ملاعب كرة أوروبية وعربية.. في غياب الردع تفوز العنصرية (خاص)

السبت 4 مارس 2023 09:44 م

يوسف عامر- الخليج الجديد

ينحرف مشجعون لكرة القدم عن مسار الروح الرياضية، فتظهر العنصرية، سواء للتعبير عن غضب من تراجع مستوى لاعبين في فريقهم أو تألق لاعبين منافسين، وهي ظاهرة متنامية في ملاعب أوروبية وعربية  في ظل غياب العقوبات الرادعة، بحسب مختصين في عالم الساحرة المستديرة.

ومنذ أعوام، تتزايد مشاهد العنصرية وتتنوع بين هتافات وشتائم في مدرجات وتهديدات خارج الملاعب وتعليقات مسيئة عبر منصات التواصل الاجتماعي تتطرق إلى لون البشرة والعرق والجنسية والدين.

وتتباين ردود أفعال اللاعبين ضحايا تلك الأفعال العنصرية بين التجاهل والاستنكار وأحيانا رد الاستفزاز باستفزاز.

ومن أبرز ضحايا هذه الحملات العنصرية حاليا النجم البرازيلي في نادي ريال مدريد الإسباني فينيسيوس جونيور، حيث يتعرض لعنصرية من جماهير ولاعبين بل ومسؤولين في منظومة كرة القدم.

وبدأ الأمر بانتقاد احتفاله عقب أي هدف يسجله، حيث يؤدي رقصة برازيلية شأنه شأن البرازيليين المشهورين بلقب "السامبا".

البداية جاءت من رئيس رابطة وكلاء اللاعبين الإسبان بيدرو برافو بقوله في برنامج "إلشيرينجيتو" الإسباني الشهير: "على فينيسيوس احترام الخصم.. لو أراد الرقص فعليه أن يذهب إلى صالة في البرازيل، في إسبانيا عليك احترام المنافسين والتوقف عن ألعاب القرود".

ومشددا على أنه "ضحية كره الأجانب والعنصرية"، رد فينيسيوس قائلا: "منذ أسابيع بدؤوا في تجريم رقصاتي.. هذه الرقصات ليست لي، بل رقصات نجوم كبار مثل رونالدينيو ونيمار ولوكاس باكيتا.. إنها رقصات للاحتفال بالتنوع الثقافي في العالم وأنا أحترمه ولن أتوقف عنها".

وفي 5 فبراير/ شباط الماضي، تعرض فينيسيوس لسخرية عنصرية من بعض جماهير ريال مايوركا، فتوجه بين شوطي المباراة إلى الجماهير وقَبل شعار ريال على قميصه، وبعدها توجه إليه أنطونيو رايلو قائد ريال مايوركا وطلب منه تقبيل شعار مايوركا كنوع من السخرية، فنشبت مشادة بينهما.

وقبل أيام، هتف مشجعون لنادي بلد الوليد ضد فينيسيوس، واصفين إياه بالقرد. واتهم فينيسيوس رابطة الدوري الإسباني بعدم اتخاذ أي إجراء ضد عنصرية المشجعين.

نهائي يورو 2020

والعنصرية مشهد قديم حديث في الملاعب الأوروبية، وتمتلك الجماهير الإنجليزية الرصيد الأكبر في حوادث العنصرية تجاه اللاعبين.

ولعل الموقف الأشهر كان عقب نهائي بطولة أمم أوروبا "يورو 2020"، حين شن مشجعون هجوما عنصريا على لاعبين في المنتخب الإنجليزي لتضييع ثلاث ركلات ترجيحية، ما منح إيطاليا الفوز بالبطولة.

ويومها، أضاع هذه الركلات ثلاثة لاعبين من ذوي البشرة السمراء، وهم ماركوس راشفورد وساكا وجادون سانشو، وتعرضوا لهجوم عنصري قوي عبر منصات التواصل الاجتماعي.

ومعتزا بأصوله، رد راشفورد قائلا: "أستطيع أن أقبل انتقاد أدائي طوال اليوم، وأنني نفذت ركلة الجزاء بشكل سئ، لكنني لن أعتذر يوما عن أصلي الأفريقي أو عن المكان الذي تربيت فيه".

وقبلها بعامين، شن مشجعون إنجليز حملة عنصرية قوية على اللاعب الإنجليزي رحيم ستيرلينج وشبهوه بالقرد، وهو ما رد عليه آنذاك بقوله لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي): "أعلم أن هذا قد يبدو غير مريح بعض الشيء، لكن العنصرية هي المرض الوحيد في الوقت الحالي الذي نحاربه".

ولم تكتف هذه المجموعات من الجماهير الإنجليزية بالعنصرية داخل بلادها فحسب، بل امتدت إلى خارجها، وهو ما ظهر في 2014 عندما لعب تشلسي الإنجليزي ضد باريس سان جيرمان في العاصمة الفرنسية.

