كاتبة مصرية تسلط الضوء على تدمير الحدائق والأحياء التاريخية بعهد السيسي (صور)

الأربعاء 2 أغسطس 2023 08:14 م

سلطت الكاتبة والروائية المصرية ياسمين الرشيدي، الضوء على الدمار الواسع الذي لحق بالحدائق التاريخية والشهيرة في عهد الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي.

وذكرت الكاتبة في مقال مطول نشرته صحيفة واشنطن بوست، أن الحدائق الآخذة في الاختفاء في عهد السيسي كانت المتنفس الوحيد لسكان القاهرة (22 مليون نسمة) أحد أكثر المدن في الكثافة السكانية بالعالم.

وعلى الرغم من تراكم المباني في القاهرة، أصبحت الحدائق والمساحات الخضراء أخذة في الاختفاء ويحل محلها بنايات وجسور تغرس أعمدتها الخراسانية بأرضية تلك المواقع التي كانت بالسابق تقلل من تلوث المدينة المزدحمة.

واستشهدت الكاتبة التي تعيش بين القاهرة ونيويورك بما جرى للشارع الذي نشأت فيه في مصر، قائلة إنه تم تجريف امتداد كيلومتر من ضفة النيل التي كانت تحتضن أشجار عمرها 100 عام لإفساح المجال لمركز تجاري يضم حوالي ثلاثين مقهى على الطراز الأمريكي.

وذكرت أنه عبر النهر، تحولت الحدائق، التي كانت تجمع منها الزهور في طفولتها، إلى سلسلة من مجمعات البيع بالتجزئة متعددة المستويات جنبًا إلى جنب مع محطة وقود تشع بأضواء نيون وامضة.

ولفتت الرشيدي أن تعبيد الحدائق العامة والمتنزهات الأخرى لإفساح المجال أمام الجسور والطرق والمقاهي ومحطات الوقود أصبح سياسة الأمر الواقع في ظل حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي أطاح بسلفه محمد مرسي في 2013.

 وقالت إن شعار نظام السيسي، هو "شيد وسيأتي المال"  

وقالت الرشيدي إن القوات المسلحة التي كانت مكلفة بالماضي بحماية حدود البلاد، تضع الآن يدها الثقيلة على كل جانب من جوانب إدارة البلاد، بما في ذلك تراثها الحضاري والطبيعي.

وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، تم نقل مئات الآلاف من الكيلومترات المربعة من الأراضي إلى سيطرة الجيش، بما في ذلك المواقع التاريخية والحدائق العامة والمتنزهات، إلى جانب ضفاف النيل.

وذكرت أن المبرر لذلك هو "التنمية" وتعظيم استخدام الأراضي لتحقيق مكاسب اقتصادية.

واستشهدت الكاتبة بما قاله السيسي ذات مرة " الفلوس، الفلوس، الفلوس.. أهم حاجة في الدنيا.

 

 وأشارت إلى أنه حتى مع إعلان حكومة السيسي عن "أجندة خضراء" في الأشهر التي سبقت استضافة البلاد لمؤتمر الأمم المتحدة للمناخ العام الماضي، لكنها استمرت في إعادة تنظيم المتنزهات العامة والحدائق من أجل التنمية التجارية.

وفي منطقة مصر الجديدة (شرق القاهرة)، التي تعد موطنا لملايين المصريين، يصف الأصدقاء حيهم الذي كان مليئًا بالأشجار بأنه تحول لمتاهة خرسانية تتكون من الجسور والطرق السريعة مع سلسلة المقاهي تحتها.

تقدر جمعية حماية التراث المحلية أنه في الفترة من 2017 إلى 2020، تم فقد ما يقرب من 272 ألف متر مربع من المساحات الخضراء في مصر الجديدة، فيما اختفى المزيد منذ ذلك الحين.

ونقلت الكاتبة عن أحد السكان القدامى لمصر الجديدة قال لي أحد السكان القدامى: "يبدو الأمر وكأنه اعتداء على حقنا في التنفس".

