ذكرى مجزرة رابعة.. القتلة بلا عقاب ومصر تنزف منذ 10 سنوات

الاثنين 14 أغسطس 2023 01:46 م

بعد حملة تشويه وتحريض عبر أكاذيب إعلامية لتهيئة الرأي العام، ارتكبت قوات من الجيش والشرطة المصرية، في 14 أغسطس/ آب 2013، أكبر "عملية قتل لمتظاهرين في العصر الحديث"، خلال فض اعتصامي ميداني رابعة العدوية (شرق القاهرة) ونهضة مصر (غرب)؛ "مما أسفر عن مقتل أكثر من ألف شخص على الأرجح".

وهؤلاء المعتصمون كانوا يطالبون باستعادة الشرعية الدستورية، في أعقاب انقلاب عسكري، حين كان الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي وزيرا للدفاع، أطاح في 3 يوليو/ تموز 2013 بمحمد مرسي (2012-2013)، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا، بعد أن أطاحت احتجاجات شعبية بنظام حكم الرئيس حسني مبارك (1981-2011).

وقبل الفض، شنت قنوات تلفزيونية وصحف ومواقع إخبارية، سواء مملوكة للدولة أو خاصة، حملة تشوية للمعتصمين من أجل نزع أي تعاطف معهم والتحريض على تفريقهم بالقوة مهما كانت الخسائر، وذلك عبر ترويج أكاذيب بينها "نكاح الجهاد" و"انتشار الأمراض" و"الاتجار بالأطفال" ووجود "أسلحة كيميائية"، بالإضافة إلى إعلان "مجلس حرب" من جانب قيادات جماعة الإخوان المسلمين التي ينتنمي إليها مرسي.

وفي يوم الفض، فتحت كتائب من قوات الأمن المسلحة النار على المعتصمين، "مما أسفر عن مقتل 817 شخصا على الأقل، وأكثر من ألف شخص على الأرجح"، بحسب منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية، فيما تفيد تقديرات أخرى بمقتل الآلاف، بينهم أطفال ونساء وشيوخ.

وعلى الرغم من العدد الكبير للضحايا، إلا أن السلطات لم تحتجز أي مسؤول حكومي أو أي فرد من قوات الأمن المسؤولة عن عملية القتل الجماعي، بينما في المقابل أصدر القضاء أقصى العقوبات بحق الآلاف من أنصار جماعة الإخوان، وبينهم المئات من القيادات والكوادر والمعتصمين.

وفي 6 مارس/آذار 2014، أصدر المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر تقريرا عن فض الاعتصام قال فيه إن بعض المتظاهرين كانوا مسلحين وقاوموا قوات الأمن ما أجبرها على استخدام القوة القاتلة.

لكنه أفاد أيضا بأن قوات الأمن "أخلّت بالتناسبية" و"كثافة إطلاق النيران" ولم تحافظ على مخرج آمن للمتظاهرين الراغبين في المغادرة وحرمت المصابين من الحصول على الإسعافات اللازمة.

حملة قمع جماعية

ومنتقدة الوضع الراهن في مصر، قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، عبر تقرير الإثنين، إن "السلطات لم تحاسب على مدى عشر سنوات أي شخص على أكبر عملية قتل جماعي في تاريخ مصر الحديث. وقد أطلقت مذبحة رابعة، وهي جريمة محتملة ضد الإنسانية، شرارة حملة قمع جماعية استهدفت منتقدي الحكومة، مما أدى إلى واحدة من أسوأ أزمات حقوق الإنسان في مصر منذ عقود".

المنظمة زادت بأنه "رغم الأدلة الدامغة التي جمعتها هيومن رايتس ووتش ودعوات الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية دولية لإجراء تحقيق، إلا أن السلطات تقاعست عن التحقيق مع أي شخص أو مقاضاته على قتل مئات المتظاهرين (...) ولا يزال مئات المتظاهرين الذين شاركوا في الاعتصام رهن الاعتقال، وأدينوا في محاكمات جماعية جائرة جدا، وحُكم على بعضهم بالإعدام، فيما فر كثيرون إلى المنفى".

