أوكرانيا عطلتها.. دبلوماسية السلاح الروسية تتعمق في الشرق الأوسط (تحليل)

الأحد 19 فبراير 2023 01:49 م

شهدت منطقة الشرق الأوسط إقبالاً متزايداً على اقتناء منظومات التسلح الروسية المتقدمة، وهو ما يرتبط بغياب الشروط السياسية على مبيعات السلاح الروسي، واستعداد موسكو لتصدير تقنيات متقدمة لدول الشرق الأوسط من دون قيود.

يأتي ذلك في ظل تسابق دول الإقليم للحصول على أسلحة نوعية لتعزيز قدراتها العسكرية، خاصة في المجال النووي، حيث تعتبر روسيا منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "فرصة جذابة" لتوسيع سوق صادراتها النووية؛ نظرا للطلب المتزايد بسرعة هناك على الكهرباء والطاقة.

دلل على دعوة المدير العام لشركة "روس أوبورون إكسبورت" الحكومية "ألكسندر ميخييف"، دول الشرق الأوسط لإنشاء أسلحة بشكل مشترك، بما في ذلك المشاركة في مشروع مقاتلة خفيفة من الجيل الخامس "تشيك مات".

وحسب ما نشرته وكالة "سبوتنيك"، عن "ميخييف"، قبل افتتاح معرض الأسلحة الدولي "آيدكس 2023"، الذي سيقام في الفترة من 20 إلى 24 فبراير/شباط، في أبوظبي، أشار إلى أن المجالات الواعدة الأخرى للتعاون العسكري الفني مع دول المنطقة، تشمل مشاريع التطوير والإنتاج المشترك لأنظمة الدفاع الجوي، ومعدات للبحرية وأسلحة للقوات البرية.

ولطالما تنافست روسيا مع الولايات المتحدة وأوروبا كمورد رئيسي للأسلحة المتقدمة وقطع الغيار للحكومات العربية، حيث تعتبر واشنطن مبيعات الأسلحة من موسكو محركا للصراع في المنطقة، وأداة لبسط نفوذها السياسي والعسكري.

وتنتشر الأسلحة الروسية في دول المنطقة، حتى المتصارعة منها، مثل السعودية والإمارات من جهة وإيران من جهة أخرى، كما قدمت دعما هائلا لنظام "بشار الأسد" في سوريا، حينما قارب على الانهيار.

وعزز هذا دور موسكو كلاعب رئيس في المنطقة، حيث حصلت على حقوق قواعد وموانئ وانتشار عسكري وتنقيب عن النفط في سوريا وليبيا.

ومنذ عام 2012، شكلت روسيا ما يقرب من 16% من جميع مبيعات الأسلحة إلى دول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة، وفقا لمعهد "ستوكهولم" الدولي لأبحاث السلام.

المشترون العرب

وكان أكبر عملائها الإقليميين على مدى السنوات الخمس الماضية الجزائر (التي تشتري 70% من وارداتها من الأسلحة من روسيا)، ومصر، والعراق.

وينجذب المشترون في الشرق الأوسط إلى السلع العسكرية الروسية بسبب تكلفتها المنخفضة واستعداد موسكو لبيعها لأي شخص يمكنه الدفع.

وأعادت روسيا تأكيد دورها كلاعب رئيسي في الشرق الأوسط من خلال استغلال عدم الاستقرار والانقسامات الإقليمية، وغالبا تعرض الأسلحة لكلا الجانبين من المنافسات طويلة الأمد - على سبيل المثال، بين إيران والإمارات.

وتعزز مبيعات الأسلحة والمساعدات العسكرية الروسية، الأهداف الاقتصادية والجيوسياسية لموسكو، فعندما كان نظام "الأسد"، على وشك الانهيار، على سبيل المثال، قدمت روسيا شريان الحياة من الأسلحة والدعم العسكري مقابل حقوق القواعد الجوية والموانئ للقوات الروسية وعقود التنقيب عن النفط والغاز.

وفي ليبيا، استخدمت روسيا مرة أخرى التدخل العسكري لتعزيز مصالحها الاستراتيجية الأوسع، فأرسلت مرتزقة وعسكريين نظاميين وأسلحة متطورة لدعم زعيم الميليشيا "خليفة حفتر"، في محاولته عام 2019 للإطاحة بالحكومة المعترف بها دوليا في طرابلس.

وعلى الرغم من فشل هذا الجهد، إلا أنه ترك القوات الروسية متمركزة في القواعد الجوية وحول المنشآت النفطية في جميع أنحاء البلاد.

في الوقت نفسه، تواصل السعودية مساعيها لتنويع أنظمتها الدفاعية، خاصة بعد أن سحبت واشنطن أنظمة "باتريوت" من المملكة في 2021، حيث أشارت تقارير متعددة إلى أن الرياض تتجه لإبرام اتفاقيات لاقتناء منظومة الدفاع الروسية المضادة للصواريخ "إس-400".

