لا يمكن التنبؤ بخطوات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين السياسية والعسكرية، خاصة في صراعات معقدة ومتداخلة كتلك التي تخاض في المنطقة العربية.
موسكو، التي تتحرك بما يتجاوز مصالحها الدولية، تعاني من جرح في كبريائها، لا يمكن أن يجسد بشكل أكبر من تجسده في قرارات وشخصية رئيسها.
روسيا، وريثة الاتحاد السوفييتي، رفضت فجأة، مع تولي بوتين زمام السلطة والنفوذ في الكرملين قبل قرابة عقد ونصف، ما كان واقعا عالميا مرا، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وإعلان الرئيس الأمريكي، جورج بوش الأب، قيام نظام عالمي جديد، تهيمن عليه واشنطن.
إن قيام حلف شمال الأطلسي كحام لأوروبا من السوفييت، والحرب الأمريكية بالوكالة ضد موسكو في أفغانستان، وسباق التسلح النووي، وأزمة الصواريخ الكوبية، وتفاصيل أخرى كثيرة حملت عنوانا عريضا متمثلا بالحرب الباردة.
كل هذا التاريخ الخطر والمعقد، يثقل كاهل بوتين، كقيصر لا يحكم إمبراطورية، بوتين لا يريد الخضوع لفكرة عدم قدرة موسكو على تأدية دور دولي فاعل، ولا الخضوع لحقيقة نهاية حقبة القوى الدولية التي تفعل كل شيء في كل مكان.
القيصر، الذي يرتدي قناعا فاشيا، لا يستطيع أن يخفي ارتباكه، خاصة في سوريا.
فهو حليف للإيرانيين، وصديق للخليجيين، ويتعامل بندية مع الأمريكيين، ولا يستطيع إخفاء توتر الأوضاع مع تركيا.
واشنطن تراه حليفا محتملا لمحاربة الإرهاب، ولا تريد حربا معه، وإيران تراه جسرا حقيقيا لنفوذها في سوريا، وتحارب معه، وتخشى أن يهمشها، والخليجيون يرون بيده مفاتيح رحيل الأسد وإعادة الاستقرار، وبذات اللحظة، الخصم الذي تعد سياساته رافعة لكل ما لا يرغبون به.
كل الخيارات مرتبكة أمام القيصر، الذي يعرف ما يريد، لكنه لا يستطيع أن يناله. هو يخشى صداما مع الحلف الأطلسي، والأخير يخشى أن يتفكك بفعل صدام أنقرة مع موسكو.
الخليجيون يريدون فرض واقع لصالحهم في سورية، بأي ثمن، لكنهم لا يريدون مواجهة مع موسكو، تبدو وكأنها حتمية، ما دام بوتين متمسكا بالأسد، في النهاية، موسكو ستتفاوض على جثث السوريين، بفعل خيباتنا، والأقوى على الأرض، هو من سيحدد سياق ونتائج هذه المفاوضات.