كيف تبنى «أوباما» خطة «بوتين» في سوريا وأعطى «الأسد» نصرا دبلوماسيا؟

الجمعة 29 يناير 2016 11:01 ص

أثار اجتماع بين وزير الخارجية الأمريكي «جون كيري» ورئيس وفد المعارضة السورية في المحادثات الانتقالية الدكتور «رياض حجاب» في 23 يناير/كانون الثاني في الرياض في الرياض رد فعل سلبي للغاية في العديد من دوائر المعارضة. حاول «كيري» نقل رسالة تهدف إلى تخفيض توقعات المعارضة وحزم أهدافها في الإطار العملي خلال المحادثات مع الروس. ولكن لغة وزير الخارجية هددت آفاق المشاركة البناءة من قبل الجماعات التي اقترحت للمشاركة في المحادثات.

كان أمام السيد «كيري» مهمة صعبة للغاية تتمثل في دمج مواقف روسيا - الأسد ضمن خطة تعالج كذلك أهداف المعارضة. ذلك هو التحدي الجوهري المعتاد في محاولة التوصل إلى إطار للتفاوض بشأن وضع حد لنهاية الصراعات الصعبة كما هو الحال في سوريا. وكانت النتيجة هي الميل الواضح لموقف موسكو. ويبقى السؤال الآن: هل يمكن أن تنجح هذه المحادثات؟

أثارت رسائل «كيري» الخلط لدى «حجاب» وكل فصائل المعارضة على حد سواء. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان قد تم فعل ذلك بشكل عمدي من قبل وزير الخارجية. حيث قال بوضوح أنه لن تكون هناك أي شروط زمنية مسبقة للمحادثات، ولا حتى التزام نحو رحيل «الأسد» في أي وقت في المستقبل. كما بدا متأرجحا بين اعتبار أي من جنيف 1 أو فيينا كمرجعية للمفاوضات. كما أنه قد استخدم مصطلح «حكومة وحدة وطنية» جنبا إلى جنب مع مصطلح »الحكومة الانتقالية» ما تسبب في المزيد من الارتباك.

وعلاوة على ذلك، فإن التدابير التي اقترحها «كيري» لبناء الثقة لا تشمل تبادل السجناء أو وقف الغارات الجوية أو إلقاء القنابل والبراميل على المدنيين أثناء إجراء المحادثات. وقال «كيري»  أيضا إن ممثلي المعارضة الآخرين، الذين اقترحتهم موسكو، وهي فصائل المعارضة شديدة القرب من نظام «الأسد»، سوف تكون حاضرة أيضا خلال المحادثات. وفي مواجهة رفض قوي من قبل المعارضة، فإن تلك المجموعة المقربة من «الأسد» سوف يتم إدراجها تحت مسمى «مستشارين» لمبعوث الأمم المتحدة «ستيفان دي ميستورا» وليس وفد المعارضة الموازي.

بعد تهديدات تركيا بإنهاء تعاونها في العملية حال تمت دعوة الاتحاد السوري الديمقراطي الكردستاني المقرب من حزب العمال الكردستاني، فقد دعا «دي ميستورا» إلى تجنب دعوة المجموعة. سوف يتمركز وفد المعارضة الذي اختارته روسيا في لوزان بينما سوف يتم إجراء المحادثات في جنيف. لم يأت ذكر جنيف 1 بأي شكل في رسالة الدعوة رغم إشارة الرئيس «أوباما» ووزير خارجيته «جون كيري» إلى بيان جنيف 1 باعتباره الأساس لأي حل منذ توقيعه في عام 2012.

الفارق بين البيانين، جنيف 1 وفيينا، هو أن الأول يؤكد على وجود مرحلة انتقالية نحو الحل في حين أن الثاني لا يوضح هذه المرحلة ويركز بدلا من ذلك على ضرورة مكافحة الإرهاب. وهذا ينطبق أيضا على قرار مجلس الأمن رقم 2254. وقد مثل هذا الفارق تراجعا عن الموقف السابق من الإصرار على استبعاد «الأسد» خلال المرحلة الانتقالية. وقد أشار بيان جنيف 1 إلى تشكيل «هيئة انتقالية تتمتع بجميع السلطات التنفيذية». وقد قبلت روسيا بيان جنيف 1 قبل تدخلها العسكري في سوريا. بحكم الأمر الواقع، فقد سحبت تأييدها للبيان في بداية عملياتها العسكرية هناك.

