اتهم موقع "فاير أوبزرفر" الإخباري الأمريكي الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بالتحايل على توصيات صندوق النقد الدولي لتعميق النفوذ الاقتصادي للجيش، مستبعدا تنفيذ هذه التوصيات، ومحذرا من أن بعضها سيعمق الأزمة ويزيد الفقر.

ولفت الموقع، في تقرير ترجمه "الخليج الجديد"، إلى أن صندوق النقد وافق في 16 ديسمبر/ كانون الأول 2022 على قرض جديد لمصر بقيمة 3 مليارات دولار.

وللمرة الأولى، استخدم صندوق النقد لغة مباشرة لانتقاد النموذج الاقتصادي للنظام الحاكم، داعيا إلى "تجديد شباب القطاع الخاص، وإنهاء الامتيازات التي تتمتع بها الشركات المملوكة للجيش، وخفض الدين العام، والانتقال إلى سعر صرف مرن (للجنيه)"، وفق التقرير.

واستدرك: "حتى الآن، لا يبدو أن مصر اتبعت توصيات صندوق النقد"، مضيفا أن الأخير يوصي بأن يتخلى الجيش عن موقعه الاقتصادي المتميز، ويدعو إلى تكافؤ الفرص بين القطاعين العام والخاص، "لكن توجد إشارات كثيرة على أن النظام يتحايل على هذه التوصيات، بل إنه يعمق البصمة الاقتصادية للجيش".

أراضي وصندوق وشركات

وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، أصدر السيسي مرسوما رئاسيا يتخصيص أراضٍ ثمينة للجيش، الذي يمتلك حاليا أرضا بعرض كيلومترين على كلا الجانبين من 31 طريقا، وهو تكتيك يستخدمه للسيطرة على قطع الأرض الصالحة تجاريا ليستخدمها لاحقا في أنشطة مدرة للربح، بحسب التقرير.

كما أدخلت حكومة السيسي، وفق التقرير، تعديلا على القانون 30 لعام 1975، الذي ينظم عمل هيئة قناة السويس، وذلك بعد أيام قليلة من صفقة صندوق النقد.

وأردف: "للوهلة الأولى، هذا التعديل ينفذ توصيات صندوق النقد. ويؤسس صندوق قناة السويس، الذي سيستثمر فائض الإيرادات من عمليات القناة، وسيكون قادرا أيضا على تأجير وبيع وشراء الأصول وتأسيس الشركات والاستثمار في الأدوات المالية".

واستدرك: "لكن الشيطان يكمن في التفاصيل. فقد كشف بيان صادر عن الرئيس أن الصندوق الجديد سيكون تحت سيطرة كيان سيادي، وهو تعبير ملطف عن الأجهزة الأمنية".

واستطرد: "كما لا ينص التعديل على أي رقابة برلمانية على الصندوق. وهذا يعني أن الجيش سيكون قادرا على سحب العملة الصعبة من الصندوق، ما قد يكون حاسما بشأن قدرة مصر على الوفاء بالتزامات الديون واحتياجات الاستيراد للسكان".

كما اعتبر التقرير أنه ليس لدى الحكومة خطة حقيقية لبيع الأصول المملوكة للدولة كجزء من الجهود المبذولة للوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالديون، فمن بين 32 شركة تقوم ببيعها اثنتان فقط مملوكتان للجيش.

وأضاف أن "الوطنية"، وهي سلسلة محطات للوقود، تعرضت للتجريد من الأصول، وتم نقل معظم أصولها إلى "ChillOut"، وهي سلسلة أخرى مملوكة للجيش، متابعا: "من الواضح أن توصيات صندوق النقد تواجه مقاومة شديدة، ومن غير المرجح تنفيذها".

تضخم وديون متزايدة

ارتفع التضخم من 21.9% في ديسمبر/ كانون الأول الماضي إلى 26.5% في يناير/ كانون الثاني، كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية والخبز واللحوم والدواجن، وأوصى صندوق النقد "بالتحول إلى سعر صرف مرن مع اتخاذ تدابير للمساعدة في حماية الشعب المصري من أزمة غلاء المعيشة المتصاعدة"، بحسب التقرير.

وتابع أن وكالة "بلومبرج" لاحظت أن تخفيض قيمة العملة (الجنيه) أضر بالفعل بالاقتصاد المصري. واعتبارا من فبراير/ شباط الماضي، سجل القطاع الخاص انخفاضا لمدة 26 شهرا متتاليا.

واعتبر أن الديون المصرية تظهر "اتجاهات مقلقة"، فعلى الرغم من انخفاض الدين الخارجي بنسبة 0.5% على أساس ربع سنوي، فقد ارتفع الدين قصير الأجل من 11.48% في سبتمبر/ أيلول 2021 إلى 27.4% في الشهر نفسه من العام التالي، وهذه الزيادة السريعة "مقلقة".

وتابع أن نظام السيسي يواجه ضغوطا لسداد ديونه حتى مع استمرار انخفاض ثقة المستثمرين، لذا، فإن "النظام يعتمد على الاقتراض قصير الأجل لحل المشكلة، وهذا الدين يأتي بأسعار فائدة أعلى، مما يؤدي إلى ارتفاع تكلفة خدمة هذا الدين".

وخفضت وكالة "موديز" التصنيف الائتماني لمصر من "بي2" إلى "بي3"، مما زاد الضغط على نظام السيسي.

من حيث الجوهر، وفق التقرير، فإن "احتمالات تنفيذ توصيات سياسة صندوق النقد ضعيفة، وبعضها لن يؤدي إلا إلى تعميق الأزمة وزيادة الفقر، فلا يمكن للتوصيات أن تنجح في ظل النظام السياسي الحالي في مصر".

وحذر من أنه "بدون فهم شامل للاقتصاد السياسي، سيستمر صندوق النقد في ضخ الأموال، ولن تؤدي قروضه إلا إلى إثراء النخب في نظام السيسي العسكري، بينما يلحق الأذى بشعب مصر الذي طالت معاناته".