لماذا تفشل السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط؟

الخميس 8 سبتمبر 2016 09:09 ص

يوجد القليل من الأشياء المضمونة في الحياة، ولكن احتمال فشل السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط الآن أقرب ما نتخيل. وتعدّ سياسات وخطط الولايات المتحدة في حربها ضد تنظيم الدولة الإسلامية، في الموصل والرقة وحلب وسرت، دليلًا واضحًا على أسباب الفشل.

وبعد بدء الحرب الأهلية في سوريا بوقت قصير، وقعت مدن كبيرة مثل حلب والرقة تحت الحصار من قبل قوات وميليشيات متصارعة من بينها تنظيم الدولة الإسلامية. وفي عام 2014، استولت ميليشيات تنظيم الدولة على مدينة الموصل في العراق. وفي أواخر العام الماضي، أصبح لهم موضع قدم في مدينة سرت الليبية. هذه المدن الأربعة تقع تحت السيطرة الكلية أو الجزئية لتنظيم الدولة اليوم.

وتشارك الولايات المتحدة عسكريًا في محاولة لتدمير تنظيم الدولة في كل موقع. وتتوافق الاستراتيجية التي توظفها واشنطن في هذه المحاولة مع السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة، وهو ما يبين لم فشلت هذه السياسة، ولم ستستمر في الغالب بالفشل.

وتستخدم القوات العسكرية الأمريكية المشاركة بالقرب من المدن الأربعة، مزيجًا من الضربات الجوية والهجمات بطائرات بدون طيار والإنزال لبعض القوات الخاصة. والهدف المعلن من كل هذه العمليات، هو تقديم المساعدة للقوات المحلية الصديقة للولايات المتحدة من أجل التغلب على تنظيم الدولة. لكن النتيجة كانت قتالًا مستمرًا لا يتوقف، فواشنطن قد دعمت القوات والميليشيات التي اختارتها بما يكفي ألا تخسر، لكنها فرضت عليها محدودية في الإمكانات والقدرة العسكرية، لم تكن كافية لأي طرف لتحقيق الفوز.

واحد من أسباب ذلك، هو أنّه لا فارق كبير بين الجانبين من وجهة النظر الأمريكية. ليس هناك حالة يمكننا فيها التفريق بين «الأخيار» و«الأشرار». بدلًا من ذلك، فإن كل مدينة من المدن الأربعة بها قائمة كبيرة من العناصر غير المستقرة وغير الموثوق بها، والعديد منها تغير ولاءها إذا رأت ذلك ضروريا من الناحية التكتيكية. ولم يكن من الواضح أبدًا ما هي مصالح الولايات المتحدة الحقيقية.

وتكتظ الرقة وحلب في سوريا حرفيًا بعشرات الجماعات المتمردة، والتي تقاتل نظام «بشار الأسد»، بالإضافة إلى تدخلات مباشرة من الروس والأمريكيين والإيرانيين بالإضافة إلى قوىً خارجية أخرى. والشيء الوحيد الواضح من هذه المعارك هو أن الولايات المتحدة ترغب في تدمير تنظيم الدولة الإسلامية. ورغم أن الإجراءات العسكرية تظهر أنها صممت لهذه الاستراتيجية، فإنه لا يوجد دليل واحد على وجود هدف تكتيكي عقلاني.

من سيكون المستفيد من تلك القوة الجوية العسكرية الأمريكية إذا ما تم القضاء على تنظيم الدولة في الرقة وحلب في نهاية المطاف؟ فربما تنتهي العمليات الأمريكية بهزيمة تنظيم الدولة لنجد أن ذلك تم فقط لتعود قوات «نظام الأسد» للسيطرة على الأرض. وإذا لم تسيطر قوات «الأسد»، فربما تسيطر الجماعة المسلحة الأقوى بعد تنظيم الدولة والمقربة من القاعدة، جبهة النصرة. وحتى أننا لسنا متأكدين أنّ من نسميهم المعتدلين من الجماعات التي نفضلها سيظلون حلفاءً فعليين للولايات المتحدة إذا ما صعدوا للسلطة.

