ستراتفور: عاملان يشعلان الاحتجاجات العنيفة في فرنسا.. والضواحي أصبحت "بؤرة مظالم"

الأربعاء 5 يوليو 2023 05:27 م

سلط المحلل في مركز "ستراتفور"، سام ليختنشتاين، الضوء على الأسباب الكامنة وراء متوالية العنف التي شهدتها فرنسا خلال الأيام الماضية بعد مقتل الشاب نائل، سائق توصيل الطلبات على يد شرطي، مشيرا إلى أن السرعة والحجم الذي انتشرت به المظاهرات أعاد إحياء سؤال قديم حول سبب تحول بعض الاحتجاجات إلى أعمال شغب.

وذكر ليختنشتاين، في تحليل نشره بموقع المركز وترجمه "الخليج الجديد"، أن مقتل نائل لم يكن الحادث الأول من نوعه في فرنسا، مشيرا إلى صعوبة التنبؤ بمسار الاحتجاجات الشعبية، مثل تلك التي شهدتها فرنسا خلال الأسبوع الماضي، لأنها تفتقر إلى القيادة إلى حد كبير.

 لكن التفكير في تطور هذه الاحتجاجات كـ "حريق" يمكن أن يساعد في توفير إطار للتنبؤ، حيث تندلع مثل هذه الاحتجاجات، في كثير من الأحيان، بحادث محفز، ثم تشتعل، وفي بعض الأحيان تتوسع إلى حريق، ثم تموت في النهاية كما هو الحال مع النار.

فالاحتجاجات تحتاج إلى بيئة متساهلة تندلع فيها، وعادة ما تكون هذه البيئة مزيجًا من "الفرصة والتظلم"، بحسب تعبير ليختنشتاين، موضحا: "أولاً، تميل الاحتجاجات إلى عدم الظهور، أو على الأقل لا يمكن أن تتحول إلى أعمال شغب خطيرة، في الأماكن التي تكون فيها سيطرة السلطات أكبر من اللازم. فهناك مثلا سبب لعدم سماعك عن أي معارضة عامة في دولة بوليسية مثل كوريا الشمالية".

ويوضح المحلل السياسي بأن عديد الأمثلة تؤكد أن حملات القمع السريعة للاحتجاجات، التي تقوم بها السلطات في المجتمعات الخاضعة لسلطة شديدة، تضمن عدم نمو شدة الاحتجاجات أبدًا.

وضرب ليختنشتاين مثالا بدول الخليج العربية، مثل قطر والإمارات، حيث سيطرة السلطات ليست كافية لمنع الاحتجاجات العرضية، ولكنها قوية بما يكفي لضمان عدم نموها لتصبح كبيرة ومضطربة.

الأمر ذاته في الصين، التي شهدت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أكبر رد فعل مناهض للحكومة احتجاجات على حالة الإغلاق الشامل في مواجهة جائحة كورونا، ما اضطر السلطات إلى تحمل أكبر احتجاج منذ أكثر من 3 عقود، ومع ذلك كانت تلك الاحتجاجات سلمية تمامًا، وتحت أعين الدولة، ولم تقترب أبدًا من أعمال الشغب أو الاشتباكات مع الشرطة، كما جرى في فرنسا الأسبوع الماضي.

ولذا يرى ليختنشتاين أن قوة السلطة هي العامل الأول في عدم تحول الاحتجاجات إلى عنف، مشيرا إلى أن ذلك يشمل مراقبة الفضاء الإلكتروني بشكل روتيني، بل وحجب الاتصال بالإنترنت في بعض الحالات.

بيئة المظالم

أما العامل الثاني، فيتمثل في عدم وجود بيئة مظالم قوية بما يكفي لاندلاع احتجاجات عنيفة، تتراوح بين مظالم اقتصادية وأخرى حقوقية، وقد تتمثل في مزاعم الفساد الحكومي، ما يخلق بيئة أكثر تساهلاً مع الاضطرابات وأكثر تفاعلا مع غضب الناس.

