قانون الإعلام الجديد يثير اعتراضات مجلس الأمة ويثير جدلا شعبيا

الأربعاء 23 أغسطس 2023 01:54 م

أثار مشروع قانون جديد لتنظيم الإعلام، تعتزم الحكومة الكويتية طرحه على مجلس الأمة (البرلمان)، جدلا واسعا لما تضمنه من بنود ومحاذير وعقوبات مستحدثة، وسط اعتراض من النواب تارة، والناشطين والحقوقيين تارة أخرى.

وبات وزير الإعلام الكويتي عبدالرحمن المطيري ينتظر مواجهة ساخنة مع الوسط النيابي، بعد تسريب مشروع القانون الذي تضمن بنودا، وصفها البعض بأنها تمس الحريات، وتشكل ضربا لحرية الرأي والتعبير، ومساسا بجوهر "الديمقراطية" في الدولة الخليجية، التي لطالما تباهت بأنها واحة للحريات في محيط خليجي منغلق.

وفي 21 أغسطس/آب الجاري، كشفت صحيفة "القبس" (محلية)، أن وزارة الإعلام أعدت مشروع قانون جديد لتنظيم الإعلام، يحظر توجيه النقد لولي العهد أو نائب الأمير.

ونص مشروع القانون المقترح على أنه "لا يجوز التعرض لشخص سمو أمير البلاد أو سمو ولي العهد أو نائب الأمير بالنقد، كما لا يجوز أن يُنسب لأي منهم قول أو فعل إلا بإذن خاص مكتوب من الديوان الأميري أو ديوان سمو ولي العهد، ويُعاقب من يخالف ذلك بالحبس لمدة لا تتجاوز 3 سنوات، وبغرامة لا تقل عن 50 ألف دينار (162 ألف دولار) ولا تتجاوز 100 ألف دينار (324 ألف دولار) أو بإحدى هاتين العقوبتين".

وكان القانون السابق يحظر انتقاد شخص أمير الكويت فقط.

يشار إلى أن الشيخ مشعل الأحمد الصباح يتولى ولاية العهد منذ أكتوبر/تشرين الأول 2020، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2021، فوضه أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الصباح، بممارسة بعض اختصاصاته الدستورية.

قائمة محظورات

وتضمن مشروع القانون الجديد أيضا، مجموعة من المحاذير الأخرى منها: حظر نشر أو عرض كل ما من شأنه المساس بالذات الإلهية والملائكة والقرآن الكريم والأنبياء والرسل – عليهم السلام – والصحابة، وزوجات النبي وآل البيت المعاصرين للرسول، صلى الله عليه وسلم، بالتعرض أو الطعن أو السخرية أو النقد أو التجريح أو بأي وسيلة من وسائل التعبير المنصوص عليها.

وحذر المشروع من مغبة التحريض على قلب نظام الحكم في البلاد أو الحث على تغيير هذا النظام بالقوة أو بطرق غير مشروعة، أو الدعوة إلى استعمال القوة لتغيير النظام الاجتماعي والاقتصادي القائم في البلاد أو إلى اعتناق مذاهب ترمي إلى هدم النظم الأساسية في الكويت بطرق غير مشروعة.

ومن المحاذير الأخرى التي تطرق إليها المشروع المثير للجدل، تحقير أو ازدراء دستور الدولة، أو إفشاء الأنباء عن الاتصالات السرية الرسمية أو الاتفاقيات والمعاهدات التي تعقدها حكومة الكويت قبل نشرها في الجريدة الرسمية، إلا بإذن خاص من الوزارة المعنية.

كما حظر مشروع القانون التأثير على قيمة العملة الوطنية أو ما يؤدي إلى زعزعة الثقة بالوضع الاقتصادي للبلاد أو أخبار إفلاس التجار أو الشركات التجارية أو المصارف أو الصيارفة، إلا بإذن خاص من المحكمة المختصة.