هذا التحول في التركيز اكتسبت مكانا مركزيا في المحادثات التحضيرية في الأسابيع القليلة الماضية، لاسيما مع لغة «كيري» الغامضة بشأن جنيف 1. وقد قال زعيم المعارضة لـ«ميدل إيست بريفينج» أن تأسيس أي محادثات بناء على بيان فيينا لن يؤدي إلى أي نتيجة. عمليا، يعطي بيان فيينا الأولوية للديناميات الإقليمية للأزمة وبهمل تقريبا البعد الداخلي السوري. وهو يفترض مبدئيا استعداد «الأسد» للتوصل إلى اتفاق مع خصومه. ويعكس هذا الافتراض أن القوتين وروسيا والولايات المتحدة، قد توصلتا إلى تفهم مشترك وأنهما يحملانه إلى سائر القوى الإقليمية. ويبقى السؤال: ما هو مدى ملاءمة هذا الأمر بالنسبة إلى السوريين؟ لا أعتقد أن الأزمة السورية كانت مجرد قضية إقليمية أو عالمية. لا نعتقد أن هناك حل يمكن أن يكون مستداما دون الاندماج والمشاركة الكاملة للمعارضة.

من الممكن أن مبالغة «كيري» قد جاء تحت تأثير تفهم تم التوصل إليه مؤخرا مع كل من روسيا والمملكة العربية السعودية. بعد، فمن شبه المؤكد أن هذا النهج، وبغض النظر عن التحجج بكونه النهج الوحيد الممكن، فإنه قد لا يكون مستداما ولا يمثل حلا حقيقيا للأزمة.

سارعت وزارة الخارجية لاحتواء الأثر السلبي لاجتماع «كيري» و«حجاب». قضى «مايكل راتني»، رجل الإدارة في سوريا، ساعات مع قادة المعارضة على الهاتف عقب الاجتماع. حاول «راتني» التهوين من النقاط التي أثارت القلق بين جماعات المعارضة كافة مع الحفاظ على الخطوط الرئيسية للتفاهم بين الولايات المتحدة وروسيا سليمة. ولكن تحذير «كيري» من أن أنه إذا رفضت المعارضة الذهاب إلى المفاوضات، فإن المفاوضات ستبدأ على أي حال، كان يردد بصوت عال بين جماعات المعارضة.

إذا كان للمحادثات أن تبدأ، وهو أمر مشكوك فيه على كل حال، فإنها من المنتظر أن تستمر لمدة 10 أيام. بعد ذلك فإن مجموعة دول أصدقاء سوريا سوف تلتقي في 11 فبراير/ شباط من أجل تقييم نتائج المحادثات وإعداد الجولة التالية. وسوف يكون التركيز الرئيسي للجولة الأولى منصبا على قف إطلاق النار وتقديم المساعدات الإنسانية للمدنيين في سوريا. ولن يتم خلال هذه الجولة مناقشة القضايا المتعلقة بالمرحلة الانتقالية ومستقبل البلاد.

ومع ذلك، فقد أكدت الدعوة الصادرة عن «دي مستورا» على ضرورة تشكيل حكومة انتقالية لوضع جدول زمني لعملية انتقالية. ومن شأن هذه العملية أن تقود في النهاية إلى انتخابات تشرف عليها الأمم المتحدة تهدف إلى تشكيل حكومة شاملة وذات مصداقية وغير طائفية تبدأ في كتابة دستور جديد للبلاد ( لاحظ أنه لا توجد أي إشارة إلى تشكيل حكومة انتقالية ذات صلاحيات كاملة). من الناحية النظرية، فإن «الأسد» قد يكون قادرا على الترشح مرة أخرى من خلال الانتخابات. وقد ألمح «كيري» لدول مجلس التعاون الخليجي وزراء الخارجية خلال اجتماعهم في الرياض أن «الأسد» لن يدير البلاد في المستقبل إذا سارت الأمور وفقا للخطة. كانت هذه ذات الكلمات التي قالها «بوتين» لمحاوريه خلال الخريف الماضي.

الخطة المرتبكة

تعكس الصورة الكاملة تحولا في موقف الولايات المتحدة السابق في سوريا. المنطق غير المشروع لهذا التحول يقوم بإعطاء الأولوية لمكافحة الإرهاب على النظر في سورية ضمن حدود الصراع السياسي العام، والذي أدى إلى ظهور الإرهاب. هذا النهج الجديد يعطي الأسبقية للعمل مع روسيا والقوى الإقليمية. وبعبارة أخرى، فقد نجح «بوتين» في إحداث تأثير أكبر من المتوقع على نهج الولايات المتحدة في الصراع السوري.

على الأرض، مع ذلك، فمن الصعب أن نرى كيف أن هذا النهج من شأنه تحقيق الآثار المطلوبة، سواء في محاربة الإرهاب أو في حل الأزمة السياسية، حتى لو قررت القوى الإقليمية، تحت الضغط، وقف مساعداتها للمعارضة. نقطة الضعف في هذا النهج الروسي الذي يتم تبنيه من قبل واشنطن الآن، تكمن في وقاحته.