وأضافت أنه "ينبغي على المحاكم في الدول الأخرى أيضا التحقيق مع المتورطين في المذبحة ومحاكمتهم بموجب مبدأ "الولاية القضائية العالمية". وهذا المصطلح يشير إلى سلطة النظم القضائية الوطنية للتحقيق في بعض الجرائم الأكثر خطورة بموجب القانون الدولي ومقاضاة مرتكبيها بصرف النظر عن مكان ارتكابها أو جنسية المشتبه بهم أو جنسية ضحاياهم.

وفي 26 يوليو/تموز 2018، وافق السيسي على القانون رقم 161 لسنة 2018 الذي يمنحه سلطة منح القادة العسكريين صفة وزارية و"حصانة دبلوماسية" عند السفر خارج البلاد، بهدف حمايتهم من المساءلة على الأرجح، وفقا للمنظمة.

معاملة وحشية

"وحلول الذكرى السنوية العاشرة لمذبحة رابعة هو تذكير صارخ بأن الإفلات من العقاب عن القتل الجماعي لأكثر من 900 شخص أدى إلى هجوم شامل على المعارضة السلمية وتآكل كافة الضمانات للمحاكمة العادلة، وما رافقها من معاملة وحشية لا توصف في السجون طوال العقد الماضي"، وفقا لمنظمة العفو الدولية في تقرير الإثنين.

وشددت المنظمة على أنه "بعد مرور عشر سنوات، لم يُحاسب مسؤول واحد عن إراقة الدماء، مما يسلط الضوء على الغياب الواسع للعدالة والإنصاف لعائلات الضحايا والناجين من التعذيب، والاختفاء القسري، والإعدام خارج نطاق القضاء وغيرها من عمليات القتل غير القانونية والاحتجاز التعسفي".

و"لا يمكن وصف السنوات الـ10 الأخيرة إلا بأنها "عقد من العار". كانت مذبحة رابعة انعطافة خطيرة تبنت السلطات على إثرها سياسة عدم التسامح مع المعارضة. ومنذ ذلك الحين، قُتل عدد لا يحصى من المنتقدين والمعارضين أثناء احتجاجهم في الشوارع أو تُركوا ليقبعوا خلف قضبان السجون أو أرغموا على الذهاب إلى المنفى"، بحسب مدير البحوث وأنشطة كسب التأييد في المنظمة فيليب لوثر.

وأضاف أن "الافتقار إلى رد قوي ومنسق من المجتمع الدولي على مذبحة رابعة سمح للجيش وقوات الأمن بالإفلات من العقاب عن ارتكاب القتل الجماعي، ولا أمل في خروج مصر من أزمتها الإنسانية المستمرة من دون مساءلة السلطات عن تصرفاتها في ذلك اليوم الأسود في تاريخ مصر الحديث".

وعدّد لوثر "10 طرق تدهورت فيها حالة حقوق الإنسان في مصر منذ مذبحة رابعة وهي: قمع الاحتجاجات في الشوارع، والاحتجاز التعسفي، والمحاكمات الجائرة، وعقوبة الإعدام، والاعتداء على حرية التعيبر، وخنق المجتمع المدني، والتعذيب، والاختفاء القسري، والتمييز والإفلات من العقاب".

و"ينبغي أن تُذكّر هذه الذكرى السنوية القاتمة المجتمع الدولي بالحاجة الملحة لإنشاء مسارات فعالة للمساءلة مثل آلية للرصد والإبلاغ عن حالة حقوق الإنسان في مصر منبثقة عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة"، كما أضاف.

وشدد لوثر على أنه "يتعين على الدول أيضا الضغط على السلطات المصرية بشكل علني أو بصورة ثنائية للإفراج عن آلاف المنتقدين والمعارضين المحتجزين تعسفيا وبينهم أولئك الذين لهم صلات بجماعة الإخوان".

