جيوبوليتيكال فيوتشرز: تغيرات درامية في الضفة الغربية.. والتطبيع في خطر

الجمعة 10 فبراير 2023 11:45 ص

الاضطرابات المتصاعدة في الضفة الغربية ستكون لها تداعيات سلبية على مسيرة التطبيع بين إسرائيل ودول شرق أوسطية، وهي دليل على منهجية جديدة للجيل الجديد من الفلسطينيين فاجأت إسرائيل التي حرصت على تجريف الهوية الفلسطينية، وبدأت تعيد القضية الفلسطينية إلى الصدارة عربيا وإقليميا.

ما سبق كان خلاصة تحليل كتبه الأكاديمي "هلال خشان"، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت، ونشره موقع "جيوبوليتيكال فيوتشرز"، وترجمه "الخليج الجديد".

ويقول التحليل إن وتيرة "العنف" تصاعدت بشكل سريع ومخيف في الضفة الغربية خلال الأسابيع الماضية، وشهد الشهر الماضي وحده 1448 حادثة بين شبان فلسطينيين وقوات الاحتلال والمستوطنين، بما في ذلك 159 حادث إطلاق نار، معظمها في جنين ونابلس، و520 مواجهة غير مسلحة مع القوات الإسرائيلية، و132 مواجهة مع مستوطنين.

ويبدو أن جيلًا جديدًا من الفلسطينيين قرر أخذ زمام الأمور بأيديهم وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، كما يقول المحلل.

ويضيف: "لكن تلك الاضطرابات لها أيضًا تداعيات على أجزاء أخرى من الشرق الأوسط أمضت العامين الماضيين في الشروع في التقارب مع إسرائيل، وهي (الاضطرابات) مسؤولة جزئيًا عن تثبيط الإمارات والبحرين عن المزيد من حراك تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وردعت آخرين، مثل السعودية وسلطنة عمان عن المضي قدما في العملية".

فشل دايتون

ولفت المحلل إلى ظهور جيل جديد من الشبان الفلسطينيين لم تدجنه جهود المنسق الأمني الأمريكي الجنرال "كيث دايتون" بعد سيطرة حركة "حماس" على غزة عام 2007، ببناء جهاز أمني فلسطيني قمعي في الضفة الغربية، وسعيه إلى تحويل تركيز الفلسطينيين بعيدًا عن السياسة من خلال غمرهم في نمط استهلاكي من شأنه أن يصرف الانتباه عن النضال من أجل إقامة دولة.

وبالإضافة إلى تسهيل القروض المصرفية الشخصية التي أغرقت الناس بالديون وأهملت التنمية الزراعية والصناعية، هدفت خطة "دايتون "إلى تدمير الحركة الوطنية بشكل عام، وتكريس حركة "فتح" كحزب قوي حاكم، وإنهاء مهمتها التحريرية، وفصلها عن الحركة الوطنية، وشل قدرات السلطة الفلسطينية على قيادة النضال.

تضمنت عملية "دايتون" أيضا السيطرة على المجال العام بأكمله، وإضعاف الحركة الطلابية، وإدخال اهتمامات شعبية جديدة، مثل الترفيه وإشاعات المشاهير بدلاً من الرموز الوطنية.

ورغم هذه الجهود، فشل "دايتون"، كما يقول التحليل، في منع ظهور جيل فلسطيني جديد في الضفة الغربية، حيث بدأت حركة الشباب الراديكالية تتشكل بعد عملية "الجرف الصامد" الإسرائيلية عام 2014 ضد فصائل المقاومة المسلحة في غزة.

وبلغ الحراك ذروته عندما أطلقت "حماس" عملية "سيف القدس"، التي استهدفت قلب إسرائيل في عام 2021.

وبحسب الكاتب، يختلف أفراد الجيل الفلسطيني الجديد عن أسلافهم الذين نشأوا في أعقاب استيلاء إسرائيل على الضفة الغربية عام 1967.

