10 سنوات غيرت وجه مصر.. ذكرى الانقلاب على أول رئيس مدني منتخب

الاثنين 3 يوليو 2023 11:42 ص

ياسين مهداوي- الخليج الجديد

3 يوليو/ تموز.. في مثل هذا اليوم قبل عشر سنوات، أطاح انقلاب عسكري في 2013 بمحمد مرسي أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا عبر أول انتخابات رئاسية مصرية في أعقاب ثورة شعبية أطاحت، في 11 فبراير/ شباط 2011، بالرئيس آنذاك حسني مبارك (1981-2011).

اليوم، وبعد عقد من الانقلاب، تدهورت أوضاع البلاد إلى مستويات غير مسبوقة؛ في ظل حريات عامة مسلوبة وقبضة أمنية باطشة وأفق سياسي مسدود، بموازاة أزمة اقتصادية خانقة ومتفاقمة وتهميش مناطقي، لتكتمل الصورة بسيادة وطنية مهددة ودور خارجي مٌقزم جراء تبعية لعواصم فاعلة إقليمية وغربية، بحسب رصد "الخليج الجديد" لآراء حقوقيين واقتصاديين وخبراء سياسيين.

ولم يحكم مرسي سوى عام واحد بين 2012 و2013، وفي ظل احتجاجات مناهضة له وأخرى مؤيدة، أعلن وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي عزل مرسي، وفي العام التالي جرى انتخاب السيسي رئيسا ولا يزال يحكم حتى اليوم ومن شبه المؤكد أن يفوز في الانتخابات المقبلة عام 2024.

أما مرسي فتوفي في 17 يونيو/ حزيران 2019، أثناء محاكمته هو المئات من قيادات جماعة الإخوان المسلمين، التي ينتمي إليها، في قضايا تتضمن اتهامات بالتخابر والإرهاب وتقول الجماعة إنها مُسيسة، بينما يردد النظام الحاكم أن القضاء مستقل ولا يتدخل في أعماله.

شعب كامل رهينة

قبل عشرة أعوام، طلب السيسي من المصريين "تفويضا" لإنقاذهم من "الإرهاب" ومن حكم محمد مرسي، واليوم يترأس السيسي "دولة بات القانون فيها متاهة يعجز حتى الخبراء عن التعامل معها"، بحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.

وقالت المحامية والحقوقية ماهينور المصري للوكالة إنه منذ عقود يتم "اعتقال ناشطين أو محامين" بسبب آرائهم أو نشاطهم السياسي في مصر، لكن "اليوم يتم اتهام مواطنين عاديين بالإرهاب بسبب مقطع على تيك توك أو تدوينة على فيسبوك تدين غلاء المعيشة".متفقا مع ماهينور، شدد مؤسس المبادرة المصرية للحقوق الشخصية حسام بهجت على أن "كل الناس تخشى أن يتم اعتقالها

متفقا مع ماهينور، شدد مؤسس المبادرة المصرية للحقوق الشخصية حسام بهجت على أن "كل الناس تخشى أن يتم اعتقالها واحتجازها الى أمد غير محدد.. إنها أداة للحكم فعالة للغاية إذ انتقلنا من الرقابة الذاتية إلى وضع بات فيه شعب كامل رهينة".

بهجت أردف أنه "لا توجد أي صحيفة معارضة ولا أي وسيلة للتعبير عن رأي معارض بطريقة منظمة".

وتقول منظمات حقوقية إن السلطات حجت 562 موقعا إخباريا أو تابعا لحزب أو جمعية في ظل غياب للحياة السياسية والحزبية بمعناها المعروف، وهيمنة للصوت الإعلامي الواحد المؤيد للنظام.

وبينما ترفض السلطات الكشف عن أرقام الوفيات في السجون ومقار الاحتجاز، أعلنت منظمات حقوقية محلية قبل أيام أنها وثقت وفاة 17 مصريا داخل تلك السجون ومقار الاحتجاز، في النصف الأول من العام الجاري؛ بسبب الإهمال الطبي وسوء أوضاع الاحتجاز.

وخلال العام الماضي، توفي 52 سجينا جراء الإهمال الطبي المتعمد أو البرد أو الوفاة الطبيعية في ظروف احتجاز غير آدمية، فضلا عن رصد 194 حالة إهمال طبي، بحسب تلك منظمات.

