قهوة البن الخولاني.. هكذا تعيد الثقافة صياغة الهوية السعودية بمشروع بن سلمان

الأربعاء 15 فبراير 2023 08:14 م

سلطت صحيفة أمريكية الضوء على إعادة القيادة السعودية صياغة "هوية المملكة" من الإطار الديني إلى الإطار الوطني، مشيرة إلى اعتراف الأمم المتحدة بحبوب البن الخولاني كجزء من "التراث الثقافي غير المادي" للمملكة، باعتباره أحد علامات هذه الصياغة.

وذكرت "لوس أنجلوس تايمز"، في تقرير ترجمه "الخليج الجديد" أن الاعتراف الأممي في أواخر العام الماضي، جاء تتويجا لحملة شاملة، استهدفت ربط الفخر الوطني بحبوب البن التي يتم زراعتها خصوصا في منطقة جبال جازان.

وفي عام 2022، أصدرت سلطات المملكة مرسومًا بإعادة تسمية المشروب المعروف في جميع أنحاء الشرق الأوسط باسم "القهوة العربية" إلى "القهوة السعودية".

كما تخطط السلطات السعودية، على مدى العقد المقبل، لضخ مئات الملايين من الدولارات في صناعة القهوة الوطنية.

وتعد حملة القهوة جزءًا صغيرًا لكنه مهم من رؤية السعودية 2030، وهي خطة ولي عهد المملكة، الأمير "محمد بن سلمان" لتنويع الاقتصاد، وصبغ ثقافة بلاده بالانفتاح، إذ لا يحاول فقط تقليل اعتماد المملكة على النفط، بل يحاول أيضًا إعادة صياغة الهوية السعودية.

وفي هذا الإطار، قال "المهند المروعي"، الرئيس التنفيذي لمعهد البن العربي، المملوك للقطاع الخاص في الرياض: "القهوة جزء من ثقافتنا على مر العصور (..) نحن شعب نشربها صباحًا، وبعد الظهر، وفي المساء، ونقدمها للضيوف".

وفي السياق، نوهت "لوس أنجلوس تايمز" إلى أن تركيز بن سلمان على الثقافة، يرقى إلى مستوى الاعتداء على الوهابية، وهي "العلامة المتشددة للإسلام التي تحالف أتباعها مع العائلة المالكة عام 1744 ودفعوا صعودها إلى السلطة"، بحسب التقرير.

فعندما تم إنشاء المملكة العربية السعودية، عام 1932، أعطى رجال الدين الحكومة التصريح الديني للمطالبة بطاعة المواطنين، وفي المقابل سمحت الملكية للإسلاميين بالسيطرة على الحياة العامة.

وقال "علي الشهابي"، المحلل السياسي المقرب من الديوان الملكي السعودي: "إن تأثير الطبقة الدينية قلل من أهمية القومية والرموز المرتبطة بالأمة".

ونوه السعودي "محمد اليحيى"، الزميل في معهد "هدسون" في واشنطن، إلى أن "اليوم الوطني، الذي يوافق إعلان العربية السعودية مملكة في عام 1932، لم يكن عطلة رسمية، وكان الأئمة يذهبون إلى حد إصدار فتاوى ضد الاحتفال به".

وأضاف: "كانت فكرة الفخر الوطني في السعودية تدور بأكملها حول الإسلاموية الشاملة"، فالمملكة "يجب الاحتفال بها، ليس كدولة قومية، ولكن كأرض أعظم مسجدين في الإسلام - في مكة والمدينة - و كقلب لمجتمع إسلامي أكبر" حسب الرؤية الوهابية.

ولأن رجال الدين الوهابيين رأوا الحفاظ على التراث شكلاً من أشكال عبادة الأصنام، فإن معظم المواقع التاريخية، بما فيها المواقع ذات الأهمية الدينية مثل المنزل الذي يُعتقد أن النبي محمد ولد فيه، تم إهمالها أو حتى هدمها لإفساح المجال لتوسيع المدن.

كما تم تجاهل التقاليد، ورغم أن الأمم المتحدة أطلقت "القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية" في عام 2008، إلا أن المشاركات الأولى للسعودية لم تظهر حتى عام 2015.

لكن في عهد "بن سلمان"، ضخ صندوق الاستثمارات العامة عشرات المليارات من الدولارات لتطوير وترويج مواقع "تراث ما قبل الإسلام"، بما في ذلك العلا والدرعية.

وبإضافة حبة البن الخولاني إلى قائمة التراث، وصلت مساهمة السعودية في قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية إلى 11، شملت نوعا من الرقص والصقور وأنواعا محلية من القطط.

ولدى وزارة الثقافة السعودية، الآخذة في التوسع بسرعة، ما لا يقل عن 11 لجنة لتعزيز التقاليد السعودية في الموسيقى والأفلام والفنون البصرية والمتاحف والمسارح والأزياء.

