واشنطن وموسكو والرياض وطهران: الصراع القادم في الشرق الأوسط

الجمعة 15 يوليو 2016 01:07 ص

هناك، في الوقت الراهن أربع خطط تتصادم مع بعضها البعض في منطقة مليئة بالألغام المخفية. سوف تكون نتائج هذا التصادم مختلفة كلية عن أهداف كل من اللاعبين على حدة. الأسوأ من ذلك أنه لا أحد لديه القدرة على التنبؤ بهذه النتائج حتى بين صفوف اللاعبين أنفسهم.

دعونا نختبر باختصار خطة اللعب من وجهة نظر كل من اللاعبين، قبل أن نتطرق بشكل عام إلى المسارات المحتملة لهذه اللعبة الخطيرة.

المملكة العربية السعودية

من وجهة نظر السعوديين، فإن إيران تواصل التمادي. من الناحية الأيديولوجية، فإن إيران قد نصت على تصدير الثورة في دستور البلاد. وعمليا فإن لديها فيلق القدس ضمن الحرس الثوري الإيراني والذي تتمثل مهمته في ضمان تطبيق هذا المبدأ. علاوة على ذلك، فإنها قد نجحت في تحقيق تقدم من خلال التسلل إلى العراق في أعقاب الغزو الأمريكي البريطاني غير الحكيم، كما أنها تتمتع بتواجد نشط في دمشق في الوقت الراهن. جاء هذا بعد أن نجحت في تشكيل حزب الله في لبنان، ولاحقا دعم التمرد الحوثي في اليمن للسيطرة على صنعاء. لقد تحول الهلال الشيعي بدرا كاملا.

وتنتشر علامات تقدم القوات الموالية لإيران هنا وهناك في جميع أنحاء العالم العربي. الهجمات الإرهابية التي ترتكبها هذه القوات أصبحت أمرا معتادا في العديد من دول الخليج العربية. وقد قامت طهران بتشجيع الشيعة البحرينيين على الثورة. وقد تم مؤخرا كسر عزلة طهران بعد أن حصدت جميع الأرباح المحتملة لأنشطتها النووية غير الشرعية.

وبينما يحدث كل ذلك، فإن الولايات المتحدة التي طالما لعبت دور الضامن للنظام الأمني الإقليمي قد أظهرت علامات على تغيير اتجاهاتها. تابعت واشنطن ما اعتبرته مصالحها من خلال فتح قنوات مع طهران، وسحب قواتها من العراق قبل الأوان، والتخبط في سوريا قبل أن تنتهي في نهاية المطاف إلى التعاون مع روسيا للحفاظ على «الأسد» وخذلان حلفائها المخلصين في أوقات الحاجة.

هذا المسار المتعرج للسياسة الأمريكية في سوريا إضافة إلى تزايد السيطرة الإيرانية على العراق قد أثارا غضب السعودية. السماح بهذا النهج من التوسع الإيراني كان يبشر بوضع المملكة تحت الحصار وحرمانها من أي عمق استراتيجي في الشرق الأدنى.

هذا جعل السعوديين يعتقدون أن عليهم أن يختاروا بين الاستسلام للتدخل الإيراني المتصاعد أو أخذ زمام المبادرة، بغض النظر عما ينوي حلفاؤهم التقليديون في واشنطن القيام به في مواجهة موجة الزحف الإيرانية.

إيران

خلال سنوات العقوبات والعزلة، كانت إيران تنظر إلى التدخل في العراق ولبنان كأولويات لأمنها القومي. لم يتم خفض أيديولوجيا الثورة الإيرانية إلى خطاب سطحي وإنما تم توظيفها كأداة لحشد الشيعة داخل وخارج إيران. بالإضافة إلى ذلك فإنها تمنح الحرس الثوري قوة ومكاسب كبيرة. كما يتم استخدامها كأداة لخدمة المصلحة الوطنية. ومن الخطأ أن نفترض أن القادة الإيرانيين أو الحرس الثوري يتظاهرون حين يتحدثون حول القضايا الإقليمية ولكنهم يعتقدون حقا في صدق خطاباتهم طالما لا يوجد شيء يجبرهم على التشكيك في صحتها. كما أن الأمر لا يقتصر على كونه عقيدة ذاتية، بل إنه يخدم مصالحهم أيضا.

قادة الحرس الثوري وجزء لا بأس به من قادة المؤسسات الإيرانية ورجال الدين يعتقدون حقا أن لديهم مسؤولية تجاه المضطهدين في العالم الإسلامي. وهم يعتقدون أن معظم دول مجلس التعاون الخليجي رجعية وموالية للغرب ومتآمرة ضد الثورة الإسلامية وتناصر الإرهاب وتضعف المسلمين وتواصل قمع الأقليات الشيعية لذا فإنه ينبغي في النهاية أن يتم الإطاحة بها.