المقاومة في ثوب جديد

نشأ الشباب الفلسطيني اليوم في الشرق الأوسط مع واقع التطور التكنولوجي السريع وظهور المنصات الرقمية، واستخدموا هذه التكنولوجيا للتعبير عن أنفسهم وطوروا الوعي الثقافي والشعور بالهوية الوطنية للتعويض عما ضاع تحت الاحتلال الإسرائيلي.

كانت حرب غزة عام 2014، التي استمرت نحو 50 يومًا وأودت بحياة أكثر من 2100 فلسطيني، بداية المقاومة الفلسطينية الجديدة في الضفة الغربية، واشتدت في عام 2020 عندما شن شبان فلسطينيون 441 عملية عسكرية ضد الجيش الإسرائيلي والمستوطنين، أي أكثر من أربعة أضعاف عدد العمليات في العام السابق.

وبحسب الكاتب، يعتقد الجيل الجديد أن العالم قد تجاهل المظالم التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني، كما يرى أن حركة "فتح" التي أسسها "ياسر عرفات" عام 1959 في الكويت قد خانت القضية الفلسطينية واستسلمت للإسرائيليين بحجة السلام.

ونتج عن توقيع اتفاقيات أوسلو عام 1993 الزوال الفعلي لمنافسي "فتح"، أي "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" اليسارية.

فتح الشباب أعينهم على قيادة فلسطينية استبدادية تحكم دون تفويض من الشعب، لم يشهدوا أي انتخابات تشريعية أو رئاسية يكون لهم رأي فيها، وبدلاً من ذلك شهدوا تنامي الفساد والمحسوبية والقمع والظلم، ما أدى إلى تصاعد الغضب تجاه السلطة الفلسطينية.

وازداد الإحباط مع كل مواجهة مع الإسرائيليين وقفت فيها السلطة ضد الشباب، بما في ذلك اعتقال النشطاء الشباب.

ويرى التحليل أن هذا الجيل "غير إيديولوجي"، ما يدل على الشعور الوطني المنفصل عن التوجهات اليسارية واليمينية والدينية.

ويرى التحليل أن شباب الجيل الثالث الفلسطيني، كما يسميهم الإسرائيليون، جيل متمرد لا ينتمي إلى أي منظمة فلسطينية.

ورغم أنهم يدعمون "حماس" و"الجهاد الإسلامي" لكنهم يرفضون الانضمام رسميًا إلى هاتين المجموعتين، حيث يعتقد الشباب أنهم أحرار، وغير مقيدين بالحدود أو بإملاءات المنظمات التقليدية التي فشلت مرارًا وتكرارًا.

وتعد جماعة "عرين الأسود"، التي بدأت في نابلس، من أبرز الجماعات المسلحة الصغيرة، وقد أصبح أعضاؤها شخصيات وأبطالًا معروفين بين الشباب الفلسطيني بسبب ظهورهم على TikTok.

إنهم يستعرضون بفخر، حاملين أسلحتهم في مخيمات اللاجئين والأماكن المزدحمة، ومن خلال وجودهم في كل مكان، يوضحون لقيادة السلطة الفلسطينية أنهم مسؤولون على الأرض، كما يقول الكاتب.

وأضاف الكاتب: خلال التصعيد المستمر في شمال الضفة الغربية، لم يهرب هؤلاء النشطاء المسلحون من المعركة ولم يخفوا هوياتهم وراء أقنعة، إنهم يتفاخرون بقتالهم ضد إسرائيل من خلال نشر مقاطع فيديو قصيرة لاشتباكاتهم مع جيش الاحتلال الإسرائيلي.

مجموعة بارزة أخرى هي "لواء جنين"، الذي يضم شباناً مسلحين ظهروا في مراسم استقبال المعتقلين العائدين من السجون الإسرائيلية وجنازات النشطاء الذين قتلوا على يد الجيش الإسرائيلي. انتشر وجودهم بسرعة في جميع أنحاء شمال الضفة الغربية.

