قصر نظر استراتيجي.. هكذا خسرت مصر نفوذها بالسودان

الأربعاء 26 أبريل 2023 03:03 م

كيف خسرت مصر السودان؟ تحت هذا العنوان قدم الزميل بالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بواشنطن، خليل العناني، تحليلا عن تأثر الجارة الشمالية بتطورات الأحداث في السودان والاقتتال الدائر بين الجيش النظامي، بقيادة عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع، بقيادة، محمد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي.

وذكر العناني، في التحليل، الذي نشره بموقع "ميدل إيست آي" وترجمه "الخليج الجديد" أن فيديو الجنود المصريين الأسرى في قاعدة مروي الجوية، شمالي السودان، انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعد ساعات فقط من اندلاع الاشتباكات العسكرية بين الجيش والدعم السريع، وأن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي زعم أن القوات المصرية كانت موجودة في السودان "فقط لأغراض التدريب وليس للانحياز".

لكن تقارير الصحف الأمريكية كشفت لاحقًا أن تصريحات السيسي كانت كاذبة، وأن القوات المصرية في السودان لم تكن في تدريبات مشتركة، بل كانت هناك لدعم الجيش السوداني ضد الدعم السريع.

فوفقًا لوول ستريت جورنال، أرسلت مصر طائرات حربية وطيارين لدعم البرهان، ودمرت طائرة مصرية مستودع ذخيرة تسيطر عليه قوات الدعم السريع.

ورغم عودة الجنود المصريين إلى ديارهم، لا تزال الأسئلة قائمة حول أعدادهم وواجباتهم ولماذا لم يتم الإعلان عن وجودهم قبل اندلاع النزاع في السودان.

قصر نظر

ويرى العناني أن تورط مصر في الصراع السوداني يكشف عن "قصر نظرها وحساباتها المعقدة واستراتيجيتها الفاشلة التي ساهمت بشكل كبير في الأزمة الحالية".

فبعد عزل الرئيس السابق عمر البشير، تبنت مصر سياسة تجاه السودان تهدف إلى تحقيق هدفين متناقضين، فهي، من ناحية، سعت بلا هوادة إلى عرقلة إنشاء حكومة مدنية قوية، خلال الفترة الانتقالية، ومن ناحية أخرى كانت تخشى من أن يتحول السودان إلى دولة فاشلة على حدودها الجنوبية، ما يؤدي إلى أزمات سياسية وجيوستراتيجية وإنسانية قاسية لن تتمكن من إدارتها.

وهكذا آمنت مصر بإقامة حكم عسكري في السودان رغم المقاومة المدنية الشرسة والصراع المرير على السلطة بين البرهان وحميدتي، بحسب العناني، مشيرا إلى أن الأساس المنطقي وراء هذه السياسة متجذر في الحسابات المعقدة للنظام المصري، فحكومة السيسي عازمة على منع ظهور أي شكل من أشكال الحكومة المدنية أو الديمقراطية على الحدود الجنوبية، حيث يرى في ذلك تهديدًا وجوديًا من شأنه إحداث تأثير الدومينو والتأثير على المشهد السياسي في مصر.

ويشير العناني، في السياق ذاته، إلى أن السيسي يؤيد نظامًا ضعيفًا في السودان من شأنه أن يمنح مصر نفوذًا، وإلى حكومة خاضعة ليس لديها سياسة خارجية مستقلة قد تتعارض مع السياسة الخارجية لمصر، لا سيما في القضايا الحاسمة مثل سد النهضة الإثيوبي.

فرق تسد

ومن هذا المنطلق، وعلى مدار السنوات الأربع الماضية، اتخذت مصر، إلى جانب الحلفاء الإقليميين الرئيسيين الآخرين: السعودية والإمارات وإسرائيل، خطوات مهمة لمنع السودان من تحقيق انتقال ديمقراطي ناجح، أولا عبر تعزيز الفصيل العسكري داخل مجلس السيادة الانتقالي، بقيادة البرهان وحميدتي، على حساب حكومة "عبدالله حمدوك" المدنية.

كما سعت مصر، بحسب العناني، إلى استمالة القوات المدنية وتقسيمها، باستخدامها ضد بعضها البعض لإثبات عدم نضجها السياسي، ما أدى في النهاية إلى انقلاب البرهان، في أكتوبر/تشرين الأول 2021، والذي شهد إزاحة حكومة حمدوك من السلطة.

وعندما ظهرت الانقسامات بين البرهان وحميتي، خلال الأشهر القليلة الماضية، اختارت مصر الانحياز للأول، وهو ما كان مدفوعا بعوامل منها أن البرهان يمثل المؤسسة العسكرية السودانية التقليدية، والتي لها صدى في التسلسل الهرمي العسكري في مصر.

فمن خلال دعم البرهان، تحافظ مصر على علاقة مستقرة ويمكن التنبؤ بها مع السودان، على عكس التعامل مع أمير حرب وزعيم ميليشيا مثل حميدتي، حسبما يرى العناني.

ويشير الزميل بالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بواشنطن إلى عامل آخر لانحياز مصر إلى البرها، هو عدم ثقة مصر في حميدتي، نظرا لشبكة علاقاته الخارجية القوية، التي تثير مخاوف القاهرة بشأن قدرته على اتباع سياسة خارجية مستقلة قد لا تتماشى مع مصالح مصر في المنطقة.

وهنا يشير العناني إلى أن مصير السودان مهم لمصر لعدة أسباب، تتجاوز التاريخ المشترك والحدود المشتركة بين البلدين، على رأسها موقف السودان من سد النهضة، الذي يعد مصدر قلق كبير لمصر، ولذا فإن سودانا غير مستقر من شأنه أن يقوض موقف مصر في المفاوضات مع إثيوبيا.

كما يمكن أن يؤدي ضعف وعدم استقرار السودان إلى آثار غير مباشرة مثل زيادة الهجرة غير الشرعية وتهريب المخدرات والإرهاب، ما يؤدي إلى تفاقم التحديات الاقتصادية والأمنية في مصر.

الموقع الاستراتيجي للسودان على مفترق طرق شمال وشرق وغرب إفريقيا يجعله لاعبًا مهمًا في السياسة والاقتصاد بالمنطقة، ولذا فغن لمصر مصلحة راسخة في الحفاظ على استقراره.

ورغم كل هذه المصالح المهمة، إلا أن "قصر النظر السياسي" دفع النظام المصري إلى سياسات "متحيزة ومتناقضة" تجاه السودان على مدى السنوات الأربع الماضية، بحسب العناني، مشيرا إلى أن هذه السياسات "لم تساهم فقط في الصراع المستمر، ولكنها كشفت أيضًا عن نفوذ مصر المحدود في المنطقة مقارنة باللاعبين الآخرين مثل الإمارات والسعودية".

المصدر | خليل العناني/ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير: الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر السودان خليل العناني عبدالفتاح البرهان عبدالفتاح السيسي حميدتي الدعم السريع الجيش السوداني

مصر تستقبل 16 ألف شخص من غير مواطنيها عبر منافذها مع السودان

لاجئون سودانيون.. رحلة مميتة نحو مصر ومعاناة شديدة على المعبر

الجيش المصري يستدعي قوات كبيرة إلى الحدود مع السودان