وعلى مستوى الصحافة والإعلام عامة، ارتكبت السلطات انتهاكات عديدة لتضييق الخناق على الإعلاميين وحتى رواد مواقع التواصل الاجتماعي في محاولة لتأميم الفضاء الإلكتروني بشتى أنواعه، بحسب مؤسسة حرية الفكر والتعبير (حقوقية مستقلة) في تقريرها السنوي عن حالة حرية التعبير في مصر خلال 2022، والصادر في الأول من مايو/ أيار الماضي.

المؤسسة أفادت بأن السلطات تُصر على التنكيل بالصحفيين عبر الحبس والاعتقال في قضايا النشر، إذ يوجد حوالي 40 صحفيا قيد الاعتقال والحبس، رغم مناشدات محلية وإقليمية ودولية للإفراج عنهم.

وبين أزمة اقتصادية حادة وآفاق مستقبلية قاتمة يختار عدد متزايد من شباب مصر الهجرة غير النظامية إلى أوروبا مخاطرين بحياتهم في عرض البحر المتوسط، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية التي قالت إن وضع حقوق الإنسان يعتبر عاملا مؤثرا في هجرة المصريين، فثمة قلق "بشأن قيود مفروضة على حرية التعبير وسوء أوضاع السجون والاختفاء القسري".

انهيار اقتصادي

وفي ظل أوضاع اقتصادية متردية للغاية، ذكرت مجلة "ذي إيكونوميست" (The Economist) البريطانية قبل أيام أن مفاوضات مصر مع صندوق النقد الدولي وصلت إلى طريق مسدود بشأن صرف بقية دفعات قرض بقيمة 3 مليارت دولار، محذرة من أنه "بما أن قادة مصر لا ينون تغيير سلوكهم المقيد للحراك الاقتصادي فإن الأمور ستتجه نحو الأسوأ".

المجلة شددت على أن مصر، وهي أكبر بلد عربي من حيث عدد السكان وأكبر مقترض من الصندوق بعد الأرجنتين، "مثقلة بمستويات عالية من الديون واحتياطيات أجنبية متضائلة، وتكافح لاستيراد الضروريات الأساسية ودعم عملتها (الجنيه) المتعثرة".

وبنسبة 5.5%، ارتفع الدين العام الخارجي لمصر خلال الربع الأخير من العام الماضي ليصل إلى 162.9 مليار دولار بنهاية ديسمبر/ كانون الأول 2022، مقابل 154.9 مليار دولار في سبتمبر/ أيلول الماضي، وفقا لبيانات حكومية في 2 أبريل/ نيسان الماضي.

وجراء عدم تنفيذ مصر لإصلاحات مطلوبة، أبرزها تحقيق مرونة في سعر صرف الجنيه وتخفيف قبضة الجيش على الاقتصاد، لم يجر الصندوق المراجعة الأولى لاتفاقية القرض، والتي كانت مقررة في مارس/آذار الماضي، ما يحول دون صرف بقية دفعاته.

ومنذ أشهر تتصاعد تساؤلات بشأن عدم إقدام مصر على خفض رابع (تعويم) لسعر صرف عملتها، وهو إجراء يعتبره البعض "حتميا" في ظل شح الدولار الأمريكي المزمن وشدة حاجة الحكومة إلى سيولة لسد العجز بين الصادرات والواردات، وفقا لتقديرات بنكية.

ويرفض المستثمرون الشروع بالاستثمار في مصر بينما عملتها في تذبذب مستمر وتراجع في الأسواق الموازية والآجلة، ما أوقف مفاوضات حول استحواذ الصناديق السيادية السعودية والإماراتية والقطرية على حصص في شركات عامة مصرية (من بين 32 شركة مطروحة)، إذ تعتبر أنها غير جاذبة للاستثمار في سوق تحيط به المخاطر، ما يهدد بتآكل قيمة الأصول وزيادة التكلفة.

ومنذ مارس/ آذار 2022، نفذ البنك المركزي المصري ثلاث عمليات خفض لسعر الجنيه مقابل الدولار من 15.7 جنيها وصولا إلى المستوى الحالي الذي بلغ في البنك الإثنين حوالي 30.84 جنيها للشراء و30.96 جنيها للبيع، بينما تراوح سعر البيع في السوق السوداء (الموازية) بين 35 و40 جنيها للدولار.

ومع خفض قيمة الجنيه، بلغ التضخم السنوي في مصر، التي تستورد غالبية احتياجاتها من الخارج، 30.6% في أبريل/نيسان الماضي، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي).

لكن أستاذ الاقتصاد بجامعة جون هوبكنز في ميريلاند بالولايات المتحدة ستيف هانك قال لوكالة الصحافة الفرنسية إن نسبة التضخم السنوية الحقيقية "تصل إلى 88%". ويعيش ثلث سكان مصر، البالغ عددهم نحو 104 ملايين، تحت خط الفقر، بينما ثلث آخر "معرّضون لأن يصبحوا فقراء"، وفقا للبنك الدولي.

