معهد واشنطن: حان الوقت لوضع سياسة جديدة تجاه حزب الله

الجمعة 10 مارس 2023 05:28 ص

تعطي ردود الفعل السلبية المتزايدة محليا فرصة إستراتيجية لتغيير ميزان القوى في لبنان، وتقليص نفوذ إيران البعيد المدى، وتعزيز التنوع السياسي الحقيقي داخل المجتمع الشيعي.

وترى حنين غدار في مقالها المنشور في "معهد واشنطن"، وترجمه "الخليج الجديد"، أن هناك اتفاقا على أن دور إيران ونفوذها في الشرق الأوسط تنامى بشكل كبير في العقد الماضي سواء على المستوى الشعبي أو الرسمي في بعض البلدان.

التفوق الإيراني

وتشير حنين إلى أنه بالرغم من الدمار والانهيار الاقتصادي في بلدان مثل سوريا واليمن ولبنان، لا تزال القرارات السياسية والأمنية بيد إيران، خاصة في بلاد الشام.

ووفقا للمقال يعود سبب التفوق الإيراني إلى الفراغ الذي خلّفته القوى الغربية، ودول الخليج، والولايات المتحدة. فقد تمكنت إيران من غرس جذورها في بلاد الشام دون مواجهة عسكرية تُذكر. كما تَمَكن "حزب الله" من القضاء على فريق "14 آذار" في لبنان والمعارضة السورية في سوريا بسرعة وبعنف في ظل غياب الدعم من الغرب.

ونظراً لعدم وجود سياسة مستدامة لمعارضة سيطرة طهران على هذين البلدين، فقد سقطت مؤسسات الدولة في حضن إيران بشكل سريع. وحاليا يتمتع "حزب الله" بسيطرة أكبر على المؤسسات اللبنانية لمجرد عدم وجود منافسين، وبالتالي لا يتم محاسبته على جرائمه.

ويقف المقال على نقطة تختلف فيها وجهات النظر الغربية والمحلية تجاه إيران مثيرة للاهتمام. فبعد تعرض إيران لسنوات من العقوبات والتحديات العسكرية، أضاعت الكثير من الفرص للرد على الاعتداءات على مصالحها، لاسيما في سوريا. وهي غير مهتمة، رغم الخطاب الذي يصدر عن طهران، بمواجهة الغرب عسكرياً. وبدلاً من ذلك، كان وكلاء إيران منشغلين باستخدام أسلحتهم في الداخل ضد المعارضة والمنشقين.

وتضيف حنين أنه في العقد الماضي، كانت هناك 4 أمثلة رئيسية تم فيها ضرب إيران على أوتارها الحساسة وهي: تصعيد العقوبات الأمريكية على النظام، واستمرار الضربات الإسرائيلية ضد المنشآت العسكرية الإيرانية في سوريا، وقتل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي الإيراني قاسم سليماني، والعقوبات الأمريكية ضد حلفاء "حزب الله" في لبنان.

وكان رد إيران على جميع هذه الإجراءات أقل بكثير من المتوقع، خاصة بعد مقتل سليماني حيث أثرت هذه الضربات في إيران و"حزب الله" بقوة.

ومن انعكاسات ذلك في لبنان، أن "حزب الله" قرر توقيع اتفاق مع إسرائيل بشأن الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان، لأنه يدرك أيضاً أنه سيكون الخاسر في حال نشوب حرب أخرى فضلا عن أن الحزب أدرك أن التهديد بصواريخه وطائراته بدون طيار لا يمكن أن يحقق الكثير، وأن حرباً أخرى يمكن أن تؤدي إلى عواقب أسوأ على الحزب من تقديمه تنازلات لعدوه اللدود.

كما أن قوة الحزب تراجعت بسبب مشاركته اللاحقة في الحرب السورية، الأمر الذي دفعه إلى اختيار الكمية على النوعية عند تجنيد مقاتلين جدد، حيث أصبحت وحداته حالياً أقل تدريباً وأقل أيديولوجية وأقل انضباطاً من ذي قبل، لذا سيحتاج الحزب إلى مزيد من الوقت والموارد والتمويل لتجنيد هذه الوحدات للحرب.

كما أن إيران ليست في وضع مالي كافي لتمويل الحزب ما لم يتم استئناف الاتفاق النووي.

ومع ذلك لا ينكر المقال تمكن الحزب من تطوير العديد من القدرات الجديدة مثل الصواريخ الدقيقة القادرة على إلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية الإسرائيلية الحيوية مثل المطارات ومنشآت المياه و محطات توليد الكهرباء.

سياسة جديدة

وترى حنين أنه بدون وجود سياسة أمريكية شاملة ومستدامة فيما يتعلق بـ"حزب الله" ولبنان، بإمكان الحزب أن يتغلب على الكثير من هذه التحديات. وبما أن الوكيل الرئيسي لإيران في المنطقة يواجه تحديات عميقة داخلياً وعسكرياً، فلابد أن تغتنم واشنطن الفرصة لإضعاف ركائز قوة الحزب وحلفائه وقواعده واقتصاده وزعزعتها.