وتابع: لم يشهد اليوم الشباب الفلسطيني في الضفة والقدس المحتلة الانتفاضة الثانية (2000-2005). إنهم يعتقدون أن قبول الوضع الحالي لن يمنحهم مستقبلًا واعدًا أو الكرامة التي يستحقونها.

مرت ثلاثة عقود على توقيع اتفاقية أوسلو وقيام السلطة الفلسطينية، وما زالت الدولة الفلسطينية غير مقامة.

بالنسبة للشباب، يبدو هذا الهدف بعيدًا بعد أن أغلقت إسرائيل السلطة الفلسطينية بقضايا أمنية واقتصادية وهمشتها سياسيًا.

يتغلغل الفساد الآن في السلطة الفلسطينية من أعلى إلى أسفل، بحسب الكاتب.

ويرى الكاتب أن إضعاف إسرائيل والسلطة الفلسطينية للحركة الإسلامية في الضفة الغربية أدى إلى تراجع مشاعر التدين لدى الشباب، لكنه لم يحد من إحساسهم بالهوية الوطنية.

تداعيات طويلة الأمد

ويضيف أن فكرة مقاومتهم ستؤدي في النهاية إلى تآكل الروح المعنوية لجيش الاحتلال الإسرائيلي والأجهزة الأمنية وتدفع إلى مزيد من التصعيد.

ويلفت التحليل إلى التأثير السلبي لكل ما يحدث على مسيرة التطبيع، لاسيما مع البحرين والمغرب، ثم الإمارات التي لا تزال تكافح للحفاظ على زخم مقبول للعملية.

ولا يغفل الكاتب للإشارة إلى أن عملية تطبيع بعض دول الخليج مع إسرائيل جاءت مدفوعة بالأساس برغبة قادة هذه الدول للتقارب مع الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب"، ما يعني أن العملية تواجه تحديات الآن مع إدارة "بايدن" التي لا تتمتع بعلاقات دافئة مع تلك الدول حاليا.

كما يمكن أن يؤدي تحسن علاقات قطر مع دول مجلس التعاون الخليجي إلى تعقيد التقارب، حيث تتبنى قطر حاليا وجهة نظر متحفظة على التطبيع مع إسرائيل، في ضوء رفض الأخيرة التفاوض مع الفلسطينيين وإعطائهم حقوقهم.

في غضون ذلك، مرت سلطنة عمان أيضًا بتقارب مع إسرائيل في عهد السلطان  الراحل "قابوس بن سعيد"، الذي توفي في عام 2020.

ومع ذلك، فقد شددت مسقط مؤخرًا موقفها من خلال التطبيق الصارم لقرار جامعة الدول العربية لعام 1951 الذي يحظر التعامل مع إسرائيل.

أما في السعودية، فلا تزال قضية التطبيع من المحرمات داخل الدوائر الحكومية.

المصدر | هلال خشان | جيوبوليتيكال فيوتشرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الضفة الغربية الفلسطينيين الاحتلال الإسرائيلي التطبيع القضية الفلسطينية

جيش الاحتلال يصيب 3 فلسطينيين ويعتقل شقيق الأسير زكريا الزبيدي

استشهاد فلسطيني وإصابة 7 في اقتحام إسرائيلي لنابلس

ريسبونسبل ستيتكرافت: حكومة نتنياهو تحرج دول التطبيع.. وهذا ما قد تفعله الإمارات والبحرين

استشهاد 9 فلسطينيين وإصابة 97 بعد اقتحام الاحتلال الإسرائيلي نابلس (فيديو)

تقاسم صلاحيات وزارة دفاع الاحتلال الإسرائيلي بالضفة الغربية

رويترز: انتفاضة فلسطينية ثالثة وشيكة مع جيل جديد من المقاومين بالضفة