بافتراض أنه تم التوصل إلى اتفاق على قواعد تنظر إلى معظم جماعات المعارضة كجماعات إرهابية، حيث يبدو أن هذا الأمر هو جوهر هذا النهج، فإن حربا أوسع سوف تكون بين أيدينا في غضون بضعة أشهر. وهكذا فإن إدارة «أوباما» يبدو أنها تشتري إنجازا رخيصا وسطحيا وقصير الأمد، بينما تفشل في إنهاء الأزمة على أي نحو مستدام. بيت القصيد من هذا النهج هو بالضبط ما يريده «بوتين» طوال الوقت. كل ما حدث أن الولايات المتحدة قد استسلمت إلى حلفائها في الكريملين.

والسبب وراء هذا الاستنتاج ينبع من حقيقة أن النهج يرتكز إلى الجوانب الأساسية التالية:

أولا: فإنه يركز على تحقيق الأهداف العاجلة على حساب الأهداف العامة طويلة الأمد. وهذا واضح في إعطاء الأولوية لوقف إطلاق النار والمساعدات الإنسانية، وإهمال تأطير هذه الأهداف ضمن حل سياسي يمكن جماعات المعارضة غير الإرهابية من كبح جماح أفرادها.

ثانيا: لأنه يقوم على مرجعيات مختلفة أو متناقضة. ما بين مقررات جنيف 1 المقبولة من فصائل المعارضة الرئيسية، وبين مرجعية فيينا وقرار مجلس الأمن رقم 2254، والذي يتم الترويج له على أساس كونه المرجعية الوحيدة المقبولة من قبل كل من النظام والروس، والذي يسقط الحاجة إلى إسقاط «الأسد» أو الالتزام بمغادرته كشرط لنجاح العملية الانتقالية.

ثالثا: لأنها تمكن المجموعات الإرهابية مثل «الدولة الإسلامية» وجبهة النصرة أن تسائل الآخرين عن حقيقية ما تم إنجازه فعلا بعد خمس سنوات من القتال؟ هذا السؤال يتحول إلى عامل رئيسي في سحب أعضاء المجموعات الأخرى، الذين رأوا عائلاتهم وأصدقاءهم الذين قتلوا من قبل النظام، للانضمام إلى أولئك الذين يرفضون هذا النوع من الحل الذي يعني عمليا أن «الأسد» قد فاز. وبعبارة أخرى، لا يوجد شيء لقادة المجموعات كي يبرروا لأعضائهم سبب مشاركتهم في هذه المباحثات.

رابعا: هناك ما يكفي من الأسلحة في سوريا لجعل الاعتماد على أي قوى إقليمية أو الولايات المتحدة ضمن حده الأدنى.

خامسا: لا يمكن أن نكون على يقين من أن ما يسمعه «كيري» في جولاته هي أمور صحيحة أو أنها سوف تحدث على أرض الواقع. يمكن للضغط أن يسفر عن موافقات سطحية ي حين أن الحسابات الحقيقية قد تكون مخفية بعناية، في حين يتم العمل عليها.

العملية التي بدأت للتو تحمل مخاطر الانتهاء إلى معارضة منيعة عن تأثير القوى الخارجية، وبالتالي أقل قابلية للسيطرة عليها. والأسوأ من ذلك أنه قد يؤدي إلى توسيع نفوذ «الدولة الإسلامية» وتنظيم القاعدة، حيث يمتلك كل منهما كما هائلا من الأسلحة التي تم الحصول عليها من الجيوش النظامية السورية والعراقية.

ولكن، هل هناك أي فرصة أن يعمل الأمر.

نعم، يبدو أن هذا ممكن إذا تمت إضاءة نهاية الطريق بالنسبة إلى السوريين. إذا قيل لهم بوضوح أنه سيكون لديهم بلدهم دون ديكتاتورية «الأسد» ودولته البوليسية، ودون المجموعات الإرهابية، حيث يمارس الناس حقوقهم الإنسانية دون عقاب، وحيث الجميع بخير بغض النظر عن طائفته أو دينه.

وقد قدمت واشنطن الكثير من التنازلات في سوريا لصالح وجهات نظر موسكو. الموقف المبدئي لواشنطن من أن سوريا لا يمكن أن تستقر في وجود «الأسد» كان هو الموقف الصحيح. لن يكون هناك استقرار في سوريا لسنوات قادمة إذا تمت إدارة العملية الانتقالية على النهج الذي يرغب فيه السيد «بوتين».

