غليان في البلقان.. الغرب يتراجع وتركيا تغضب صربيا بتسليح كوسوفو

الاثنين 24 يوليو 2023 06:36 ص

أثار تسليح تركيا لكوسوفو بطائرات بدون طيار غضبا في صربيا، ومع تراجع الدعم الغربي لبريشتينا، على أمل سحب بلجراد بعيدا عن فلك روسيا، أعادت أنقرة إظهار أهميتها الاستراتيجية في منطقة البلقان، بحسب إليس جيفوري في تقرير بموقع "ميدل إيست آي" البريطاني (MEE) ترجمه "الخليج الجديد".

وخلال العام الماضي، تصاعدت التوترات بين الجارتين، وبلغت ذروتها في يونيو/ حزيران الماضي خلال أعمال عنف في شمالي كوسوفو، حيث توجد أقلية صربية كبيرة، وإصابة جنود من حلف شمال الأطلسي (الناتو) وضباط شرطة بجروح.

وقال جيفوري إن بريشتينا اتهمت بلجراد بإثارة التوترات في شمالي البلاد، التي تعتبرها صربيا أراضيها، عبر دعم مسلحين يهاجمون مؤسسات الدولة ويسعون لتقويض سيادة البلاد، لكن إعلان كوسوفو عن قدراتها العسكرية الجديدة أثار غضب بلجراد قبل أيام.

فخلال عطلة نهاية الأسبوع، عرض رئيس وزراء كوسوفو ألبين كورتي بفخر آخر عملية شراء لطائرات بدون طيار تركية من طراز "بيرقدار تي بي2" (Bayraktar TB2).

وقالت سيديتا كوشي، الأستاذة المساعدة في العلوم السياسية بجامعة بريدجووتر في ماساتشوستس بالولايات المتحدة، إن إظهار كوسوفو لمعداتها الدفاعية الجديدة يعني تحذيرا لجارتها القوية من أن بريشتينا ستدافع عن نفسها، إذا لزم الأمر، ضد محاولات بلجراد لتقويض حدود البلاد التي لا تعترف باستقلالها.

وتابعت: "على خلفية تراجع الدعم الغربي على ما يبدو (لكوسوفو) والاشتباكات المتعددة بين الصرب العرقيين وشرطة كوسوفو وقوات KFOR  (قوة حفظ سلام دولية بقيادة الناتو) في الشمال، يحتاج سكان كوسوفو إلى ضمانات بشأن أمنهم".

فلك روسيا

و"كانت تركيا أكثر من راغبة في التدخل في الدور الذي يبدو على نحو متزايد أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على استعداد للتراجع عنه بينما يسعيان لإغراء صربيا بعيدا عن فلك روسيا"، وفقا لجيفوري.

وترتبط صربيا بعلاقات وثيقة مع روسيا، المنافس الاستراتيجي للغرب، بقيادة الولايات المتحدة، والتي تشن منذ 24 فبراير/ شباط 2022 حربا في أوكرانيا، تبررها بأن خطط جارتها للانضمام إلى الناتو تهدد الأمن القومي الروسي.

وقال مصدر مقرب من حكومة كورتي إن "حكومة كوسوفو اختارت في الماضي الحفاظ على مسافة من الإدارة التركية للرئيس رجب طيب أردوغان على الرغم من العلاقات المؤسسية القوية، إذ هناك خوف في بريشتينا من أنه إذا كان يوجد تصور بأن كوسوفو مرتبطة بشكل وثيق للغاية بأردوغان، فقد تثير الشكوك في الغرب".

واعتبر جيفوري أنه "من الضروري أن يدرك القادة الغربيون أن كورتي سياسي براجماتي يفهم السياسة الواقعية ويتكيف مع الظروف المتغيرة، وأن استرضاء الغرب المستمر لصربيا أدى إلى التركيز الشديد على أهمية تركيا الاستراتيجية".

ورجح أن "يتزايد النفوذ التركي في كوسوفو بشكل كبير، مما يؤدي إلى تكثيف العلاقات الثنائية، وخاصة في قطاع الدفاع".

غضب صربي

وبعد أن غضب من بيع طائرات بدون طيار إلى كوسوفو، قال الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش الشهر الماضي إن بلاده ألغت عمليات شراء طائرات بدون طيار من تركيا.