فحينها، دفع مشجعون لتشيلسي رجلا أسود البشرة يسمى سليمان سيلا خارج القطار ومنعوه من الركوب وتغنوا بـ"نحن عنصريون ونحب هذا".

مسعود أوزيل

وفي 2018، تفجرت مشكلة اللاعب الألماني التركي الأصل مسعود أوزيل حين ودع منتخب ألمانيا، حامل اللقب، بطولة كأس العالم في روسيا، إثر خسارته أمام كوريا الجنوبية بهدفين واحتلاله المركز الثالث في مجموعته.

وتعرض أوزيل لحملة تمييز عنصري، واتهمته وسائل وإعلام وعناصر إدارية في المنتخب وبعض الجماهير بأنه السبب في خروج ألمانيا من المونديال في مفاجأة من العيار الثقيل.

ولم يشفع لأوزيل أنه كان أحد أفضل لاعبي مونديال 2014 في البرازيل والذي فازت به ألمانيا، وكان وقتها بطلا في عيون الألمان.

وأبرز ما قاله اللاعب تعليقا على التمييز العنصرية بحقه: "إنهم يعتبروني في حالة الفوز ألمانيًا وفي حالة الخسارة تركيًا"، وهذا بالضبط ما ينطبق على باقي اللاعبين الأجانب في الأندية الأوروبية.

محمد صلاح

وحتى المصري محمد صلاح نجم ليفربول الإنجليزي لم يسلم من العنصرية، بالرغم من الإنجازات التي حققها لفريقه.

وانتشر مقطع مصور على منصات التواصل الاجتماعي لمشجعين لتشيلسي وهم يتغنون في محطة للقطارات "محمد صلاح مفجر إرهابي".

نوع آخر من العنصرية غير المعهودة ظهر في روسيا، فقبل 3 سنوات تعاقد نادي زينيت سان بطرسبورج الروسي مع لاعب برشلونة البرازيلي مالكوم دي أوليفيرا.

وفي أول مباراة فوجئ اللاعب بهتافات معادية له من مشجعين لفريقه، ورفعوا لافتة مكتوب فيها إن الأمر لايتعلق بالعنصري، "لكن من تقاليد النادي عدم التعاقد مع أصحاب البشرة السمرا ".

عنصرية عربية

ومن حين إلى آخر، تطل العنصرية برأسها في ملاعب عربية، فمنذ سنوات يتعرض لاعب نادي الزمالك المصري الأسمر محمود عبد الرازق (شيكابالا) إلى مضايقات عنصرية من مشجعين منافسين يحاولون تبرير تصرفاتهم بأنهم يردون على إهانته لجماهير ناديهم.

وفي فبراير/ شباط الماضي، استقبل مشجعون في الجزائر جماهير نادي الوداد المغربي بهتافات عنصرية وسباب مستمر.

وقال الناقد الرياضي المصري فتحي سند لـ"الخليج الجديد" إن "العنصرية في الملاعب العربية تم استيرادها من أوروبا".

وحذر سند من أنه "مع تراجع دور الإعلام الإيجابي، وعدم الاهتمام بالجانب الأخلاقي لدى مسؤولي الرياضة في مصر، قد يتطور الأمر إلى الأسوأ وتمتد الهتافات العنصرية لتشمل الدين فضلا عن اللون.. الأمر وإن كان في بداياته فإنه يحتاج لمواجهة جادة".

أما الحكم الدولي المساعد ناصر صادق فشدد في حديث لـ"الخليج الجديد" على "مسؤولية اتحادات الكرة عن تأجيج العنصرية، بالإضافة إلى نقص الوعي الديني لدى بعض جماهير الكرة التي اعتادت قلة منها ترديد هتافات عنصرية".

كما اتهم صادق "الأندية بتأجيج العنصرية داخل المدرجات: بعض الأندية متورطة في الشغب والعنصرية حيث تحمي هؤلاء المشاغبين، بل وتمولهم أحيانا، ما جعلهم أشبه بقوة طائشة يسهل أن تخرج عن نطاق السيطرة".

وتابع: "الجماهير بشكل عام والشباب منهم بشكل خاص يذهبون بمناصرة فريقهم نحو العنصرية أحيانا وبعض المدربين ومسؤولي الأندية يبدون سعداء بهذا التوجه ولو بشكل خفي".

قميص مونتاري

أكثر من مرة تعرض الغاني سولي مونتاري لهجمات عنصرية، لكن أبرزها في 2017 أثناء لعبه مع نادي بيسكارا الإيطالي، فمنذ بداية المباراة هتف ضده مشجعون للنادي المنافس كالياري، وحاول أن يخفف من هتافاتهم بأن أهدى إليهم قميصه، إلا أن الهتافات زادت، مما اضطره لترك الملعب أثناء المباراة.

