بعد نشر هذا التحليل، ظهرت تقارير تفيد بأنه من المتوقع أن تعلن حكومة الولايات المتحدة عن خطط لإرسال عشرات من المستشارين العسكريين إلى سوريا لمساعدة القوات التي تكافح «الدولة الإسلامية».
وسيدعم المستشارون العمليات الجوية ضد التنظيم من خلال جهود التدريب والتنسيق. وليس من الواضح أي المجموعات سيتم العمل معها. رغم أن أحد المسؤولين قال إنهم سيعملون بشكل خاص مع المقاتلين الأكراد والجماعات التي لها سجل حافل في مواجهة «الدولة الإسلامية». وقال مسؤول أمريكي آخر إن هذه الخطوة لن تغير استراتيجية واشنطن الشاملة في سورية.
في يوم 30 أكتوبر/ تشرين الأول، وللمرة الأولى في التاريخ الحديث، فإن إيران والولايات المتحدة يجلسان علنا إلى طاولة المفاوضات لمناقشة نفس الشيء عدا عن الملف النووي الإيراني. وهذا هو الوضع الطبيعي الجديد لمنطقة الشرق الأوسط.
على الرغم من تحذيرات المرشد الأعلى «آية الله علي خامنئي» المتكررة بأن إيران لا يمكن أن تثق في الولايات المتحدة في المناقشات بعد المسألة النووية، فإن الواقع هو أن الاتفاق النووي كان مجرد نقطة انطلاق لحوار استراتيجي أوسع من ذلك بكثير.
وكان هذا الحوار يجري بالفعل على المستوى التكتيكي، وبعيدا عن الرأي العام حول العراق، حيث إن الولايات المتحدة لا تريد تعميق تورطها العسكري حيث الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران تقود المعركة ضد «الدولة الإسلامية» على حدود بغداد.
أجرت واشنطن وطهران أيضا قناة خلفية للنقاش حول موقف كل منهما على تشكيل الانتقال السياسي في سوريا. وذلك لأن إشراك الجمهور في هذا سيعزز فقط واقعا مقلقا للمملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي حول إنهم لم يعد بإمكانهم استخدام العلاقة الحصرية مع واشنطن لتشكيل السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط.
مناورات روسيا الدبلوماسية والعسكرية
لا يمكن القول أن الاجتماع المتعدد الأطراف في فيينا يعتبر كسرا أو اختراقا دبلوماسيا للواقع في سوريا. فقد خلقت تعزيزات الروس والإيرانيين للقوات الموالية للحكومة في سوريا مزيد من الحوافز للمملكة العربية السعودية وتركيا وقطر والأردن لتحصين دعمهم للجماعات المتمردة المفضلة لديهم.
وهذا يخلق معضلة أكبر بالنسبة لواشنطن، والتي تقوم بمحاولة حرمان روسيا من جذب الأضواء الدبلوماسية في هندسة مفاوضات سورية بينما تعمل على تقيد دول الخليج العربية عن تزويد المتمردين بأنظمة الدفاع الجوي المحمولة. وتعمل الولايات المتحدة أيضا مع الأتراك لتنسيق هجوم المتمردين المعتدلين ضد «الدولة الإسلامية» إلى الغرب من نهر الفرات، في حين تقوم أيضا بإدارة الغضب التركي بسبب دعم الولايات المتحدة للمتمردين الأكراد في الشرق. والجدير بالذكر، أن أيا من ممثلي المعارضة لم يكن حاضرا في الاجتماع الذي عقد في فيينا؛ طالما تواصل روسيا استهداف فصائل المعارضة، لا توجد فرصة تذكر لقدوم الفصائل إلى طاولة المفاوضات.
ثم هناك أيضا مسألة ما يجب القيام به حيال الرئيس السوري «بشار الأسد». جميع الأطراف في فيينا رغم تفاوتها قد أذعنت لإصرار روسيا على أن المفاوضات حول عملية الانتقال السياسي في دمشق يجب أن تجري قبل إزالة «الأسد» رسميا. لكن الدعم العسكري من روسيا وإيران، جنبا إلى جنب مع عملية التفاوض في حد ذاته، هو تعزيز «الأسد» بمزيد من الشرعية التي قد تشجعه على البقاء.
عمان ربما تكون هي الوسيط المقيم في المنطقة، حيث التقى وزير الخارجية «يوسف بن علوي بن عبد الله» مع «الأسد» في دمشق يوم 26 أكتوبر/ تشرين الأول عقب زيارة الرئيس «بشار الأسد» لموسكو. وهناك دلائل تشير إلى أن عمان يمكن أن توفر للرئيس السوري حق اللجوء كجزء من خطة انتقالية. ومع ذلك، يدعي مصدر «ستراتفور» أن «الأسد» قد طلب أيضا من عمان فتح قناة تفاوض خلفية مع البيت الأبيض.
مع الاعتماد بشكل كبير على روسيا، فإن «الأسد» قد يكون لديه محاولة ليسكتشف إذا كان له أي مساحة للمشاركة بشكل مباشر مع الولايات المتحدة في هذه المفاوضات، وبالتالي استعادة قدر من الشرعية مع الغرب. ومن المؤكد أنه من غير المرجح أن تبدي واشنطن مرونة في هذه النقطة عندما يتعلق الأمر بإزالة «الأسد». ومع ذلك، فإن محاولة مزعومة لفتح حوار مع البيت الأبيض يدل على الثقة المتزايدة التي يكتسبها «الأسد» وانه لا يزال لديه الوقت والمجال للمناورة.
حتى إذا لم تتم تسوية مسألة العفو عن «الأسد»، فإن طريقة إبعاده تبقى لب السؤال. وإذا كان الأسلوب هو الانتخابات، كما تصر روسيا وسوريا. ووفق هذا السيناريو فإن أحدا ما سوف يكون أول من يقوم بتنفيذ وتطبيق وقف إطلاق النار. وسوف يكون لازما أيضا وجود ضمان، ولو من بعيد، لأن التصويت سوف يكون حرا وتزيها ويشمل على أكبر قدر من المناطق التي يسيطر عليها المعارضون .
ثم هناك مسألة ليست صغيرة وهي كيفية تنفيذ وقف إطلاق النار في الوقت الذي لا تزال فيه «الدولة الإسلامية» قوة رئيسية في ساحة المعركة، وعلى استعداد للاستفادة من أي ثغرات في الصراع من أجل الاستيلاء على مناطق جديدة. وبالنظر إلى أنه لا أحد من فصائل المعارضة الموثوقة هو على طاولة المفاوضات، فضلا عن أن أجندة معظم الأحزاب هي أكثر اهتماما في قتال« الأسد» من «الدولة الإسلامية»، فإن الحديث عن وقف إطلاق النار من السابق لأوانه للغاية.
وهناك فقط القليل من الكشف عن مضمون ما يخرج من المناقشات في فيينا، ولكن صورة الولايات المتحدة وإيران وعملية التفاوض علنا حول القضايا ذات الاهتمام المشترك تدل على أمر واحد و هو أن الجميع في طريقه للتعود على هذا التفاوض. ليبدو عاديا جدا.