وأفاد وكيل وزارة الدفاع في صربيا نيمانيا ستاروفيتش بأنه تم استدعاء السفير التركي في البلاد بعد شراء بريشتينا الأخير لطائرات بدون طيار تركية.

وأردف أن بلاده تريد "التعبير عن مخاوف جدية بشأن حقيقة أن بعض الدول الأعضاء في الناتو، بما في ذلك تركيا، تدعم بنشاط العسكرة غير القانونية على الأرض عبر تدريب وتجهيز ما تُسمى بقوة أمن كوسوفو، بهدف تحويلها إلى جيش كامل".

وحذر ستاروفيتش من شراء كوسوفو لطائرات تركية "سيؤثر على العلاقات الثنائية"، و"مع ذلك، نحن ملتزمون تماما بتعزيز علاقاتنا مع تركيا؛ لأننا ندرك أنها أكبر دولة في البلقان".

وبحسب بويان إيليك، نائب مدير مركز بلجراد للسياسات الأمنية، فإنه "من غير المحتمل أن يتسبب هذا الحادث في صدع خطير.. أعلنت صربيا أنها ستتخلى عن تركيا كمورد وتختار الطائرات الصينية بدون طيار، وربما تكون هذه أخطر نتيجة للوضع برمته".

ولا تزال الميزانية العسكرية لكوسوفو، البالغة 137 مليون دولار، ضئيلة مقارنة بميزانية صربيا البالغة 1.5 مليار دولار، بحسب جيفوري.

سيادة كوسوفو

ويعود التوتر الحالي بين البلدين إلى أبريل/ نيسان الماضي، حين قاطع صرب كوسوفو الانتخابات المحلية، فسيطر الألبانيون على المجالس المحلية، التي كانت غالبيتها من الصرب.

ودعا الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة كوسوفو إلى عدم تنفيذ نتيجة الانتخابات خوفا من إثارة غضب صربيا، وعندما مضت بريشتينا قدما في الأمر، فرضت عليها واشنطن وبروكسل عقوبات.

وفي 2008، أعلنت كوسوفو استقلالها عن صربيا، بعد حرب عامي 1998 و1999 واجه خلالها جيش تحرير كوسوفو، بمساعدة الناتو، القوات الصربية التي كانت قد شرعت في حملة من الوحشية ضد ألبان كوسوفو قُتل أو اختفى فيها نحو 10 آلاف و500 من الألبان، وتعرضت قرابة 20 ألف امرأة للاغتصاب وطُرد أكثر من 800 ألف شخص قسرا من منازلهم.

وقد انتقد الناتو شراء كوسوفو للطائرات بدون طيار من تركيا، مشددا على أن بريشتينا لا تملك سلطة على مجالها الجوي.

وقال جيزيم فيسوكا، أستاذ مشارك في دراسات السلام والصراع في جامعة مدينة دبلن بأيرلندا، إن الرد الغربي يمثل "محاولة لتقييد وتقليل جهود كوسوفو لزيادة سيادتها، وإعادة تأكيد صربيا كلاعب مهم في الشؤون الداخلية لكوسوفو".

وزاد بأنه "يمكن النظر إلى جهود كوسوفو للعسكرة على أنها رد على الإنفاق العسكري الأكبر لصربيا في المنطقة، وعدم قدرتها على مواجهة ماضيها العنيف، والفشل في توفير ضمانات بعدم تكرار فظائعها ضد كوسوفو وغيرها في المنطقة. والعسكرة المتزايدة من قِبل دول البلقان تمثل أخبار سيئة للمنطقة؛ فهي مؤشر على فشل حل الأمور دبلوماسيا".

و"يعتمد دعم أو معارضة العسكرة على الظروف والمصالح ولا يمثل مشكلة إذا تم شراء الأسلحة من الحلفاء الغربيين، لكن تبرز المشكلة عندما تشتريها من قوى صاعدة أو منافسة أخرى (تركيا)"، وفقا لجيفوري.

المصدر | إليس جيفوري/ ميدل إيست آي- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

كوسوفو صربيا طائرات بيرقدار الغرب الناتو روسيا

جيوبوليتيكال فيوتشرز: لماذا تنعطف تركيا نحو الغرب؟

دعوة أمريكية لصربيا بسحب قواتها من الحدود مع كوسوفو

ستراتفور: لا حرب وشيكة بين صربيا وكوسوفو.. لكن العنف مرشح للتصاعد