رغم التطبيع العربي مع الأسد.. لماذا يستمر تدهور الاقتصاد السوري؟

الأحد 20 أغسطس 2023 02:00 م

كان يُنظر إلى إعادة قبول سوريا في جامعة الدول العربية، في مايو/أيار الماضي، على أنها نقطة تحول في ثروات البلاد.

وقد تم إبرام اتفاق تطبيع سريع مع السعودية، وعقد اجتماع رسمي - وإن كان متوتراً بوساطة روسية - بين وزيري الخارجية التركي والسوري، مما يعطي الانطباع بأن مرحلة جديدة قد بدأت.

يتناول مقال داني مكي في معهد الشرق الأوسط والذي ترجمه الخليج الجديد تداعيات عودة سوريا للجامعة العربية، ويرى أنه بالرغم من أن دمشق ربما تكون قد خرجت من العزلة دبلوماسياً، إلا أنه لم يكن هناك تغيير طفيف على الجبهة الاقتصادية، حيث لا يزال الوضع مترديًا.

ويشير المقال أنه منذ بداية مايو/ أيار، فقدت الليرة السورية أكثر من 80% من قيمتها ولا تظهر أي بوادر على الاستقرار.

وتقف العملة حاليًا عند 15500 مقابل الدولار، وهو أدنى مستوى لها على الإطلاق.

وبالرغم من المناورات السياسية الإقليمية واضطراب النشاط الدبلوماسي، يبقى ضعف سوريا الأكبر هو اقتصادها المتعثر، غير القادر على النهوض من رماد الحرب.

ويذكر المقال أنه كان هناك الكثير من التوقعات غير الرسمية بأن الإمارات والسعودية ودول أخرى متصالحة ستساعد في استقرار الليرة السورية من خلال تقديم المساعدة المالية ومواجهة الدعم الإيراني المتلاشي وتنشيط الاقتصاد السوري.

وقد كان التفكير في أن المساعدات المالية الخليجية لدمشق التي تعاني من ضائقة مالية قد تخلق المزيد من النفوذ على الدولة التي مزقتها الحرب، والتي تتوق إلى الاستقرار المالي، لكن هذا لم يتحقق.

ويربط المقال نقص الدعم المالي بعدة عوامل، بما في ذلك الطبيعة المبكرة لعودة سوريا إلى الجامعة وتأثير عقوبات قانون "قيصر" الأمريكية، والتي قد تكون مشكلة لدول الخليج على المستوى التشغيلي والدبلوماسي.

قد يكون هناك أيضًا نقص في الاهتمام الحقيقي على الأقل حتى يتم استعادة العلاقات بالكامل.

ويعتقد المقال أنه بدون دعم اقتصادي خارجي إضافي، وخاصة من الخليج، من المرجح أن تكون الفترة الحالية صعبة بشكل خاص على دمشق.

من سيء إلى أسوأ

وتستمر الأوضاع الاقتصادية في التدهور مع انخفاض قيمة الليرة السورية، بينما تظل أسعار المواد الخام مرتبطة بالدولار، مما أدى إلى الحاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة.

وبحسب رئيس نقابة الصيدليات السورية في دمشق حسن دروان، قررت الحكومة زيادة أسعار الأدوية بنسبة 50%، على الأرجح بسبب نقص العملة الصعبة والمواد الخام اللازمة لصناعة الأدوية.

ووفقا للمقال يكافح السوريون العاديون، الذين يعانون من ضغوط شديدة بالفعل، من أجل وضع الطعام على الطاولة.

وقد تمت زيادة رواتب الدولة إلى 200 ألف ليرة سورية شهريًا اعتبارًا من 16 أغسطس/آب، والتي تصل إلى ما يقرب من 12.50 دولارًا، بينما تقدر الأمم المتحدة تكلفة الحد الأدنى لسلة الغذاء الشهرية بـ 1.35 مليون ليرة سورية (90 دولارًا).

