ذكريات الدموع السعيدة.. نداء لمعتقل مصري سابق: لا تنسوا رفيق روحي

الأربعاء 17 مايو 2023 10:01 م

"هل يذكرنا العالم حتى يا أخي؟".. سؤال صدر به الكاتب المصري والسجين السياسي السابق، عبدالرحمن الجندي، مقالا نشره بصحيفة "واشنطن بوست"، مشيرا إلى صديقه، أيمن موسى، الذي عانى معه تجربة الاعتقال في مصر.

وذكر الجندي، في المقال الذي ترجمه "الخليج الجديد"، أن السؤال كان مطويًا في إحدى الرسائل التي كتبها موسى وهربتها إليه أحد أمهات المعتقلين، مشيرا إلى أنه التقى صديق الاعتقال في أكتوبر/تشرين الأول 2013 بزنزانة في صحراء مصرية، ضمت 64 معتقلا، تم القبض عليهم إثر احتجاجهم على الانقلاب العسكري في مصر.

ويروي الكاتب المصري أن السلطات اتهمت المعتقلين بـ "التجمع غير القانوني"، وهي التهمة المعتادة المفروضة على المتظاهرين، مضيفا: "في محاكمة جماعية بدت وكأنها مسرح عبثي، حُكم علينا بالسجن 15 عامًا. وبعد 6 سنوات و3 أشهر، تم إطلاق سراحي بفضل معجزة. لكن موسى لم يكن محظوظا".

في أحد أيام أكتوبر/تشرين الأول 2013، لم يكن الجندي قد صدرت ضده أحكام بعد، وفُتح باب الزنزانة وألقى أحد الحراس خبزًا رديئا وأعواد حلاوة طحينية في اتجاه المعتقلين، وأثار مشهد طعام السجن على الأرض القذرة ألم الجندي، مشيرا إلى أن زملاءه حاولوا مواساته لما رأوا دموعه بعد تذكره أن هذا اليوم هو بداية الدراسة الجامعية، إذ كان مفترضا أن يكون في الجامعة الألمانية.  

وفي الخلفية، سمع الجندي همهمات الانزعاج عندما سار أحد المعتقلين، وفشل في تجنب الدوس على أيدي وأصابع باقي المعتقلين بالزنزانة الصغيرة، واستغرق الأمر بضع خطوات منه ليدرك الجندي أنه سار نحوه، ليرفع عينيه إليه، ليجد شخصا يبلغ من العمر 20 عامًا تقريبًا، يتميز بعينين كستنائيتين وابتسامة مشرقة تغطي زوايا وجهه.

سأله المعتقل: "سمعت أنك ذاهب إلى الجامعة الألمانية؟"، فأجابه الجندي: "من المفترض أن أبدأ يومي (الجامعي) الأول في غضون ساعات قليلة".

وهنا أشار المعتقل إلى أنه درس الهندسة في الجامعة الألمانية لمدة فصلين دراسيين، لكنه فشل في علوم الكمبيوتر، وانتقل إلى الجامعة البريطانية، وقال له مبتسما: أنت في كلية الهندسة أيضًا؟"، فأومأ له الجندي بالإثبات.

أجاب المعتقل وهو يمرر أصابعه عبر شعره البني الغامق: "آمل أن نخرج من هنا غدًا على أي حال"، ثم مد يده تجاه الجندي لمصافحته، قائلا: "أنا موسى موسى"، ليرد عليه الجندي السلام قائلا: "أنا عبدالرحمن". وهكذا بدأت علاقة معتقلين، أحدهما (الجندي) يبلغ من العمر 17 عاما، والآخر يبلغ 19 عامًا.

صديق كاريزمي

ويصف الجندي صديق الاعتقال بأنه كان "يشع بالكاريزما"، وكان أحد أفراد فريق الغوص الوطني للشباب، وكان بينهما الكثير من الاختلافات، إذ كانت اهتمامات موسى رياضية، بينما كانت اهتمامات عبدالرحمن أدبية، ومع ذلك ظلا، على مدى السنوات الست التالية، بمثابة "رفقاء روح".

