المتكامل الأمني.. خطة بايدن لكبح النفوذ الصيني في السعودية والخليج

الثلاثاء 2 مايو 2023 12:57 م

سلط خبير الشؤون السعودية في مركز ويلسون، ديفيد أوتاوي، الضوء على موقف إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، من تنامي النفوذ الصيني بدول الخليج العربية، وتعميق علاقاتها مؤخرا مع المملكة العربية السعودية، مشيرا إلى أن نفوذ الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا "يتراجع مع صعود الصين".

وذكر أوتاوي، في تحليل نشره بموقع "مركز ويلسون" وترجمه "الخليج الجديد"، أن الموقف العسكري الأمريكي تغير بشكل كبير في المنطقة منذ عام 2008 مع تخفيضات في القوات المتمركزة، ورغم ذلك، فإن القيادة المركزية الأمريكية مشغولة بإعادة تأسيس نفسها كـ "مُتكامل أمني".

غير أن السعودية اتجهت لصنع السلام مع إيران، فيما يعيد الشركاء العرب الأقرب لأمريكا سوريا مرة أخرى إلى المنظومة العربية، وهما دولتان سعت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة لإبقائهما معزولتين.

ولا تزال العلاقات بين ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، والرئيس بايدن متجمدة، في حين أن العلاقات بين الحاكم الفعلي للمملكة والرئيس الصيني، شي جين بينج، تزداد دفئًا باطراد.

وتجاهلت السعودية مخاوف إدارة بايدن بشأن ارتفاع أسعار النفط التي بدأت في الانخفاض مؤخرًا، وخفضت المملكة إنتاجها بمقدار 500 ألف برميل أخرى في اليوم لدفع الأسعار إلى ما يزيد على 80 دولارًا للبرميل، كما أدارت ظهرها لتحذيرات الولايات المتحدة بشأن تبني شبكة اتصالات الجيل الخامس 5G التابعة لشركة "هواوي" الصينية، ومن أن تحدد هواوي مقرها الرئيسي لمنطقة الشرق الأوسط بأكملها في السعودية.

أعراض الانسحاب

وهنا يشير أوتاوي إلى مؤشر آخر يكشف عن تراجع النفوذ الأمريكي إقليميا، هو التخفيض الكبير في قوات القيادة المركزية الأمريكية (CENTOM) التي تغطي منطقة الشرق الأوسط الكبرى من أفغانستان إلى إسرائيل، لافتا إلى أن قائدها، الجنرال، مايكل كوريلا، قال في شهادته أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ في 13 مارس/آذار، إن "وضع القوة" الأمريكية تقلص بنسبة 85% منذ ذروته في عام 2008، وبنسبة 15% في العام الماضي وحده.

وأضاف: "لم يعد هناك الحجم الكبير للطائرات والسفن والقوات التي كانت لدينا في المنطقة قبل 5 سنوات فقط"، مشيرا إلى أن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) تقوم بنقل بعض من أفضل مقاتلاتها من طراز F-15 و F-16 إلى آسيا واستبدالها بطائرة هجومية بطيئة الحركة من طراز A-10.

كما أن منطقة الخليج أصبحت خالية من أي حاملة طائرات أمريكية منذ نحو 6 أشهر، وتحديدا قبل انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، بحسب كوريلا.

خطة جديدة

ورغم ذلك، وضعت إدارة بايدن خطة جديدة لمحاولة "فعل المزيد بموارد أقل" لكبح النفوذ الصيني إقليميا، بحسب أوتاوي، مشيرا إلى أن البنتاجون يتولى زمام المبادرة في التنفيذ لتجنب العلاقة الفاترة بين بايدن وولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إذ لم يتحدث كل منهما للآخر منذ اجتماعهما الفاشل بالرياض في 15 يوليو/تموز من العام الماضي.

وتحدث مستشار الأمن القومي بإدارة بايدن، جيك سوليفان، إلى بن سلمان في 11 أبريل/نيسان الماضي، متعهدا بأن يكون "على اتصال منتظم" وتسريع الاتصالات بين فرق الأمن القومي لكل منهما.

وزار مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وليام بيرنز، المملكة مؤخرًا، وكذلك فعل أيضًا بريت ماكغورك، كبير مستشاري بايدن للشرق الأوسط، وعاموس هوشستين، مسؤول أمن الطاقة البارز.

تكامل الأمن

ويرى أوتاوي أن الولايات المتحدة لاتزال تتفوق بالعديد من المزايا الرئيسية على الصين، حتى لو أصبحت الأخيرة الشريك الاقتصادي الأول للسعودية، إذ يحتفظ البنتاجون ببنية تحتية عسكرية واسعة في الخليج بينما لم تنشئ الصين بنية تحتية واحدة.

كما أن الولايات المتحدة لديها قواعد عسكرية في جميع دول مجلس التعاون الخليجي الست، تضم ما لا يقل عن 40 ألف عسكري، ووسعت وجودها البحري في عام 2019 بتوقيع اتفاقية مع عُمان للوصول إلى مينائها في الدقم على بحر العرب وتوسيعه بأمان، خارج إطار سيطرة القوارب الإيرانية السريعة، المنتشرة في كل مكان بالخليج.