وقال مونتاري لـ"الخليج الجديد" إن هذه "الواقعة أثارت اهتمام محلي وعالمي.. تعاملوا معي كأني مجرم".

وتابع: "لم تتوقف الهتافات والتعاملات العنصرية تجاه اللاعبين ذوي البشرة السمراء في الملاعب الأوروبية، حتى وإن كانوا يحملون جنسية الدولة الأوروبية يتم سبهم بأصولهم".

وأردف: "لاعبون عظماء ساهموا في تتويج منتخبات أوروبية ببطولات ولم يشفع لهم ذلك أمام الجماهير.. لاعبون ذوي بشرة سمراء صنعوا تاريخ أندية ومنتخبات كبرى وعلى الجماهير أن تحترم ذلك".

تعديل القوانين

وفي ألمانيا، تجاوزت العنصرية الهتافات ضد السود، لتستهدف كل ما هو غير ألماني ولو كان حتى ذو أصول ألمانية، بحسب اللاعب الألماني المعتزل حديثا فين بارتلز.

وقال بارتلز إن "الجماهير الألمانية تكره ما يعكر صفوها، لعبة خطأ تجعل منك الأسوأ لتستمع سبابك بأذنيك".

وأضاف أن الاتحاد الألماني لم يضع عقوبات رادعة، وبالتالي ستظل العنصرية تتنامى حتى يحدث ما هو أكبر وأعنف من الهتافات.

الإسباني هيكتور بيليرين لاعب برشلونة السابق ولشبونة البرتغالي الحالي قال في تصريحات خاصة إن "العنصرية هي أسوأ ما انتجته الملاعب".

وتابع أن ما حدث مع البرازيلي فينيسيوس وغيره من اللاعبين بسبب احتفالاتهم بعد الأهداف "أصابني بالغثيان".

ومستنكرا تساءل: "كيف للجماهير أن تنتقد مستوى اللاعبين الذين يساهمون في رفع مستوى دوريات بلادهم؟!".

وعن الحل قال بيليرين إنه "لابد أن تعي الاتحادات ما نحن بصدده، ويتم تعديل القوانين بشكل صارم لمجابهة خطر يتزايد داخل المدرجات".

عقوبات متنوعة

وفي مواجهة العنصرية المتنامية في عالم الساحرة المستديرة تتباين عقوبات اتحادات كرة القدم من دولة إلى أخرى.

في إنجلترا، وعلى الرغم من كثرة الحوادث العنصرية، إلا أن الاتحاد يكتفي بحرمان المشجع، الذي تثبت عليه تهمة العنصرية، من تشجيع فريقه من المدرجات لمدة 10 مباريات.

وفي إسبانيا، تصل عقوبة الهتافات والتصرفات العنصرية داخل الملعب إلى التغريم 4000 يورو (حوالي 4300 دولار) وحظر لمدة عام من دخول الملاعب كحد أقصى.

أما في ألمانيا وفرنسا فإن التحرك يتم جنائيا في حالة الشكوى فقط، وإن كان الاتحاد الفرنسي أعلن مؤخرا العمل على سن عقوبات لمكافحة العنصرية داخل الملاعب.

وعلى المستوى الدولي، فبحسب المادة الرابعة من النظام الأساسي للاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) فإن "التمييز من أي نوع ضد بلد أو شخص عادي أو مجموعة من الأشخاص بسبب العرق أو لون البشرة أو الأصل العرقي أو الوطني أو الاجتماعي أو الجنس أو الإعاقة أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر أو الثروة أو تاريخ الميلاد أو أي وضع آخر أو ميول جنسية أو أي سبب آخر، ممنوع منعا باتا ويعاقب عليه بالإيقاف أو الطرد."

ووفق المادة 58.1 من نسخة عام 2017 من قانون "الفيفا" للانضباط الفقرة أ، فإن "أي شخص يسيء إلى كرامة شخص أو مجموعة من الأشخاص من خلال كلمات أو أعمال تمييزية أو محقّرة تتعلق بالعرق أو لون البشرة أو اللغة أو الدين أو الأصل، يجب إيقافه لمدة خمس مباريات على الأقل.. علاوة على ذلك، يجب فرض حظر على دخول الملعب وغرامة لا تقل عن عشرين ألف فرانك سويسري (نحو 10 ألف دولار). إذا كان مرتكب المخالفة مسؤولا، فإنّ الغرامة لا تقلّ عن 30,000 فرانك سويسري (حوالي 32 ألف دولار)".

المصدر | يوسف عامر- الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

فضائح الساحرة المستديرة.. نزوات أم ضريبة للشهرة؟ (خاص)