من بين كل تلك الاتهامات، فإن بعضها يحتل موقع الصدارة، وهي تلك التي تعيق مسار الخطط الإيرانية. على سبيل المثال، تعتقد طهران أن وجود الولايات المتحدة في المنطقة يمثل تهديدا وعقبة في وجه طموحات إيران كي تصير قوة إقليمية.

تقوم إيران بتكييف رسائلها إلى الدول العربية وفقا لخصوصية كل حالة. يلعب فيلق القدس بورقة القومية العربية في لبنان من خلال حزب الله وفي سوريا من خلال «بشار الأسد». لكنه يلعب بالورقة الطائفية في العراق من خلال «نوري المالكي» وبعض الفصائل في قوة الحشد الشعبي. في حين يلعب بورقة الاستقلال في اليمن وبورقة الديمقراطية في بعض الدول العربية الأخرى.

تعتمد خطة طهران بشكل رئيسي على التدخل المبرر في شؤون جيرانها الغربيين. الإيديولوجية والمصالح الوطنية يتضافران من أجل توفير قاعدة لهذه الاستراتيجية.

روسيا

هناك وجهتا نظر متضاربتين تظهران حين يتعلق الأمر بمحاولة فهم لعبة موسكو في الشرق الأوسط. أنصار الرأي الأول ينظرون إلى السياسات الروسية على أنها رد فعل على استراتيجية غربية طويلة الأمد للحد من نفوذ روسيا والإضرار بمصالحها. وعلاوة على ذلك، يرى أنصار هذا الرأي أن تصرفات الرئيس «بوتين» في المنطقة وما وراءها تنبع من رغبته في جعل العالم يدرك روسيا كلاعب رئيسي ويتعامل معها بقدر من الاحترام والتكافؤ.

ينظر أنصار الرأي الآخر إلى دور روسيا الأكثر حزما واستخدامها أو تلويحها باستخدام القوة العسكرية بأنها محاولة لقلب النظام العالمي رأسا على عقب، وانتهاك المعاهدات الدولية. من وجهة النظر تلك، يجري النظر إلى روسيا على أنها قوة عالمية لا تتورع عن استخدام التخريب والأعمال العسكرية من أجل تعزيز جدول أعمالها العالمي. على هذا النحو، فإنها ينبغي أن تعامل على أنها قوة معادية من وجهة نظر النظام العالمي القائم.

في الشرق الأوسط، ساعدت روسيا «الأسد» من خلال التدخل العسكري المباشر، وهو الفعل الذي عزز خطة اللعبة الإيرانية. وقد لعبت أيضا دورا هاما في التوصل إلى اتفاق نووي مع طهران الأمر الذي أدى إلى إنهاء العزلة الدولية الإيرانية. وهي الآن تتطلع إلى إنفاذ بعض مشاريع الطاقة الهامة بالشراكة مع طهران وخاصة في وسط وجنوب آسيا. وعلاوة على ذلك فإن موسكو تواصل مراقبة تطورات الخريطة السياسية في الشرق الأوسط وكيف ستؤثر على مسارات الغاز الطبيعي المحتملة إلى البحر المتوسط ومن هناك إلى أوروبا الغربية في المستقبل. ومن الواضح أن موسكو لديها مصلحة حقيقية في تشكيل هذه المخرجات على طريقتها.

تستخدم موسكو دورها في المنطقة كورقة مساومة في التعامل مع القوى العالمية الكبرى. هذه اللعبة الكلاسيكية تسفر عن بعض النتائج الإيجابية كما رأينا في العرض الذي قدمته إدارة «أوباما» مؤخرا إلى موسكو فيما يتعلق بسوريا. وهي تستخدم أيضا دورها هناك لكسب ود الأوروبيين الذين يتعرضون لضغوط كبرى بسبب أزمة اللاجئين.

تشجع روسيا استثمارات دول مجلس التعاون الخليجي في شمال القوقاز في محاولة للحد من نمو التطرف الديني من خلال تحسين الظروف الاقتصادية في المنطقة. أحد الأسباب الرئيسية لمشاركة موسكو في المنطقة هو رغبتها في وقف انتشار الجهاديين من المنبع. ولكن طريق اللعب التي اختارتها من المحتمل أن تؤدي إلى نتائج عكسية.

