طارق الهاشمي لـ"الخليج الجديد": العراق بحاجة لنظام ليس كالحالي ولا السابق (1/2)

السبت 8 أبريل 2023 10:20 م

نواف السعيدي - الخليج الجديد

دعا نائب الرئيس العراقي الأسبق طارق الهاشمي (2006-2013) إلى "تأسيس نظام عراقي جديد، ليس كالنظام الحالي ولا النظام السابق، بل نظام يتوافق عليه شعب العراق، ويؤسس لدولة فيها حوكمة وحكم رشيد".

وفي جزء أول من مقابلة مصورة مع "الخليج الجديد" بمناسبة الذكري العشرين لسقوط بغداد في 9 أبريل/نيسان 2003، وصف الهاشمي (81 عاما) تداعيات الغزو الأمريكي البريطاني لبلاده قبل 20 عاما بأنها كانت "كارثية"، معتبرا أنه كانت هناك "مؤامرة كبيرة ساهم فيها القريب والبعيد".

وبزعم امتلاك بغداد أسلحة دمار شامل وارتباطها بتنظيمات إرهابية، غزت قوات تحالف دولي، بقيادة واشنطن، العراق في 20 آذار/ مارس 2003 وأطاحت بنظام الرئيس صدام حسين (1979-2003)، ولم تستطع إثبات صحة مزاعم الغزو.

وبالنسبة لوجوده خارج العراق، قال الهاشمي (سُني)، خلال المقابلة التي بثها "الخليج الجديد" كاملة عبر منصته على "يوتيوب"، إن "هذا الملف لا بد له من نهاية؛ فقضيتي مجرد استهداف سياسي وليست جنائية على الإطلاق، وعندما يُرفع الغطاء ويستقل القضاء، ستجد الهاشمي في بغداد، وما ذلك على الله بعزيز".

وفي عام 2012، بناء على طلب من حكومة رئيس الوزراء آنذاك نوري المالكي (2006-2014)، أصدرت المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الإنتربول) مذكرة توقيف بحق الهاشمي بتهمة إدارة وتمويل هجمات إرهابية، لكن المنظمة رفعت في 2016 اسمه نهائيا من قائمتها الحمراء للمطلوبين بالاعتقال، وقالت إنه توجد شكوك قوية في صحة المعلومات التي قدمتها السلطات العراقية للقبض عليه.

وشدد الهاشمي على أن "العرب السُنة هم فقط الذين يتعرضون للاستهدافات في العراق، والمادة 4 إرهاب (إحدى مواد قانون مكافحة الإرهاب) تُسمى (4 سُنة) بسبب اقتصار تنفيذها على العرب السُنة فقط"، مضيفا أنه لم يتم استهداف سياسي واحد من الشيعة ولا الأكراد ولا التركمان ولا المسيحيين.

وبعد 2003، بات العرف السائد هو تقسيم الرئاسات الثلاث، بحيث تكون رئاسة الحكومة للمكون الشيعي، ورئاسة البرلمان من حصة السُنة، ورئاسة الجمهورية للمكون الكردي.

وعبّر الهاشمي عن شعوره بالخذلان من القيادات السُنية داخل العراق؛ لأن "الأداء أقل بكثير من حجم المناصب التي يتقلدونها، خاصة أن هناك 5 ملفات تخص العرب السُنة لم تُعالج بأي طريقة حتى اللحظة"، داعيا تلك القيادات إلى الوحدة وتغليب المصلحة العامة.

وفي ما يلي نص الجزء الأول من مقابلة الهاشمي الخاصة مع "الخليج الجديد":

بداية.. كيف ترى ما آلت إليه أوضاع العراق بعد 20 عاما على الغزو؟

تمر الذكرى العشرين للغزو الأمريكي – البريطاني للعراق ولم يكن لهذه الحرب مبرر أو مسوغ، وتداعياتها كانت كارثية، فعلى مدى 20 سنة لم يعد هناك نشاطا أو مجالا أو زاوية في العراق إلا وتعرضت للتخريب والدمار.