65 ألف سجين

وبحسب منظمة "هيومن رايتس فيرست" الحقوقية الدولية، في تقرير بمناسبة ذكرى المجزرة، فإن الإدارات الأمريكية المتعاقبة فشلت على مدار عقد في مواجهة انتهاكات السيسي المتواصلة منذ "مذبحة فض رابعة، التي خلّفت أكثر من 900 قتيل من الرافضين للانقلاب.".

وزادت المنظمة بأن واشنطن لا تفعل ما يكفي لدعم حقوق الإنسان في مصر، حيث "يحكم السيسي قبضته الحديدية على البلاد، ويقبع حاليا نحو 65 ألف سجين سياسي خلف القضبان".

وقال كبير المستشارين في المنظمة  بريان دولي إن "النشطاء المصريين يجاهدون ليظلوا خارج السجن لدفاعهم عن حقوق الإنسان (...) وخلافا لوعوده الانتخابية، لم يغير (الرئيس الأمريكي جو) بايدن بشكل ملموس نهج واشنطن في تقديم الدعم العسكري والسياسي لنظام السيسي الوحشي والديكتاتوري".

ودعت المنظمة الإدارة الأمريكية إلى "فرض شروط حقوقية على المساعدة الأمنية ومبيعات الأسلحة لمصر، وفرض عقوبات على أموال وتأشيرات المسؤولين المصريين المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان والفساد، وضرورة المطالبة العلنية بتقديم مرتكبي مجزرة رابعة للعدالة".

جمهورية السيسي

وفي العام السابق على المجزرة، 2012، سجل المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أكثر من 3800 نشاط احتجاجي في مصر، وهو أكثر من العدد الإجمالي للاحتجاجات بين 2000 و2010.

ووفقا حسام الحملاوي، وهو صحفي مختص بشؤون الجيش المصري وأجهزة الأمن، فإن "الجنرالات اعتبروا أن البلاد أصبحت غير قابلة للحكم، وقرروا تهدئتها بالقوة مرة واحدة وإلى الأبد لإنقاذ الدولة من "الفوضى" أو الأسوأ من ذلك ثورة جديدة يمكن أن تهدد امتيازاتهم"، بحسب مقال في موقع "ميدل إيست آي" البريطاني (MEE).

وتابع أن "عدد القتلى في يوم واحد، 14 أغسطس 2013، كان مساويا تقريبا لإجمالي عدد الوفيات خلال حملة القمع في التسعينيات بعهد مبارك. وخلال الأشهر السبعة الأولى بعد انقلاب السيسي، خلّف عنف الدولة أكثر من 3200 قتيل".

و"كان الحجم الهائل لسفك دماء رابعة ومجازر ما بعد الانقلاب رسالة واضحة من الجنرالات للأمة مفادها أن العمل الجماعي المستقل غير مسموح به (...) واليوم، يترأس السيسي مجتمعا بلا حواجز: أحزاب معارضة مشلولة، وبرلمان مُدجن، ولا يوجد حزب رسمي حاكم ولا مؤسسات مدنية"، كما تابع الحملاوي.

وأردف: "وبدلا من ذلك، تفرض الأجهزة القمعية (الجيش والشرطة والمخابرات العامة) حكما مباشرا وتدير المجتمع بشكل يومي.. السيسي لا يدير المعارضة، بل يقضي عليها، ولم تكن رابعة مجرد مجزرة، بل كانت العقد الاجتماعي التأسيسي لجمهورية السيسي الجديدة".

وفي 17 يونيو/ حزيران 2019، توفي مرسي خلال جلسة لمحاكمته بتهمة التخابر مع حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس)، في حين يتأهب السيسي، الذي يتولى الرئاسة منذ 2014، لخوض انتخابات جديدة في 2024، بينما يعاني المصريون من تداعيات انسداد سياسي حاد وأزمة اقتصادية متفاقمة.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مجرزة رابعة مصر السيسي مرسي انتهاكات معارضة

"المصرية للحقوق الشخصية" تكشف المحجوب من التقرير الرسمي لمجزرة رابعة

ديفيد هيرست: مصر غارقة في "لعنة رابعة".. ولا أفق لتعافيها