معهد دول الخليج العربية: عمان ليست دولة محايدة وضعفها الاقتصادي وراء تهميشها

الأحد 22 يناير 2023 06:47 ص

هل عمان حقا دولة محايدة؟ تناولت الباحثة الإيطالية "جوليا داجا" إجابة السؤال السابق بالمناقشة في إطار وصف السلطنة في العديد من التقارير الصحفية الغربية بـ "سويسرا الشرق الأوسط"، مشيرة إلى أن مفهوم الحياد له معانٍ قانونية وسياسية مشتقة من سياقاته التاريخية والجغرافية التي لا تنطبق على الحالة العمانية.

وذكرت "داجا"، في تحليل نشرته بموقع معهد دول الخليج العربية وترجمه "الخليج الجديد"، أن مصطلح "الحياد" غالبا ما يتم تخفيف معناه القانوني والسياسي صحفيا، وهو ما ينطبق بشكل خاص على عمان، حيث تصف وسائل الإعلام الدولية السياسة الخارجية للسلطنة بأنها تحوط أو توازن شامل أو "حياد".

لكن الحكومة العمانية لم تعلن أبدًا الحياد ولا يظهر هذا المصطلح ضمن مبادئها للسياسة وفق الموقع الإلكتروني لوزارة الخارجية، حسبما لاحظت الباحثة الإيطالية، مشيرة إلى أن استراتيجيات عدم الانحياز والتحوط أو الموازنة الشاملة "عناصر مشتركة لجميع السياسات الخارجية لدول الخليج العربية الصغيرة، على الأقل حتى فترة الربيع العربي".

وأوضحت: "غالبًا ما يوصف هذا السلوك الشائع بأنه نتيجة لتشكل سياقات اجتماعية اقتصادية متشابهة، على الرغم من وجود قدرات مختلفة من حيث قاعدة القوة الاقتصادية. فمن منظور نظرية الدولة الصغيرة، يمكن القول إن دول الخليج العربية الصغيرة تأثرت بشدة بالتغيرات في الهياكل الإقليمية".

فبينما أدى مزيج التغييرات في ميزان القوى الإقليمي والموارد الاقتصادية الأقوى بالإمارات وقطر إلى سياسات خارجية نشطة غير مسبوقة بعد الربيع العربي،  لجأت البحرين إلى اتباع التوافق مع السعودية كاستراتيجية ثابتة، بعدما تكثف إدراكها الذاتي لضعفها منذ عام 2011.

كما واصلت الكويت استراتيجيتها التقليدية للتحوط، بالتناوب بين التدخلات العسكرية الانتقائية وجهود الوساطة، في حين اتخذت عمان مواقف حيادية خاصة في النزاعات العسكرية، واختارت عدم إرسال قوات في أي من أزمات بعد عام 2011 وفضلت دور منخفض لتيسير الوساطة.

ويمكن تفسير السلوك الدفاعي لسلطنة عمان، بحسب "داجا"، بأنه "دلالة على الاستقرار الهش للدولة الصغيرة"، وهو الإرث الذي ورثه السلطان قابوس في عام 1970.

وأجبرت تلك الحالة السلطان على السعي لتحقيق هدف مزدوج، يتمثل في الدفاع عن البلاد ومحاولة قبوله من قبل أكبر عدد ممكن من الجهات الفاعلة (إقليميا ودوليا) لتجنب العزلة.

وأدى ذلك إلى تموضع سلطنة عمان بموقع "التهميش المقبول"، والذي تُرجم إلى إبقاء البلاد خارج مركز النقاشات في العالم العربي، حسبما ترى الباحثة الإيطالية.

ويتجلى هذا الموقف في قرارات عمان الحذرة، التي تستهدف منها "التقليل من دورها"، وعدم الوقوع في شرك المواقف غير المريحة، ولتجنب تكلفة الحرب، التي لن تستطيع عمان تحملها بسبب ضعفها الاقتصادي.

وتشير "داجا" إلى أن هذا الضعف الاقتصادي هو ما أجبر سلطنة عمان على اتباع استراتيجية عدم الانحياز دفاعيا مقارنة بجيرانها.

ففي اليمن، على سبيل المثال، لم يكن استياء عمان من التدخل السعودي والإماراتي في منطقة المهرة صاخبًا، حيث وجدت السلطنة نفسها في حاجة متزايدة إلى المساعدة المالية.

وتشير "داجا" إلى أن الرابط بين الضعف الملحوظ والسياسة الخارجية لسلطنة عمان واضح أيضًا في سلوكها منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، فبينما تحالفت قطر والكويت بحذر مع أوكرانيا، ورفضت السعودية والإمارات الانضمام إلى الدول الغربية في السعي لعزل روسيا، تبنت عمان، ومعها البحرين، نهجاً يميل إلى عدم الانحياز.

وصوتت عمان لصالح قرار الأمم المتحدة الذي يدين العدوان الروسي في فبراير/شباط الماضي، لكنها رفضت العقوبات ضد موسكو وحافظت على علاقات مفتوحة مع روسيا.

وأعلنت عمان لفترة طويلة عن سياسة خارجية قائمة على "عدم التدخل"، وذلك لحماية مصالحها الحيوية، لا سيما استقرارها الداخلي وسلامة أراضيها، خاصة في الوقت الذي واجهت فيه حالة عدم اليقين الاقتصادي منذ عام 2011.

وفي الخليج، وتحديداً الحرب في اليمن وأزمة حصار قطر، تبنت عُمان موقفاً دبلوماسياً على مسافة متساوية من مختلف الأطراف، لكنها تدخلت لتعزيز مصالحها الأمنية والاقتصادية.

وفيما يتعلق بالاتفاقيات الأمنية ، تبنت عُمان نهجًا شاملًا أو تحوطًا في تنويع مزودي خدماتها الأمنية، لكنها قاومت دائمًا توقيع اتفاقيات دفاعية ملزمة، بطريقة تتوافق مع الحياد العسكري.

ورغم كل تلك المؤشرات، إلى أن "داجا" تؤكد أنها لا تجعل عمان دولة محايدة، مشيرة إلى أن الحياد لا يعبر عن "مقصود صناع القرار العمانيين".

وأضافت أن مفاهيم "عدم الانحياز العسكري" و"ما بعد الحياد" و"الحياد النشط" و"الحياد العسكري" تم إنتاجها سابقا من قبل دول أوروبا الصغيرة لتبرير التغييرات في نهج سياستها الخارجية، والأمر ذاته تقوم به سلطنة عمان.

ولفتت إلى أن وصف وسائل الإعلام الدولية لعمان بأنها "سويسرا الشرق الأوسط"ينطوي على مخاطرة بفقدان فهم مسار خصوصيات السلطنة ومصالحها وأهدافها.

واختتمت "داجا" تحليلها بالإشارة إلى ان الحكومة العمانية نفسها لا تستخدم مصطلح الحياد لوصف سياستها الخارجية، بل تستخدم مصطلحات أخرى مثل التسهيل (بين الأطراف المتنازعة)، وعدم التدخل (من خلال الوسائل العسكرية في النزاعات العسكرية)، والتحوط، وهي المصطلحات الأكثر تعبيرا عن حالة السلطنة ورؤيتها.

المصدر | معهد دول الخليج العربية - ترجمة وتحرير: الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

عمان الشرق الأوسط الربيع العربي السلطان قابوس مجلس التعاون الخليجي