العراق اليوم على جميع الأصعدة يواجه الكثير من التحديات في الداخل والخارج، وبالرغم من ذلك لا ينبغي الوقوف والبكاء على الأطلال، وعلى كل العراقيين أن يراجعوا المواقف التي دعت الولايات المتحدة وبريطانيا والائتلاف الدولي إلى غزو العراق، وبالتالي عليهم أن يعتنوا بحاضرهم وبمستقبلهم، هذا الذي ينبغي أن يحرّكنا اليوم وليس الماضي.

ومَن يتحمل وزر الغزو الأمريكي للعراق؟

بعد أن خرج العراق منتصرا من حربه مع إيران (1980-1988) بدأت المشاكل بين الولايات المتحدة والعراق، وبعد ذلك توسّعت المشاكل بين الغرب والعراق.

ثم تفاقمت الأمور بعد الغزو (العراقي) الكارثي للكويت (1990) الذي لم يكن له مبرر أيضا، الأمر الذي استفز المجتمع الدولي لكي يتكالب على العراق، فكان الوضع الخارجي مؤهلا للأمر؛ فقد استُثمرت هذه الأخطاء التي ارتكبها النظام السابق.

وهذه الحرب في حقيقتها كانت تنطوي على مضامين تستهدف العراق ولا تستهدف نظام الحكم فقط كما أُعلن أو أشيع.

كيف تنظر إلى مقاومة بعض العراقيين للقوات الأمريكية خلال الاحتلال؟

المقاومة التي كانت تستهدف المحتل هي مقاومة مشروعة ولا غبار عليها، وتُعتبر من باب الكفاح الوطني المسلح الذي اعتمدته الكثير من حركات التحرير في العالم، ونحن لسنا استثناءً في هذه المسألة، وحتى الغرب نفسه كان يُقر بمشروعية المقاومة العراقية للاحتلال الأمريكي - البريطاني.

الإشكالية عندما تتوسع دائرة المقاومة لتصيب مدنيين لا علاقة لهم بالصراع بين المحتل والمقاومة الوطنية، وكل مَن استهدف المدنيين ينبغي أن يشمله توصيف الإرهاب؛ فهناك الكثير من المناطق الضبابية التي توسّعت بها دائرة التصدي للاحتلال الأمريكي – البريطاني، لكنها في الوقت نفسه ألحقت الكثير من الأضرار بالقطاع المدني.

على سبيل المثال، حركات مثل "القاعدة" وحوادث السيارات المفخخة التي لم نعرف مصدرها وكانت تأتينا عبر حدود الدول المجاورة لاستهداف المدنيين في المقام الأول، فلكي يُقتل جندي أمريكي واحد أو تُستهدف سيارة عسكرية واحدة كان يُقتل في نفس الوقت عشرات المدنيين المتواجدين قدرا بالقرب من هذا الأمريكي أو هذه السيارة. كل مَن تسبّب في أذى للمدنيين أو لجهاز مدني أنا أتهمه صراحة بالإرهاب.

موقف الدول العربية من الغزو الأمريكي.. كيف تُقيِّمه؟

الدول العربية أخفقت على الأقل في منع الغزو، وتداعياته لم تتوقف عند حدود العراق، فالتغيير الذي حدث أثّر في عموم المنطقة وألحق ضررا تاريخيا بالأمن القومي العربي.

أعتقد أن القادة العرب الذين تفاهموا مع الولايات المتحدة، انطلاقا من غضبهم على موقف النظام السابق من غزو الكويت، توسعوا في هذه المسألة، وإما أنهم وافقوا على المشروع الأمريكي– البريطاني أو سكتوا وهم يعلمون جيدا مآلات الغزو.

