إجراءات تركية للتقارب مع الغرب دون التأثير على العلاقات مع روسيا.. كيف؟

الجمعة 21 يوليو 2023 09:40 م

المصالح المشتركة بين روسيا وتركيا، سوف تضع حدودًا للتوتر الذي يمكن أن يفرض نفسه على العلاقات بين الجانبين خلال المرحلة المقبلة، في ظل تداعيات الإجراءات الأخيرة التي تبناها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، سواء فيما يخص زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ومخرجاتها، أو فيما يخص الموافقة على انضمام السويد إلى "الناتو".

هكذا يخلص تحليل لمركز "الاهرام" للدراسات السياسية والاستراتيجية، وهو يشير إلى تغير يطرأ على سياسة أنقرة تجاه أطراف الأزمة الروسية الأوكرانية، ما يطرح العديد من التساؤلات حول ما إذا كنا بالفعل بصدد حقبة جديدة من السياسة الخارجية التركية؟، أم أنها مجرد إجراءات لإحداث توازن بين روسيا والغرب، وكسب أوراق ضغط وتفاوض جديدة تضمن لتركيا جني المزيد من المكاسب من طرفي الصراع.

وتعتبر أنقرة اللاعب الأساسي في حل أزمتي الطاقة والغذاء في العالم، وتعتبر حليفًا حيويًا ومؤثرًا على المستويين الإقليمي والدولي، ما يجعل من الصعب التخلي عن شراكتها، أو معاداتها.

ورغم حرص تركيا منذ اندلاع الأزمة الروسية–الأوكرانية على ممارسة دور حيادي في الوساطة بين الجانبين، إلا أنه لم يكن من الصعب ملاحظة تنامي العلاقات التركية–الروسية خلال تلك الأزمة على كافة الأصعدة الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية، في مقابل توتر العلاقات التركية–الأمريكية، وتعثر محاولات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.

هذا الأمر عزز التكهن باستمرار تنامي العلاقة بين الجانبين التركي والروسي خلال الحقبة الجديدة من ولاية أردوغان الثالثة، باعتبارها امتدادًا لنفس شبكة السياسات والمصالح التي تجمع بين الجانبين.

وتبنت تركيا مؤخرًا مجموعة من الإجراءات التي اعتبرت بمثابة تخلي عن سياسة الحياد التي تبنتها تجاه طرفي الأزمة الروسية–الأوكرانية، وانحيازًا نحو معسكر الغرب، الداعم لأوكرانيا في حربها ضد روسيا.

ووفق التحليل، فإن أبرز هذه الإجراءات كان تطوير قنوات التواصل مع أوكرانيا، فللمرة الأولى منذ اندلاع الأزمة، توجه زيلينسكي إلى مدينة إسطنبول يوم 7 يوليو/تموز 2023، للقاء أردوغان، بناء على دعوة رسمية وجهها له الأخير، لبحث عدد من القضايا والملفات الشائكة بين الجانبين.

وسواء فيما يخص زيارة زيلينسكي ومخرجاتها، أو فيما يخص الموافقة على انضمام السويد إلى "الناتو"، ورغم أن تلك الزيارة تعتبر ظاهريًا، إجراء دبلوماسيًا تقليديًا بين بلدين يشتركان في عدد من القضايا السياسية والاقتصادية الهامة، إلا أن توقيت الزيارة ومخرجاتها وفق التحليل "جعلها تبدو بمثابة انحياز تركي تجاه الجانب الأوكراني في مرحلة زمنية شديدة الحساسية والأهمية بالنسبة لروسيا".

وجاءت الزيارة عقب تمرد قوات "فاجنر" على الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين، وما كان له من تداعيات سلبية على مدى تماسك المؤسسة العسكرية الروسية.

كما سبقت مباشرة، قمة "الناتو" التي انعقدت في ليتوانيا يومي 11 و12 يوليو/تموز 2023، والتي كان من المُقرر خلالها مناقشة توسيع قاعدة الحلف بضم كل من السويد-بموافقة تركية-، وأوكرانيا التي لا تزال مسألة ضمها محل خلاف بين دول أعضاء الحلف.

أما من حيث مخرجات الزيارة، فمن جانبه أكد الرئيس التركي استحقاق أوكرانيا الانضمام إلى حلف "الناتو"، وهو ما يعتبر تهديدًا مباشرًا لروسيا، لأن انضمام أوكرانيا إلى الأطلسي يعتبر بمثابة تصعيد عسكري ضد روسيا من قِبل دول الحلف.

ومن مخرجات الزيارة أيضا، انتهاك اتفاقية "تبادل الأسرى" مع روسيا، حيث عاد زيلينيسكي بـ5 قادة من كتيبة "آزوف" الأوكرانية التي تُصنفها روسيا منظمة إرهابية، ودون إخطار مُسبق لموسكو بتلك الخطوة، وهو ما يعتبر اختراق مباشر لاتفاقية تبادل الأسرى التي أبرمتها كل من روسيا وأوكرانيا وتركيا في سبتمبر/أيلول 2022.

فبموجب بنود الاتفاق تسلمت روسيا 56 أسيرًا، في مقابل تسلم أوكرانيا 215 من بينهم القادة الـ5 من كتيبة "آزوف" على أن يبقوا في تركيا إلى أن تنتهي الحرب.

