الدولة البوليسية: كيف نجح «الأسد» في البقاء بعد 5 سنوات من الحرب؟

الاثنين 14 مارس 2016 09:03 ص

لقد مرت خمس سنوات كاملة منذ بداية الحرب الأهلية في سوريا. وسط مفاوضات السلام السورية المتأخرة فإن وقف إطلاق النار يعج بالثغرات، بينما يتدفق دعم الوكلاء من جميع أنحاء العالم على مختلف الأطراف، ويبدو أن الأزمة الأكبر عالميا سوف تستمر إلى ما بعد ذكراها السنوية الخامسة.

كيف وصل الأمر إلى هذا الحد؟ قبل اندلاع أعمال العنف في عام 2011، كانت الحكمة السائدة أن إدارة رئيس النظام السوري «بشار الأسد» كانت في مأمن من الثورة. في ذلك الربيع، كنت أستعد للتوجه إلى دمشق مع تصاعد الاحتجاجات المناهضة للحكومة في تونس ومصر والبحرين. ولكن أحد الأصدقاء اللبنانيين أعرب عن رأي بدا أنه واسع الانتشار حول سوريا: وهو أن هذه الانتفاضة لن حدث هنا، وأن الحكومة السورية ليست معرضة للسقوط.

في 15 مارس/آذار 2011، تدفق المتظاهرون إلى شوارع دمشق احتجاجا على قيام الحكومة بتعذيب عدد من الطلاب الذين كتبوا لافتات مؤيدة للثورة في درعا. تحولت المظاهرات إلى أعمال عنف ثم ما لبث أن تحول العنف إلى حرب أهلية شاملة. ولكن مع مثابرة ملحوظة، فقد تشبث الأسد بسيطرته على الأرض على مدار خمس سنوات من الصراع الدامي، ونجح في الحفاظ على حكم عائلته للبلاد رغم المعاداة التي لاقاها من المجتمع الدولي. وهو الآن يتمتع بدعم هائل من قبل روسيا وإيران وحزب الله. لكن إدارة «الأسد» قد برهنت على تمتعها بمرونة ذاتية لأسباب خارجة عن الرعاة الخارجيين. وقد ساعدت القدرات الاستخباراتية والأمنية الضخمة للحكومة التي تقودها أقلية علوية في الحفاظ على سيطرتها على مجموعة متنوعة من السكان.

صعود الدولة البوليسية

هناك مجموعة متنوعة من الجماعات الدينية والعرقية داخل الحدود السورية وقد شكلت هذه التنوعات تاريخيا تحديات كبيرة واجهت حكامها. وقد نجح الحكم العثماني في الحفاظ على تراث التنوع السوري بشكل كبير مقارنة بالانتداب الفرنسي في وقت لاحق، والذي شهد عهده ممارسات مؤسفة في تفضيل بعض الجماعات على بعضها الآخر. بعدما غادر الجنود الفرنسيون الأراضي السورية في عام 1946، فقد عملت الجمهورية السورية حديثة الاستقلال على تعزيز قدراتها العسكرية والاستخباراتية. شكلت سوريا وحدة قصيرة الأجل مع مصر عام 1958 من أجل توسيع نطاق انتشارها إلى ما وراء الحدود. خلال هذه الفترة، كسب حزب البعث العربي الاشتراكي المزيد من السيطرة، ونجح في ترسيخ سلطته من خلال الانقلابات في أعوام 1963 و1966.

بعد انقلاب غير دموي في عام 1970، قام وزير الدفاع وزعيم حزب البعث «حافظ الأسد» بتنصيب نفسه رئيسا للبلاد. وقد قام بتوزيع المناصب القيادية على حلفائه المقربين بهدف خلق دائرة من الأتباع المخلصين لضمان السيطرة في نظام يتمتع بقدر من اللامركزية. نجح الرئيس الجديد في تأسيس علاقة بين أعضاء حزب البعث ونخبة رجال الأعمال جعلهم يعتمدون عليه بشكل كبير، وجعل رئاسته أمرا لا غني عنه من أجل استقرار النظام بأكمله.

ربما كان العنصر الأكثر أهمية في الحفاظ على القبضة الصلبة للحكومة على السلطة هو جهاز الاستخبارات القوي الذي تعود أصوله إلى بقايا الإرث الاستعماري الفرنسي. حتى عام 1969، كان هذا الجهاز يعرف باسم المكتب الثاني وكان مصمما بشكل كبير على طراز الجهاز الذي تم إنشاؤه تحت الحكم الفرنسي. هيمن هذا الجهاز بشدة على جماعات المعارضة في لبنان، وقام بتعزيز الدعم لبعض الجماعات الدينية والعرقية خارج الحدود السورية، مثل حزب الله. تحت حكم «الأسد» الأب، صار جهاز الاستخبارات أكثر قوة. مكنت شبكات المخابرات العابرة للحدود الحكومة من مراقبة السكان عبر مساحات واسعة من الأراضي ومعاقبة المعارضة. أي شخص ينتقد الحكومة ويتعرض لشخص الرئيس اللوم ولو على سبيل المزاح كان يتعرض للبطش. وفي الوقت نفسه، فإن أجهزة الاستخبارات السورية أصحبت كيانات سياسية مستقلة، وفرضت هيمنتها على السياسة الداخلية والخارجية.