لم يقف الأمر عند ذلك فحسب، بل سعت روسيا لتوسيع سوق صادراتها النووية، نظرا للطلب المتزايد بسرعة في الشرق الأوسط على الكهرباء والطاقة.

ساعد على ذلك أن موسكو ترى في الشرق الأوسط سوقا واعدا للطاقة النووية، ولا تضع قيودا على تصدير هذا النوع من الطاقة، لاعتبارات حقوقية أو سياسية، بخلاف ما تفعله واشنطن.

ومثلما أصبح إنتاج النفط في الخليج الآن أكثر توافقا مع الأهداف الروسية، فقد نشهد أيضًا تحالفًا استراتيجيًا إقليميًا بشأن إمدادات الوقود النووي وبناء المفاعلات ومعالجتها قيد التنفيذ.

كلمة السر

ولعل كلمة السر في ذلك، شركة "روساتوم" النووية الروسية المملوكة للدولة، وهي مصدر دخل مهم لموسكو؛ إذ تعد واحدة من الموردين الرئيسيين للمفاعلات النووية في العالم، ومسؤولة عن صناعة الطاقة النووية الروسية، ووحدة الأسلحة النووية، وأسطول كاسحات الجليد التي تعمل بالطاقة النووية، ومؤسسات الأبحاث النووية.

وتملك الشركة مقرا إقليميا في دبي، وتخطط لفتح فرع لها في السعودية.

ورغم العقوبات الغربية على الصادرات الروسية، لا تزال "روساتوم" تسعى إلى زيادة عدد عملائها الإقليميين.

الأهم من كل ذلك، أنها تمثّل قدرة الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" على إنشاء وصيانة القدرات النووية للعديد من البلدان في جميع أنحاء العالم.

ومن إيران إلى مصر وتركيا والسعودية والإمارات والمغرب والأردن، كانت تحركات روسيا للتعاون في المجال النووي.

ومنذ سنوات، تحذر وسائل إعلام غربية من تنامي النفوذ الروسي في الشرق الأوسط، في ظل تضاؤل النفوذ الأمريكي وتراجعه.

يشار إلى أن الرياح تأتي أحيانا بما لا تشتهي السفن، فقد أفسد الهجوم الروسي على أوكرانيا ما يقرب من عقد من التقدم الذي أحرزه الكرملين في التوسع في سوق الأسلحة المربح في الشرق الأوسط، حيث يواجه زبائن الأسلحة الروسية خطر نقص الإمدادات في الوقت الذي تُسابق فيه شركات الأسلحة الروسية الزمن لتلبية احتياجات جيش بلادها.

وبخلاف مشكلات الإمدادات، تعرضت صناعة الأسلحة الروسية لضربة قوية بسبب العقوبات الغربية التي يقول مسؤولون أمريكيون إنها ستجعل إبرام صفقات أمراً مستحيلاً من الناحية العملية.

وبالنسبة لدول مثل مصر والجزائر، اللتين تشتريان أسلحة متطورة بكميات كبيرة من روسيا، فالأثر المباشر لتداعيات الحرب على أوكرانيا يتمثل في ضمان الصيانة وتوفير قطع الغيار.

على إثر ذلك، ظهرت بالفعل بعض العلامات الأولى على انكماش الصفقات الروسية، حيث تم الإعلان مؤخرا عن نية مصر شراء طائرات "F-15" المتطورة من الولايات المتحدة.

بينما يعتبر البعض هذه الصفقة، التي توصف بأنها "مهمة شاقة وطويلة"، بديلاً لصفقة مصر المتوقفة لشراء الطائرات المقاتلة "سو-35" من موسكو.

ووفق تقارير، فإن الولايات المتحدة مارست ضغوطاً كبيرة على مصر لإجبارها على التوقف عن شراء أسلحة روسية متقدمة، وسط توقعات بأنها ستشتري أقل كثيراً في المستقبل.

ومن المتوقع، وفق مراقبين، أن يزداد التنافس بين الدور الأمريكي والروسي ويتسع نطاقاً في المستقبل، بالنظر إلى مصالح روسيا الحيوية المتنامية في الشرق الأوسط على الصعيدين الاستراتيجي والاقتصادي، والثقة والقبول اللذين أصبحت تتمتع بهما روسيا بوصفها شريكاً لكثير من دول المنطقة، والنفوذ القديم للولايات المتحدة التي تسعى لتعزيزه.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

روسيا تسليح سلاح روسيا الشرق الأوسط استراتيجية نووي روسيا

كيف تدير الحكومة الأوكرانية ماكينة الدولة والحرب بعد عام من بدء الغزو؟