وفي هذا الإطار، توصل البنتاجون إلى وصف جديد لمهمته في الخليج، هو "المُتكامل الأمني"، وهو المصطلح الذي استخدمه الجنرال كوريلا في شهادته أمام مجلس الشيوخ، ما يعني دمج قوات مجلس التعاون الخليجي في فرق العمل الإقليمية التي تقودها الولايات المتحدة وفي التدريبات العسكرية شبه المستمرة.

وأطلقت القيادة المركزية الأمريكية 3 قوات من هذا القبيل، مرقمة بـ 59 و99 و39، للقيام بدوريات في مياه وسماء البحر الأحمر ومضيقي: باب المندب وهرمز.

كما نفذت القيادة الأمريكية 12 طلعة جوية لقاذفات من طراز B-52 من الولايات المتحدة إلى الخليج منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

وتشمل "مهام فرقة عمل القاذفات"، كما تسميها القيادة المركزية الأمريكية، القوات الجوية المحلية لدول مجلس التعاون الخليجي أيضًا.

كما ترسل الولايات المتحدة الآن غواصة تعمل بالطاقة النووية، هي: "يو إس إس فلوريدا"، إلى الخليج العربي محملة بـ 154 صاروخ توماهوك بدلاً من وجود حاملة طائرات.

وأخبر الجنرال كوريلا لجنة مجلس الشيوخ أنه قام بنفسه بـ14 رحلة إلى المنطقة و"مئات" من المكالمات الهاتفية والاجتماعات ومؤتمرات الفيديو مع قادة الجيوش المحلية في أول 11 شهرًا له في منصبه.

وتولي وزارة الدفاع الأمريكية اهتمامًا خاصًا بمغازلة السعودية، باعتبارها أقدم وأقوى شريك لها في الخليج، وأرسلت ضباطًا لمساعدة ولي العهد المملكة في رسم أول استراتيجية سعودية للدفاع الوطني، اقترب الإعلان عنها، وتنشئ لأول مرة في الخليج "مركز الرمال الحمراء للتجارب" بالقرب من الرياض بهدف تطوير أسلحة متطورة لمواجهة الطائرات المسيرة.

كما وافقت إدارة بايدن على بيع صواريخ باتريوت للسعودية كي تواجه صواريخ إيران والحوثيين، خاصة بعدما هاجمت صواريخ الجماعة اليمنية، في سبتمبر/أيلول 2019، منشأتين نفطيتين سعوديتين بعشرين طائرة مسيرة وصاروخ، ما أدى إلى خفض إنتاج السعودية النفطي إلى النصف لمدة أسبوعين.

تحد استراتيجي

وفي شهادته أمام مجلس الشيوخ، صور قائد القيادة المركزية الأمريكية الصين على أنها تشكل "تحديًا استراتيجيًا متزايدًا للشراكات الأمريكية والأمن" في الخليج، مشيرا إلى أن "مركز التنافس المتسارع بين الولايات المتحدة والصين هو "الخليج وبحر الصين الجنوبي".

ومن المفارقات، في هذا الصدد، أن الصين قد تمتلك أيضًا مفتاح تحسين العلاقات الأمريكية السعودية، حسبما يرى أوتاوي، موضحا أن توسط الصين، الشهر الماضي، في استعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، بعد انقطاع دام 7 سنوات، من شأنه تسهيل إنهاء الحرب الأهلية اليمنية، التي استمرت 8 سنوات، وهي ساحة المعركة الرئيسية في التنافس السعودي الإيراني على السيادة في الخليج.

فحرب اليمن أصبحت عقبة رئيسية أمام تحسين العلاقات الأمريكية السعودية، ما أدى إلى إنهاء كل الدعم الأمريكي للغزو السعودي هناك، بالإضافة إلى تعليق جميع مبيعات الأسلحة الأمريكية "الهجومية"، وقد يؤدي السلام في اليمن إلى استئنافها.

ويرجح أوتاوي أن يقلل إنهاء الحرب في اليمن من فرص اندلاع حرب خليجية أخرى
"إذا اعتبرت إيران الانفراج مع السعودية أكثر أهمية من سعيها الدؤوب لامتلاك قنبلة نووية" حسب رأيه.

المصدر | ديفيد أوتاوي/مركز ويلسون - ترجمة وتحرير: الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السعودية الخليج البنتاجون جو بايدن محمد بن سلمان الصين مايكل كوريلا المتكامل الأمني

كواليس تحركات السعودية "المذهلة" يرويها وفد يهودي زار الرياض

تحليل: النفوذ الصيني حقيقة بالشرق الأوسط لكن حل تعقيداته المستعصية مشكوك فيه

مبادرة الأمن العالمي.. الهيكل الصيني الجديد لمنطقة الخليج

مبادرة الأمن العالمي: الهيكل الأمني الجديد للصين لمنطقة الخليج

4 خطوات تنقذ قيادة أمريكا المترنحة للعالم.. هل ينجح بايدن في إجرائها؟