمج سياسي وعسكري مع المعارضة، واعتماد حمص وحلب ودمشق لاختبار تنفيذ خطة عودة للسوريين، وتطبيق مسار جنيف، بما في ذلك إجراء انتخابات والإفراج عن المعتقلين.

أما الشروط التي وضعتها دمشق للحكومة التركية، كمقدمة لتطبيع العلاقات، فتكمن في تسليم إدلب ومعبر باب الهوى ومعبر كسب الحدودي للحكومة السورية، ووضع طريق M4 الدولي تحت سيطرة دمشق بشكل كامل، والحصول على دعم أنقرة في مسألة رفع العقوبات المفروضة على دمشق، والتعاون في القضاء على "الإرهاب"، ودعم عودة سوريا إلى الجامعة العربية والمنظمات الدولية.

بينما واجهت الشروط المتبادلة طريقا مسدودا، انتقلت التصريحات، اعتبارا من سبتمبر/أيلول الماضي، إلى الحديث عن لقاء يضم "أردوغان" بـ"الأسد"، وأكد الرئيس التركي تقدمه بهذا الاقتراح إلى نظيره الروسي "فلاديمير بوتين".

وبينما أعرب الجانب التركي عن رغبة بعقد اللقاء قبل الانتخابات المقبلة، أثنى "الأسد" لأول مرة، حسب ما نقلت جريدة "الأخبار" اللبنانية، على الموقف التركي، لكنه طالب بمواقف عملية.

وفي منتصف الشهر الحالي، قال "أردوغان"، إنه اقترح على نظيره الروسي "فلاديمير بوتين"، تأسيس آلية ثلاثية مع سوريا، لتسريع المسار الدبلوماسي بين أنقرة ودمشق.

وأوضح "أردوغان" أن المقترح التركي ينص على اجتماع بين أجهزة مخابرات الدول الثلاث أولا، يتبعه لقاء على مستوى وزراء الدفاع ثم الخارجية، ثم قمة على مستوى القادة.

والسبت، اقترحت تركيا، عقد اجتماع مع سوريا على صعيد وزيري خارجية البلدين، في دولة ثالثة خلال النصف الثاني من يناير/كانون الثاني المقبل.

وتلعب روسيا، وفق محللين، دوراً أساسياً لتحقيق التقارب بين حليفيها اللذين يجمعهما "خصم" مشترك يتمثل بالمقاتلين الأكراد، حيث أعلنت موسكو عن مؤتمر لمكافحة الإرهاب من المنتظر أن يجمع تركيا والنظام السوري على طاولة واحدة خلال 2023.

ويبدو أن إعلان رئيس مجلس الدوما (البرلمان) الروسي "فياتشيسلاف فولودين" خلال وجوده في أنقرة يوم 13 ديسمبر/كانون الأول، عن مشاركة كل من تركيا والنظام السوري في مؤتمر من المزمع عقده لمكافحة الإرهاب هو المدخل الذي سيفتح الباب أمام عقد لقاء بين "أردوغان" و"الأسد".

وإذ لم يعلن "فولودين" عن مستوى التمثيل في المؤتمر ولا توقيته، فإن المحللين يرجحون أن يكون الاجتماع على مستوى رؤساء البرلمانات، بالنظر إلى منصب المسؤول الروسي.

وهنا يكمن الخلاف الحقيقي في أن معظم الشروط التي يطرحها الطرفان تعجيزية لكل منهما، فتركيا أعلنت مرارا أنها لن تسحب قواتها من سوريا قبل الوصول إلى حل نهائي وشامل للأزمة السورية، وقبل معالجة كل مخاوفها الأمنية.

أما النظام السوري فلا يبدو مستعدا لتحمل عودة ملايين من اللاجئين، وأكثرهم مناوئون له، لا اقتصاديا ولا أمنيا.

وإن كان ثمة تنازلات يمكن أن تقدمها تركيا للنظام من ناحية دعم المعارضة، فإن النظام أيضا ربما يجد في ملف مكافحة الإرهاب ما يمكن أن يقدمه لتركيا، حيث تنظر كل من أنقرة ودمشق إلى ما يعرف بقوات سوريا الديمقراطية على أنها عدو مشترك، وغطاء للوجود العسكري الأمريكي في شمال شرقي البلاد.

من جانبه، يعتبر المحلل السياسي التركي "رسول طوسون"، أن لقاء وزراء الدفاع الروسي "سيرجي شويجو" والتركي "خلوصي أكار" والسوري "علي محمود عباس" بمثابة "خطوة صائبة للتقدم في مسار حل القضية السورية، لاسيما أنهم يعرفون بشكل جيد ما يجرى ميدانياً".

ويضيف: "إذا ما توصلوا إلى توافق سيتيسر بالتالي تحقيق تفاهمات أكبر، من بينها لقاء وزراء خارجية البلدين".

مع ذلك يرى "طوسون" أنه رغم هذا الاختراق في المحادثات هناك تعقيدات في طريق الحل النهائي، وأبرزها ملف مكافحة الإرهاب الذي يتضمن أبعاداً عديدة، منها ملف المعارضة التي تُعد تركيا الدولة الضامنة لها، وكذلك ملف اللاجئين والنازحين، إضافة إلى الوجود العسكري التركي في شمال سوريا.

ويعتقد الباحث التركي أن المحادثات بشأن هذه الملفات لن تنتهي خلال فترة قصيرة، أما موضوع التنازلات، فهو أيضاً يحتاج إلى دراسة عميقة واسعة.

