«أوباما» و«بوتين» والحاجة إلى استراتيجية جديدة في الشرق الأوسط

الجمعة 6 مايو 2016 04:05 ص

في عام 2012 كتب مجلس الاستخبارات القومي الأمريكي ما نصه: «إن سياسة فك الارتباط أو تقليل الاهتمام التي تتجه إليها الولايات المتحدة من المرجح أن تزيد من فرص الصراع بين الدول. تناقص القدرة على العمل كضامن للأمن العالمي سوف يكون عاملا رئيسيا يسهم في عدم الاستقرار».

في حين أن إدارة «أوباما» ربما لم تفهم هذه الرسالة، فإن العواقب قد جاءت سريعا من روسيا في عام 2014 في أوكرانيا وفي عام 2016 في سوريا. الصلة بين الحالتين تبقى مفتوحة طالما أن الولايات المتحدة لا تملك مفهوما واضحا حول فك الارتباط المنظم. على افتراض أن قيام الولايات المتحدة بخفض تواجدها العالمي تمليه ضرورات موضوعية فإنه كان ينبغي أن يتم إعداد خطة تكيف وتنفيذها في وقت سابق من أجل الحد من فرص زيادة الخسائر الاستراتيجية العالمية المحتملة.

ونحن نرى الآن، وبعد أن تم إلحاق أضرار كبيرة بالفعل، محاولة لوضع تصور لمثل هذه الخطة سواء في الشرق الأوسط أو في أوروبا الشرقية. ومع ذلك، فإن مستوى العدوانية التي تتميز به التحركات الروسية من أجل تحسين أرباحها الاستراتيجية خلال هذه الفترة الانتقالية يهدد بإبقاء الولايات المتحدة في موقف دفاعي لبعض الوقت في المستقبل.

يكمن التفكير الحالي في تطوير دور حلف الشمال الأطلسي بهدف ملء الفجوة التي خلفها التراجع الأمريكي. ولكن في سوريا، على سبيل المثال، فإن «بوتين» قد قام بتركيز ما يكفي من القدرات والمعدات للحد من قدرات حلف الشمال الأطلسي. في الخليج، هناك أفكار تتم مناقشتها الآن لإنشاء حاجز وقائي ولكن يتعين على البلدان الإقليمية أن تفهم أن روسيا تتدخل فقط حين يكون هناك فتنة داخلية أو شقوق اجتماعية. في أوكرانيا، استثمرت موسكو الخلاف المزعوم بين أصحاب القومية الروسية وبين الباقين. وأسفرت الحرب الأهلية في سوريا في نهاية المطاف عن إضعاف متانة نظام الأمن الإقليمي، وبالتالي إعطاء «بوتين» نافذة للقيام بنقلته هناك.

من وقت لآخر، فإننا سوف نرى الرئيس «بوتين» يحصل على قطعة من هنا وقطعة من هناك من أجل أن يعود إلى موسكو بما يعتبره راتبها. وينظر إلى الفترة المباشرة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في الكرملين بقدر كبير من المرارة. وهم يعتقدون أن هذه الفترة التي تم خلالها سرقة روسيا وإذلال مصالحها الاستراتيجية في جميع المجالات.

توقيع المعاهدات لم يمنع «بوتين» من الذهاب إلى أوكرانيا. كما أن توقيع اتفاق وقف إطلاق النار لم يمنعه من مساعدة الرئيس السوري المجنون على كسره بشكل منتظم. التحالف الحالي مع إيران هو نتيجة ودافع للمزيد من التوسع الاستراتيجي الروسي في آسيا الوسطى والشرق الأوسط. كان غزو جورجيا في عام 2008 في واقع الأمر مؤشرا مبكرا على وجهة نظر الكرملين بشأن دوره التاريخي في استعادة ما فقده بعد انهيار عام 1991.

وبالتالي فإن لدينا الآن اثنين من التطورات المتوازية. عدم قدرة الولايات المتحدة على الحفاظ على المستويات السابقة من الاشتباك من جهة، واندفاع روسيا نحو استعادة ما فقدته من جهة أخرى. هذه المسارات المزدوجة تتطلب خطة مبتكرة لوقف التهديدات الروسية والحفاظ على الاستقرار العالمي. إذا كان الخطة غائبة، كما يبدو أنها كذلك، فإن عملية إعادة التقويم الأمريكي سوف تسهم ليس فقط في زيادة عدم الاستقرار العالمي ولكن أيضا في جعل الروس أكثر عدوانية.

ويتم النظر إلى الراديكالية والجهادية بشكل خاطئ على أنها تهديدات استراتيجية لروسيا. تنظر موسكو إلى الأمر باعتباره تهديدا أمنيا محدودا وباعتباره فرصة في ذات التوقيت. العنف الجهادي يضعف الوضع الراهن في أماكن تعتبر قريبة جدا من الغرب. الطائفية تلعب دورا مماثلا. وقد دفعت الروس في نهاية المطاف إلى العراق كذلك. خلق التحريض العرقي والشقوق الطائفية حلفاء لروسيا في شمال سوريا وفي أوكرانيا، مولدوفا وليتوانيا، على الرغم من مصالح موسكو تظهر بشكل أكثر وضوحا في الجنوب والجنوب الغربي. ضغوط الطاقة في بلد مثل بلغاريا ليست سوى مثال واحد على الأدوات التي يستخدمها الكريملين من أجل تضخيم آفاقه الاستراتيجية في البلدان التي يراها مهمة. والآن لدينا أيضا تحركات «بوتين» الجريئة في سوريا.

