زلزال سوريا.. منعطف جديد باتجاه التطبيع مع بشار الأسد

الجمعة 17 فبراير 2023 11:30 ص

"تعمل الدول العربية على تسريع الجهود لإعادة العلاقات مع الرئيس السوري بشار الأسد في أعقاب زلزالين مميتين، ما قد يعمق الهوة بين عواصم المنطقة التي تريد إخراج دمشق من حظر القوى الغربية المعارضة للتطبيع".. هكذا سلط موقع "ميدل إيست آي" الضوء على تداعيات آثار الكارثة الإنسانية في سوريا وعلاقتها بمزيد من تمكين نظام الأسد وحكومة دمشق.

وذكر الموقع، في تقرير ترجمه "الخليج الجديد"، أن الأسد تلقى التعازي من زملائه الحكام العرب، ومساعدات من دول الخليج الغنية، بل حصل على تعهد من تونس بتعزيز العلاقات مع حكومته، منذ أن ضرب الزلزالان جنوبي تركيا وشمالي سوريا، الأسبوع الماضي، وأسفرا عن مقتل ما لا يقل عن 41 ألف شخص.

ومع ذلك، جاءت الزيارة الدبلوماسية الأبرز في الأسبوعين الماضيين من الأردن، أحد أقوى حلفاء واشنطن في المنطقة، حيث التقى وزير الخارجية أيمن الصفدي مع الأسد في دمشق، الأربعاء، في أول زيارة من نوعها منذ اندلاع الحرب السورية قبل عقد من الزمن.

وفي حين يعتمد الأردن بشكل كبير على الولايات المتحدة في المساعدة، فإن المملكة الهاشمية عارضت الإجماع المستمر للحزبين في واشنطن على المطالبة بمعاملة الأسد كـ"منبوذ"، وفي أكتوبر/تشرين الأول 2021، أجرى الملك عبدالله الثاني مكالمة هاتفية مع الأسد.

وترى ناتاشا هول، الزميلة البارزة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بالولايات المتحدة أن "هذه نقطة انعطاف في اتجاه مدته 4 سنوات (..) نشهد لقاء دبلوماسيين رفيعي المستوى بالأسد ودعمًا ماديًا حقيقيًا للنظام"، حسبما أورده موقع "ميدل إيست آي".

تصدر الإمارات

والأربعاء الماضي، أعلنت الإمارات العربية المتحدة عن مساعدات إضافية بقيمة 50 مليون دولار لسوريا المنكوبة بالزلزال، وبذلك يصل إجمالي المساعدات التي تعهد بها الإماراتيون إلى 100 مليون دولار.

وغادرت 38 رحلة طيران الإمارات بالفعل على متنها 1243 طناً من المواد الغذائية والأدوية، وفقاً لوسائل الإعلام الحكومية.

ولطالما كانت الإمارات في طليعة الاتجاه لإعادة الأسد إلى الحظيرة الإقليمية. وقال مسؤول استخباراتي كبير من دولة عربية مجاورة لسوريا إن الأسد والرئيس الإماراتي محمد بن زايد يتمتعان بعلاقات ممتازة، حسب "ميدل إيست آي".

وأعادت الإمارات فتح سفارتها في سوريا عام 2018. وفي العام الماضي، زار الأسد أبوظبي ودبي خلال أول رحلة له إلى دولة عربية منذ اندلاع الحرب السورية.

تريث السعودية

ويرى أندرو تابلر، الزميل البارز في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى المدير السابق لملف سوريا في مجلس الأمن القومي الأمريكي، أن "الإمارات تقود الاستجابة الدبلوماسية للزلزال، والمملكة العربية السعودية تراقب".

وفي عام 2021، زار رئيس المخابرات السعودية خالد الحميدان دمشق، لكن الرياض ظلت أبطأ في إعادة التواصل مع النظام السوري من جارتها الخليجية الأصغر.

والثلاثاء الماضي، هبطت طائرة سعودية محملة بالمساعدات في مدينة حلب الخاضعة لسيطرة الحكومة، في أول بادرة من نوعها منذ قطع العلاقات بين البلدين في عام 2012.

وقالت دارين خليفة، كبيرة المحللين السوريين في مجموعة الأزمات الدولية: "الدول التي كانت تميل إلى دعم الأسد قفزت إلى فرصة حدوث الزلازل"، لكنها حذرت من أن ذلك لا يضع دمشق بالضرورة على مسار سريع للتطبيع.

