تحديث بلا ديمقراطية.. السبب الجذري لاحتجاجات إيران

الاثنين 16 يناير 2023 11:06 ص

اجتاحت موجات متعددة من الاحتجاجات إيران منذ إلقاء القبض على "مهسا أميني" البالغة من العمر 22 عامًا ووفاتها في حجز الشرطة في 16 سبتمبر/أيلول 2022. 

وفي البداية، توجه غضب المتظاهرين ضد المقر الرئيسي لشرطة الأخلاق، لكن سرعان ما استهدفت شعارات المتظاهرين المرشد الأعلى "علي خامنئي" ورئيس الدولة والنظام في مجمله، وكشف ذلك أن الاحتجاجات لها جذور أعمق. 

إذن، ما هو السبب الجذري للاحتجاجات المناهضة للنظام في إيران، إن لم تكن قواعد الزي الإلزامي للنساء والطريقة العنيفة في فرضها؟ الإجابة المختصرة هي التحديث بدون الديمقراطية، أو عدم استعداد النظام أو عدم قدرته على التكيف مع التحولات التي حدثت في المجتمع على مدى السنوات الماضية.

"مهسا أميني" تجسيد للمعضلة

منذ ثورة 1979 وإنشاء الجمهورية الإسلامية، كانت الدولة هي القوة الدافعة للتحديث في إيران. ومع ذلك، نتيجة للفشل في إيجاد رابطة بين التحديث وإرساء الديمقراطية، يكون النظام قد خلق طبقة وسطى حضرية تفتقر إلى مسارات حقيقية وقانونية للمشاركة السياسية. 

نتيجة لذلك، فإن غياب مثل هذه المسارات للمشاركة السياسية، يجعل الاحتجاجات في الشوارع واحدة من الأدوات القليلة المعبرة عن المطالب السياسية وعن المظالم، وهو ما يفسر إلى حد كبير وقوع الاحتجاجات العنيفة المناهضة للنظام في إيران.

ولا تُظهر قضية "أميني" جهود الجمهورية الإسلامية للتحديث فحسب، بل تُظهر أيضًا عجز النظام أو عدم رغبته في ربط التحديث بالديمقراطية. 

فقد كانت "مهسا أميني" مواطنة كردية-إيرانية ولدت في مدينة سقز المحدودة اجتماعيًا واقتصاديًا في محافظة كردستان الإيرانية، وأكملت التعليم الابتدائي والثانوي، واجتازت امتحان القبول بالجامعة، وقُبلت في فرع أروميه من جامعة آزاد الإسلامية. وإلى جانب التحضير للجامعة، كانت تبيع أيضًا الملابس في كشك صغير في بازار سقز. وخلال زيارة في العطلة إلى طهران، تم القبض عليها بتهمة عدم الامتثال لقواعد زي النساء وتوفيت في حجز الشرطة.

وإذا نظرنا إلى الملف التعريفي لـ"مهسا أميني" من منظور إحصاءات البنك الدولي، فإننا نجد أنها تمثل العديد من النساء في إيران. ولا يمتلك البنك الدولي بيانات عن معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة للبالغين في إيران من 1977-1986، وبالتالي فإن المقارنة الدقيقة بين إيران عشية الثورة واليوم غير ممكنة. ومع ذلك ففي عام 1976 كان معدل الإلمام بالقراءة والكتابة للبالغين في إيران 37% وارتفع إلى 52% بحلول عام 1986 وبلغ 89% بحلول عام 2021. 

وبالمقارنة، فقد كان معدل الإلمام بالقراءة والكتابة في النساء البالغات 24% في عام 1976 وارتفع إلى 41% بحلول عام 1986 ووصل إلى 85% بحلول عام 2021. 

وكان النمو في معدل الالتحاق بمؤسسات التعليم العالي بعد الثانوي (أي التعليم الرسمي بعد الثانوي، مثل التعليم الجامعي أو المهني) مدهشًا بالقدر نفسه: في عام 1978، التحق 5% فقط من الإيرانيين ببرنامج التعليم العالي بعد الثانوي، ولكن هذا العدد ارتفع إلى 58% بحلول 2020.

كما يمكن رصد نفس النمط من النمو في معدل التحاق الإناث بمؤسسات التعليم العالي بعد الثانوي، حيث قفز من 3% في عام 1978 إلى 57% في عام 2020، على الرغم من انخفاضه عن 67% عام 2015.

وبينما توضح بيانات البنك الدولي بشأن التعليم تطورًا مثيرًا للإعجاب، تظهر أرقامه عن مشاركة القوى العاملة من الإناث تظهر ركودًا صادمًا: ففي عام 1976، شاركت 13.4% من النساء الإيرانيات في سوق العمل الرسمي، وبحلول عام 2022، ظل العدد دون تغير تقريبًا عند 13.9%.

ومن ناحية، تقوم الجمهورية الإسلامية بتعليم النساء، ولكن من ناحية أخرى فإنها تقيد وصولهم إلى الوظائف وتحد من حريتهم الشخصية فيما تدعي أنها جهود لتشجيع الأسر وتعزيز الفضيلة ومنع الرذيلة، والتي تشمل فرض وإنفاذ قانون الزي على النساء، حتى لو جاء ذلك على حساب أرواح النساء الإيرانيات.

