الانضمام إلى بريكس في عيون الإعلام المصري: هل ينهي الأزمة الاقتصادية؟

الأحد 1 أكتوبر 2023 08:38 م

اهتمت الأوساط الإعلامية المصرية بانضمام البلاد إلى تكتل "بريكس" وسط جدل كبير وتباين في المواقف إزاء تلك الخطوة.

وفي 24 أغسطس/ آب، أعلن رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، موافقة "بريكس" على انضمام 6 أعضاء جدد إلى التكتل بينهم مصر والسعودية والإمارات وإيران، ليرتفع عدد الأعضاء إلى 11.

و"بريكس" تكتل خرج إلى العلن عام 2006 وعقد أول اجتماعاته في العام 2009، ويضم دول الصين والبرازيل وروسيا والهند وجنوب أفريقيا، ويعتبر بمثابة منظمة موازية لمجموعة السبعة الكبار التي تقودها الولايات المتحدة وتضم كلا من فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وكندا واليابان.

وجاء انضمام مصر إلى التكتل في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من أزمة اقتصادية حادة تتمثل بديون خارجية ثقيلة، وانهيار الجنيه المصري، وتضخّم غير مسبوق، وعجز مزمن في الميزان التجاري.

جدل كبير

بهذا الصدد قال "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" في تقرير له: "أثار نبأ انضمام مصر إلى مجموعة بريكس جدلا حاميا على وسائل الإعلام حول جدوى هذه الخطوة وتأثيرها على الوضع الاقتصادي المتدهور في مصر".

وأضاف: "من ناحية، غالت وسائل الإعلام الموالية للنظام في إبراز الأثار الإيجابية للقرار وصوّرته على أنه الدواء الشافي للمشاكل الاقتصادية في مصر، زاعمةً أنه سيضع حدًا للهيمنة الاقتصادية الغربية ويساعد مصر في خفض التضخم المتزايد وفي الحد من اعتمادها على الدولار".

ومن ناحية أخرى، انتقدت وسائل الإعلام المعارضة انضمام مصر إلى مجموعة "بريكس" واستهزأت به، معتبرةً أنه مسعى لا طائل منه لبلد يواجه مشاكل اقتصادية شديدة وعجزًا تجاريًا مع جميع الدول الأعضاء حاليًا في المجموعة، حسب التقرير.

وأشار المعهد إلى أن وسائل الإعلام الموالية للنظام قدمت وجهات نظر أكثر تفاؤلًا فيما يخص انضمام مصر إلى "بريكس"، ومن ضمنها صحيفة "المصري اليوم" التي زعمت أن الدولة تستورد بالفعل الحبوب والزيت والنفط وغيرها من السلع الصناعية والتكنولوجية الأخرى من دول المجموعة، وقد تؤدي بالتالي الزيادة في حجم التجارة مستقبلًا باستخدام العملات المحلية إلى خفض الطلب على الدولار وإلى خفض التضخم أيضًا.

وفي الإطار عينه، رأت صحيفة "الأهرام" المملوكة للدولة في دعوة مصر للانضمام إلى عضوية "بريكس" انتصارًا للمساعي الدبلوماسية المصرية واعترافًا بمكانة البلاد على الصعيدين الإقليمي والدولي، وأيضًا إقرارًا بأهمية دور القاهرة في العالم العربي والشرق الأوسط وبلدان شرق البحر الأبيض المتوسط وأفريقيا.

وزعمت الصحيفة أيضًا أن مجموعة "بريكس" تمثّل بداية تحوّل في النظام الدولي يفضي إلى وضع حدّ لهيمنة الغرب على الاقتصاد العالمي، وفق التقرير.

وذكر المعهد أن الإعلامي الموالي للنظام، مصطفى بكري، قال إن قيمة الدولار في السوق السوداء بدأت تنخفض بعد صدور نبأ انضمام مصر إلى مجموعة "بريكس"، وأفاد بأن إنشاء عملة موحدة بين دول المجموعة، وهي مبادرة طُرحت سابقًا على طاولة النقاش بين هذه الدول ولكن لم تبرز أي بوادر على تنفيذها، سيحد من طلب مصر على الدولار ويحل بالتالي من قلة توفره.