وهذه ليست المرة الأولى التي يحاول فيها أحد أفراد العائلة السعودية إعادة تشكيل الهوية الوطنية، إذ حاولت الحكومة السعودية تهميش المؤسسة الدينية والترويج لتراث قائم على تاريخ البلاد بدلاً من الإسلام، في مواجهة رد الفعل الإسلامي العنيف على دعمها للولايات المتحدة في غزو العراق.

غير أن الخبراء يقولون إن الشيء المختلف في استراتيجية "بن سلمان" الحالية هو دفعه لإسكات كل الانتقادات لسياساته، سواء كانت ذات توجهات دينية أو غير ذلك

ففي عام 2016، قام بتحييد الشرطة الدينية (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، التي كانت تطارد الناس بسبب مخالفات أخلاقية، من خلال تجريدها من السلطات القانونية وحصر عملها في حملات التوعية.

وبعد عام، اعتقلت السلطات أكثر من 20 من رجال الدين والمثقفين بتهمة التجسس والاتصال بجماعة الإخوان المسلمين، التي تعتبرها الحكومة السعودية منظمة إرهابية.

ثم جاءت عملية القتل والتقطيع الشائنة للصحفي السعودي المقيم في الولايات المتحدة "جمال خاشقجي" على يد فريق حكومي، أفادت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بأنه كان ينفذ أوامر ولي العهد، على الرغم من إنكار الأخير.

وتضاعف استخدام عقوبة الإعدام في السعودية منذ عام 2015، وفقًا لمنظمات حقوقية، وفي العام الماضي أعدمت الحكومة 148 شخصًا، بينهم 81 في يوم واحد، بتهم متنوعة، بينها المشاركة في مظاهرات.

وقال "الشهابي" إن هذه الحملة كانت "جزءا من إعادة تكييف المجتمع ونقله من الهيمنة الكاملة لثقافة ورواية الطبقة الدينية إلى حالة طبيعية أكثر، مشتركة مع الدول الأخرى"، معلقا:"الطبقة الدينية غير مسرورة بالطبع، لكن الحكومة تبقيها في الصف".

وأشار إلى أن رجال الدين السعوديين أدركوا أن الاتجاه نحو الانفتاح الثقافي يحظى بدعم أكبر بكثير مما كانوا يتوقعون، مضيفا: "قد ينبع ذلك من حقيقة أن أغلب السكان من الشباب الذين تقل أعمار ثلثي سكان البلاد، البالغ عددهم 36 مليون نسمة".

لكن العديد من السعوديين حريصون أيضًا على رؤية بلادهم تنافس قطر والإمارات، رغم استخدامهما للبترودولار ولجان الفنانين والفرق الرياضية والأوركسترا وغيرها من العوامل التي تهدف إلى جذب الاهتمام العالمي وغرس الفخر الوطني، مضيفا: "إنهم سعداء برؤية الأسد النائم وقد بدأ أخيرًا في الاستيقاظ".

وهنا تشير "لوس أنجلوس تايمز" إلى أن القادة السعوديون يأملون في أن يؤتي التركيز على الثقافة ثماره اقتصاديًا، ويتوقعون أن تخلق الاستثمارات في الثقافة 100 ألف فرصة عمل وتحقق زيادة بنسبة 3% في الناتج المحلي الإجمالي السنوي للبلاد بحلول نهاية العقد الجاري.

ومن المتوقع أن تمثل أموال السعوديين نسبة كبيرة من إجمالي الإنفاق على الثقافة في المملكة، إذ سينفقون رواتبهم في الداخل بدلاً من السفر إلى الخارج لحضور العروض الثقافية.

وفي السياق، تمثل شركة القهوة السعودية المملوكة للدولة، والتي تم إنشاؤها حديثًا، مستهدفا لتدفق الاستثمارات الثقافية، التي تشمل شعاراتها "القهوة لها وطن وقصة تُروى".

وتخطط الشركة لتطوير المزارع في منطقة "حزام البن" بالسعودية، خاصة بعد تفويضها بزيادة الإنتاج السنوي إلى 2500 طن أكثر من 8 أضعاف الإجمالي الحالي بحلول عام 2030.

وقالت "نوف قثامي"، مديرة العلامة التجارية في الشركة: "تتمتع هذه المناطق بتراث هائل في القهوة لكنها لم تحظ بالاهتمام المناسب (..) لم يكن لدى المزارعين الدافع الكافي".

كما تقوم الشركة بتدريب 1000 سعودي على جميع جوانب إنتاج البن، من زراعة الفول وحصاده إلى تقنيات الطحن والتخمير. وثمة خطط أخرى لافتتاح 25 مقهى حول العالم للترويج للقهوة السعودية.

المصدر | لوس أنجلوس تايمز - ترجمة وتحرير: الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السعودية البن الخولاني الهوية السعودية عام القهوة السعودية معهد البن العربي

بن سلمان يطلق "قمم السودة" بأعلى موقع في السعودية