وحظر كذلك كشف ما يدور في أي اجتماع ما هو محرر في وثائق أو مستندات أو مراسيم أو أي أوراق أو مطبوعات قرر الدستور أو أي قانون سريتها أو عدم نشرها، مشددا على أن النشر يقتصر على ما يصدر عن ذلك من بيانات رسمية.

ومن قائمة المحظورات كذلك، إثارة الفتن الطائفية أو القبلية أو نشر الأفكار الداعية إلى تفوق أي عرق أو جماعة أو لون أو أصل أو مذهب ديني أو جنس أو نسب، أو التحريض على عمل من أعمال العنف لهذا الغرض.

عقوبات

وأوضح مشروع القانون أن من أبرز المسائل المحظورة هي المساس بالحياة الخاصة للموظف العام أو المكلف بخدمة عامة أو لأي من نواب مجلس الأمة أو نسبة أقوال أو أفعال غير صحيحة له تنطوي على تجريح لشخصه أو الإساءة إليه.

ووفق المشروع المطروح، يعاقب بالغرامة التي لا تقل عن 3 آلاف دينار (9724 دولارا) ولا تتجاوز 20 ألف دينار (65 ألف دولار) عن أي مخالفة واردة بالمسائل المحظورة للنشر، وبالغرامة التي لا تقل عن 1000 دينار (3241 دولار) ولا تتجاوز 3 آلاف دينار (9724 دولارا) عن أي مخالفة لأحكام القانون لم يرد بها نص.

كما نصت قائمة العقوبات على تغريم كل من يمارس البث أو إعادة البث أو اصدار صحف أو أي من الأعمال دون الحصول على ترخيص في ذلك من الوزارة ما لا يقل عن 5 آلاف دينار (16.2 ألف دولار) ولا تتجاوز 50 ألف دينار (162 ألف دولارا).

ويُعاقب كذلك بالحبس مدة لا تتجاوز 5 سنوات وبغرامة لا تقل عن 50 ألف دينار (162 ألف دولار) ولا تتجاوز 100 ألف دينار (324 ألف دولار) أو بإحدى هاتين العقوبتين في حالة، المساس بالذات الالهية أو الملائكة أو القرآن الكريم أو الأنبياء والرسل أو الصحابة أو زوجات النبي أو آل البيت المعاصرين للرسول.

وأوضحت "القبس" أن مشروع القانون لا تزال 6 جهات حكومية تدرسه؛ هي وزارة العدل والخارجية والتجارة والصناعة، وبلدية الكويت، وهيئة الاتصالات، وجهاز الأمن السيبراني، لإبداء الملاحظات ثم رفعها إلى إدارة الفتوى والتشريع.

اعتراضات نيابية

وأمام هذه المحظورات والعقوبات، فيما رفع نواب مجلس الأمة (البرلمان) "لا كبيرة"، موجهين انتقادات لاذعة لمشروع القانون، وسط دعوات إلى التراجع عنه لأسباب ترتبط بـ"تقييد الحريات".

وحذرت عضوة مجلس الأمة جنان بوشهري، وزير الإعلام الكويتي من المساس بجوهر الديمقراطية عبر مشروع قانون تنظيم الإعلام الجديد.

وقالت بوشهري: "مشروعك نهاية لمستقبلك السياسي"، مضيفة: "سبق أن تحدثت مع الأخ وزير الإعلام بشأن قانون الإعلام، وأكدت عليه أن القانون يجب أن يكون لمزيد من الحريات المسؤولة".

وتابعت: "لسنا دعاة الفوضى أو المؤيدين للاعتداء على كرامات الناس".

وأشارت النائبة بوشهري إلى أن ما نشر عن مشروع الحكومة لتنظيم الإعلام، إن كان صحيحاً، يتعارض بشكل كبير مع مفهوم تطوير الإعلام وتنظيمه.

من جانبه، اعتبر النائب مهلهل المضف، في تغريدة عبر منصة "إكس" (تويتر سابقاً)، أن "مشروع قانون تنظيم الإعلام الموحد انقلاب على الدستور ومبادئه ومضامينه ومواده، وجاء من أشخاص لا يريدون الخير للكويت وشعبها، ويخلطون مع سبق الإصرار والترصد بين تنظيم الحريات وتجريمها".

