الربيع العربي ... ما الذي تغير؟ وما الذي بقى على حاله؟

الثلاثاء 26 يناير 2016 08:01 ص

غالبا ما يكون يناير/كانون الثاني موسما لاستقراء العالم العربي في الوقت الذي تعيش خلاله المنطقة الذكرى الخامسة لثورات الربيع العربي التي انلعت في عام 2011. تجري مناقشات أهم التغييرات التي وقعت، وربما ما هو أكثر أهمية، مناقشة ما لم يتغير بعد. قبل خمس سنوات، بدت الاحتجاجات العامة وكأنها لن تكتفي فقط بتغيير وجه بعض الدول العربية الحديثة، ولكنها في الأساس سوف تعيد تعريف معالم السياسة في المنطقة.

وقد فعل الربيع العربي ذلك في بعض الأماكن بالفعل، فغير بعضها إلى الأفضل والبعض الآخر إلى الأسوأ. في بلدان مثل ليبيا وسوريا واليمن، حيث اجتذبت الاحتجاجات الشعبية الآلاف، فقد ترك الربيع العربي هذه البلاد في أتون حروب أهلية لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا، بالإضافة إلى صراعات بالوكالة عن أرباب المصالح المتنافسين، والتي سوف تستمر لبضع الوقت في المستقبل. ولكن في البلدان التي أشعلت الاحتجاجات، وبالتحديد تونس ومصر، فقد ظلوا بمنأى على نفس مستوى العنف الذي حل بجيرانهم في المنطقة. وربما كان ذلك راجعا إلى أن كلا الدولتين قد أظهرتا في بادئ الأمر مرونة في تبني فكرة الإصلاح الديمقراطي. ومع ذلك، فإن هناك دلائل على أن هذه الحكومات القديمة والراسخة سوف تستمر في مواجهة تحديات لسلطتها.

لا يتطلب الأمر تحليلا عميقا لإظهار مدى محدودية التغييرات الحقيقية التي وقعت داخل هياكل السلطة في كل من مصر وتونس. صحيح أن «زين العابدين بن علي» قد استقال من مصبه كرئيس لتونس وكذلك فعل «حسني مبارك» في مصر، وهي حقائق تعكس مدى قوة الاحتجاجات الشعبية التي قامت ضدهم. لكن الرئيس التونسي الحالي «الباجي قائد السبسي» كان جزءا من نظام «بن علي»، وكان الرئيس المصري الحالي «عبد الفتاح السيسي» أحد جنرالات المجلس العسكري الموثوق بهم في عهد «مبارك». العديد من الوزراء والمشرعين في كلا البلدين يشغلون وظائف مماثلة لتلك التي كانوا يشغلونها قبل 5 سنوات.

ويرجع جزء كبير من قدرتهم على النجاح في الحفاظ على قوتهم إلى استعدادهم للميل/ الخضوع، وليس الانكسار، في مواجهة متغيرات بيئة ما بعد الربيع العربي. والآن، فإن أكبر تهديد لكلا الحكومتين هو الأزمات الأمنية الخارجية التي تهدد الاستقرار الداخلي. الاضطرابات الليبية، مع ما أفرزته من ميليشيات وفصائل تابعة لتنظيمي القاعدة و«الدولة الإسلامية»، إضافة إلى فراغ السلطة في سيناء والساحل وكذلك في جبال الجزائر، وحتى في سوريا والعراق البعيدتين نسبيا. انعكست هذه المتغيرات في صورة هجمات أصابت الأراضي التونسية والمصرية، وقد أغرت الشباب التونسي والمصري بالانضمام إليها. احتواء التهديدات الجهادية، والتي تستهدف بشكل متزايد المواقع السياحية التونسية والمصرية الهامة والمنشآت الأمنية، يشكل أولوية هامة لكل من تونس والقاهرة. عززت مصر قدراتها الأمنية بشكل أفضل من تونس، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن قوات الأمن التونسية لا تشعر أنه يتم تقديرها ماديا بالقدر الكافي.

تأخذنا قضية الرواتب والتقدير المالي نحو الإشارة إلى المشاكل الاقتصادية التي من شأنها زعزعة أسس كل من الحكومتين بطرق مختلفة. تعاني كلا البلدين من ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب فضلا عن ارتفاع تكاليف المعيشة. أكثر من 60 في المائة من الشباب الخريجين في تونس غير قادرين على الحصول على العمل، وتحوم نسبة البطالة الإجمالية حول 30 في المائة من عدد السكان الكلي، برغم انخفاض النسبة الإجمالية للبطالة بمعدل 3 في المائة منذ عام 2011. وفي مصر ترتفع نسبة البطالة بين الشباب لتصل إلى قرابة 40 في المائة.

وقد تركزت الاحتجاجات التونسية الأخيرة التي وقعت خلال عطلة نهاية الأسبوع حول نفس المراكز الحضرية التي انطلق منها الربيع العربي قبل 5 سنوات وقد أشهرت نفس المطالب، كلمة بكلمة، كما تم رفعها قبل 5 سنوات. وحتى ضباط الشرطة قد نظموا مسيرة سلمية إلى القصر الرئاسي في قرطاج مطالبين بزيادة في الأجور، وقد حظوا بتضامن الحرس الرئاسي. وسط هذه الاحتجاجات، فقد طالب القادة التونسيون ناخبيهم بالصبر مذكرين بأن التهديدات الأمنية مثل «الدولة الإسلامية» يمكن أن تصبح أسوأ إذا لم يتم الحد من الاضطرابات.

