على شفا حرب أهلية.. إسرائيل تمزقها تعديلات نتنياهو القضائية

الثلاثاء 25 يوليو 2023 01:39 م

ياسين مهداوي- الخليج الجديد

تتصاعد تحذيرات داخل إسرائيل من أزمة دستورية تنزلق إلى حرب أهلية، في ظل انقسام مجتمعي حاد جراء إصرار حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على تمرير خطته لإدخال تعديلات على النظام القضائي.

والإثنين، صوّت الكنيست (البرلمان) نهائيا لصالح مشروع قانون "الحد من المعقولية"، وهو ضمن حزمة تشمل 8 مشاريع قوانين شرعت الحكومة في تمريرها على الرغم من تحذيرات داخلية وخارجية واحتجاجات شعبية أسبوعية متواصلة منذ بداية العام الجاري.

وبعد أن غادرت المعارضة قاعة الكنيست (120 عضوا)، صوّت 64 عضوا لصالح القانون، الذي من شأنه أن يمنع المحاكم الإسرائيلية، بما فيها المحكمة العليا (أعلى سلطة قضائية)، من تطبيق ما يعرف باسم "معيار المعقولية" الذي يتيح لها مراجعة ورفض تعيينات وخطط الحكومة.

وأظهرت مقاطع مصورة متداولة مواجهات عنيفة بين محتجين رافضين للخطة وعناصر من قوات الأمن، فيما تعرض محتجون للدهس بسيارات يقودها على ما يبدو مؤديون لحكومة نتنياهو.

 

التعديلات المقترحة

في إسرائيل لا يوجد دستور رسمي مكتوب، بل تحكمها مجموعة "قوانين أساس" تنظم تقسيم السلطات وحقوق الإنسان والحقوق المدنية، وعند تناقض قانون يقره الكنيست مع قانون أساس، تنظر المحكمة العليا في مدى دستورية القانون.

وبشأن "فقرة التغلب"، تنص التعديلات المقترحة على "عدم إمكانية التقاضي بشأن القوانين الأساسية، وأن المحاكم بما فيها المحكمة العليا، لن تتناول بشكل مباشر أو غير مباشر مسألة تتعلق بصحة قانون أساسي"، بحسب الكنيست.

وبالنسبة للجنة القضاة، تقترح التعديلات أن تتكون من 9 أعضاء هم: رئيس المحكمة العليا واثنين من القضاة المتقاعدين يعينهما وزير العدل بموافقة رئيس المحكمة، بالإضافة إلى  وزير العدل ووزيرين تحدد الحكومة هويتهما و3 من أعضاء الكنيست هم رئيس لجنة الدستور وعضو عن الائتلاف (الحاكم) وآخر من المعارضة.

وللمرة الأولى، ستدعو لجنة الدستور البرلمانية المرشحين للتعيين في المحكمة العليا إلى المثول أمامها قبل مثولهم أمام لجنة تعيين القضاة التي ستبت نهائيا بالتعيينات ثم تمرر بيان إلى لجنة الدستور بخصوص المرشحين، وفقا للتعديلات المقترحة.

أما بالنسبة لتعيين المستشارين القانونيين في الوزارات، فتنص التعديلات على تعيينهم مباشرة من جانب الحكومة، وأن يكونوا خاضعين للوزراء، بدلا من تبعيتهم للمستشارة القضائية للحكومة.

وتترأس هذه المستشارة الجهاز القانوني للسلطة التنفيذية والخدمة القانونية العامة، وتتولى عدة مهام، بينها رئاسة النيابة العام، وتمثيل الدولة في المحاكم، وتقديم الاستشارات القانونية للحكومة والجهات التابعة لها.

تقوية الديمقراطية 

دفاعا عن الخطة، تقول حكومة نتنياهو إنها "محاولة لاستعادة التوازن الصحيح بين السلطات (التنفيذية والتشريعية والقضائية) وتقوية الديمقراطية".

وقال نتنياهو، في 8 يناير/كانون الثاني الماضي، إنه "تم انتهاك التوازن بين السلطات في العقدين الماضيين، وبشكل أسرع خلال السنوات القليلة الماضية، وهذه ظاهرة غير عادية لا مثيل لها في العالم".

وقبيل التصويت على مشروع القانون الإثنين، قال وزير العدل ياريف ليفين إن "الأغلبية المطلقة من الجمهور تريد إدخال تعديلات على الجهاز القضائي".

وأردف أن "استعمال حجة المعقولية هو ليس فقط أمر يخص وجهة نظر شخصية أو مسألة قضائية، وإنما تتيح هذه الحجة للقاضي أن يقوم بأمر إضافي آخر لا يوجد أي مكان له في المحكمة، وهو اتخاذ قرار بدون معايير".

و"نحن لا نلغي حجة المعقولية، وإنما نقلص استخدامها، بحيث لا تحل وجهة النظر الشخصية لبعض القضاة محل حسم الشعب"، كما أضاف ليفين.

وتابع: "بالتأكيد، إذا تصرفت حكومة أو وزير بشكل غير قانوني دون أي صلاحيات ومن خلال تناقض في المصالح وضمن إجراء غير سليم، فسيكون للمحكمة أن تتدخل". وتمتلك حكومة نتنياهو الأغلبية البرلمانية اللازمة لتمرير تلك التعديلات.

تفكيك الدولة

على الجانب الآخر، ترى المعارضة، بقيادة رئيس الوزراء السابق يائير لابيد، أن تلك التعديلات المقترحة تهدف إلى إضعاف رقابة السلطة القضائية على السلطتين التنفيذية والتشريعية، وبالتالي إطلاق يد حكومة نتنياهو على الصعدين الداخلي والخارجي، بما يمثل "انقلابا على الديمقراطية".