بينما وصف الإعلامي الموالي للنظام، أحمد موسى، انضمام مصر إلى المجموعة على أنه "زلزال سياسي" سيعود بفائدة عظيمة على القاهرة، واعتبر أن "بريكس" بتشكيلتها التي تضم دولًا نووية ودولًا عملاقة في مجال الغاز الطبيعي قد تطلق قريبًا نظامًا عالميًا جديدًا.

أما على المستوى الرسمي، فعلقّ رئيس الوزراء مصطفى مدبولي على انضمام مصر إلى "بريكس" قائلًا إنها "خطوة موفّقة؛ إذ ستفتح آفاقًا جديدة أمام مصر للحصول على قروض ميسّرة من بنك التنمية التابع للمجموعة لخدمة مشاريع التنمية والبنية التحتية"، كما نقل المعهد.

وأشار مدبولي إلى أن المجموعة تسعى جاهدة إلى تحقيق التوازن العالمي من خلال تغيير النظام الأحادي القطب وإيجاد التوازن في إدارة الملفات العالمية.

كما أكد وزير المالية المصري محمد معيط أن انضمام مصر إلى مجموعة "بريكس" سيسهم في تعزيز الاستثمار وتوفير فرص تصدير جديدة وزيادة التدفقات الأجنبية، فضلًا عن توطيد التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري بين مصر والدول الأعضاء.

كيان هش

وأردف المعهد: مع أن صحيفة "الشروق" الموالية للنظام أشادت بالعضوية الجديدة لمصر ووصفتها بأنها "خطوة استراتيجية تحسب للسياسة الخارجية المصرية"، فقد عبّرت عن نظرة تتسم بالتوازن تجاه التحديات الرئيسية التي تواجهها مجموعة "بريكس"، ومن بينها التحديات المؤسسية، فالمجموعة لا تشكّل مؤسسة دولية ولا إقليمية وتفتقر إلى مقرّ وأمين عام أو مجلس تنفيذي لاتخاذ القرارات، وهذا يعني أن مصر تنضم إلى كيان هشّ مؤسسيًا، وبالتالي لن تجني سوى القليل من المكاسب.

وتابع التقرير: "بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي الشقاق السياسي بين الأعضاء الرئيسيين في مجموعة "بريكس"، مثل العداء التاريخي بين الهند والصين كما بين السعودية وإيران، إلى تهديد الانسجام في المجموعة. ويُخشى من أن يؤدي ازدياد عدد الأعضاء إلى تعميق التباين بين الدول الذي ينتهي بإعاقة نجاح المجموعة المحتمل".

إلى ذلك، قال التقرير إن كثيرين من جهة المعارضة في وسائل الإعلام عمدوا إلى الانتقاص من أهمية انضمام مصر إلى مجموعة "بريكس"، مشككين في تأثيرها المزعوم على الاقتصاد المصري.

وبحسب ما أفاد به الإعلامي في "قناة الشعوب"، معتز مطر، تعاني مصر من عجز تجاري ضخم مع دول مجموعة "بريكس" يقدّر حجمه بنحو 29 مليار دولار. ومع انضمامها إلى المجموعة، قد تتضاعف وارداتها من الدول الأعضاء، وبالتالي عجزها التجاري.

وقال مطر: "إذا لم تغطِ مصر هذا العجز، فقد تضطر إلى بيع المزيد من الأصول أو السماح لدول المجموعة بالدفع بالجنيه المصري مقابل استخدام قناة السويس، وسيخلّف الأمران وقعًا كارثيًا على الاقتصاد والجنيه المصري الذي تنخفض قيمته على نحو متواصل".

وقللت أيضًا صحيفة "مدى مصر" المعارضة من أهمية انضمام الدولة إلى "بريكس"، ورأت أن هذه الخطوة ليست وصفة سحرية تحل مشاكل مصر الاقتصادية. وعلى الرغم من أنها قد تخفف قيمة الواردات، فهي لن تحسّن بالضرورة العجز التجاري الذي تواجهه القاهرة.

وأضافت: "لن تختفي أزمة الدولار في البلاد بسحر ساحر عند الانضمام إلى مجموعة بريكس، وستبقى القاهرة بحاجة إلى زيادة مصادر النقد الأجنبي من خلال الصادرات والسياحة والاستثمار الأجنبي المباشر".