الأحياء التاريخية

ووفق الكاتبة فإن شرق القاهرة ليس هو المستهدف الوحيد، حيث يتم هدم المباني التراثية، بما في ذلك الأحياء التاريخية والمقابر القديمة (بما في ذلك مدينة الموتى التي يبلغ عمرها 1400 عام وتقع في وسط القاهرة) مما أدى إلى نزوح آلاف العائلات التي عاشت هناك لأجيال. كما تختفي أضرحة بارزة أيضًا، وأفدنة من الحدائق.

تم استبدال هذا السحر المتلألئ في هذه المدينة القديمة بعلامات لطيفة للرأسمالية المعاصرة، بما في ذلك بالقرب من هضبة الجيزة التي لم تمسها من قبل - والتي يتم بناؤها الآن بمنافذ البيع بالتجزئة والطعام.

وتجرى معظم هذه المشاريع تحد إدارة الجيش، ويتم توزيع العقود المربحة على رعاته وأصدقائه.

وقالت الكاتبة إنه على الرغم من أننا تعلمنا من منذ فترة طويلة أن حكومة السيسي تفضل المشاريع العملاقة على مصلحة الناس، فإن تاريخنا الآن جاهز للاستيلاء عليه أيضًا بما تقوم به من مشاريع.

في القرن الـ19، خلال ذروة حكم الخديوي إسماعيل باشا، أصبحت القاهرة أكثر خضرة - في واحدة من العديد من الجهود المبذولة لتصميم المدينة على غرار العواصم الأوروبية العظيمة.

وقد زرعت حدائق واسعة حول القصور، واصطفت الأشجار في الشوارع. ومن أشهرها حديقة الأورمان الشبيهة بالغابات والمفروشة بحديقة ورود وبركة لوتس.

بالجوار من حديقة الأورمان، كانت حديقة حيوان الجيزة التي تبلغ مساحتها 52 فدانًا تعرض نباتات مستوردة من الهند وأفريقيا وأمريكا الجنوبية.

واصل إسماعيل ما بدأه جده محمد علي باشا، وقام بزرع ضفاف النيل بالنباتات والأشجار الكثيفة، بما في ذلك شجرة الكينا المهيبة التي اشتهرت بها القاهرة.

منذ سبعينيات القرن الماضي، كانت هذه الحدائق محمية بموجب قوانين التراث، لكن الحكومة الحالية شطبتها بشكل منهجي ووضعتها تحت سيطرة الجيش. في كثير من الحالات، تم بيعها بالمزاد للتطوير التجاري.

في الشهر الماضي، على الرغم من احتجاجات امتدت لأشهر من قبل دعاة حماية البيئة والسياسيين المحليين ونشطاء المدن، أغلقت الحكومة أبواب حديقة حيوان الجيزة لإجراء إصلاح شامل.

ووفق الكاتبة فإن الغرض المعلن من إغلاق الحديقة هو تحوليها لمؤسسة عالمية، لكن مصير الحيوانات لا يزال غير معلوم، ويتوقع دعاة حماية البيئة تدمير مستودعات حديقة الحيوان الواسعة التي تضم أنواع نباتية نادرة وقديمة.

وقالت الكاتبة أن من المقرر أن تلحق حديقة الأورمان بنفس مصير حديقة حيوانات الجيزة، مضيفة أنه في الوقت نفسه، تم محو معظم حدائق المدينة على جانب الطريق والطرق التي تصطف على جانبيها الأشجار.

وذكرت إنه إذا كان حكام مصر في القرن التاسع عشر يحلمون بحدائق باريس، فإن زعيم اليوم يطمح في أفق دبي.

عاصمة في الصحراء

ويعد حجر الزاوية بالنسبة للسيسي هو عاصمة جديدة في وسط الصحراء، تسمي العاصمة الإدارية الجديدة.

