مخاوف الانقلاب الروسي في مولدوفا.. تنفيس عن كييف ومكسب لموسكو

الثلاثاء 28 فبراير 2023 08:29 م

تسببت حرب كلامية في اضطراب مولدوفا لأكثر من أسبوعين، وقد بدأ ذلك عندما حذر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، من مؤامرة انقلاب روسية ضد مولدوفا في 10 فبراير/شباط.

ويشير تقرير "جيبوليتكال فيوتشرز" إلى أن مولدوفا كانت بالفعل في حالة تأهب قصوى حتى قبل تحذيرات "زيلينسكي". ففي وقت سابق من هذا الشهر، اتهم وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، الغرب بـ "وضع نصب عينيه على مولدوفا كدولة قد تتبع مسار أوكرانيا".

وحتى قبل ذلك، أثارت الرئيسة مايا ساندو غضب موسكو في يناير/كانون الثاني، من خلال التلميح إلى أن بلادها قد تفكر في الانضمام إلى الناتو. ورد نائبان روسيان مؤثران بالقول إن عضوية مولدوفا في حلف شمال الأطلسي قد تؤدي إلى تدمير البلاد.

وفي أعقاب التهديد، طلبت ساندو من البرلمان تمرير مشروع قانون لتزويد مكتب المدعي العام ونظام معلومات الدولة بأدوات لمكافحة المخاطر والتهديدات لأمن البلاد بشكل أكثر فعالية.

ويضيف التقرير أن أنباء الانقلاب زادت من القلق الشديد بالفعل في مولدوفا، وأدت إلى إحداث تغيير في الحكومة، حيث استقالت رئيسة الوزراء ناتاليا جافريليتا، وحل محلها المستشار الأمني لساندو وسكرتير مجلس الأمن القومي، في إشارة إلى أن الحكومة كانت مستعدة للعمل بموجب تفويض لحماية مولدوفا من التهديدات الروسية/ وهذا ليس بالأمر الهين بالنسبة لدولة ملتزمة عادة بسياسة الحياد.

ويلفت التقرير إلى أن ساندو ورئيس الوزراء الجديد/ أصدرا على الفور بيانات حول أوجه القصور في الحياد والتغيير الدستوري المحتمل للانضمام إلى "تحالف أكبر"؛ أي حلف الناتو.

ويقول التقرير إنه من المتوقع أن تعارض الأحزاب الموالية لروسيا، بينما تسعى الفصائل القومية إلى مضاعفة جدول أعمالها الخاص، والذي يتضمن التماسات إلى الاتحاد الأوروبي لإضافة الأوليغارشية المولدوفية وغيرهم من السياسيين المتعاطفين إلى قوائم العقوبات.

ترانسنيستريا

وردت موسكو بالمثل على مولدوفا؛ ففي 21 فبراير/شباط، ألغى الرئيس فلاديمير بوتين مرسوم السياسة الخارجية لعام 2012 الذي ألزم موسكو بالحل السلمي للأزمة الحدودية في ترانسنيستريا، وهي عبارة عن شريط ضيق من الأرض في شرق مولدوفا تسيطر عليه حكومة من الانفصاليين تدعمها روسيا منذ حرب عام 1992.

ولمدة 30 عامًا، يتمركز حوالي 2000 جندي روسي هناك، ويُقال إن المنطقة الانفصالية تستضيف أكبر مستودع أسلحة في أوروبا -حوالي 20 ألف طن من الذخيرة والمعدات العسكرية-، وإن كان ذلك على الأرجح من الحقبة السوفيتية.

وفي عام 2012، وافقت موسكو على المساعدة في إيجاد طريقة لحل النزاع سلميًا، لكن ذلك في وقت كانت فيه روسيا تسعى إلى توثيق العلاقات مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ومن الواضح أن هذا لم يعد هو الحال.

ويضيف التقرير أن هذه المنطقة لوحدها سبب كافٍ للمخاوف من أن يؤدي التصعيد الروسي في أوكرانيا إلى تورط مولدوفا.

وقبل أيام قليلة، زعمت وزارة الدفاع الروسية أن أوكرانيا كانت تخطط لعملية غزو ترانسنيستريا. وذكرت وسائل الإعلام المولدوفية أن هذا الادعاء غير صحيح. ومع ذلك، بذلت كييف قصارى جهدها لتقول إنها ستتصرف لمساعدة مولدوفا إذا هاجمتها روسيا.