عندما نستمع اليوم إلى شخصيات مخابراتية أو عملت بوزرات الخارجية، نتيقن أن الدول العربية كانت واعية جيدا بمآلات هذا الغزو، والسؤال هنا: إن كنتم واعين لهذه المسألة وتعلمون أن مآلاته الكارثية ستعبر حدود العراق إلى دولكم فلماذا لم تمنعوا هذا الغزو؟. كانت هناك لقاءات عديدة نشرتها وسائل الإعلام تُجرى في بيت الرئيس الأمريكي جورج بوش (الابن) وهو موقف مؤسف وقصير النظر، فلم تؤخذ في الاعتبار متطلبات الأمن القومي العربي.

وهل لا تزال هناك أسرار بخصوص ما جرى قبيل وأثناء الغزو الأمريكي؟

الجدل لا زال موجودا بين قطاع السياسة الخارجية وأجهزة المخابرات، فكل طرف يلقي باللائمة على الآخر، وهذا الموضوع لا يعني شيئا بالنسبة لي، لكن حقيقة الغموض التي تكتنف هذا الغزو حتى اللحظة تكمن في مآلات وأهداف الغزو، فهل كان سببه هو مجرد إزاحة النظام وبناء دولة على الطراز الغربي متميزة في مجال احترام حقوق الإنسان وحق المرأة في الحياة، والشفافية والديمقراطية وصناديق الاقتراع وغيرها من المعايير الغربية؟

لكن الولايات المتحدة تقول: ارتكبنا أخطاء قادت العراق إلى الوضع المأساوي الذي هو عليه الآن. والسؤال: هل الولايات المتحدة صادقة في هذا القول أم أن غزو العراق كان يستهدف تغيير البنية الهيكلية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقيمية في البلاد ليتحول إلى العراق الذي نشاهده اليوم ونرى الخراب في كل مجال والفساد في كل زاوية من زوايا البيروقراطية والسلاح المنتشر بين الميليشيات يفوق ويتغلب على السلاح الشرعي للجيش والأجهزة الأمنية؟.

هل أرادوا العراق فاقدا للسياسة ومُستباحا أمام دول الجوار؟ هل العراق الذي لم يعرف المخدرات هو الذي أصبح اليوم ممرا رئيسا لتجارة المخدرات بالشرق الأوسط؟ هل العراق الذي بنى كل هذه الحضارة خلال آلاف السنين يحتاج إلى استيراد الكهرباء ولقمة العيش وحبة الدواء؟.

الحقيقة أن الملفات السرية للولايات المتحدة وبريطانيا كانت تستهدف تغيير البنية الهيكلية للعراق بحيث يُنتج في نهاية المطاف العراق الجديد الذي نراه اليوم.

قررت أن أكتب كتابا بعنوان "الخطيئة" حول هذا الموضوع؛ فلدي انطباعا كاملا بأن ما حدث في العراق لم يكن نتيجة تراكم أخطاء، وإنما كان مقصودا به أن يصل العراق إلى هذا المستوى البائس.

وهل تعتقد أن أطرافا محلية تواطأت مع الولايات المتحدة لتنفيذ هذا المخطط؟

المعارضة العراقية كانت طرفا في تحقيق وتنفيذ الغزو، وقسم من المعارضة كان لديه ميليشيات وفرق للقتل وقسم في الجانب السياسي، وجميع أطراف المعارضة وقّعت بالموافقة للولايات المتحدة وبريطانيا على غزو العراق ومنحت الشرعية للقصف العسكري، أليس هذا تواطؤ؟! بلى، تواطؤ كبير. بعض قوى المعارضة الناشطة في العراق كانت لديها ميليشيات عسكرية كفيلق بدر، الذي كان له دورا كبيرا جدا في نجاح العمليات العسكرية الأمريكية.