ولا تقل الطريقة التي تقوم عبرها هذه السلطات بإدارة علاقاتها مع الأحزاب السياسية المعارضة أهمية عن طريقة إدارتها لتحدياتها الاقتصادية. من أجل الحفاظ على شرعيتها السياسية، فقد تعاملت السلطات في مصر وتونس مع أحزاب المعارضة والإسلاميين بطرق غير متصورة وغير قانونية قبل الربيع العربي. في تونس، ينبغي أن يعمل حزب النهضة الإسلامي مع حزب نداء تونس بشكل وثيق إذا كانت هناك رغبة حقيقية في تحقيق أي تقدم معتبر، وهو أمر بدا إدراكه واضحا من خلال الاتفاقات المغلقة التي ساعدت في الحفاظ على تفوق كلا الحزبين في بيئة سياسية متقلبة. دفعت هذه الصفقة بعض البرلمانيين وأنصار حزب نداء تونس إلى الانشقاق عنه لتشكيل تحالفات أصغر مؤخرا، ولكنها أيضا أسهمت في الحفاظ على تماسك المؤسسات السياسية في تونس، إلى الآن على الأقل. هذه التحالفات الوليدة يمكن أن تقوض بشكل جيد العلاقة بين النهضة ونداء تونس في المستقبل.

العلاقة بين المؤسسة السياسية المصرية والمعارضة الإسلامية كانت أسوأ من ذلك بكثير بطبيعة الحال. ساند المجلس العسكري الاحتجاجات الشعبية ضد «مبارك»، وكذا نجله «جمال»، حيث رأت في أفكاره حول الإصلاح الاقتصادي تهديد مباشر لمصالحها. سمح العسكريون للرئيس المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، «محمد مرسي»، بتحمل المسؤولية عن الأزمات الاقتصادية والأمنية في البلاد، وقدم نفسه بوصفه الحامي لشريحة كبيرة من النخبة المصرية التي عرت بالتوتر بفعل الرئاسة الإسلامية. قام القادة العسكريون بتهميش جماعة الإخوان المسلمين مستخدمين نفس التكتيكات التي تم استخدامها في عهد «مبارك». ولا تزال الحساسية تجاه الإسلام السياسي قائمة، في حين أن البلدان التي لديها مصلحة في الاستقرار المصري، بما في ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة العربية السعودية، يشعرون بالقلق أنه بالرغم من أن الوضع يبدو راكدا بشكل ما، فإن مصر ليست منيعة ضد الاضطرابات كما قد تبدو عليه لأول وهلة.

يمثل الاستقرار في مصر أهمية خاصة بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية التي أغدقت القروض والمنح ومعونات الطاقة على القاهرة. وبعبارة أخرى، فإنها قد زودتها بالموارد التي ربما تحتاجها من أجل تهدئة مواطنيها. بشكل تقليدي، تعتبر المملكة العربية السعودية الأحزاب الإسلامية خطرا على شرعيتها، ولكن الرياض تدرك الآن أن عليها أن تجعل مواقفها أكثر اعتدالا من أجل در أكبر من الأمن الإقليمي، لأن الحلفاء السنة المهمين لها مثل تركيا هم الذين يوفرون الكفالة لهذه الأحزاب الإسلامية.

وبالنسبة لمصر، فقد كان يوم أمس اختبارا مهما بالنسبة للحكومة حول قدرتها على الحفاظ على النظام، وهو اختبار يبدو أنه قد مر مع الحد الأدنى من العنف وذلك بفضل أسابيع من الاعتقالات التي سبقت الاحتفال بذكرى ثورة 25 يناير. ومع مرور هذا الخط الزمني، فإنه ربما يمكن للقادة المصريين أن يبدو بعض المرونة تجاه بعض القضايا مثل أحكام الإعدام لبعض أعضاء جماعة الإخوان مسلمين، وهي أمور تمثل عقبات في تحسين العلاقات بين مصر والدول السنية الأخرى.

المصدر | ستراتفور

  كلمات مفتاحية

مصر تونس السبسي السيسي حركة النهضة الدولة الإسلامية الإخوان المسلمون الربيع العربي

25 يناير ليس يوما واحدا

«المرزوقي»: أحلام الربيع العربي ذهبت أدراج الرياح .. وأرثي للمسكين «السيسي»

«أمريكان انتريست»: مساعدة السعودية في الإطاحة بـ«مرسي» تسببت في فوضى شاملة بالمنطقة

«البرادعي» عن «الربيع العربي»: تفاءلنا بشكل زائد .. والدفع بالإسلاميين تحت الأرض يولّد العنف

«الربيع العربي» يدخل مرحلة «الدعشنة»

«فورين أفيرز»: هل أنقذ «السيسي» مصر حقا؟

الثورات العربية تنتظر عقيدتها السياسية

مصر: العاصفة التي لم تأت بعد

العرب والخيار الثالث!

هل أخطأت السعودية بخوض الحرب ضد الربيع العربي؟

الربيع العربي والتطرف .. الرواية الصحيحة