الطريق الأسهل لفك عقدة «الأسد»: الخديعة التي يتم تدبيرها للشعب السوري

الجمعة 20 مايو 2016 08:05 ص

حسب تحليل لنشرة «ميدل إيست بريفينغ»، الأسبوعية المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط، تتحرك كل من واشنطن وموسكو بهدوء لتنفيذ وجهة نظرهما المشتركة بخصوص سوريا. النظر إلى الاتصالات بين المبعوث الخاص للأمم المتحدة «ستيفان دي ميستورا» ووزير الخارجية الأمريكي «جون كيري» من جهة، وبين المعارضة السورية وحلفائها الإقليميين من جهة أخرى يعطينا نظرة سريعة على محتويات هذا الحل المشترك. وبالتالي يمكننا من قراءة نقدية لفرصته في حل الأزمة السورية.

خلال ملخص الوساطة الذي صدر في 27 أبريل/نيسان، وضع «دي مستورا» إطار عمل برنامجه الحالي. العبارة الرئيسية في هذا الإطار هي «الحكم والانتقال». المشاكل التي تواجه «الحكم والانتقال» معروفة للجميع: ببساطة فإن الرئيس السوري «بشار الأسد» يود البقاء في السلطة، وكذلك فإن مافيا أصحاب الأعمال التي قام بتغذيتها أثناء بقائه في السلطة السياسية لا تريد له أن يترك السلطة. إيران التي لا تثق في أي بديل آخر في المستقبل لا تريده أيضا أن يترك السلطة. حزب الله الذي تعتبر «الأسد» بوليصة تأمين لمستقبله لا يريده أن يترك السلطة.

على الجانب الآخر، أولئك الذين ينظرون في الآثار المترتبة على بقاء «الأسد» في السلطة لا يرون أن هذا الطرح يمكن أن يؤدي إلى أي حل معقول. في الواقع، فإنه من الصعب تصور سوريا مستقرة في ظل الرئيس الذي تسبب في وفاة ما يقرب من نصف مليون من شعبه.

وبينما يبدو «الأسد» للآخرين مجرد شخص واحد؛ ما يجعلهم يتساءلون كيف يمكن لشخص واحد أن يمنع حل هذه الأزمة التي تسببت في كل الأهوال التي نراها، فإن تركيبة الدولة السورية تعطي الرئيس دور العقل المدبر في الجسد الحي. وهو مركز النظام العصبي (شبكة المصالح والولاءات) وسلطته السياسية هي التي تحافظ على مكونات النظام معا.

ومع ذلك فإن افتراض أن «الأسد» يساوي الدولة هو افتراض خاطئ. مثل أي بلد آخر، تتشكل الدولة السورية من هيكل وظيفي بيروقراطي وقيادة سياسية. لذلك فإن أولئك الذين يتحدثون عن «الأسد» بوصفه تجسيدا للدولة السورية بشكل عام على خطأ.

ومع ذلك فإن التساؤل حول ما إذا كان يمكن للدولة البقاء على قيد الحياة تحت قيادة مختلفة في حالة سوريا هو تساؤل في محله. القيادة السياسية في هذه الحالة، هي عنصر أساسي وحاسم في أداء وظيفة الدولة. وعلاوة على ذلك، فإن «الأسد»، الأب والابن، قد قاما ببناء الدولة العميقة في سوريا وفق تصورهما. قوات الأمن في حالة سوريا تعادل ميليشيا تخدم فئة سياسية معينة وليس أمة. وهذا ما يفسر الارتباك، الشائع جدا في الوقت الحاضر، بين الدولة ورئيس الجمهورية.

أجندة «دي ميستورا»

لذلك، عندما يتحدث «دي ميستورا» حول «الحكم والانتقال»؛ فإن أجندته سوف تركز بشكل طبيعي على حل مشكلة «الأسد». والحل، وفقا لموجز الوساطة الذي أصدره في أبريل/نيسان يأتي على النحو التالي: «إقامة حكم موثوق وشامل، وغير طائفي، ووضع جدول زمني لعملية صياغة الدستور، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة». على أن يستند ذلك كله إلى قرار مجلس الأمن رقم 2254.

وسوف نلاحظ على الفور أن هذه الصيغة تتجاهل مسألة مصير «الأسد». وكانت هذه هي الطريقة الوحيدة للتوصل إلى قرار مجلس الأمن وتأطير مهمة مبعوث الأمم المتحدة. أي حل يحظى بإجماع دولي وله قدرة على تغيير موازين القوى على الأرض سوف يواجه بذلك الغموض الناتج عن استبعاد مصير «الأسد» من أي جهد تأسيسي لفتح محادثات.