الولايات المتحدة

سبق أن تطرقنا إلى سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط في مقالات سابقة وأكدنا على فشلها الذريع في التكيف مع الظروف الطارئة إما بسبب القيود على قدرات الولايات المتحدة أو بسبب سرعة التحولات. من وجهة نظر العرب، فإن هياكل المصالح الأمريكية قد تحولت في اللحظة التي تم عندها توقيع الاتفاق النووي. إغراء احتساء النبيذ مع الحليف الإيراني يبدو أنه تسبب في بعض العمى للمسؤولين الأمريكيين.

كان القشة التي قصمت ظهر البعير في الآونة الأخيرة هي العرض الذي تقدمت به الولايات لمتحدة للتعاون مع روسيا للتغلب على بعض مجموعات المعارضة السورية وتجميد التحول والقبول ببقاء «الأسد» في الوقت الراهن مع التركيز على الحد من العنف والمساعدات الإنسانية.

تسبب هذا العرض في إغضاب العواصم العربية المعنية. فهو يعتبر تراجعا عن الالتزامات السابقة ومكافأة للأسد وإيران. وقد تسبب في تنبيه الدول العربية أن الإدارة الحالية ربما تورط الإدارة القادمة في سياسة أكثر ارتباطا مع طهران.

قام وزير الخارجية السعودي «عادل الجبير» بعقد اجتماع طارئ مع وزير الخارجية الأمريكي «جون كيري» في 7 يوليو/تموز، كي يبلغه، وفقا للبيان الرسمي الصادر عن وزارة الخارجية، أن الرياض مستعدة لإرسال قوات برية إلى سوريا. ولكن «الجبير» قد أوضح أيضا معارضة الرياض لأي اتفاق بين موسكو وواشنطن من شأنه أن يعرض خارطة الطريق التي اتفق عليها في جنيف للخطر. ويكفي النظر إلى ظاهر بيان الخارجية لإدراك مدى التناقض بين الحليفين حيث يتحدث أحدهما عن صفقة قصف المعارضة السورية والحفاظ على «الأسد»، بينما يتحدث الآخر عن إرسال قوات لدعم المعارضة وإسقاط «الأسد».

وفي أعقاب اجتماع «كيري» و«الجبير»، كان رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق الأمير «تركي الفيصل» يلقي خطابا ملتهبا إلى عشرات الآلاف من أنصار مجاهدي خلق في مؤتمر «الحرية لإيران» في باريس في 9 يوليو/تموز. وقد تجاوب «الفيصل» مع الهتافات الداعية لإسقاط النظام الإيراني بالقول إنه يؤيد أيضا إسقاط هذا النظام.

ويأتي تأكيد السعودية من جديد على استعدادها لإرسال قوات برية إلى سوريا واتخاذها موقفا واضحا في دعم المعارضة الإيرانية كأدلة على نفاذ صبر السعوديين ومدى استعدادهم للتصعيد.

تستمر هذه اللعبة في مجراها في حين تخوض المنطقة تحولات كبرى مدفوعة بزيادة السخط الشعبي. المنافسة الاستراتيجية، الموضحة أعلاه، تتسبب بدورها في توليد موجات من الاستقطاب الطائفي. وعندما يتزايد التحريض الطائفي في مجتمعات تبحث عن مسارات لتوجيه سخطها، فإنه يهدد بتحييد أي حركة شعبية وتحويلها إلى منافسة مبنية على أسس طائفية. وهذا من شأنه تمزيق المنطقة، وصرفها عن التقدم بطريقة بناءة.

ويبدو أننا نتقدم ببطء نحو تصعيد إقليمي عام في منطقة الشرق الأوسط. تسير تلك الخطط الأربعة المتضادة كل منها في مساره بناء على حسابات منفصلة. يأتي ذلك في وقت لا توجد فيه أي قوة عالمية راغبة أو قادرة على رؤية المخاطر والتدخل بسرعة لخلق مساحة للتسوية. لا يمكن لأي من الخطط الأربعة أن تحقق نصرا كاملا. وفي تلك الحالات التي لا يمكن تحقيق انتصارات واضحة فيها فإن الجمود قد لا يمكن وقفه.

المصدر | سمير التقي وعصام عزيز - ميدل إيست بريفينج

  كلمات مفتاحية

السعودية إيران أمريكا روسيا سوريا الشرق الأوسط الاتفاق النووي

الخيانة الأمريكية في سوريا: كيف تعزز الولايات المتحدة بقاء «الأسد»؟

«أوباما» و«بوتين» والحاجة إلى استراتيجية جديدة في الشرق الأوسط

«بلومبيرغ»: المناوشات السعودية الإيرانية في فيينا

«ستراتفور»: قمة فيينا والقضايا الكبرى في الأزمة السورية

«أوباما» وفوضى الشرق الأوسط