وبفضل هذه الهيمنة العسكرية والشرطية، فقد ظل حكم «الأسد» بلا منازع منطلقا. عندما كانت تنشأ بوادر التهديدات فإن الجيش كان يقوم بسحقها على الفور. في عام 1982 نظمت جماعة الإخوان المسلمين في حماة حملة معارضة ضد الحكومة التي يقودها العلويون. وردا على ذلك، فقد قام الجيش السوري بقل عشرات الآلاف من السوريين لأجل القضاء على التمرد، وهو الفعل الذي عزز التصور العام حول «الأسد» كقائد وحشي.

لم يعاني الجميع من وطأة الدولة البوليسية. السوريون الذين انصاعوا للقانون وتجنبوا التورط في أي نشاط سياسي معاد للحكومة قد نجحوا في الإفلات من هذه الوحشية. وقد امتدت العقوبات القاسية التي فرضتها الأجهزة الأمنية لتشمل ردع الجرائم اليومية وليس فقط المعارضة السياسية ما أدى إلى انخفاض معدلات الجريمة خلال فترة حكم «الأسد». ومع ذلك، فقد كافح العديد من السوريين من أجل تأمين مستوى معيشي لائق.

فرصة ضائعة في الإصلاح

تولى «بشار الأسد» الرئاسة خلفا لوالده في عام 2000. كان بشار الأسد طبيبا للعيون ولم يكن يتمتع بخبرة سياسية كبيرة، وكان شقيقه الأكبر الذي توفي في حادث سيارة في عام 2000 هو الذي يجري إعداده لتولي المنصب، وقد مهدت وفاته طريق «الأسد» الصغير للارتقاء إلى السلطة.

ورث الرئيس الجديد الشبكات المعقدة التي صنعها والده. منذ اندلاع الحرب في عام 2011، فإن هذا النظام قد خدمه بشكل جيد. لا يزال الرئيس السوري يحتفظ بدعم العلويين إلى اليوم جنبا إلى جنب مع مختلف الأقليات الدينية التي لا تزال تنظر إلى أن سوريا في غياب «الأسد» سوف تكون أكثر خطورة بالنسبة إليهم. وقد وفرت العلاقات الوثيقة بين القادة العسكريين ورجال الأعمال ما يكفي من الدعم لمساعدته على الاستمرار والدفاع عن أرضه خصوصا على الجبهتين الساحلية والجنوبية.

في بداية توليه المنصب، قام «الأسد» ببعض الإصلاحات الليبرالية شديدة المحدودية على الدولة البوليسية التي ورثها. إلى درجة صغيرة، اعتقد الأسد في أهمية وجود متنفس للتعبير عن الآراء من أجل منع تحول الاستياء العام إلى غليان. خلال هذا الربيع الدمشقي، كما يطلق على تلك الفترة القصيرة التي أعقبت ارتقاء «الأسد» إلى السلطة، تسامحت الحكومة مع المزيد من حرية التعبير. وعلى الرغم من أن الرسائل المناهضة للحكومة بشكل صارخ كانت لا تزال سببا كافيا للعقاب وحشي، فقد تم السماح ببدء حوار سياسي وطني مؤقت.

سارعت النخبة السورية القلقة إلى عكس معظم هذه الإصلاحات. وأكدت استجابة الإدارة القاسية إلى المتظاهرين خلال الربيع العربي أن أي رؤى حول مجتمع مدني سوري أكثر انفتاحا كانت بعيدة كل البعد عن الواقع. إلا أن الفترة الوجيزة التي عاشها السوريون مع قدر أكبر من الحرية ظلت متغلغلة في نفوسهم.

وقد طغت الحرب الأهلية الآن إلى حد كبير على أي مطالب للإصلاح. وقد ذكر «الأسد» مؤخرا أنه يريد أن يذكره الناس على أنه الرجل الذي قام بإنقاذ بلاده. لكن بالنسبة لمعظم من المجتمع الدولي، فإن الأسد سوف يذكر الشخص الذي خلف تراثا مختلفا: الأزمة التي أسفرت عن مقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين. التركة الأكبر التي يعول عليها «الأسد» من أجل إبقاء نظامه هي تلك الشبكة من المؤيدين الذين يدينون بالولاء التي تمكن هو، ومن قبله والده، من الحفاظ عليها لنصف عقد من الزمن والتي سوف يعتمد مدى نفوذها في سوريا الجديدة، أكثر من أي وقت مضى، على نفوذ رئيسها.

المصدر | ستراتفور

  كلمات مفتاحية

سوريا الأسد حافظ الأسد الطائفة العلوية إيران حزب الله الثورة السورية المعارضة السورية

كيف تبنى «أوباما» خطة «بوتين» في سوريا وأعطى «الأسد» نصرا دبلوماسيا؟

«نيوزويك»: 5 أسباب لفشل أي عملية انتقالية في سوريا تضم «بشار الأسد»

صراع الشبيحة وقادة الجيش: هل يتجهز العلويون لما بعد «الأسد»؟

بشار الأسد .. الشخص والسلالة والطبقة

«جنبلاط»: علاقة «الحريري» بـ«حافظ الأسد» كانت وطيدة جدا لكنها تغيرت جذريا مع «بشار»

من سيدفع الثمن؟ أسئلة بلا إجابات حول الاتفاق الأمريكي الروسي في سوريا