لقد ركزت سياسة الولايات المتحدة تجاه لبنان على المساعدات الأمنية والإنسانية، إلى جانب العقوبات ضد "حزب الله" وعدد قليل من الحلفاء. لكن لم يكن هناك استثمار جدي في مبادرات القوة الناعمة التي من شأنها أن تستهدف على وجه التحديد سردية "حزب الله" وبرامجه.

وهذا يتضح من خلال الأرقام؛ فقد تجاوزت قيمة المساعدات الأمريكية للبنان منذ عام 2010، 4 مليارات دولار. وخُصصت هذه الأموال لدعم الأجهزة الأمنية في لبنان، والاحتياجات الاقتصادية، والحكم الرشيد، وتحسين الخدمات العامة الحيوية مثل المياه والصرف الصحي والتعليم. وقدمت واشنطن أكثر من ملياري دولار من المساعدات الأمنية الثنائية للجيش اللبناني منذ عام 2006، و2.3 مليار دولار من المساعدات الإنسانية منذ عام 2011، عندما بدأت الحرب الأهلية السورية، معظمها لدعم اللاجئين والمجتمعات المضيفة.

بالإضافة إلى ذلك، فمن خلال "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية" قدمت واشنطن مساعدة فورية بقيمة 41.6 مليون دولار أثناء وباء "كوفيد-19"، و18 مليون دولار مساعدات إنسانية في أعقاب انفجار ميناء بيروت في أغسطس/آب 2020، والتي شملت أكثر من 15 مليون دولار من دعم "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية" لجهود الاستجابة للطوارئ.

ولكن إيران تتبع استراتيجية مختلفة. فبدلاً من الاستجابة الفورية للأزمات، تستخدم المساعدات كأداة من أدوات القوة الناعمة لترسخ جذورها بشكل يصعب عكسه خلال الحروب أو العقوبات.

وتلفت حنين إل أن السبب الوحيد وراء تحول الديناميكيات بين "حزب الله" والمجتمع الشيعي في الوقت الحالي هو أن أدوات القوة الناعمة هذه تواجه بعض التحديات.

ويرى المقال أنه لا يزال الشيعة عاجزين عن اللجوء إلى جهة أخرى دون وجود بدائل حقيقية، لا سيما بدائل اقتصادية. وهنا يمكن أن تكون سياسة الولايات المتحدة مفيدة من خلال إيجاد بدائل اقتصادية للمجتمع الشيعي خارج مؤسسات "حزب الله" وتلك التابعة للدولة اللبنانية، كما أن القطاع الخاص اللبناني يمكن أن يكون شريكاً أفضل.

وقد شكّل توقيع اتفاقية الحدود البحرية مع إسرائيل فرصة عظيمة لإظهار ضعف الحزب واستعداده للتوصل إلى حل وسط مع إسرائيل. ومن المهم جداً الحرص على عدم استفادة الحزب وحلفائه من عائدات الغاز.

ويشير المقال إلى ركيزة أخرى كان يستند عليها الحزب وهي في حالة تراجع الآن، وقد تسببت العقوبات الأمريكية المفروضة على رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل واحتجاجات عام 2019 في خسارته ولم يعد "التيار الوطني الحر" حليفاً مسيحياً قوياً لـ"حزب الله"، وبالتالي يمكن التخلي عنه.

وتؤكد حنين أن فرض المزيد من العقوبات ضد حلفاء "حزب الله" والعناصر الداعمة له داخل مؤسسات الدولة أمر ضروري اليوم للحد من قوة الحزب. كما من الضروري معاقبة جميع أولئك الذين يعرقلون الإصلاحات، ويسمحون بالتهريب على طول الحدود مع سوريا، فضلاً عن أولئك الذين يعرقلون العدالة والمساءلة في لبنان.

كما أن الضعف الحالي لـ"حزب الله" يشكل فرصة استراتيجية لتغيير توازن القوى في لبنان، وتقليص نفوذ إيران بعيد المدى، وتعزيز التنوع السياسي الحقيقي داخل المجتمع الشيعي.

ولا يكتفي المقال بلبنان بل يرى أن الأمر نفسه ينطبق على جميع أنحاء المنطقة، فأينما تتنتصر إيران عسكرياً وتتسلل إلى الدولة، يؤدي ذلك إلى وقوع فوضى. فمن العراق إلى لبنان، أصبح من الواضح أن الشعوب، من بينها الطائفة الشيعية، لم يعد بإمكانها تحمل القوة الإيرانية.

ولهزيمة إيران، حسب حنين، يجب أن يفعل الغرب ما تفعله إيران، فالولايات المتحدة تمتلك الموارد اللازمة والقوة الدبلوماسية لسد الفجوة التي خلّفتها إيران بمبادرات القوة الناعمة، وفرض عقوبات ضد الفاسدين والحلفاء بشكل متكرر، ووضع آليات للمساءلة، والاستثمار في سياسة أكثر استدامة وثباتاً.

المصدر | حنين غدار | معهد واشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

إيران حزب الله واشنطن اسرائيل باسيل

قبل أن تصبح علاقاتهما طبيعية.. طريق طويل أمام إيران والسعودية

مناورة "حزب الله".. طمأنة للداخل اللبناني وتحذير للمحتل الإسرائيلي