مسؤول سابق بالموساد يكشف تفاصيل عملية استخبارية سبقت قصف مفاعل العراق النووي

الأحد 8 يناير 2023 11:39 ص

كشفت مذكرات نشرها مسؤول كبير سابق في جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي (الموساد) عن تفاصيل الجهود السرية لإحباط محاولات "صدام حسين" بناء مفاعل نووي في العراق، بالتعاون مع فرنسا، في سبعينات القرن الماضي.

وأوردت مذكرات "رؤية من الموساد"، التي نشرها الرئيس السابق لمحطة فرنسا في الموساد "أهارون شيرف" القصة الداخلية لجهود الموساد لإفشال إنشاء مفاعل نووي في العراق، مشيرة إلى أن الجهاز الإسرائيلي أطلق "عملية سرية" في جميع أنحاء العالم لنسف المشروع العراقي الفرنسي، بعد إعلان توقيع فرنسا اتفاقية لتزويد العراق بمفاعلين نوويين، في نوفمبر/تشرين الثاني 1975، وفقا لما نقلته صحيفة "هآرتس" العبرية.

وشارك في العملية، إضافة إلى الموساد، الوحدتان الاستخباريتان العسكريتان 8200 و81 من الجيش الإسرائيلي، وهما وحدتان مسؤولتان عن استخبارات الإشارات والتكنولوجيا على التوالي، بالإضافة إلى لجنة الطاقة الذرية الإسرائيلية.

وفي منتصف عام 1976، انفجر ظرف صغير مفخخ عند مدخل منزل في بلدة خارج روما، وأصيب الباب الأمامي بأضرار طفيفة فقط، لكن ضوضاء الانفجار دفعت السكان إلى الاندفاع إلى المكان.

وبعد دقائق، طُرق الباب نفسه، وفوجئت الأسرة، التي اعتقدت أن الشرطة أو الجيران وصلوا إلى مكان الحادث، بالعثور على شخصين غريبين، طلبا بأدب التحدث مع صاحب المنزل، وأخبراه بتفاصيل عن مكان عمله لا يعرفها إلا هو.

كان الاثنان يعلمان أن الرجل كان عالماً نووياً وظفته شركة إيطالية تقدم خدمات للشركة الفرنسية FramatomeK، ويعلمان أيضاً أنه شارك في مشروع لبناء مفاعل نووي في العراق.

كان المهندس خائفاً جداً عندما ظهر الرجلان الغريبان في منزله بعد الانفجار الصغير وكان يخشى أن يكونا يعتزمان قتله، لكنها قاما بتهدئته، وفي اجتماعات لاحقة أخبراه بأنهما يريدان معلومات عن عمله في المفاعل مقابل مكافأة سخية.

كان هذا الظرف المفخخ جزءاً من هذا الجهد الاستخباراتي، إذ أسفر عن تجنيد المهندس النووي الإيطالي.

وبعد 3 سنوات، زُوِّدَ العالم وزوجته بجوازات سفر أجنبية وزارا إسرائيل كضيفين على الموساد، وهناك تلقيا هدية متواضعة: إبريق أنيق مصنوع من النحاس المطلي بالفضة.

يقول "شيرف" في مذكراته: "وصل ضابط عسكري من دولة عربية مهمة إلى فرنسا للدراسة. بالكاد كان لدينا حافة نتشبث بها. أنت لا تعرف مكان عمله، ولديك القليل من المعلومات الأساسية عنه. كنا نعلم أنه مسلم تقي وقومي، وكانت الدولة عنده فوق كل شيء. لكن من ناحية أخرى، عرفنا أنه كان وحيداً، وأنه لا يعرف اللغة المحلية وأنه لم يكن يحظى بودٍّ كبير في مكان عمله الفرنسي. لقد فهمنا نقاط ضعفه. وفجأة، أصبحت جارته لطيفةً معه وأخبرته أين يمكنه شراء خبز باغيت جيد. من الواضح أنها كانت هناك نيابةً عنا".

ويضيف: "بعد فترة، يظهر شخص في منزل الجارة ويقدم نفسه على أنه ابن عمها من إيطاليا. في الواقع، كان ضابطاً في الموساد. يقوم الاثنان بدعوة الضابط العربي الوحيد للقاء في حانة. المحادثة تتطور. يطلب ابن العم الويسكي للجميع، لكن الضابط [العربي] يقول إنه لا يشرب الويسكي. ضابط الحالة لا ييأس. يذهب إلى النادل ويقول: أحضر لي ويسكي واثنين من شيفاز ريغالز".