في السياق نفسه، قال النائب حمد العليان، إن مشروع القانون المزمع تقديمه من قبل الحكومة بشأن تنظيم الإعلام "مرفوض رفضاً قاطعاً بشكله الحالي".

وأوضح العليان في تغريدة عبر حسابه في منصة "إكس" قائلاً: "جئنا كأعضاء بمجلس الأمة لتعزيز الحريات، وحماية حق الناس في التعبير عن الآراء، وإلغاء القوانين المقيدة للأفراد".

أما النائب أسامة الزيد، فأعرب عن رفضه لأي تشريعات أو قوانين تستهدف تقليص الحريات.

وقال عبر حسابه الرسمي على منصة "إكس": "نرفض من حيث المبدأ أي تشريعات تهدف إلى تقليص الحريات. سنواصل السعي جاهدين نحو إقرار مزيد من الحقوق وإلغاء القوانين المقيدة للحريات، وأخصها إلغاء العقوبات التي تحبس حرية الأفراد وتسلب سنين حياتهم في السجن".

وأشار إلى أن هذا الرفض يأتي "انطلاقاً من المادة (36) من الدستور التي كفلت لكل إنسان حرية الرأي وحق التعبير عنه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما، وكذلك ما نصت عليه المادة (19) من العهد الدولي بأن لكل إنسان الحق في اعتناق آراء دون مضايقة".

فيما اعتبر النائب حسن جوهر، أن "الحكومة بدأت تنهي نفسها سياسياً".

ورأى في تغريدة له، أنها "تنكرت للخارطة التشريعية الحافلة بقوانين تنظيم تعيين القياديين وحماية المال العام وتنويع مصادر الدخل وتعزيز الحريات العامة وزيادة رواتب الموظفين والمتقاعدين، واختارت قانون قمع الحريات غير المدرج حتى في برنامج عملها"، متسائلاً: "هل هذا رد التحية للشعب الكويتي؟".

فيما قال النائب عبدالوهاب العيسى، إن "محاولة عنونة قانون الإعلام الجديد بحماية ذات ولي العهد من المساس لن تُحرجنا، كما أن حماية القانون لكرامة النواب وعدم تجريحهم لن تُغرينا".

‏وأكد أنه "في تاريخها كله... ومنذ نشأتها في العام 79، لم تُبادر وزارة الاعلام في يوم تعزيز حرية الرأي المكفولة في الدستور وإن ادّعت ذلك".

وأضاف أن "وزارة الإعلام نعم تمنح التراخيص وتتوسع فيها مع تطور الزمن، لكنها تمنحها حتى تسحبها وتعاقب المؤسسات الإعلامية من خلال تراخيصها، لتكون الحكومة صاحبة اليد العليا في توجيه الرأي العام".

أما النائب عبدالهادي العجمي ، فقال إن ما نشر في شأن قانون حكومي لتنظيم الإعلام، إن صح، "مصيبة، لأنه يبدو كمحاولة جديدة في سياق محاولات السلطة التنفيذية المستمرة لتقييد حرية التعبير الذي كفلها الدستور".

واعتبر أنه "يأتي بعكس ما انتهى إليه النقاش في لجنة شؤون التعليم والثقافة بيننا وبين وزير الإعلام، بضرورة ارتباط القانون الجديد بمزيد من الحريات وتقليص كل ما يحد منها، لنتفاجأ اليوم برؤية حكومية بنقيض ما اتفقنا عليه مع الوزير".

وأضاف: "براً بقسمنا ووفاءً لمن كتبوا الدستور على أسس الحرية وحمايتها، لن نقبل مرور مثل هذه القوانين التي أودت بسنوات طويلة من حياة الشباب الكويتي في السجون والمهجر".

كما أكد النائب عبدالله المضف، أن موقفه من حريات الشعب ثابت وراسخ منذ بداية تجربته البرلمانية في العام 2020.