لكن لا ينبغي أن نقتصر دائرة الاتهام على مواقف بعض الدول العربية والمعارضة من الغزو، فهناك التفاهم الأمريكي – الإيراني باعتراف وزير الخارجية الإيراني الأسبق (لم يسمه) بأن هناك تفاهمات تمت بين إيران والولايات المتحدة لتسهيل عملية الغزو الأمريكي البريطاني للعراق، ولو لم يتحقق هذا التعاون ما كانت واشنطن قادرة على إنجاز العمليات العسكرية خلال هذه الفترة القصيرة. باختصار كانت هناك "مؤامرة كبيرة" على العراق وشعبه ساهم فيها القريب والبعيد.

البعض يشبّه الغزو الأمريكي للعراق بالحرب الروسية في أوكرانيا.. إلى أي مدى تتفق مع هذا ‏التشبيه؟

ليس هناك مجالا للتشبيه بين غزو العراق عام 2003 والحرب الروسية الأوكرانية اليوم؛ فرغم التحفظ على سياسة النظام العراقي السابق، لكنه لم يكن يُشكّل خطرا على الدول الكبرى، بينما الغزو الروسي لأوكرانيا مبني على اعتبارات تتعلق بالأمن القومي الروسي؛ فلولا هذا الغلو من جانب (حلف شمال الأطلسي) الناتو والتمدد شرقا باتجاه الحدود الروسية ما كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يورط نفسه في هذه المغامرة ويورط (جارته) أوكرانيا (المدعومة من الغرب) والدول القريبة في عمليات عسكرية من هذا النوع.

الرئيس الروسي كان يشعر بالتهديد، وردا على هذا التهديد قام بعملية استباقية واحتل المحافظات المجاورة للحدود، والتي يسكنها كثير من الجاليات التي تتحدث اللغة الروسية.

والعراق لم يكن يُشكّل تهديدا، فبعد غزو للكويت وما تلاه من أحداث (بينها تحرير الكويت عبر تحالف عسكري دولي عربي في 1991)، انكفأ العراق على الداخل وكان معنيا بإطعام شعبه وتلبية مطالب الناس، فقد كان تحت الحصار وتعرفون مشروع الأمم المتحدة "النفط مقابل الغذاء والدواء".

وبالتالي لم يكن هناك مبررا منطقيا لغزو العراق، إن لم تكن هناك مرامي بعيدة المدى لتغيير واقع العراق للوضع الذي هو فيه الآن، بحيث يصبح عبئا على الأمن القومي الإقليمي والعربي.

ربما يرى البعض أن تبريرك للغزو الروسي لأوكرانيا يشبه تبرير آخرين للغزو الأمريكي للعراق.. 

غير صحيح؛ فالعراق كما قلت لم يكن يُشكّل تهديدا على الولايات المتحدة وبريطانيا، لكن روسيا كانت تشعر بهذا التهديد من الناتو، والدليل على ذلك هو التوسع (من جانب الحلف) شرقا باتجاه الحدود الروسية، هذه هي الإشكالية.

وكيف تقارن بين وضع العراق إبان حكم صدام والعراق اليوم؟

إذا كانت المقارنة بالمجمل، فبالتأكيد العراق في السابق كان دولة مُتماسكة وقوية، لكنها واجهت حصارا ظالما أضعفها وأفقر شعبها.

لكن لو تكلمنا عن الحريات وحقوق الإنسان، فملف النظام السابق واضح في هذه المسألة، والاتهامات حقيقية في هذا الموضوع، ولكن مهما كانت الانتقادات فقد كان لدينا دولة.

كان العراق هو الدولة الأولى فيما يتعلق بمناهج التعليم، وكنّا رقم واحد عند (منظمة) اليونسكو فيما يتعلق بوصول برامج التعليم إلى أبعد قرية على الأرض العراقية، وكانت الشهادات (التعليمية) العراقية شهادات مُعتبرة، وجواز السفر العراقي كان محترما. العراق قضى على الفساد والرشوة وكان خاليا من المخدرات.

وعندما نقارن الوضع الذي نحن عليه اليوم والوضع السابق، نجد فوارق حقيقية وكبيرة؛ فقد كان لدينا شعبا مُتماسكا ولم تكن القضية الطائفية ولا العرقية طاغية.