 وهنا يلفت ليختنشتاين إلى أن حالة فرنسا جمعت بين "الفرصة والتظلم" بشكل واضح، إذ كافحت، مثل العديد من الدول الغربية، من أجل دمج مجتمعات الأقليات العرقية والعرقية والدينية، فيما شهد التحضر السريع بها، في منتصف القرن العشرين، ظهور المناطق المحيطة بالمدن الكبرى (الضواحي)، التي أصبحت مأهولة بالمجتمعات المهاجرة.

وفي حين أن هذا المصطلح كان له في الأصل معنى "محايد"، إلا أن هذه المناطق القريبة من المدن أصبحت مرتبطة بالتهميش والتمييز والجريمة ونقص الاستثمار والتحديات الأخرى التي يواجهها معظم سكانها من المهاجرين.

ولذا لم يكن مدهشا أن تصبح ضواحي باريس نقطة ساخنة لنوبات دورية من الاضطرابات العنيفة، بما في ذلك تلك التي حدثت في عامي 2020 و2005.

وفي ظل هذه الخلفية، فإن العديد من مجتمعات الأقليات في الضواحي لديها مظالم شديدة وطويلة الأمد ضد وحشية الشرطة والتمييز.

سكان الضواحي

وهنا يشير ليختنشتاين إلى أن كثير من سكان الضواحي هم من الجيل الأول أو الثاني من المهاجرين إلى فرنسا ويشعرون بشكل دائم بالتحيز ضدهم، لا سيما من قبل الشرطة.

وحتى قبل أعمال الشغب الأخيرة، خضعت الشرطة الفرنسية لتدقيق مكثف بسبب الاستخدام المفرط للقوة بمكافحة الاحتجاجات في وقت سابق من هذا العام ضد خطة الحكومة لإصلاح نظام التقاعد المثير للجدل.

لكن للشرطة الفرنسية تاريخ حافل بشكل خاص في علاقاتها مع مجتمعات الأقليات يعود إلى منتصف القرن العشرين، عندما بدأ المهاجرون من المستعمرات الفرنسية السابقة والحالية في الوصول إلى فرنسا بأعداد أكبر.

وكانت الحادثة الأكثر شهرة في عام 1961، عندما ذبحت شرطة باريس المئات من الجزائريين الذين يعيشون في المدينة وسط كراهية الأجانب أثناء حرب الاستقلال ضد فرنسا في ذلك الوقت.

وفي العقود التالية، تم توجيه مزاعم عن العنصرية المنهجية وإساءة استخدام السلطة وغيرها من التهم بشكل متكرر إلى سلطات إنفاذ القانون الفرنسية.

وتصاعدت الاتهامات لتلك السلطات بالوحشية منذ عام 2017، عندما مُنح ضباط الشرطة سلطة إطلاق النار على السائقين الذين يفرون من محطات المرور بعد سلسلة من الهجمات الإرهابية.

وعلى مدى السنوات الست الماضية، تُظهر البيانات أن عدد حوادث إطلاق النار المميتة على أيدي الشرطة الفرنسية قد ازداد بمقدار 6 أضعاف.

وشهد العام الماضي 13 حالة وفاة في إطلاق النار على أيدي الشرطة أثناء توقف المرور، مقارنة بـ 3 فقط في عام 2021 واثنتين في عام 2022، وكان معظم الضحايا من السود أو العرب، ما راكم عقودا من المظالم بمجتمعات الأقليات ضد الشرطة.

المصدر | سام ليختنشتاين/ستراتفور - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

فرنسا العنف الضواحي الصين كوريا الشمالية الإمارات قطر

انتفاضة شمال أفريقيا في فرنسا.. الشرطة والمهاجرون وجها لوجه

مفتي عُمان: الأزمات تضرب فرنسا منذ إساءة ماكرون للإسلام