وقال المضف، تعليقاً على المعلومات عن تغريم من يسيء للنواب في مشروع القانون الجديد لتنظيم الإعلام، إن "من يتولى المسؤولية العامة يجب أن يتسع صدره للنقد بل أحياناً للتجريح السياسي، وفي مقدمهم النواب الذين تقع عليهم مسؤولية حماية مصالح الناس». وأضاف: «إن صح الخبر قسنكون أول المتصدين لهذا القانون".

فيما شدّد النائب شعيب شعبان، على أن "أي محاولة لتقييد الحريات العامة والحق الإنساني والدستوري الأصيل بالتعبير عن الرأي وتكميم الأفواه سنتصدى لها بحزم".

وأضاف: "النقد البناء قوام التطوير، ورفضه يعيق التقدم، ولابد أن تلتزم كافة التشريعات بالأطر الدستورية الداعمة للحريات".

أما النائب مبارك الطشة، فقال إنه "في الوقت الذي يطالب فيه الجميع‏ بفتح صفحة جديدة وتعزيز المشاركة الشعبية ورقابتها على الرأي العام، نسمع عن مشروع قانون حكومي‏ يقيّد الرقابة الشعبية ويتشدد في عقوباتها»، مؤكداً «أننا لا يمكن أن نقبل بمثل هذه الممارسات غير المدروسة".

كما أكد النائب داود معرفي، أننا "لن نقبل المساس بمواد الدستور بقوانين عشوائية".

وخاطب معرفي رئيس الوزراء بالقول: "بداية التصادم مع الشعب هو تقنين حرياته، وبإرادة الشعب رحل قبلك رؤساء حكومات سابقة وإذا أراد الشعب ستكون أنت التالي".

فيما دعا النائب هاني شمس، إلى تعديل قانون المرئي والمسموع الحالي إلى مزيد من الحريات.

وقال: "ونرفض كل مشروع قانون ومقترح من شأنه أن يكمم الأفواه أو ينتقص من حق المواطنين بالتعبير عن آرائهم، ويزجهم بالسجون تحت ذريعة تنظيم الإعلام".

بينما شدد النائب حمد المدلج، إن "ما تم تداوله عن قانون تنظيم الإعلام لا يمكن القبول به نهائياً".

وأضاف: "لن نقبل بصلاحيات تكميم الأفواه لترهيب الرأي العام من نقد أي فاسد أو مُقصّر، من لا يرد التجريح السياسي ورقابة الرأي العام ‏(يقعد في بيته)".

اعتراض شعبي

لم يقف التنديد بمشروع القانون على النواب فحسب، بل وصل إلى الناشطين والحقوقيين في الدولة الخليجية، الذين نددوا بأي تقليص للحريات في البلاد.

الإعلام ترد

وأمام هذا الهجوم، أصدرت وزارة الإعلام الكويتية بياناً نقلته وكالة الأنباء الرسمية "كونا"، ردت فيه على الانتقادات الحادة من النواب بمجلس الأمة.

وأكدت الوزارة في بيانها، حرصها على اتباع كافة الأطر الدستورية والقانونية المتعلقة بمشروع قانون بشأن تنظيم الإعلام.

وأشارت إلى أن الهدف من القانون الجديد ضمان تعزيز مستوى الحريات وتطوير العمل الإعلامي الكويتي.

وقالت حول ما أثير عن مشروع القانون إنها عرضت مسودة القانون على الجهات الحكومية المعنية لأخذ كافة الملاحظات والمقترحات لإنهاء جميع الإجراءات الرسمية حول مشروع القانون تمهيداً لإحالته، بداية أكتوبر/تشرين الأول المقبل، لمجلس الأمة لإحالته للجنة التعليمية في المجلس، كما هو متفق عليه مع أعضاء اللجنة في اجتماع سابق.

وشددت وزارة الإعلام على "حرصها الدائم على التعاون المشترك والتنسيق المستمر مع السلطات التشريعية والتنفيذية في المواضيع ذات الصلة بما يخدم الإعلام الكويتي ويعزز من الحريات المسؤولة".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الكويت قانون الإعلام الإعلام حريات مجلس الامة اعتراضات