لدينا تحفظات على النظام السابق، لكن الشعب كان متجانسا لم يكن هناك تهميشا أو تمييزا، ولم تكن هناك فتنة هذا سُني وهذا شيعي أو هذا مسلم وهذا مسيحي، كنّا نشعر بأننا شعب واحد وتجمعنا الهوية الوطنية، بينما هذه القضية فقدناها اليوم.

اليوم فقدنا الهوية الجامعة إلى الهويات الفرعية، نزل العراقي من المستوى الراقي للهوية العراقية إلى هوية شيعية، والهوية الشيعية أيضا صارت هوية مذهبية، والسُني نزل من هويته الوطنية إلى الهوية السنية والهوية السنية تفرّقت بين سلفية وصوفية وإخوان، ثم نزلنا إلى العشائرية وأصبح الانتماء للعشائرية طاغٍ على الانتماء الوطني، وهذا لم يكن موجودا.

ناهيك عن موضوع السيادة، فاليوم الدول تصفي حساباتها على الأرض العراقية، وهو أمر غير مسبوق، فمَن كان يجرؤ في السابق على التدخل في الشأن العراقي، وحقيقية اليوم فقدنا الكثير من مزايا النظام السابق.

كنّا نأمل أن الولايات المتحدة، التي بنت وبررت غزوها للعراق بحماية حقوق الانسان، أن تصدق في ذلك.

لكن هل اليوم الإنسان له حق أم بالإمكان اتهامه بالتهم المفبركة واستهدافه سياسيا كحالة طارق الهاشمي مثلا؟، هناك الآلاف من الأبرياء في السجون العراقية والغالبية منهم سُجنوا بناء على تقارير كاذبة من مخبر سري واتهامات مفبركة.

وهل ندم العراقيون على ما فعلوه قبل 20 عاما؟

العراقيون كانوا ضحية، فهم باستثناء المعارضة لم يشاركوا في موضوع الغزو. والقضية الأساسية هي: عندما ننتقد النظام الحالي يُطرح أمامنا النظام السابق، لكن هل قدر العراقيين اليوم بات محصورا بين هذا النظام (الحالي القائم على المحاصصة الطائفية في السلطة) والنظام السابق؟ أليست لدينا خيارات أخرى جديرة بالتفكير والنقاش والحوار؟!

نتمنى أن نؤسس نظاما جديدا، ليس كالنظام الحالي ولا النظام السابق، نظام يتوافق عليه شعب العراق، يؤسس لدولة فيها حكم رشيد وحوكمة وحقوق الإنسان وسيادة ناجزة وعدالة اجتماعية وضبط للثروات ومنع للفساد، ونموذج لنظام ديمقراطي يعتمد على تداول السلطة من خلال الانتخابات.

صرّحت سابقا بأنك مستعد لتسليم نفسك إلى القضاء العراقي.. فهل هذا وارد قريبا؟

في السياسة كل شيء ممكن، وقضيتي ليست مُعقّدة وكما فُبركت كل الاتهامات سياسيا يمكن أن تُلغى سياسيا.

وما مدى ‏استقلال القضاء العراقي؟

لدينا قضاء ممتاز وعادل، لكن السلطة التنفيذية تغوّلت على القضاء واستقلاليته. والآمال معقودة على تعافى القضاء وسوف يتعافى، لكن الموضوع قد يحتاج وقتا ونأمل أن يتم ذلك في أقرب وقت بإذن الله تعالى؛ لأن لدينا واحدا من التحديات الكبرى التي تواجهنا في الوقت الحاضر وهي قضية حقوق الإنسان، وإذا لم يتعافَ القضاء سيبقى هذا الملف مُعلّقا إلى ما شاء الله.