يقول "شيرف" إن الضابط شرب مشروب الشيفاز، وهو مزيج من الويسكي الاسكتلندي، دون تردد. لماذا؟ يرد "شيرف": "ربما لم يكن يعلم أن الشيفاز هو نوع من الويسكي، أو ربما أراد ويسكي ووجد أنه من الملائم طلب مشروب يحمل اسماً بريئاً على ما يبدو".

ويعد تجنيد هذا الضابط، الذي ارتقى لاحقاً من خلال الرتب العسكرية في مسيرته العسكرية في الوطن، أحد أعلى إنجازات "شيرف" حسبما أورد في مذكراته.

وفيما وظفت الشركة الفرنسية، بشكل مباشر أو غير مباشر، المئات من الفنيين والمهندسين والفيزيائيين والكيميائيين الفرنسيين، وحصلت كذلك على خدمات خبراء وشركات أجنبية من ألمانيا وإيطاليا وأماكن أخرى، كان الموساد مهتماً بشكل خاص بالعثور على الأشخاص الذين يعملون في موقع بناء المفاع النووي المزمع في العراق ويزورونه.

وأمر رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك "مناحيم بيجن" الموساد بالانتقال إلى إجراءات وقائية "أكثر صخباً"، تضمنت عمليات تخريب المعدات التي كان من المفترض أن توفرها فرنسا لبناء المفاعل.

ليس هذا فقط، ففي 14 يونيو/حزيران 1980، عُثِرَ على جثة المهندس المصري "يحيى مشهد" في غرفته بفندق ميريديان بباريس، وهو أحد أرفع الشخصيات في البرنامج النووي الإيراني، وتعرض للضرب حتى الموت، ويُعزى اغتياله إلى مقاتلي وحدة العمليات الرئيسية في الموساد، "كيدون".

ونُفذت إحدى عمليات التخريب الجريئة المنسوبة إلى الموساد ليلة 6 أبريل/نيسان 1979، في بلدة لا سين سور مير، التي تقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط بالقرب من طولون، وكان الهدف هو مستودعات تابعة لشركة CMIM المتخصصة جزئياً في تصنيع قطع غيار السفن والمفاعلات النووية.

وجرت العملية في عطلة نهاية الأسبوع، بناءً على افتراض أن الموقع سيكون فارغاً وسيكون هناك خطر أقل من إلحاق إصابات بشرية.

وصل 15  فرداً، رجالاً ونساءً، إلى المنطقة مع قائدهم، "مايك هراري"، قائد فرقة تابعة للموساد تسمى "قيصرية"، وقبل ذلك بأيام قليلة وصل رئيس الموساد "إسحق هوفي" إلى فرنسا، متخفياً وتحت اسم مستعار، من أجل مراقبة العملية عن قرب.

وصرفت مقاتلتان انتباه الحراس عند مدخل المصنع، بينما قام رفاقهما باختراق السياج وزحفوا إلى الداخل،  وعلقوا قنابل بأجهزة توقيت على حاويتين ضخمتين. وبعد أقل من ساعة هزت سلسلة انفجارات المجمع.

الحاويات العملاقة كانت تحتوي على نوى مخصصة للمفاعل العراقي، والتي كان من المقرر تحميلها على متن سفينة متجهة إلى بغداد بعد أيام قليلة.

وبعد بضع ساعات من التفجيرات، اتصل شخص مجهول بالصحف في فرنسا وذكر أن "المنظمة البيئية الفرنسية"، التي كان من المفترض أن تعارض تطوير المفاعلات النووية، تحملت المسؤولية عن هذا الإجراء. ولم تصدق أجهزة المخابرات الفرنسية الاعتراف.

وفي غضون أسابيع، تبين أن التخريب أضر بالفعل بالنوى، ولكن ليس بشدة، حيث تم إصلاح الحاويات وإرسالها إلى بغداد.

وعندما أوشك بناء المفاعل على الانتهاء، أبلغ نائب مدير الموساد رئيس الوزراء "مناحم بيجن" أن العمليات الاستخباراتية لنسف المشروع العراقي لم تحقق هدفها.

 وفي 7 يونيو/حزيران 1981، وبأمر من "بيجن"، قصف طيارو سلاح الجو الإسرائيلي مفاعل تموز بالقرب من بغداد ودمروه.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

العراق فرنسا الموساد إسرائيل أهارون شيرف

إسرائيل تكشف أسرار عملية أوبرا لتدمير المفاعل النووي العراقي

بعد أكثر من 30 عاما.. تفاصيل جديدة حول فشل خطة إسرائيل لاغتيال صدام حسين