"خطوة غير فعالة"

وبالإضافة إلى ذلك، رفض خبراء اقتصاديون بارزون في المعارضة انضمام مصر إلى مجموعة "بريكس" باعتبارها خطوة غير فعّالة، حسب ما نقله المعهد.

وفي هذا الإطار، قال الخبير الاقتصادي مصطفى شاهين، إن الصين أطلقت مجموعة "بريكس" لتوسيع أسواقها في الخارج بهدف منافسة الولايات المتحدة.

وأفاد أيضًا بأنه في ظل المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها مصر، من المتوقع أن يؤدي انضمامها إلى المجموعة لمضاعفة الواردات وبالتالي تفاقم عجزها التجاري وازدياد ديونها وعرقلة أي مسعى لإنعاش الصناعة المحلية.

وعلق الخبير الاقتصادي، هاني توفيق، قائلًا إن مصر ستتحوّل من مدين بالدولار إلى مدين باليوان والروبل والريال إذا لم تعمل على جذب الاستثمارات اللازمة لإنتاج أكثر مما تستهلك وتصدير أكثر مما تستورد.

انتقدت أيضًا جماعة "الإخوان المسلمين" هذه الخطوة وقالت إن هدف مصر الرئيسي من الانضمام إلى المجموعة هو البحث عن منفذ جديد للحصول على القروض من بنك التنمية.

وحتى إذا صحّ ذلك، فإن آمال الرئيس عبدالفتاح السيسي في الاقتراض من البنك تحطّمت نظرًا لأن البنك يواجه حاليًا صعوبات في تقديم قروض جديدة. وإلى ذلك، لن يؤتي الانضمام إلى المجموعة ثماره بسبب ضعف الإنتاج المحلي والافتقار إلى صادرات كافية تستطيع من خلالها الوصول إلى سوق "بريكس".

وتابع معهد واشنطن: "مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة المقرّر إجراؤها في بداية العام 2024، تهدف الحملة الإعلامية المغالية التي تقوم بها مصادر موالية للنظام بشأن انضمام مصر إلى "بريكس" إلى التخفيف من السخط العام الناجم عن ازدياد التضخم والفقر المستشري. وقد تنقذ التغطية الإيجابية، إذا نجحت، شعبية السيسي وتدرأ الاضطرابات الداخلية المحتملة".

تحدٍ دولي

تجدر الإشارة إلى أن رئيس البرازيل كان قد عرض في وقت سابق على الرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك، الانضمام إلى "بريكس"، إلا أن الأخير رفض خشيةً من أن يؤثر ذلك في علاقاته مع الغرب.

وذكر التقرير أنه يتعين على السيسي أن يأخذ ذلك في الاعتبار أيضًا، إذ تضم المجموعة دولًا لا تتفق مع حلفاء مصر الغربيين، وتعارضهم تمامًا في بعض الحالات، وقد يتسبب ذلك في حدوث شرخ بين مصر ودول الغرب، وتحديدًا الولايات المتحدة.

وهذا يعني أن نجاح مصر في الانضمام إلى مجموعة "بريكس" سيعتمد على مدى قدرتها على عدم الانجرار إلى الاستقطاب الدولي.

واستطرد التقرير: "يجب ألا يبالغ المصريون في تقدير الفوائد السريعة التي يمكن أن تجنيها مصر من الانضمام إلى مجموعة "بريكس".

وبعبارات أخرى، يتعيّن على مصر اتباع سياسة التصنيع الموجّه للتصدير بهدف فتح أسواق جديدة مع دول "البريكس" وسدّ عجزها التجاري.

واختمم التقرير بالقول إن على مصر تحسين إدارة أصولها ومواردها الحالية لزيادة إيراداتها والوفاء بالتزامات ديونها، بالإضافة إلى إزالة الحواجز البيروقراطية كافة التي تعرقل الاستثمار الأجنبي.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر بريكس الاقتصاد المصري الصين المعارضة المصرية

تحديات داخلية وخارجية.. هذا ما ينتظر السيسي في ولايته الثالثة

تقرير حكومي مصري يستعرض العلاقات مع بريكس ويتمسك بتوازن العلاقات الخارجية