والآمال مُعلّقة اليوم بصدور قانون العفو، وإجراء إصلاحات حقيقية في الجهاز القضائي والسلطة التنفيذية أيضا. وعندما نحل هذه المسألة ونطبق قاعدة استقلال السلطات الثلاث كما وردت بالدستور، فإن القضاء سيتعافى وسيمنع تدخل الدول أيضا، فمشكلتنا ليست داخلية فقط، بل موجودة بالخارج أيضا، وهناك تدخل خارجي حتى في الشأن القضائي.

عام 2023 هل يشهد عودتكم إلى العراق؟

كما ذكرت: هذا الملف لا بد له من نهاية، فقضيتي بسيطة للغاية، وكما استُهدفت سياسيا تُلغى هذه الأحكام والاتهامات سياسيا؛ لأن قضيتي مجرد استهداف سياسي في المقام الأول وليست جنائية على الإطلاق، وعندما يُرفع الغطاء ويستقل القضاء، ستجد الهاشمي في بغداد، وما ذلك على الله بعزيز.

وهل هناك شخصيات أو جهات بعينها تقف خلف استهدافك؟

لا أريد أعطي لملفي أكثر مما يجب، لكن عندما أقرأ الآن مذكرات بعض السياسيين أو ملفات سرية خاصة بفترة زمنية معينة، مع الأسف الشديد أجد أن هناك تآمرا واضحا على الهاشمي، ليس داخليا فقط وإنما خارجيا أيضا، حتى يُستبعد الهاشمي من الحكم في العراق.

ومَن يقف خلف ذلك؟

بعض الدول؛ فعندما تقرأ في الكتب أو المذكرات تجد مؤشرات واضحة لهذه المسألة.

دول غربية أم عربية؟

عندما يخبر المالكي الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما، خلال زيارة الأول لواشنطن في كانون الأول/ ديسمبر 2011، بأن لديه معلومات عن أن بعض أفراد حراسة الهاشمي متورطون في "عمليات إرهابية"، وقد يصل الاستهداف والتحقيق إلى الهاشمي نفسه، فما رأيك سيادة الرئيس؟، فيجيبه أوباما: "هذه مسألة داخلية لا نتدخل فيها".  فيكتب أحد مستشاريه الذين شهدوا هذا الحوار، وهو تريتا بارسي، في مذكراته: "أدركت من إجابة أوباما على ما طرحه رئيس الوزراء نور المالكي أنها بمثابة ضوء أخضر للمالكي لاستهداف زعيم العرب السُنة طارق الهاشمي، ومن ثم إحياء الفتنة الطائفية".

ورغم العلاقات الطبيعية التي كانت بيني وبين جو بايدن، نائب الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت، ومع أوباما نفسه، وعلاقاتي مع الدول العربية، لكني أجد نفسي ضحية لكل هؤلاء.

كذلك الأمر مع دول الجوار، فإيران لم تكن ترتاح لموقف الهاشمي، وهذه القضية كانت واضحة بالنسبة لي. لذا، أعتبر نفسي "ضحية تآمر دولي" من أجل الاتفاق على إبعادي وإقصائي من المشهد.

وبدأت ملامح الإقصاء في انتخابات 2010 عندما استُبعدت "القائمة العراقية" وكنّا الفائزين في الانتخابات وكان من المفترض أن يكون رئيس الوزراء هو الدكتور إياد علاوي، لكن الاتفاق الدولي بين إيران والولايات المتحدة كان واضحا باستبعاد "القائمة العراقية" وتجديد الولاية للمالكي رغم خسارته.

كان هذا دليلا واضحا على تواطؤ المجتمع الدولي على العملية السياسية في العراق، واستبعاد "القائمة العراقية" من منصب رئاسة الوزراء، ثم بعد سنة واحدة يُستهدف الهاشمي.