وفي هذا السياق، ترسم هذه التصريحات صورة تصعيد يمكن لروسيا الاستفادة منها، حيث أن الهجمات الأمامية لموسكو في أوكرانيا لم تكن ناجحة، لذا فإن المنطق يفرض تنفيذ مناورة في الجوار. وبيلاروسيا - بقيادة حكومة موالية لروسيا - ومولدوفا، هما المكانان الوحيدان اللذان يمكن لموسكو أن تطلق فيهما مثل هذه المناورة.

ويخلص التقرير إلى أن إلغاء مرسوم مولدوفا يهدف إلى إجبارها على قبول الهيمنة والنفوذ الروسي، ولا يشير الإلغاء إلى هجوم عاجل، لكنه يوضح أنه احتمال حقيقي للغاية.

ولكن لو حصل التصعيد هناك سيسمح هذا لكييف بإرسال قوات وبطلب المزيد من المساعدة الغربية. وقد لا ترغب الولايات المتحدة وحلفاؤها في تصعيد النزاع أكثر؛ لأن الناتو قام بحث أوكرانيا بالفعل على استخدام ترسانتها في العمليات الدفاعية، وليس للعمليات الهجومية، ولكن إذا تعرضت مولدوفا للهجوم، وإذا سارعت كييف لمساعدتها، فإنه لن يكون أمام الحلف الأطلسي خيار سوى مواصلة دعمهم.

قد تستفيد موسكو من توسيع القتال إلى مولدوفا بالرغم من أن هذا مسار متعب لوجيستيا؛ لكنها قد تستفيد تفاوضيا. ومع أخذ ذلك في الاعتبار، قد تقرر روسيا أنه من الأفضل أن تفتح جبهة جديدة في بيلاروسيا بدلاً من مولدوفا.

وإذا هيمنت روسيا على مولدوفا، فإنها ستعرّض نفوذ الناتو الجنوبي للخطر، وبالتالي ستجذب الولايات المتحدة. لذا سيكون من الأسهل تجاهل بيلاروسيا.

مولدوفا والغرب

خلال هذه التطورات، ومن زاوية أخرى، أفاد التوتر داخل مولدوفا الحزب الحاكم المؤيد لأوروبا، وساعدت شائعات الانقلاب رئيسة الوزراء وحزبها على ترسيخ موقفهما. ولولا التحذير الذي أرسلته أوكرانيا، لكانت حكومة "ساندو" قد سقطت على الأرجح بحلول نهاية الشهر؛ بسبب الاحتجاجات التي يقودها الاستياء العام من الأداء الاقتصادي السيئ للبلاد.

ويضيف التقرير أن مجرد احتمال وجود تهديد روسي ضد مولدوفا سمح للحكومة بإقامة علاقات أفضل مع الغرب؛ مما أتاح لساندو الوصول المباشر إلى القادة الغربيين مثل الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذين التقت بهم خلال زياراتها إلى ميونيخ ووارسو.

ويؤدي التعامل مع الولايات المتحدة وقادة الاتحاد الأوروبي بشكل مباشر إلى زيادة احتمالية حصول مولدوفا على ضمانات أمنية وتمويل لتحسين اقتصادها.

بالنسبة لأوكرانيا، فإن الوضع في مولدوفا يعطيها الوقت الذي تشتد الحاجة إليه، ويمكن أن يساعد كييف في التفاوض على مزيد من المساعدة الغربية، ويمكن أن تحبط هجوما روسيا آخر. من المحتمل ألا يحدث شيء من هذا، لكن لا يمكن استبعاد شيء أيضا.

أما بالنسبة لروسيا، فإن فتح جبهة جديدة، سواء في بيلاروسيا أو مولدوفا، سيعطيها ميزة استراتيجية. وإذا أدت المخاوف الحالية إلى زعزعة استقرار أي من البلدين، فقد تكون بولندا أو رومانيا هما التاليتان.

المصدر | أنطونيا كوليباسانو / ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مولدوفا ساندو بوتين أوكرانيا غزو أوكرانيا