وبتابع "طوسون": "رغم أهمية لقاء الوزيرين في موسكو، إلا أني لست متفائلاً في الوصول إلى حل قريب، ولست متشائماً حيال التوصل إلى الحل أيضاً، لكني أرى أن الأمر سيستغرق وقتاً طويلاً، ولا أتوقع في الوقت نفسه حدوث لقاء على مستوى الرئيسين قبل الانتخابات الرئاسية التركية".

أما الكاتب الصحفي السوري "عبدالحميد توفيق"، فيرى أن ثمة نقاط خلاف كبيرة بين دمشق وأنقرة ولكنها "ليست مستحيلة التذليل، وذلك رغم أن العلاقات بين البلدين وصلت إلى مستوى من التوتر جعلت الرئيسين السوري والتركي يتبادلان كلاماً جارحاً".

ويشير "توفيق" إلى أن أبرز المسائل الخلافية تتمثل على المستوى الأمني في وجهة نظر دمشق بأن تركيا تحتل أراضي سورية تُقارب مساحتها 22 ألف كيلو متر مربع، تمتد من الحدود الشمالية الشرقية قرب المالكية والقامشلي، مروراً بأرياف الرقة والحسكة وحلب وإدلب، وصولاً إلى تخوم محافظة اللاذقية في أقصى الغرب.

ويتابع: "هذه عقبة معقدة يقف عندها الجانب السوري لأنها ذات طابع سيادي، في وقت تقول تركيا إنها تحاول رسم حزام أمني يقيها ما تصفه بـ(مخاطر إرهاب) حزب العمال الكردستاني وذراعه السوري تحت راية قسد".

أما ملف اللاجئين فحلوله، كما يعتقد الكاتب السوري، هي مسألة حتمية على غرار الأزمات الدولية المشابهة، إذ "في حال التوصل إلى توافقات سياسية وأمنية سيعودون إلى مناطقهم، لا سيما أن تركيا بحاجة إلى حل هذه القضية لأنها تُشكل عبئاً كبيراً عليها وورقة ضغط من الأحزاب السياسية المنافسة قبل الانتخابات".

مسألة خلافية أخرى تبرز في خضم محادثات دمشق وأنقرة، تتمثل كما يقول "توفيق" في قوات المعارضة السورية المدعومة من تركيا والتي يُقدر عددها  بعشرات الآلاف، ويوضح أن "هناك حديث عن مقترح تركي بالتوافق مع روسيا للتوصل إلى تفاهم مع دمشق على دمج قوات المعارضة مع الجيش السوري، في حين سيتم إبعاد من يرفض عن المشهد".

وبالنسبة لهيئة تحرير الشام التي تُسيطر على معظم إدلب، يقول "توفيق" إنها "منظمة مصنفة في قوائم الإرهاب العالمية، بما في ذلك قائمة تركيا، وإذا ما تم إنهاء ملفات الخلاف بين سوريا وتركيا سيكون هناك حل للهيئة".

ويتابع الكاتب السوري أيضاً أنه "في حال تحققت المصالحة بين دمشق وأنقرة بوساطة موسكو، هذا يعني أن سوريا ستكون في طريق التعافي الاقتصادي الذي سيكون لموسكو وأنقرة حصص كبيرة فيه".

من جانبه، يتحدث الباحث الروسي المتخصص في العلوم السياسية "رولاند بيجاموف"، عن الخلافات السورية التركية المتعلقة بتسوية الصراع، وعلى نحو خاص دور القوى الكردية في هذه العملية.

ويقول إن الطرفين لديهما وجهات نظر متشابهة حول مبادئ هذه المسألة، إذ كلاهما غير راضٍ عن الدعم الذي تُقدمه الولايات المتحدة للقوات الكردية.

ويضيف "بوجانوف": "لا تزال مسألة استمرار وجود القوات التركية في سوريا، ومسألة منطقة خفض التصعيد في إدلب، وترسيم حدود مناطق المعارضة السورية دون حل. كما أن احتمال شن عملية عسكرية تركية في سوريا لا يزال مصدر قلق أيضاً، لا سيما في ظل التساؤلات بشأن المناطق والعمق الذي ستدخل إليه القوات التركية".

ويشير إلى أنه في وقت تصرّ  أنقرة على إقامة منطقة عازلة بعمق 30 كيلو متراً داخل الأراضي السورية، تؤيد دمشق الالتزام باتفاقية أضنة التي تنص على التوغل بعمق 5 كيلو مترات، لافتاً إلى أن "تركيا مهتمة بمنطقة خفض التصعيد في إدلب، وبالتالي الحفاظ على وجودها العسكري في هذه المنطقة بحجة حماية قوات المعارضة"

وفي شأن آخر من نقاط الاختلاف بين تركيا وسوريا، يقول "بوجانوف" إن "دمشق تُريد حصر نقل المساعدات الإنسانية عبر مناطق سيطرتها، أما أنقرة فتريد تقديم المساعدة الإنسانية عبر نقاط التفتيش التابعة لها".

((7))

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

روسيا سوريا تركيا أردوغان بشار الأسد

المعارضة السورية تتحرك بعد تقارب أنقرة ودمشق.. واجتماع مرتقب مع الأتراك

لقاء وزراء خارجية تركيا وسوريا وروسيا.. الموعد مرتبط بالاستعداد الجيد

جاويش أوغلو: أمريكا تعارض تطبيع علاقات تركيا مع النظام السوري

تركيا لا تمانع تسيير دوريات مشتركة مع روسيا في الشمال السوري

بعد اجتماع وزراء الخارجية.. أردوغان: يمكن عقد لقاء مع بشار الأسد