فبعد فترة طويلة من نوم السجناء الآخرين، اعتاد الجندي وموسى البقاء مستيقظين لتبادل الحديث حتى أول فجر، وكانت أحاديثهما تدور حول الحلم بما سيفعله كل منهما عندما يخرج من المعتقل.

قال موسى ذات مرة إنه سيؤسس صالة الألعاب الرياضية الخاصة به، فيما كان عبدالرحمن الجندي يكتب فيها رواية، خصص فيها لصديقه مساحة خاصة، وأورد فيها أنه وصل إلى الأولمبياد، وابتهج في المدرجات بإنجاز صديقه، وأنه فاز بجائزة بوليتزر الأدبية، وألقى خطابًا بحفل توزيع الجوائز.

وعندما انتهى المطاف بالصديقين إلى الانفصال عن بعضهم البعض في زنزانتين منفصلتين، تواصلا بالرسائل التي كان ينقلها أفراد عائلتيهما بالبريد الوارد من الخارج.

وفي وقت ما من عام 2015، يتذكر الجندي نقله وصديقه إلى سجن، في مشهد رأى فيه صفين من الحراس يمتدون من مؤخرة شاحنة الشرطة إلى بوابة السجن.

وداخل السجن، وقف موسى على بعد 10 أقدام ليخلع ملابسه لتفتيش الحراس، لتنهمر شفرات الحلاقة على رأسه لحلاقة شعره قسرا، ثم قطع أحد حراس السجن حقيبته البلاستيكية لتخرج منها متعلقاته، ومنها ثمرة فاكهة.

سأله الحارس: ما هذا؟ فقال: أفوكادو، ليسقط الحارس ثمرة الفاكهة ويدوس عليها حتى تناثرت أحشائها تحت حذائه، وانحنى موسى وجمع بقايا متعلقاته في بطانية السجن، وربط أركانها في حزمة. زأر الحارس ليهين موسى، وسبه بأمه.

طقوس المعتقل

كان لدى عبدالرحمن وموسى بعض الطقوس التي اعتادا عليها معا في المعتقل، حيث كانا يجلسان في ممر السجن، وظهرهما إلى الحائط، لتبادل الحديث، الذي جعل كل منهما يعرف الكثير عن حياة صديقه.

وفي عام 2013، أعلنت إدارة السجن أنه يمكن الاستفادة من قانون موجود مسبقًا للطلاب المسجونين والتقدم للامتحانات النهائية إذا قدمت عائلاتهم دليلًا على التسجيل الجامعي.

يروي الجندي كيف تلقى مواده الدراسية وتعلم ما فاته، مشيرا إلى أنه شكا لموسى من توتّر أعصابه مع اقتراب الفصل الدراسي الجديد، إذ لم يكن يتخيل أنه سيعلم نفسه الهندسة في السجن لمدة عام آخر.

لكن موسى كان يخفف عن صديقه ألمه النفسي بنكات تدفعه للضحك، وهو ما عبر عنه الجندي قائلا: "لقد استمتعنا بالدموع السعيدة (..) وتناسينا البطانيات المسببة للحكة، وأكل عدس بلون القيء، ورهاب تلك الزنازين الضيقة".

واختتم الجندي مقاله: "كان لي أن أشكر موسى على ذلك. لقد جعلني أضحك، وهذا يعني أنه جعلني إنسانًا. أتساءل من يجعله يضحك الآن؟"، داعيا إلى تذكر آلاف المعتقلين السياسيين في مصر والدفاع عنهم.

يشار إلى أن المعتقلين في مصر يواجهون ظروفا صعبة، إذ كشف تقرير لمركز "الشهاب لحقوق الإنسان"، أصدره نهاية العام الماضي، أن "عدد السجناء السياسيين في مصر يقدر بـ60 ألف سجين، لقي منهم 865 حتفهم خلال التسع سنوات الماضية، و40 سجينا منهم خلال عام 2022".

المصدر | عبدالرحمن الجندي/واشنطن بوست - ترجمة وتحرير: الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر عبدالرحمن الجندي أيمن موسى سجن وادي النطرون

أعظم من الحب.. قصص زواج وتضحية عبر قضبان السجون في مصر