وتشكو مناطق مصرية، لاسيما محافظات شبه جزيرة سيناء (شمال شرق) والصعيد (جنوب)، من تهميش اقتصادي وتنموي حاد، ما جعل بعضها طاردة للسكان بحثا عن فرص عمل في محافظات أخرى، بحسب تقارير حقوقية.

الجزيرتان والنيل

في 2017، وافق كل من البرلمان والقضاء المصريين على اتفاقية قدمتها حكومة السيسي لنقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير الاستراتيجيتين في البحر البحر إلى السعودية، ثم وافقت المحكمة العليا في العام التالي على الاتفاقية، على الرغم من احتجاجات شعبية رافضة.

لكن السيسي يجمد منذ فترة عملية نقل السيادة على الجزيرتين لسببين، هما مساومة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للإفراج عن مساعدات عسكرية مجمدة بسبب ملف حقوق الإنسان المصري المتدهور، والخشية من تجدد احتجاجات شعبية بالتزامن مع استياء من ارتفاع الأسعار، بحسب الصحفية المصرية شهيرة أمين في تحليل بموقع "أتلانتك كاونسل" الأمريكي للأبحاث (Atlantic Council).

ورجح أستاذ العلوم السياسية في جامعة جونز هوبكنز الأمريكية خليل العناني، عبر تحليل في "المركز العربي واشنطن دي سي" للدراسات (ACW)، أن السيسي سيمضي قدما في نقل الجزيرتين إلى السعودية بعد تأمين مكاسب سياسية واقتصادية ومالية.

العناني تابع: "يُزعم أن السيسي يعوق نقل السيادة على الجزيرتين للضغط على السعودية وتحقيق فوائد اقتصادية ومالية يمكن أن تخفف من الأزمة الاقتصادية الحادة في مصر، ويبقى أن نرى إذا كانت هذه الاستراتيجية ستنجح".

وتيران وصنافير غير مأهولتين وتتمتعان بأهمية استراتيجية هائلة بفضل سيطرتهما على مدخل خليج العقبة، وهو بمثابة قناة رئيسية للحركة البحرية إلى ميناءي العقبة في الأردن وإيلات في دولة الاحتلال الإسرائيلي.

ويعود النزاع على الجزيرتين بين مصر والسعودية إلى أوائل القرن العشرين، عندما أقامت الدولة العثمانية حدودها الشرقية واستبعدت تيران وصنافير من الأراضي المصرية، لكن في 1906، فرضت بريطانيا ترسيما للحدود بين مصر وفلسطين منح القاهرة اعترافا وسيطرة رسميين على سيناء، بما فيها تيران وصنافير.

وفي خمسينيات القرن الماضي، أبرمت القاهرة والرياض اتفاقية نقلت الجزيرتين إلى مصر، خوفا من أن إسرائيل، التي كانت تخوض صراعا عسكريا مع العرب، قد تستولي على الجزيرتين، ما قد يهدد أمن القاهرة والرياض، بحسب مؤيدين لنقل الجزيرتين إلى المملكة.

وفي ملف خارجي آخر مصيري بالنسبة لمصر، وجَّه السيسي نداءات متكررة، أحدثها في يونيو/ حزيران الماضي، إلى إثيوبيا للتوصل إلى "حل وسط" بشأن ملء وتشغيل سد "النهضة"، إلا أن أديس أبابا تواصل عمليات ملء السد بالمياه، في ظل خلاف مستمر منذ أكثر من عقد مع دولتي مصب نهر النيل، مصر والسودان، ومفاوضات مجمدة.

وتتمسك القاهرة والخرطوم بضرورة التوصل أولا إلى اتفاق ثلاثي "قانوني وملزم" مع أديس أبابا بشأن ملء السد وتشغيله، لضمان استمرار تدفق حصّتيهما من المياه وعدم تضرر منشآتهما المائية، بينما تقول أديس أبابا إن تشييد السد ضروري لجهود التنمية وإنها لا تهدف إلى الإضرار بأي طرف آخر.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر السيسي مرسي انقلاب الحريات الاقتصاد السيادة الوطنية

"عشر عجاف" و"العشرية السوداء".. أجواء كئيبة تخيم على ذكرى الانقلاب في مصر

الاستبداد بالقانون.. حُكم مصر بمنطق الانقلاب والتفويض والمذبحة