لا تقتصر مشكلة النظام على النساء الإيرانيات المتعلمات، ولكنها جزء من مشكلته الأكبر مع الطبقة الوسطى الحضرية المتعلمة. 

طبقة وسطى بلا سلطة سياسية

في عام 1979، كان إجمالي عدد سكان إيران متواضعًا بواقع 37.2 مليونًا، وقد وصل هذا الرقم إلى 87.9 مليونًا بحلول عام 2021. وفي عام 1979، بلغت نسبة سكان المدن 49% مقابل نسبة 76% في عام 2021.

ويرتبط هؤلاء الحضريون ببعضهم البعض؛ فقد ارتفعت اشتراكات الهاتف الثابت من 852 ألفًا في عام 1979 إلى 29 مليونًا في عام 2021، وارتفعت اشتراكات الهاتف المحمول من 9200 في عام 1994 إلى حوالي 136 مليونًا في عام 2021. 

وكانت التطورات في الخارج تصل إلى سكان المدن الإيرانيين من خلال الصحف والراديو وقنوات البث التلفزيوني الناطقة بالفارسية على الأقمار الصناعية. أما الآن فإن الإنترنت يربط الإيرانيين -ولا سيما سكان المدن- فقد ارتفع الأفراد الذين يستخدمون الإنترنت من 1% من السكان في عام 2000 إلى 79% في عام 2021.

لقد حولت الجمهورية الإسلامية الهواتف المحمولة إلى أداة للمراقبة، وفرضت الرقابة على وسائل الإعلام المحلية، وشنت الحرب ضد قنوات الأقمار الصناعية الموجهة لإيران، وقيدت الإنترنت. فإن ربط التغير الاجتماعي، لا سيما ظهور طبقة وسطى حضرية متعلمة، مع الابتكار التكنولوجي، على الرغم من تقييده وفلترته بالقدر الممكن، يفرض تحديًا خطيرًا للنظام.

تستمر النظرية السياسية الحديثة في محاولتها إثبات أن الطبقة الحضرية الوسطى المتعلمة، والمتصلة جيدًا من الناحية التقنية، قد طالبت تاريخيًا بالسلطة السياسية، والتي لا ترغب أو لا تقدر الجمهورية الإسلامية على تقديمها.

وبدلاً من توفير السلطة السياسية للطبقة الوسطى المتعلمة، تضيق الجمهورية الإسلامية على نحو متزايد طرق المشاركة السياسية الأصيلة والقانونية، حتى في إطار ديمقراطيتها الصورية؛ حيث قام مجلس صيانة الدستور (الذي يقوم وفق تعليمات خامنئي بتصفية المرشحين الرئاسيين غير المتوافقين إيديولوجيًا) برفض 592 من الأفراد الذين سجلوا في الانتخابات الرئاسية 2021 باعتبارهم غير مؤهلين.

وكان الكثير من الأشخاص المستبعدين من أنصار النظام الذين كانوا ينظر إليهم سابقًا على أنهم ركائز النظام. ومن بين الأشخاص السبعة الذين نجحوا في اجتياز مرحلة تضييق مجلس صيانة الدستور، انسحب 3 منهم لصالح "إبراهيم رئيسي"، الذي فاز في الانتخابات، التي شارك فيها فقط 48.8% من الناخبين المؤهلين – وهي أقل نسبة مشاركة في أي انتخابات في تاريخ الجمهورية الإسلامية.

ومع تقييد اختيارات المرشحين في مثل هذا النظام الانتخابي الذي يتم التحكم فيه بشكل مفرط، فإن اختيار عدم الذهاب للتصويت هو أحد الطرق القليلة أمام الناخبين للتعبير عن معارضتهم ورفضهم للنظام القائم.

خيارات النظام

على الرغم من الرقابة الحكومية على وسائل الإعلام، سرعان ما أشارت الصحف الإصلاحية إلى العلاقة بين تراجع المشاركة السياسية منذ الانتخابات الرئاسية في عام 2009 وانفجار الاحتجاجات المناهضة للنظام. 

قد لا تشكل مثل هذه الاحتجاجات تهديدات وجودية لنظام لا يتردد في استخدام القوة ضد السكان لتأمين بقائه، لكن الاندلاع المستمر للاحتجاجات المتناثرة يشكل تكلفة سياسية على الجمهورية الإسلامية. 

وكان يمكن للنظام أن يتجنب هذه التكلفة، ولكنه اختار اتباع إجراءات تستحق الشجب، مثل حرمان المرأة من التعليم كما فعل نظام طالبان في أفغانستان الحالية، وتكتيكات “السنة الصفرية”، مثل نقل سكان المدن إلى الريف، مثل فترة الخمير الحمر الرهيبة في كمبوديا في سبعينيات القرن العشرين، أو من خلال تكييف النظام السياسي لاحتواء التغيرات الاجتماعية.

المصدر | علي ألفونيه/ معهد دول الخليج في واشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

احتجاجات إيران مهسا أميني خامنئي إيران

إيرانيون يؤيدون ولي عهد الشاه السابق للتحدث باسمهم.. حملات إلكترونية ووسوم بتويتر

4 أسباب وراء نجاة النظام الإيراني من أزمة احتجاجات مهسا أميني