موقف مصر

وبعد يوم من الزلزال، تلقى الأسد اتصالا هاتفيا من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، هو الأول بين الزعيمين.

وتعهدت مصر بالمساعدة في "استعادة مكانة سوريا في العالم العربي" بعد اجتماع 2021 في نيويورك بين وزيري خارجية البلدين، لكن القاهرة كانت فاترة بشأن تجاوز التصريحات إلى أفعال.

وقال مسؤول أوروبي كبير مؤخرًا إن "مصر مترددة في تزويد لبنان بالغاز عبر سوريا بسبب العقوبات الأمريكية". فيما قال مسؤول المخابرات الكبير إن "مصر قلقة بشأن موقف أمريكا من الأسد، ولذا لا تتحرك بسرعة".

حلب المنكوبة

تمكن الأسد من قلب دفة الحرب السورية بمساعدة روسيا وإيران، وانحسر القتال إلى حد كبير، باتت دمشق تسيطر على ثلثي الأراضي السورية، لكن الاقتصاد أصيب بالشلل بسبب العقوبات الغربية والفساد والأزمة المالية في لبنان المجاور.

ويقول محللون إن رد فعل الأسد البطيء تجاه كارثة الزلزال يسلط الضوء على المشاكل الاقتصادية لحكومته. فزيارة الأسد لحلب جاءت بعد يومين من زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للمناطق المنكوبة بالزلزال في تركيا.

الأسد بحاجة إلى جلب الأموال والمساعدات، ولذا كان عليه انتظار الدعم من خارج سوريا، وخلال زيارته لحلب استمر التيار الكهربائي في المدينة على مدار 24 ساعة، رغم أن المدينة عادة ما تصلها الكهرباء لبضع ساعات فقط في اليوم.

وقال اثنان من السكان الذين يعيشون في منطقة الميدان بالمدينة: "انقطعت الكهرباء بعد مغادرة الأسد"، وفق "ميدل إيست آي".

تخفيف العقوبات

وفي الأسبوع الماضي، أعلنت الولايات المتحدة أنها ستخفف العقوبات المفروضة على سوريا لمدة 180 يومًا للمعاملات المتعلقة بجهود الإغاثة من الزلزال. وجاء القرار في الوقت الذي احتدم فيه الجدل حول تأثير العقوبات على الاستجابة لآثار الزلزال.

وتذهب 91% من المساعدات إلى مناطق سيطرة حكومة الأسد، ومعظمها يأتي من الكيانات الأربع الكبرى التي تفرض العقوبات في العالم: الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا. لكن البنوك كثيراً ما تتردد في إجراء معاملات تتعلق بسوريا.

وكانت العقوبات مؤثرة في إحباط الجهود المبذولة لدفع دول الخليج والمستثمرين الإقليميين إلى البدء في تمويل إعادة إعمار سوريا، والتي تقدر الأمم المتحدة أنها ستكلف حوالي 250 مليار دولار.

وفي السياق، قال الأكاديمي بجامعة ليون الفرنسية فابريس بالانش: "الأسد يرغب في استخدام الزلزال لرفع هذه العقوبات، لكنني لا أعتقد أنه سينجح"، مضيفا: "لن ترفع أوروبا والولايات المتحدة العقوبات، خاصة الآن، يحث تدعم سوريا روسيا، وتستعر الحرب في أوكرانيا".

مغازلة "بوتين"

وبالنسبة لدولة غنية بالطاقة مثل المملكة العربية السعودية، فإن إرسال عدد قليل من حمولات طائرات المساعدات إلى الأسد يمثل "لفتة سياسية منخفضة التكلفة"، على غرار السيسي الذي يستفيد من النفوذ التاريخي لمصر في العالم العربي لتقديم التمنيات الطيبة عبر الهاتف.

كما يحرص كلا البلدين على الحفاظ على العلاقات مع الداعم الرئيسي للأسد؛ روسيا، ما يمثل "غصن زيتون سهل لموسكو" حسب تعبير بالانش، مشيرا إلى أن "مصر لا تزال تعتمد على روسيا في إمدادات القمح، بينما تريد السعودية الحفاظ على علاقتها بتحالف أوبك+".

فيما تشير دارين خليفة، إلى أن "أحد أهداف القادة العرب من التطبيع هو أنهم لا يحبون فكرة أن يتم استهداف زعيم عربي من قبل المجتمع الدولي".