وكان من الطبيعي بعد ذلك أن يصبح مصير «الأسد» منطقة تقوم فيها جميع الأطراف بممارسة لعبة الشد والجذب للوصول إلى ما يناسب مصالحها. وكان السبب في ترك هذا الأمر دون حسم راجعا في واقع الأمر إلى الدور العسكري والدبلوماسي الروسي. منذ بيان جنيف في عام 2012، فإن التغير في صياغات الخطط الصادرة عن مجموعة دعم سوريا أو أي خطط دولية أخرى تعكس بوضوح الدور المتزايد لروسيا، واستمرار الخلافات حول مصير «الأسد».

والآن، وبعد أن نجح الكرملين في مساعدة «الأسد» على استعادة بعض الزخم على الأرض، وبعد تراجع الولايات المتحدة بفعل عقيدة عدم فعل أي شيء التي يتبناها الرئيس «أوباما»، فإننا نسكتشف الآن كيف يتشكل مصير «الأسد» في هذا الفضاء الغامض الذي تم تركه مفتوحا نتيجة تجاهل الجواب عن هذا السؤال.

وقد انتهى البيت الأبيض ووزارة الخارجية للتو من مراجعة المشروع المقترح للدستور السوري الجديد. وقد اكتشفنا من الرسائل المرسلة من قبل «دي ميستورا» ومن قبل الولايات المتحدة لقوات المعارضة وداعميها الإقليميين أن الجهود الدبلوماسية تتجه نحو حل سطحي لعقدة «الأسد».

ووفقا لملخص «دي ميستورا»، فقد اكتشفنا أنه مع نهاية أبريل/نيسان الماضي، فإن المبعوث الخاص قد وصف بشكل صحيح الاختلافات بين «الأسد» ومعارضيه حول ما يتعلق بالحكومة الانتقالية. وقد جاء في الملخص القول: «الجولة الحالية من المحادثات أكدت وجود خلافات كبيرة بين الطرفين على رؤية المرحلة الانتقالية، وكذلك على تفسير قرار 2254». ويعتقد أن الاختلاف بين قرار مجلس الأمن وبيان جنيف يرجع في المقام الأول إلى التدخل العسكري الروسي وجهود موسكو لخلق ديناميكية مختلفة على الأرض في سوريا.

لا عجب أن يكون هناك اختلافات، ليس فقط على كيفية تشكيل الحكومة الانتقالية، ولكن أيضا على حدود سلطتها. وكانت هذه المنطقة الغامضة الخاصة بدور «الأسد» موجودة دوما، وغالبا ما تتغذى الخلافات على الغموض. الصيغة الحالية التي كتبها «دي ميستورا» للترويج للحكومة الانتقالية هي حكومة وحدة وطنية تتضمن بقاء «الأسد» على رأس السلطة لفترة محددة، والسماح له بالبقاء لممارسة النشاط السياسي في سوريا في ظل حصانة سياسية وقانونية لسنوات قادمة.

تصورات متعارضة                                             

الفرق بين حكومة الوحدة الوطنية وتشكيل حكومة انتقالية ليس فقط في المسميات ولكن في طبيعة تشكيلها وطريقة عملها. يعتقد «الأسد» أن تشكيل حكومة وحدة وطنية يتم من خلال إضافة بعض الشخصيات المعارضة لأعضاء حكومته، وهذا كل شيء. بينما ترى المعارضة أن الحكومة الانتقالية بمعناها الحرفي: هي حكومة مسؤولة عن بناء نظام سياسي جديد مختلف جذريا عن دولة «الأسد» البوليسية. بالنسبة للمعارضة، فإن الفترة الانتقالية هي جسر بين نظامين مختلفين. بالنسبة للأسد فإنها تمثل تغييرا شكليا محدودا على السطح السياسي للنظام نفسه. بينما تهدف المعارضة إلى تفكيك مافيا «الأسد» داخل وخارج الدولة، يهدف النظام إلى الحفاظ على هذه المافيا، ويأمل أن يتم هضم المعارضة داخل إمبراطوريته المالية والسياسية.

وعلاوة على ذلك، فإن حقيقة أن «الأسد» سيبقى ناشطا سياسيا من شأنه أن يسمح له بالحفاظ على وضع العراب بين أنصاره، الذين سيبقون منتشرين في كل مكان داخل وخارج أجهزة الدولة.