وحتى الآن، تقدر تكلفة بناء تلك العاصمة 59 مليار دولار، ومن المقرر أن تفتخر هذه المدينة بأنها تحوي الأكبر والأفضل من كل شيء بما في ذلك، أطول ناطحة سحاب في العالم، وأكبر منبر مسجد، وأكبر نجفة وأطول خط مونوريل.

ومن المفارقات، أن مئات الأفدنة من المساحات الخضراء قد تمت زراعتها في جميع الأنحاء في تلك العاصمة، مع خطط لإنشاء "حديقة كبيرة" وغابة عائمة ونهر اصطناعي.

يشير علماء المدن إلى أن المساحات الخضراء قد تمت زراعتها دون مراعاة المناخ الصحراوي القاسي في مصر وتتطلب كميات هائلة من المياه.

وينطبق تجاهل مماثل للجدوى على مساحات البيع بالتجزئة، والتي تواجه الحكومة مشكلة في ملئها.

يبقى السؤال لمن كل هذا - في بلد يعيش ربع السكان في أحياء فقيرة في المدن، فيما لايزال الإسكان الميسور في العاصمة الجديدة باهظ الثمن إلا بالنسبة للطبقة الوسطى الآخذة في الانكماش.

أزمة اقتصادية

وسط كل الإنفاق على البنية التحتية، تواجه مصر أكبر أزمة ديون خارجية في تاريخها الحديث، فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية مع وصول معدلات التضخم إلى 40 %.

وحذر صندوق النقد الدولي الحكومة مرارًا وتكرارًا من تقليص الإنفاق العام، ومع ذلك، تستمر حملة تجديد السيسي بسرعة فائقة.

على التلفزيون الوطني المصري، تفاخر الرئيس بأنه بنى ما يقرب من 1000 جسر جديد و7500 كيلومتر (حوالي 4700 ميل) من الطرق منذ توليه منصبه.

لكن وفقا للرشيدي فإن الأرقام لا تحكي القصة كاملة، فقد تم تصميم أحد تلك الطرق السريعة الجديدة التي تبلغ تكلفتها مليار دولار على طول الساحل الشمالي للبلاد على عجل، وتضمن متعرجات شديدة محفوفة بالمخاطر، ما تسبب في سلسلة من الحوادث المميتة.

وذكرت الكاتبة أنه لا يستطيع أحد أن ينكر أن البنية التحتية العامة لمصر آخذة في التدهور منذ عقود، ومن يحشدون لحماية التراث المصري، يدركون تماما عدم قدرة البلاد على احتواء سكانها الكبير، لكن من المعروف أن توسيع الطرق لا يحد من الازدحام، كما أنه لن يجلب السياح عندما يتم بناؤها على حساب تاريخ مصر.

وقالت الكاتبة إنها اعتادت القيام بجولات منتظمة لتوثيق التغيرات الحضرية- الأشجار التي تم قطعها، الحدائق التي هدمت، المواقع التاريخية التي جرفت – مشيرة إلى بالكاد تستطيع النظر إلى تلك الأماكن الآن

ولفتت إلى أن ميدان التحرير، الدوار الأخضر الشهير والنافورة حيث اعتاد الناس التنزه، أصبح الآن محددًا بمسلة يحرسها الأمن على مدار الساعة.

وقالت إن الضخمة ذات الأزهار الوردية التي ظللت المتظاهرين في ثورة 25 يناير 2011، لم تنجو هي الأخرى من حملة تحديث السيسي، وتم آخرها مجموعة فيها العام الماضي، تاركة جذعًا وحيدًا لتذكيرنا بما كان في السابق.

 

المصدر | ياسمين الرشيدي/ واشنطن بوست- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

حدائق مصر أحياء تاريخية تدمير الحدائق والمتنزهات عبدالفتاح السيسي الجيش المصري

هدم مقابر في القاهرة.. محو لتراث وتشريد لأحياء وتأجيج لغضب شعبي