ومع ذلك كما يشير المقال قوبلت الزيادة المفاجئة في الرواتب بارتفاع مستمر في الأسعار.

وقد كان قطاع الوقود على وجه الخصوص غير مستقر حيث ارتفع سعر البنزين المدعوم أكثر من الضعف بين عشية وضحاها ، حيث ارتفع من 75 ألف ليرة سورية إلى 160 ألف ليرة سورية، بينما تجاوز سعر البنزين في السوق السوداء 300 ألف ليرة سورية لكل 20 لترًا.

وتؤكد أحدث المؤشرات الصادرة عن البنك الدولي، والتي صدرت في منتصف أبريل/نيسان، تدهور الوضع الاقتصادي، مشيرة إلى أنه من المتوقع أن يتسع انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لسوريا بمقدار 2.3% إلى 5.5% في عام 2023 نتيجة الزلزال المدمر.

كما توقع البنك الدولي زيادة التضخم هذا العام من 44% إلى 60% بسبب "اضطرابات سلسلة التوريد وارتفاع تكاليف النقل" وما ينتج عن ذلك من انكماش في الاستهلاك الخاص.

ويرى المقال أن عدة عوامل ساهمت في تدهور الوضع الاقتصادي، مثل الحرب وما يرتبط بها من تدمير للصناعة، والانهيار الاقتصادي في لبنان المجاور (الذي تسبب في أكبر انهيار للعملة السورية في عام 2019)، وانتشار الفساد وسوء الإدارة، وتأثير العقوبات الغربية، و تداعيات زلزال 2023، وحقيقة أن المناطق الغنية بالنفط في الشمال الغربي لا تزال خارج سيطرة الحكومة، وتدني الأداء الاقتصادي المستمر، والذي تفاقم بسبب النزوح المستمر للعمال المهرة.

ووفقا للمقال، يتفاقم التراجع الاقتصادي الحر بسبب نقص الدعم المالي من حلفاء سوريا الرئيسيين، إيران وروسيا.

((3)

ومع تعثر إيران في مستنقع مشاكلها المالية في الداخل، والتورط الروسي في حرب مكلفة في أوكرانيا، فإن رعاة سوريا يترددون في دفع الفاتورة، تاركين دمشق تبحث عن خيارات أخرى.

وقد أصدر مصرف سوريا المركزي، في 8 أغسطس/آب الجاري، تعميماً يرفع سقف السحوبات اليومية من الحسابات المصرفية من 15 مليون ليرة سورية إلى 25 مليون ليرة سورية، مما يزيد السيولة للعملاء في وقت تستمر فيه قيمة الليرة في الانخفاض.

وقد ارتفع سعر الصرف بشكل كبير لدرجة أن البنك المركزي قرر مؤخرًا رفع السعر الرسمي مقابل الدولار إلى 8542 ليرة سورية، بزيادة تقارب 25% عن السعر السابق البالغ 6532 ليرة سورية.

التلاوم الداخلي

وينقل المقال ما تحدث به رئيس الوزراء السوري حسين عرنوس في مجلس الشعب عن الاضطراب الاقتصادي، وقال إن "أصعب مشكلة اقتصادية نواجهها هي كيفية إدارة الفجوة بين الموارد المحدودة والاحتياجات غير المحدودة".

وأضاف أنه عندما تنوي الحكومة ضبط سعر الصرف وتقييد السيولة في الأسواق للحفاظ على القوة الشرائية للعملة الوطنية والحفاظ على المستوى العام للأسعار في الدولة، فإن هذا النهج سيرافقه انكماش اقتصادي وتقييد قطاع الأعمال بطريقة أو بأخرى ".

وقد أثار التدهور المستمر للعملة نقاشات حول من يقع اللوم على الارتفاع السريع في تكلفة السلع، سواء كانت سياسة حكومية أو حيلة من قبل القطاع الخاص لتعظيم الأرباح.

