مصر: العاصفة التي لم تأت بعد

السبت 30 يناير 2016 10:01 ص

وعدت جماعة الإخوان المسلمين أنصارها وسائر المصريين، بل والعالم بأسره، أن مصر ستشهد عاصفة في 25 يناير/كانون الثاني سوف تكون كفيلة بالإطاحة بالرئيس «عبد الفتاح السيسي». وقد جاء هذا التاريخ ومر بينما لم يحدث أي شيء تقريبا. صحيح أنه قد وقعت بعض المظاهرات هنا وهناك، لكنها لم تشهد استجابة من الجمهور العام.

يمكن أن نقول أن هناك عاملين قد لعبا دورا في أن تلك العاصفة الموعودة لم تحدثك أولهما هو موجة التهديدات الأمنية التي أطلقتها السلطات أن القوة ستستخدم ضد المتظاهرين ما تسبب في عزل جماعة الإخوان المسلمين. وثانيهما هي حالة عدم اليقين التي تنتاب المصريين عما سوف يخلف «السيسي» إذا كان له أن يرحل.

وقد عانت جماعة الإخوان المسلمين مؤخرا من أكبر الشقوق التنظيمية في داخلها. حيث قام الزعماء التقليديون للجماعة بشن هجوم مضادة ضد كتلة الأعضاء التي تطالب بتجديد شامل للجماعة. انتقدت كتلة المتمردين قيادة مكتب الإرشاد بلا رحمة على مدار عام سيطرت خلاله على بعض الهيئات التنظيمية في مصر وخارجها. وقد وجهت الانتقادات اللوم لمكتب الإرشاد على النهاية المأساوية لعهد الرئيس السابق «محمد مرسي» وحالة العزلة التي تحياها الجماعة. قامت القيادة التقليدية بالإطاحة بالمتمردين واستعادة السيطرة على المنتديات التنظيمية التي استخدموها.

واحد من القادة البارزين لجماعة الإخوان المسلمين، الشيخ «يوسف القرضاوي»، قد حاول قبل بضعة أشهر الوساطة بين الفصيلين داخل المنظمة. وقد اقترح مؤخرا أن تجرى انتخابات داخلية على أن يقوم الطرفان بالتنحي. وقد اعتبر الحرس القديم اقتراح الشيخ «القرضاوي» ينم عن إرادة سيئة وقاموا برفضه.

كما أنهم قد رفضوا أيضا جهود الوساطة من قبل «خالد مشعل»، زعيم حركة حماس، وهي فرع جماعة الإخوان المسلمين في غزة. قام الحرس القديم بالمضي قدما في خطة تهدف إلى فرض سيطرة القيادة التقليدية. قام القائم بأعمال المرشد، «محمود عزت»، بالإطاحة بجميع المتمردين. كان هناك العددي من التفاعلات التنظيمية في أعقاب القرار الذي كان يهدف إلى إنهاء فترة طويلة من النزاعات الداخلية وإعادة السيطرة لمكتب الإرشاد. ومع ذلك فإن هذا لا ينعكس بأي شكل من الأشكال على استمرر العزلة الشعبية التي تحياها الجماعة في مصر.

ومع ذلك، فإن هذه العزلة لا ينبغي أن تفهم عن طريق الخطأ على أنها دعم للنظام الحالي. ما هو واضح الآن هو أن مصر تسير على نفس الطريق الذي سارت عليه في عهد الرئيس السابق «حسني مبارك». هذا يحمل خطر اندلاع الاضطرابات التاريخية مرة أخرى. إذا نجحت جماعة الإخوان المسلمين في العودة كما فعلت سلفا في عهد «عبد الناصر» فإنها لن تواجه مقاومة من قبل أي قوة سياسية حقيقية. لا يوجد حاليا لا شيء في مصر، وبالتالي لا توجد قوة يمكنها مواجهة جماعة الإخوان المسلمين بخلاف الأجهزة الأمنية الحكومية. إذا قدر للحكومة أن تنهار مرة أخرى، كما حدث قبل 5 سنوات، فإن جماعة الإخوان المسلمين سوف تظل هي القوة الوحيدة المنظمة القادرة على ملء فراغ السلطة السياسية.

تعتبر دولة «مبارك»، التي نجحت في استعادة سلطتها، أن الشباب في المناطق الحضرية هم مصدر للمتاعب. لذا فإنهم تحرمهم من أية حقوق سياسية. يتم النظر إلى هؤلاء الشباب بوصفهم تهديدا وبالتالي يتم تحويلهم إلى أعداء. بينما لا توجد أي محاولات لكسب تأييدهم.

من ناحية أخرى، فإن النظام لا يزال غير قادر على تشكيل ائتلاف اجتماعي حقيقي لحفظ قادته الشعبية التي تواصل التقلص. والسبب بسيط: يبدو «السيسي» مترددا أو غير قادر على استخدام ثقله الشخصي في الشارع لصف الأجنحة المختلفة في الدولة ضمن كيان متماسك. مستوى الاقتتال الداخلي داخل الجهاز دولة مقلق حقا. لا تظهر مكونات الدولة أي قدر من التناغم في العمل الداخلي مقارنة بأي وقت مضى.