وقبل التصويت في الكنيست الإثنين، قال زعيم المعارضة وحزب "هناك مستقبل" لابيد: "نحن نتجه نحو كارثة، وأدعو العقلاء إلى أن يتحلوا بالمسؤولية حيال مستقبل الشعب".

وتابع: "لم تكن الدولة أبدا منذ تأسيسها (عام 1948 على أراضٍ فلسطينية محتلة) أمام عرض كهذا من الفوضى الشاملة.. أنتم تفككون الدولة، والائتلاف يريد سن قانون يؤدي إلى انقسام في الشعب.. هذا التشريع يُضر كثيرا بالمحكمة العليا والمجتمع والأمن الاقتصاد".

متفقا مع لابيد، قال وزير الدفاع السابق، زعيم حزب "الوحدة الوطنية" المعارض بيني غانتس: "نحن نتجه إلى الهاوية، والأمر الأكثر حزنا هو أنه توجد أغلبية في هذه القاعة، لا تريد النتائج التي سيأتي بها هذا التصويت، لكنها رهينة بأيدي المتطرفين في الائتلاف (الحكومي)".

أما زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" المعارض عضو الكنيست أفيجدور ليبرمان، فقال إنه "كان على رئيس الحكومة أن يختار بين سلامة الشعب وسلامة الائتلاف، وقد اختار  سلامة الائتلاف، وعندما نعود إلى السلطة سنلغي كل التغييرات والقوانين التي قمتم بتمريرها".

ورفضا لمحاولات من أجل البحث عن حل وسط يخفف من التعديلات المقترحة، هدد وزير الأمن القومي، زعيم حزب "القوة اليهودية" اليميني المتطرف، إيتمار بن غفير،  بإسقاط الحكومة. وهو ما دفع لابيد إلى التغريد قائلا إن "بن غفير يهدد بتفكيك الحكومة ونتنياهو يختار تفكيك الدولة".

عصيان مدني

وعقب المصادقة على القانون، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت، لقناة "4" البريطانية: "يوجد تهديد جدي للغاية، كما لم يحدث من قبل، ونحن في طريقنا إلى حرب أهلية".

وعما إذا كان يعني كلمة "حرب أهلية"، أجاب: "نعم، أعني العصيان المدني مع كل التداعيات المحتملة على استقرار الدولة وقدرة الحكومة على الأداء وطاعة جزء كبير من السكان الإسرائيليين لحكومة يُنظر إليها جزء كبير من السكان على أنها غير شرعية".

وسبق لمسؤولين في المعارضة، بينهم غانتس، أن حذروا من أن دفع الحكومة بقوانين التعديلات القضائية يدفع بالأمور نحو "حرب أهلية".

وهدد جنود احتياط في الجيش بعدم أداء الخدمة العسكرية، في حال مضت الحكومة قدما في خطتها.

وتوقع الباحث في معهد الأمن القومي الإسرائيلي البروفيسور محمد وتد، خلال مقابلة مع قناة "آي 24 نيوز" (  i24NEWS) الإثنين، حدوث "انقلاب عسكري" في إسرائيل، معتبرا التعديلات "بداية النهاية للنظام الديمقراطي في إسرائيل، حتى ولو كان نظاما ديمقراطيا أعرجا".

واشنطن وتل أبيب

وفي ظل علاقات التحالف الخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، دعت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في أكثر من مناسبة إلى بناء توافق إسرائيلي قبل الشروع في تمرير تلك التعديلات.

لكن مسؤولين في الحكومة الإسرائيلية انتقدوا تلك الدعوات واعتبروها تدخلا في الشؤون الداخلية، ما زاد من توترات تخيم على العلاقة بين حكومة نتنياهو وإدارة بايدن من بين أسبابها أيضا السياسات الإسرائيلية أحادية الجانب بحق الشعب الفلسطيني.

والإثنين، قال البيت الأبيض إنه "من المؤسف أن التصويت جرى اليوم بأغلبية ضئيلة"، وأكد أهمية توفير إجماع بشأن التغييرات الكبيرة"، مجددا دعوته لزعماء الحكومة والمعارضة إلى "حوار سياسي".

ومن أبرز مظاهر التوتر بين تل أبيب وواشنطن هو عدم دعوة نتنياهو حتى الآن للقاء مع بايدن في البيت الأبيض. وقد اتفقا، خلال اتصال هاتفي في 18 يوليو/ تموز الجاري، على لقاء بينهما دون تحديد موعده أو تأكيد توجيه بايدن دعوة إلى نتنياهو لزيارة واشنطن.

وعادة ما يسارع الرئيس الأمريكي إلى دعوة رئيس وزراء إسرائيل إلى لقاء في البيت الأبيض فور تشكيل الأخير لحكومته، وهو ما لم يحدث رغم تشكيل نتنياهو في 29 ديسمبر/ كانون الأول الماضي لحكومة توصف بأنها "أكثر حكومة يميينة متطرفة في تاريخ إسرائيل".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

إسرائيل نتنياهو القضاء تعديلات المعارضة حرب أهلية

موديز تحذر إسرائيل من عواقب اقتصادية وخيمة بسبب تداعيات التعديلات القضائية

الديمقراطية الإسرائيلية تحتضر.. ما الذي يعنيه ذلك؟

كيف تؤثر إصلاحات نتنياهو للقضاء على تطبيعها المحتمل مع السعودية؟