في الشرق الأوسط، فإن الجهود التي تبذل من أجل الحفاظ على الاستقرار وتحسين الحكم والإصلاح السياسي، والترتيبات الأمنية المشتركة ليست كافية. خطط التنمية الاقتصادية الشاملة لا غنى عنها. هذه الخطط الشاملة تسهم في الحد من خطر التطرف والإرهاب في الشرق الأوسط في الوقت الذي تقوم فيه بحرمان جميع الخصوم الاستراتيجيين من الفرص التي تتيحها الفوضى في المنطقة والحد من التدخل العسكري التقليدي للولايات المتحدة.

ينبغي أن تشمل هذه الخطة الصين وروسيا. في الوقت الذي يتم فيه حرمان الكريملين من فرص التدخل العسكري في المنطقة فإن الشركات الروسية ينبغي أن يتم منحها فرصا عادلة للمشاركة في تطويرها. ينبغي أن ينظر إلى التنمية الاقتصادية، وليس الاتفاقيات الأمنية، باعتبارها الأساس الرئيسي للاستقرار الإقليمي، ولكن فقط إذا تم تنفيذه مع التركيز بشكل خاص على نشر ثقافة الديمقراطية في اقتصادات المنطقة، بما يعني المشاركة الاجتماعية الشاملة في الاقتصاد في كل بلد.

وكما شرحنا في وقت سابق، فإن وجهات النظر القاصرة حول إعادة رسم حدود سايكس بيكو سوف تقود المنطقة إلى مزيد من الاضطراب. بدلا من ذلك، فإن تعزيز الهوية الوطنية في دول المنطقة، هو عنصر أساسي في استقرارها وسلامتها. وينبغي النظر إلى خطة التنمية الاقتصادية على أسس دمج مختلف المناطق والطوائف والأعراق في أي بلد من البلدان. وسوف تسهم أي سلسلة من التقسيمات في تعقيد المشهد الاستراتيجي من جميع الجوانب، سواء بزيادة هشاشة هذه البلدان في مواجهة القوى الخارجية مثل روسيا وإيران أو بتعزيز الحركات الجهادية والراديكالية وزيادة أزمات اللاجئين والأزمات الإنسانية والحروب الدائمة.

نغمة فرق تسد القديمة هي سلاح ذو حدين. في حين أن بإمكانها أن تخدم مصالح شخص ما فإنها تعطي خصومه فرصا كذلك. عمل هذا الشعار خلال الحقب الماضية حينما لم يكن العالم متعدد الأقطاب، على الأقل ليس كما نراه الآن.

في سوريا، قام «بوتين» بإعطاء العالم بأكله حقنا مخدرة حينما أعلن أنه سحب قواته. بدا بعد فترة وجيزة أن كل ما فعله كان مجرد تغيير حجم قواته بالتوازي مع الزخم الجديد الذي سبق أن قدمه لحلفائه.

كما عزز «بوتين» علاقاته مع الأكراد السوريين من أجل توظيفهم في إدارة توازناته مع الأتراك. بعد سوريا، سوف يكون هناك هدف آخر في الشرق الأوسط. عدم الاستقرار هو الحليف الأفضل للرئيس الروسي. روسيا لديها مخزون كبير من الطاقة. عدم الاستقرار في الشرق الأوسط هو جزء لا يتجزأ من استراتيجية موسكو الإقليمية.

في ظل غياب خطة حالية للتكيف، فإن بعض الدول لن تنتظر الروس كي يأتوا إليهم ولكنهم سوف يبادرون طوعا بالذهاب إلى موسكو. على الولايات المتحدة أن تقود الجهود العالمية لتطوير اقتصاديات المنطقة. صحيح أنه نمط شرق آسيا تطور في ظل ظروف معينة، ولكن من الصحيح أيضا أن اللحظة الاستراتيجية الحالية في الولايات المتحدة كما هو الحال في المنطقة تتطلب المبادرة الجريئة التي يمكن أن تغير مجرى الأحداث في الشرق الأوسط.

المصدر | سمير التقي وعصام عزيز - ميدل إيست بريفينغ

  كلمات مفتاحية

أوباما بوتين سوريا روسيا الشرق الأوسط أمريكا سايكس بيكو المنطقة الاستقرار

خيانة «أوباما» الكارثية: البيت الأبيض يهدي الانتصارات لـ«الأسد» وروسيا وإيران

خدعة «بوتين»: كيف تم استخدام جنيف كغطاء سياسي للحل العسكري الروسي في سوريا؟

كيف تبنى «أوباما» خطة «بوتين» في سوريا وأعطى «الأسد» نصرا دبلوماسيا؟

الثابت والمتغير بعد مئة عام على «سايكس بيكو»

«سايكس بيكو» جديدة في سوريا

«بوتين»: درع الدفاع الصاروخية الأمريكية تهديد مباشر لأمن روسيا

موسكو تطرد دبلوماسيين أمريكيين ردا على إجراء مماثل من واشنطن

واشنطن وموسكو والرياض وطهران: الصراع القادم في الشرق الأوسط

لماذا تفشل السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط؟