دعونا ننسى ما قاله الرئيس «أوباما» مرارا وتكرارا عن أن «الأسد» يجب عليه أن يرحل. بعد كل شيء، فإنه الرئيس «أوباما»، الذي نعلم أن جعبته لا تخلو من الكلمات الحاسمة التي تظل في النهاية مجرد كلمات. ولكن دينامية الأمور كلها تسير نحو استنتاج مثير للمخاوف.

سوف يبقى «الأسد» ولكنه لن يبقى. سوف تحل عقدته ولكنها سوف تبقى قائمة. الفترة الانتقالية لن تكون فترة انتقالية إلا من ناحية الاسم فقط. النخبة السياسية نفسها سوف تختفي، ولكنها سوف تبقى في السلطة. تُقدم كل هذه الألغاز كحل للأزمة السورية كما لو أنها في الواقع ليست أزمة. إذا كنتم لا تدركون حل هذه الألغاز فإن عليكم أن تتوجهوا بالتساؤل إلى «دي مستورا»؛ لأن هذه «السلطة» هي جوهر خطته. وهذه هي الطريقة التي يجري بها حل عقدة «الأسد» في الغرف المغلقة التي تبعد آلاف الأميال عن مخيمات اللاجئين والمدن التي تتعرض للقصف.

الأزمة السورية هي أزمة حقيقية وتتطلب حلولا حقيقية. الحفاظ على هيكل الحكم نفسه الذي كان مسؤولا عن هذه المأساة مع إضافة بعض المعارضة ليس حلا. إعطاء «الأسد» أي شكل من أشكال السلطة ليس حلا. الحكومة الانتقالية هي انتقال بين مرحلتين مختلفتين. إنها حكومة وحدة وطنية، ولكن بالمعنى الحقيقي للكلمة. نظام «الأسد» ليس تعبيرا عن أي وحدة وطنية حقيقية وإلا لما شهدنا كل هذا الدم والألم. إعطاء هذا النظام فرصة شد الوجه عن طريق إضافة بعض العناصر المعارضة لسطحه لن يغير من جوهره. هذا مجرد استنساخ لنفس الظروف التي أدت إلى الأزمة.

هل من الممكن أن نتصور أنه بعد كل تلك السنوات وكل هذا الدم أن يتم تشكيل حكومة انتقالية يمكن أن تمثل جسرا من «الأسد» إلى «الأسد»؟

أيا كان ما سيحدث، فإن قتال المعارضة لن ينتهي حتى تنتهي عصابة مافيا «الأسد» بداية من عرابها إلى القصاص العادل. لا ينبغي أن يسمح لمجرمي الحرب أن يحكموا ضحاياهم. وقد استيقظ الضحايا ولا يمكن لأحد أن يجبرهم على الخضوع مرة أخرى.

لا يمكن لـ«دي مستورا» أو للرئيس «أوباما» ولا لغيرهما أن يقوموا بفرض ما يجري إعداده الآن على سوريا وعلى الشعب السوري. لقد بذلوا كل شيء من أجل أن يكونوا أحرارا وسوف يستمرون في ذلك. لذلك، أولئك الذين يترنمون أن عقدة «الأسد» قد تم حلها بهذه الطريقة لن يسمعوا إلى أصداء أصواتهم. الشعب السوري لديه أغنية مختلفة. 

  كلمات مفتاحية

بشار الأسد سوريا دي ميستورا حكومة انتقالية بيان جنيف بوتين أوباما

حلب ونهاية وقف إطلاق النار: من يخدع من في سوريا؟

خيانة «أوباما» الكارثية: البيت الأبيض يهدي الانتصارات لـ«الأسد» وروسيا وإيران

خدعة «بوتين»: كيف تم استخدام جنيف كغطاء سياسي للحل العسكري الروسي في سوريا؟

كيف تبنى «أوباما» خطة «بوتين» في سوريا وأعطى «الأسد» نصرا دبلوماسيا؟

المعارضة السورية: «كيري» يضغط علينا لحضور محادثات جنيف

51 مسوؤلا في الخارجية الأمريكية يطالبون إدارة «أوباما» بتوجيه ضربات عسكرية لنظام «الأسد»

«أتلانتيك كاونسل»: «الأسد» يخوض الحرب ضد «الدولة الإسلامية» بحثا عن الشرعية الدولية

«الأسد»: روسيا وإيران تحاربان معنا حماية لمصالحهم وأمريكا تدعمنا سرا