وقال قيس رمضان، وهو مسؤول حكومي رفيع المستوى يراقب قطاع التوريد في دمشق، لصحيفة "الوطن" الموالية للدولة إن "التجار يرفعون أسعارهم عندما يرتفع سعر الصرف ولا يخفضونها عندما ينخفض".

وأضاف أن القطاع الخاص "أثبت عدم قدرته على ضمان تدفق البضائع إلى متاجر البيع بالتجزئة بسعر مقبول وعادل".

البحث عن مساعدات خارجية

ركزت الدول التي سارعت إلى تطبيع العلاقات مع دمشق، مثل الإمارات والأردن والسعودية، على الوضع الإنساني في الآونة الأخيرة، مع وجود خطط لتعزيز الاقتصاد السوري وهي مسألة مطروحة للنقاش لاحقًا.

وتعمل الإمارات والسعودية بشكل أساسي على تقديم الدعم للمناطق المتضررة من الزلزال، وليس مشاريع لدعم الاقتصاد السوري الأوسع.

لم تقم السعودية بإعادة فتح سفارتها بالكامل في دمشق أو حتى البدء في التجديدات التي تشتد الحاجة إليها، مما يشير إلى أن العلاقات لا تزال في عملية استعادة طويلة.

وقد زار رئيس الوزراء السوري عرنوس اللاذقية مع محمد الكعبي، رئيس الهلال الأحمر الإماراتي في سوريا،  لتفقد التقدم المحرز في مشروع إماراتي لبناء 1000 وحدة سكنية لضحايا زلزال 6 فبراير/شباط في المنطقة.

وقد تم تشييد الوحدات الجاهزة لتوفير المساكن التي تشتد الحاجة إليها بسرعة بتكلفة إجمالية قدرها 17.7 مليون دولار. وعبر عرنوس عن شكره للمساعدة الإماراتية، قائلا إنها "تؤكد عمق العلاقات الأخوية بين البلدين وشعبيهما".

ومع ذلك يرى المقال أن سوريا بحاجة إلى مزيد من المساعدة والعثور بسرعة على طريقة لتحقيق الاستقرار في الليرة السورية، ولكن في المقابل، فإن الدول التي لديها القدرة على المساعدة الاقتصادية ستحتاج إلى تنازلات سياسية والتزام طويل الأجل بمعالجة قضايا مثل تهريب المخدرات.

ويضيف الكاتب أنه ما لم تجد العملة السورية المتعثرة أرضية صلبة، ستظل ثقة المستثمرين منخفضة وستضطر دمشق باستمرار إلى ضخ الدولارات في أسواقها من خلال وسائل مختلفة للحفاظ على الثقة في الليرة.

وقد كانت دول الخليج خجولة بشأن افتقارها للالتزامات المالية، مفضلة نهجًا مدروسًا أكثر لبناء الثقة والتوافق ببطء مع دمشق قبل تكثيف الدعم. إذا حدث ذلك، فإنه يتطلب الصبر من كلا الجانبين.

المصدر | داني مكي / معهد الشرق الأوسط – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

سوريا السعودية جامعة الدول العربية الاقتصاد السوري النظام السوري

للتحضير للقمة العربية.. وفد اقتصادي سوري رفيع يصل السعودية

مظاهرات سوريا تعيد زخم أيام الثورة الأولى: الشعب يريد إسقاط النظام

نهايتان أمام الأسد.. انتفاضة درزية علوية غير مسبوقة تنتشر جنوبا

الأسد يتعنت والتطبيع يتباطأ.. هل تنجح استراتيحية خطوة بخطوة؟

لماذا استقبلت الصين الأسد؟ وكيف يستفيد النظام السوري من الزيارة؟

مشروع جديد للعقوبات يشمل حلفاء الولايات المتحدة المطبعين مع نظام الأسد

كيف تخلق المشاكل الاقتصادية في سوريا انقسامات وصراعات على السلطة؟