وقالت الأمم المتحدة، الإثنين الماضي، إنها "ترحب" بقراره السماح بفتح معبري باب السلام والراعي من تركيا إلى شمال غرب سوريا لمدة 3 أشهر لتوصيل المساعدات.

ومع ذلك، فإن النقاط الحدودية تقع في الأراضي التي يسيطر عليها المعارضون السوريون المدعومون من تركيا.

وامتنعت روسيا عن استخدام حق النقض في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للسماح بالافتتاح. وسيتم تسليم المساعدات بشكل أساسي إلى القوات المدعومة من تركيا.

وفي السياق، قال تابلر إن الزلازل من المرجح أن تسرع جهود التطبيع الجارية مع نظام الأسد بالفعل، ويمكن أن توفر إشارات للمستقبل، مضيفا: "سنتعلم الكثير عن شعور الدول التي تقدم المساعدة لسوريا تجاه التطبيع على أساس مقدار المساعدة التي تقدمها وأغراضها. هل ينتقدون أو يتساءلون أين تذهب؟ أم يعطون نظام الأسد تفويضًا مطلقًا؟".

وقد يجعل التركيز على المساعدات معاقبة الحلفاء الذين يوطدون العلاقات مع نظام الأسد أمرا صعبا على الولايات المتحدة، ومع ذلك، فهو أقل يقينًا من تحقيق شركاء واشنطن لنتائج من هذه العلاقات؛ لأن "أي تنازلات يقدمها الأسد ستكون تكتيكية ويصعب قياسها"، بحسب تابلر.

طرد الإيرانيين

تشترك العواصم العربية في مخاوف أمنية واقتصادية متداخلة بشأن سوريا. فالأردن ولبنان مثلا يأملان في إعادة ملايين اللاجئين إلى بلادهم، وكانت سوريا شريكًا تجاريًا رئيسيًا لهما قبل الحرب، فيما تهدف دول الخليج إلى كبح نفوذ إيران.

كما تصاعدت الدعوات لإعادة العلاقات مع سوريا في تركيا، وتوسطت روسيا في اجتماع رفيع المستوى بين وزيري الدفاع السوري والتركي أواخر العام الماضي.

ويمكن أن تستخدم أنقرة مساعدة الأسد لمقايضة القضاء على المقاتلين الأكراد على طول حدودها.

في غضون ذلك، بدأ آلاف اللاجئين السوريين الذين نجوا من الزلازل التي ضربت تركيا، الأسبوع الماضي، في العودة إلى المناطق التي يسيطر عليها المعارضون في شمال بلادهم.

لكن نادين خليفة تشير إلى أن الأيام العشرة الماضية تؤكد حدود الحديث عن التطبيع، فالفرصة كانت ذهبية للأسد كي يتصل بأردوغان والظهور على أنه متعاون، لكنه لم يفعل.

ويشكك تابلر ونادين في استعداد الأسد أو قدرته على تنفيذ ما تريده دول الخليج أو أنقرة، إذ لدى جيران سوريا أهداف من التطبيع، بينها الحد من النفوذ الإيراني.

بينما يعتمد الأسد بشكل كبير على الميليشيات المدعومة من إيران للحفاظ بقبضته على سوريا، وهذا هو أحد الأسباب التي تجعل بالانش متشككًا في تجاوز السعودية نطاق تسليم المساعدات "الصغيرة" إلى سوريا.

فبالنظر إلى النفوذ المستمر لإيران و"حزب الله" في سوريا، من غير المنطقي أن تدعم الرياض النظام السوري، بحسب بالانش.

المصدر | ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير: الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

سوريا تركيا الزلزال السعودية الإمارات مصر عبدالفتاح السيسي بشار الأسد أردوغان التطبيع

في مناطق منكوبة بالزلزال.. اشتباكات بين قوات حكومية والمعارضة في سوريا

وسائل إعلام خليجية تبث خطاب الأسد.. تحول يعزز مؤشرات التقارب مع النظام السوري

إيكونوميست: الأسد لا يود تفويت مصيبة الزلزال دون استغلال

تحليل: دبلوماسية الإمارات إزاء النظام السوري انتعشت بعد الزلزال

إيران ترحب بالانفتاح العربي نحو نظام الأسد.. وواشنطن تحذر

قطر ترفض التطبيع مع نظام الأسد

ليست لدعم ضحايا الزلزال.. لماذا تسارعت وتيرة الزيارات الرسمية العربية لسوريا؟