هناك بعض الحالات السابقة، مثل مذبحة القصر التي نفذها الرئيس الراحل «أنور السادات» في 15 مايو/أيار 1971 للتخلص من خصومه الناصريين الذين كانوا يسيطرون بشكل كامل على آلة الدولة. كانت لدى «السيسي» الفرصة ليفعل الشيء نفسه حين كانت شعبيته بين المصريين كافية لتجعل المساس به أمرا صعبا. قام «السيسي» بإهدار الفرصة، ويرجع ذلك ربما لكونه بدا أكثر حذرا تجاه التهديدات التي تمثلها جماعة الإخوان المسلمين.

من الواضح أن «السيسي» ليس مقامرا. ولكن محاولة السيطرة على آلة الدولة عبر انقلاب واحد هو أفضل من خسارة معركته السياسية من خلال النقاط. وهو أفضل بالتأكيد من اللجوء إلى الأساليب الشرطية البحتة المستخدمة حاليا. هذا الجهاز، الشرطة، يمثل الآن أخطر تهديد للنظام كله، وبنفس الطريقة التي حدثت إبان العد التنازلي لثورة يناير/كانون الثاني عام 2011. بينما يتم النظر إلى المشاكل التي تواجه النظام من خلال وجهة النظر الضيقة للأجهزة الأمنية وليس من خلال أي تقييم سياسي عميق.

يبدو أن على «السيسي» القتال على عدة جبهات في ذات الوقت. يبدو أن التزامه الأولى هو تحسين الأوضاع الاقتصادية وتحسين الظروف العامة التي يجد النظام نفسه في مواجهتها. ومع ذلك، فإن طالما أنه يمتنع عن لعب دور المايسترو مع أوركسترا تلعب في وئام، فإنه يكاد يكون من المستحيل الوصول إلى شواطئ الأمان. في مصر الآن، لا يوجد مايسترو أو أوركسترا. يتم امتصاص المايسترو من قبل تحديات اقتصادية ضخمة في حين أن أعضاء الأوركسترا مشغولون بقتال بعضهم البعض أو البحث عن مصالحهم الخاصة.

حاولت جماعة الإخوان المسلمين تصوير بعض الاحتجاجات التي لم يلاحظها أحد وبعض أعمال العنف المحدود في 25 يناير/كانون الثاني على أنها عاصفة. ولكنها كانت عاصفة بلا رياح. ولا يزال أمام جماعة الإخوان المسلمين طريق طويل قبل تجد فرصة أخرى مماثلة لتلك التي منحت لهم من قبل الرئيس «السادات». الجماعة ليست هي نفسها. كما أن مصر ليست هي نفسها. والنظام يدرك أن الجماعة تمثل تهديدا وجوديا على الدولة في مصر.

كما قلنا سلفا، فإن جماعة الإخوان المسلمين قبل الربيع العربي ليست هي ذاتها بعده. تنظر الحركة الإسلامية إلى مصطلحات مثل الشعب والثورة والسيطرة على الدولة والنشاط السياسي الشعبي والتنظيم الجماهيري السياسي بطريقة مختلفة تماما. واحدة من الآثار الكبرى للربيع العربي هو أنه قد ثبت الحذر التاريخي للمنظمة تجاه الجماهير وفكرة الثورة الشعبية السياسية.

في مصر، يبدو أن الأجهزة الأمنية تهيأ، عن غير عمد، أسباب الثورة الشعبية بين صفوف مجموعات الشباب الناشطين. الواقع يذهب بالضبط في الطريق المعاكس. لا يمكن للنشطاء من تلقاء نفسهم خلق ثورة شعبية، ولكن الثورة بإمكانها خلق الآلاف منهم. هذا هو السبب في أن السؤال الذي يجب أن تواجهه الأجهزة الأمنية ليس هو «من» ولكنه «لماذا؟».

وللإجابة على هذا السؤال الثاني فإنه يمكنهم إيجاد أحد المفاتيح إذا تسنى لهم فقط النظر إلى المرآة.

المصدر | سمير التقي وعصام عزيز - ميدل إيست بريفينج

  كلمات مفتاحية

مصر السيسي الإخوان المسلمون ثورة 25 يناير

«فورين أفيرز»: هل أنقذ «السيسي» مصر حقا؟

الربيع العربي ... ما الذي تغير؟ وما الذي بقى على حاله؟

25 يناير ليس يوما واحدا

جدلية الثورة والثورة المضادة: مصير مصر بين أربع قوى سياسية وأربعة تواريخ

«أمريكان انتريست»: مساعدة السعودية في الإطاحة بـ«مرسي» تسببت في فوضى شاملة بالمنطقة

الثورات العربية تنتظر عقيدتها السياسية

رغم القمع الأمني .. معدل التظاهر خلال حكم «السيسي» تضاعف 5 مرات

في تفسير حالة العجز الجماعي في مصر

من الاستعمار إلى الأنظمة الديكتاتورية