وماذا عن موقف الدول العربية وخاصة الخليجية من تلك الأحداث؟

بعض الدول أنظر لها بتقدير وبعض الدول لم تقدم شيئا رغم علمها وإدراكها أن هذه الاتهامات باطلة ومُفبركة لكنها سكتت ولديها أسبابها للسكوت، لكنها في الحقيقة ضحت بشخصية عروبية كان بإمكانها تحويل العراق إلى ركيزة للأمن القومي العربي بدلا من أن يتحول إلى عبء على الأمن القومي العربي، وهذه هي الخسارة الكبيرة التي خسرها العرب وخسرتها المنطقة.

تلك الدول العربية هل سكتت فقط أم تواطأت أيضا؟

لا أستطيع القول إنها تواطأت، ربما كانت لها مواقف سلبية واضحة، لكن لا أعتقد أن تصل إلى حد التواطؤ أو التآمر.

الإشكالية التي واجهتنا هي أن الدول العربية لم يكن لها موقف واضح مُتفق عليه فيما يتعلق بالملف العراقي رغم أهميته، كان يُفترض أن يكون للجامعة العربية أو على الأقل مجلس التعاون الخليجي رأي واحد، ويُشكّل فريق عمل لإدارة ملف العراق، لا أن يُترك هذا الموضوع لاجتهاد كل دولة، وكل دولة بالطبع لديها رؤيتها ومصالحها، ومن ثم تتفاوت المواقف بين هذه الدول، لكن في النهاية نحن خسرنا، وعندما خسرنا خسرت المنطقة أيضا.

هناك مطالبات بمراجعة شاملة لملفات العديد من السياسيين العراقيين الذين تعرضوا ‏للاستهداف.. كيف تنظرون لتلك المطالبات؟

جيدة وننتظرها ومن مصلحة العراق اليوم أن تُراجَع وتُغلق هذه الملفات، ويُعاد السياسيون الذين استهدفوا للمساهمة في عملية الإصلاح والبناء والتقدم، ونأمل أن يتم ذلك في المستقبل القريب.

وهل كل الاستهدافات للسياسيين كانت سياسية أم أن بعضها جنائية؟

الإجابة عن هذا السؤال في إجابات الأسئلة التالية: كم سياسي استُهدف من الشيعة؟ صفر. وكم سياسي استُهدف من الأكراد؟ صفر. وكم سياسي تركماني استُهدف؟ صفر. وكم سياسي مسيحي؟ الاستهداف يكون للعرب السُنة فقط، وهذا يجيب على سؤالك.

لكن ماذا عن الاتهامات بالفساد والإرهاب؟

الحديث يدور حول الاتهام بالإرهاب، وكل السياسيين العرب الذين تم استهدافهم استهدفوا بالمادة "4 إرهاب" (إحدى مواد قانون مكافحة الإرهاب)، لذلك الشعب العراقي اليوم من باب السخرية يُسمي هذه المادة "4 سُنة"؛ بسبب اقتصار تنفيذها على العرب السُنة.

هل من المحتمل أن تعود إلى العراق القيادات السنية الموجودة بالخارج؟

بالتأكيد القيادات جاهزة للعودة، وأنا جاهز اليوم للعودة إلى بلدي بشرط أن تُغلق هذه الملفات؛ فهذا استهداف سياسي وليس جنائيا، فأنا لم أرتكب مخالفة، فضلا عن ارتكاب جريمة.

ومَن بيده غلق هذه الملفات؟

هذه الملفات سياسية وتُغلق بقرار سياسي.

هذا القرار السياسي بيد مَن في العراق الآن؟

ليست هناك شخصية معينة، لكن يُفترض أن يكون هناك توافقا حول الموضوع، فاليوم هناك مُمثلين للعرب السُنة في العملية السياسية، وينبغي على هؤلاء أن يتحملوا هذه المسؤولية ولا أعتب على الآخرين.

لكن إذا كان المشاركون في العمل السياسي من العرب السُنة يدّعون تمثيلا للمكون العربي السُني فعليهم أن ينهضوا بهذه المهمة، فهم حتى اللحظة لم يقدموا شيئا في هذا الملف.