ومن ضمن مخرجات قمة أردوغان وزيلنيسكي أيضا، إعلان تركيا الموافقة على انضمام السويد إلى "الناتو"، وسحب الفيتو الخاص بها، وإحالة بروتوكولات الانضمام إلى البرلمان التركي للمصادقة عليها.

وعلق التحليل على هذه المخرجات بالقول: "يأتي هذا التحول اللافت في الموقف التركي بمثابة خطوة اعتبرها البعض توددًا إلى المعسكر الغربي، واعتبرها البعض الآخر صفقة لمحاولة الخروج ببعض المكاسب السياسية والاقتصادية والعسكرية".

ويضيف: "تلك الإجراءات جاءت في سياق المطالبة بإعادة فتح ملف انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، والحصول على الدعم الأمريكي في هذا الشأن، إلى جانب المطالبة بتعزيز السويد لأنشطتها في مجال مكافحة الإرهاب والتوقف عن دعم عناصر "حزب العمال الكردستاني"، ورفع قرار حظر توريد المعدات العسكرية إلى تركيا".

ويلفت التحليل إلى أنه "لا يمكن اعتبار تحركات تركيا المُنحازة للغرب، والتي لا تعتبر فقط غير مُرضية للجانب الروسي، بل استفزازية له أيضًا، مجرد تحركات عبثية أو غير محسوبة العواقب".

وفي واقع الأمر يسعى أردوغان من خلال اتخاذ سياسات مُغايرة لتلك التي تبناها على مدار السنوات الأخيرة، وإعادة ترتيب أوراق سياسته الخارجية لتوسيع وتنويع دائرة شركائه، إلى جني المزيد من المكاسب خلال المرحلة القادمة، بما يدعم ولايته الجديدة في تركيا، ويزيد من نفوذ بلاده العسكري والأمني في المنطقة، وفق التحليل.

ويضيف: "يسعى أردوغان إلى تحديث القوة العسكرية التركية، حيث قوبلت موافقة تركيا على انضمام السويد إلى حلف الناتو، باعتبارها خطوة من شأنها أن تُسهم في تعزيز قوة الحلف العسكرية، بترحيب الولايات المتحدة الأمريكية، وجعلت اللهجة الأمريكية أكثر إيجابية مع تركيا فيما يخص صفقة الطائرات (F-16)".

ويتابع: "أفضت التسوية بين تركيا والسويد، إلى إلغاء كافة القيود والحواجز بين الجانبين، وفتح ملف التعاون في قطاع العلاقات العسكرية ودعم الصناعات الدفاعية، والاتفاق على تعزيز التقارب بشكل أكبر من خلال رفع الحظر عن توريد المعدات العسكرية إلى تركيا".

ويزيد التحليل: "على الرغم من صعوبة حصول أردوغان على موافقة الاتحاد الأوروبي بشأن مسألة انضمام بلاده إلى الاتحاد، لأسباب سياسية وثقافية وتاريخية، إلا أن موافقة تركيا على انضمام السويد إلى حلف الأطلسي، ومن قبلها فنلندا، فضلاً عن دعم حق أوكرانيا في الانضمام إلى الحلف، من شأنه، على أقل تقدير، أن يُعيد فتح بعض الملفات العالقة بين الجانبين، مثل تحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي بين تركيا والاتحاد الأوروبي، وتسهيل عملية حصول المواطنين الأتراك على تأشيرة دخول دول الاتحاد".

كما استفادت تركيا من إجراءاتها الجديدة في ملف الأكراد، ففي إطار تعديل السويد لدستورها وتغيير قوانينها بشأن جهود مكافحة الإرهاب، أصدرت الحكومة السويدية حزمة من القرارات الأمنية التي تُفضي بإيقاف دعم ميليشيا وحدات الحماية الكردية في سوريا، وتتبع المُنتمين لحزب "الاتحاد الديمقراطي" داخل الحدود السويدية، وذلك باعتبارهما امتدادًا سياسيًا وعسكريًا لـ"حزب العمال الكردستاني"، الذي تصنفه تركيا تنظيمًا إرهابيًا.

وحول المكاسب الاقتصادية، يقول التحليل: "يسعى أردوغان من خلال التقارب مع الغرب، إلى الحصول على مكاسب اقتصادية واستثمارية، من خلال تعزيز العلاقات التجارية مع الغرب، وتحفيز مسارات وفرص الاستثمارات الأجنبية، في مواجهة أزمة الركود الاقتصادي التي تشهدها البلاد، والتي كان جزء كبير منها بسبب العلاقات المتوترة بين تركيا والغرب وانسحاب العديد من المستثمرين الغربيين من السوق التركية، مما ساهم في إيقاف تدفقات الاستثمار الأجنبي إلى البلاد".

ويضيف: "ليس من مصلحة دول أوروبا أن يتدهور الاقتصاد التركي، وبالتالي تهديد مصير صفقات الطاقة والغذاء، التي تلعب فيها تركيا دورًا محوريًا، والتي تُسهم في تخفيف حدة التداعيات الاقتصادية للحرب الروسية–الأوكرانية".

((4))

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تركيا روسيا أوكرانيا الغرب

لماذا تتجنب تركيا التصعيد ضد روسيا في البحر الأسود؟

جيوبوليتيكال فيوتشرز: لماذا تنعطف تركيا نحو الغرب؟