ولكن أي "نجاح" للعملية الحالية سوف يكون قصير الأجل. في أفضل الأحوال، فإن هذا النهج قد يحقق بعض النتائج المؤقتة لعدة أشهر. سوف يكون لدى الإدارة الفرصة للتباهي بتحقيق الاستقرار في سوريا، في حين أن الجميع يعي أنه لم يتم التوصل إلا إلى حلول سطحية. نحن نشعر أننا يجب أن ننبه جميع الأطراف المعنية في وقت مبكر. سوف يكون إسقاط البعد السوري الداخلي بمثابة كعب أخيل في هذه المحادثات.

فاز «الأسد» بالجولة الدبلوماسية بعد التغيير غير المتوقع في تفكير إدارة «أوباما». لكن الانتصار في الحرب على أرض الواقع أمر مختلف تماما. بافتراض أن المعركة سوف تتوقف بالفعل فإنها لن تلبث حتى تندلع سريعا مرة أخرى، فإن الخاسر الحقيقي من هذا الأمر هم المدنيين في سوريا، وفي نهاية المطاف نظام «الأسد». أليس من المخجل أن مجرد توقف إسقاط البراميل المتفجرة على المدنيين لم يتم إدخاله ضمن تدابير «المساعدات الإنسانية» خلال هذه المحادثات؟ من الممكن أن يبقى أي طاغية في السلطة عن طريق القنابل المتفجرة إذا كان سيحظى بمساعدة روسيا والولايات المتحدة معا. تلك الأنواع من القنابل البدائية لا يمكنها تمييز الأطفال عن الإرهابيين.

قام «كيري» بإيقاف محاولاته لتفيك الشفرة الروسية. لم يكن الأمر مفاجئا. فكما أثبتت هذه الإدارة، مرارا وتكرارا، فإنها لا تملك أي استراتيجية. لذلك فقد كان من الطبيعي أن يسير خلف أولئك الذين يملكون رؤاهم الخاصة.

 

المصدر | سمير التقي وعصام عزيز - ميدل إيست بريفينج

  كلمات مفتاحية

الولايات المتحدة روسيا بوتين بشار الأسد محادثات فيينا أوباما المعارضة السورية

خاص لـ«الخليج الجديد»: هذه تعهدات «كيري» لوفد المعارضة كي يشارك في جنيف

تسوية «كيري» الروسية - الإيرانية في سوريا مرفوضة سعوديا

حصري: «كيري» هدد المعارضة بوقف الدعم إذا قاطعت جنيف وأكد حق «الأسد» في الترشح

المعارضة السورية: «كيري» يضغط علينا لحضور محادثات جنيف

واشنطن: وفد المعارضة السورية المشكل في الرياض شرعي ويجب احترامه

خيانة «أوباما» الكارثية: البيت الأبيض يهدي الانتصارات لـ«الأسد» وروسيا وإيران

محادثات السلام السورية .. هل تقتنع روسيا أن «الأسد» هو المشكلة؟

«أوباما» يقترح تخصيص 200 مليون دولار لقتال «الدولة الإسلامية» في إفريقيا

هل أنصف «أوباما» المسلمين؟

«بوتين» مرتبكا

في 7 خطوات .. كيف يمكن للولايات المتحدة تصحيح أخطائها في سوريا؟

خبير: «الذيل الأسد» يحاول التحكم في «الكلب روسيا»

الخطة (ب) أردنيا

الدولة البوليسية: كيف نجح «الأسد» في البقاء بعد 5 سنوات من الحرب؟

هل يمكن للولايات المتحدة أن تنهي حروبها في الشرق الأوسط؟

حلب ونهاية وقف إطلاق النار: من يخدع من في سوريا؟

«ميدل إيست بريفينج»: انقسامات داخل البيت الأبيض حول الحل في سوريا

«ناشيونال إنترست»: المستقبل الغامض للحلول السياسية في سوريا

«أوباما» و«بوتين» والحاجة إلى استراتيجية جديدة في الشرق الأوسط

الطريق الأسهل لفك عقدة «الأسد»: الخديعة التي يتم تدبيرها للشعب السوري

السعودية ستحصد ما تزرعه أميركا الآن في العراق وسوريا

لماذا لا توجه الولايات المتحدة ضربات جوية إلى نظام «الأسد»؟

الخيانة الأمريكية في سوريا: كيف تعزز الولايات المتحدة بقاء «الأسد»؟

موسكو تطرد دبلوماسيين أمريكيين ردا على إجراء مماثل من واشنطن

من سيدفع الثمن؟ أسئلة بلا إجابات حول الاتفاق الأمريكي الروسي في سوريا