المظلومون في السجون من شباب العرب السُنة ينتظرون قانون العفو، وفي كل يوم نسمع كلاما عن تعديل قانون العفو، وحتى اللحظة لم يصدر بعد، ومر أكثر من أربعة أشهر على تشكيل حكومة (محمد شياع) السوداني، وبالإمكان صدور قانون العفو خلال 24 ساعة فقط.

وكلامي موجه لممثلي العرب السُنة في العملية السياسية والبعض منهم يتقلد مناصب رفيعة: لماذا لا تضغطون باتجاه إصدار القانون؟ فهم مسئولون أمام العراقيين جميعا بغلق كل هذه الملفات، ومنها ملفات الاستهداف السياسي.

وهل العرب السُنة هم أصحاب القرار السيادي داخل العراق؟

لديك رئيس مجلس النواب (سُني)، وكل العملية التشريعية بيده وكل الجهاز الرقابي للحكومة بيده، ولدينا أدوات قوية، لكنها غير مُفعّلة حتى هذه اللحظة.

هل تشعر بخذلان من القيادات السُنية داخل العراق؟

في الوقت الحاضر نعم؛ فالأداء أقل بكثير من حجم المناصب التي يتقلدونها. في ملف العرب السُنة لدينا ملفات حساسة تشغلنا على مدار الساعة، الأول: ملف المُغيّبين.. ما الذي حدث فيه؟ لا شيء. والثاني: ملف المُهجّرين من (مدينة) جرف الصخر (شمالي محافظة بابل على بعد 100 كم جنوب بغداد). والثالث: ملف عودة المُهجّرين في (إقليم) كردستان (شمال).  والرابع: ملف المظلومين في السجون وقانون العفو. والخامس: ملف المُهجّرين خارج العراق قسرا. هذه خمسة ملفات حاكمة لم تُعالج بأي طريقة حتى اللحظة.

وبالرغم من إدراج هذه المطالب عند تشكيل حكومة السوداني، إلا أنها لم تنفذ شيئا منها، ورغم اعتراف السيد السوداني عندما قال "إن مطالب العرب السُنة مشروعة ومنطقية ولا بد من تنفيذها"، لكن بعد مرور أربعة أشهر لم يُراجع ملف واحد. لذا، نحن نشعر بخيبة أمل ونطالب بالإسراع في حسم هذه الملفات.

وما أسباب عدم معاجلة القيادات السُنية لتلك الملفات؟

أبرز هذه الأسباب هي الانقسامات الداخلية واهتمام البعض بالمصالح الشخصية وتقديمها على مصلحة المكوّن وعدم اتفاقهم على أجندة معينة. هذه الأسباب تضعفهم أمام الأطراف الأخرى، لذا وضعنا السياسي في الداخل لا يسُر، وبالتالي لم نتوقع إنجازا كبيرا، وخاصة في الملفات التي ذكرتها.

لذلك، أدعو القيادات السُنية إلى الوحدة وتغليب المصلحة العامة على المصالح الشخصية وأن تنتهي كل هذه الصراعات الداخلية البينية، فكل يوم تقريبا نسمع عن انشقاق شخص واستقالة آخر واستهداف شخصية من داخل هذا المكون، وبالتأكيد كل هذه الأمور تضعف موقفهم، ومن ثم يدفع العرب السُنة ثمن كل ما يحصل اليوم.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العراق طارق الهاشمي غزو العراق احتلال العراق صدام حسين نوري المالكي سقوط بغداد نظام الخليج الجديد

زلة لسان.. بوش: غزو العراق خطأ وحشي وغير مبرر

لوحة لبانكسي تندد بغزو العراق تباع بملايين الجنيهات في لندن

طارق الهاشمي لـ"الخليج الجديد": محاولات توحيد البيت السني فشلت وأطالب بموقف خليجي موحد إزاء العراق (2/2)

نظام حكم العراق بعد 2003.. هل بات التغيير الدولي وشيكا؟