وفي سرت ليبيا بالمثل، هناك العديد من القوات المتصارعة والجماعات الوطنية التي تتنافس للسيطرة على المدينة. ومنذ بداية أغسطس/ آب، تساعد القوة الجوية الأمريكية حكومة ليبيا المعترف بها من قبل الأمم المتحدة في هجماتها ضد تنظيم الدولة. وحتى وإن تم الإطاحة بـ«الإرهابيين» خارج المدينة، ستنتقل المدينة لقتال آخر ببساطة بين القوات الحكومية المتصارعة بالفعل، أو جماعات المتمردين الأخرى بدون تنظيم الدولة، وهكذا تنتقل الحرب الأهلية في ليبيا إلى المرحلة التالية.

وفي أواخر أغسطس/ آب، زرت خطوط المواجهة الأمامية بين تنظيم الدولة والآخرين بالقرب من مدينة الموصل بالعراق. وأفرط القادة العسكريون لقوات البشمركة في تقدير القوة الجوية الأمريكية، والتي ساعدتهم في التقييم ومن ثم البدء في دحر تنظيم الدولة وإرجاعه عن مكتسباته التي اكتسبها منذ عام 2014. ولكن مع قرب موعد الهجوم لاستعادة الموصل، يصبح من غير الواضح كيفية تحقيق مصالح الولايات المتحدة بعد أن تتم هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية.

ولم تكن قوات البشمركة مشتركة مع حكومة بغداد في الأهداف او التنسيق على الأرض. فالعديد من ميليشيات الشيعة والمدعومة مباشرة من إيران، تظهر أطماعًا في السيطرة على أراضٍ بعينها، تقع بعضها تحت سيطرة تنظيم الدولة والأخرى تحت سيطرة السلطة الكردية. أما الجماعات المسلحة للقبائل السنية فلا تزال في معاداة كبيرة للميليشيات الشيعية، وتحذر من بغداد، ولديها مخاوف حول نوايا الأكراد.

هل ستتفاوض واشنطن مع كل أصحاب هذه المصالح المتصارعة بعد هزيمة تنظيم الدولة، بينما العديد منهم يصنف كمنظمات إرهابية؟ وإذا لم توافق تلك الجماعات على شروط الولايات المتحدة، هل ستتحول القوات الأمريكية لقتالهم جميعًا؟ وكيف ستتصرف الإدارة إذا ما نشب قتالًا بين أصدقائنا القدامى الديمقراطيين من الأكراد وقوات الحكومة الشيعية لبغداد والتي استثمرنا فيها كثيرًا؟ المشكلة ليست في عدم إمكانية إجابة أي من هذه الأسئلة، ولكن المشكلة فيما يبدو أنه لا البنتاجون أو البيت الأبيض فكر أساسًا في هذه الأسئلة، وبالتالي فلن يتمكن من إجابتها.

ويدل الوضع في كل من هذه المدن الأربعة على العبث المأساوي لسياستنا الخارجية في الشرق الأوسط. لقد كانت سياستنا فاشلة تمامًا. وهناك حاجة ماسة إلى تصحيح المسار. ولكن لا يبدو أن إدارة «أوباما» لديها الرغبة في تغيير شيء في الشهور الأربعة الأخيرة في حياتها. وليس لنا إلا أن نأمل أن يتمكن أي من «كلينتون» أو «ترامب» من مواجهة هذه الحقائق السيئة بحكمة.

وبالرغم من هذا، يوجد أمر آخر واضح، ستستمر تكلفة مصالح الولايات المتحدة الخارجية والمخاطر الواقعة على الأمن الداخلي إذا لم يتم عمل تغييرات حقيقية في بوصلة الحكومة وإدارتها للسياسة الخارجية. وكانت الولايات المتحدة دائمًا هي الأقوى اقتصاديًا والأكثر أمانًا تاريخيًا، عندما تشارك بسياسة خارجية بسيطة والتي تعني بالاستقرار العالمي والعلاقات التجارية المتبادلة. وما لا تحتاج إليه بلدنا هو استمرار الوضع على ما هو عليه من سياسة خارجية تدمن استخدام القوة العسكرية الغاشمة التي تعمل باستمرار وبشكل روتيني ضد المصالح الأمريكية.

  كلمات مفتاحية

الدولة الإسلامية الولايات المتحدة أوباما العراق سوريا

«أوباما» و«بوتين» والحاجة إلى استراتيجية جديدة في الشرق الأوسط

«أوباما»: الاستراتيجية التي يتبعها الروس والإيرانيون في سوريا لن تنجح

«الاحتواء الجديد»: استراتيجية أمريكية للأمن الإقليمي بعد الاتفاق النووي

«أردوغان»: طريقة تعامل إدارة «أوباما» مع الأزمة السورية أزعجنا