محادثات السلام السورية .. هل تقتنع روسيا أن «الأسد» هو المشكلة؟

الثلاثاء 9 فبراير 2016 08:02 ص

يبدو أن تعليق محادثات السلام السورية في جنيف قد أثبت صحة رؤية الناقدين والساخرين من هذه المفاوضات في الفترة التي سبقت بدايتها. كانت المحادثات، وفقا للرافضين، غير مجدية حقا وغير حقيقية في الوقت الذي يمتلك فيه الرئيس السوري فرصة للفوز على الأرض. «الأسد يفوز في سوريا، وقد حول التدخل الروسي في البلاد ميزان القوى القائم على الأرض بشكل كبير»، وفقا لما سبق أن كتبه «جوشوا لانديس» و«ستيفن سيمون» في «فورين أفيرز». «السؤال الحقيقي هو حول نسبة الأراضي السورية التي سوف يكون بإمكان الأسد استعادة السيطرة عليها».

الوضع في سوريا مأساوي حقا، ولا يزال السلام احتمالا بعيدا. ولكن الكثير من السخرية حول محادثات جنيف تنبع من التوقعات الخاطئة حول ما يمكن تحقيقه. إنهاء الحرب الأهلية التي تحولت إلى حرب بالوكالة هو أمر يتطلب بناء السلام خطوة واحدة في كل وقت ومع فاعل ممفرده في كل وقت أيضا. ويمكن وصف محادثات جنيف رسميا الآن على أنها محاولة لجمع الأطراف السورية، ولكن أقصى ما يمكن تحقيقه في الواقع هو الحصول على اللاعبين الخارجيين الرئيسيين المشاركين في الحرب الأهلية، وهما الولايات المتحدة وروسيا، على نفس الخط. من وجهة نظر الولايات المتحدة، ينبغي ألا يكون مربط الفرس حول هذه المحادثات هو الوصول إلى تسوية، بقدر ما ينبغي أن تركز على خلق شرخ بين روسيا ونظام «الأسد» وسحب روسيا أقرب ما يكون إلى موقفها. هذا بحد ذاته لن يخلق السلام، ولكنه سيكون خطوة هامة وضرورية في الاتجاه الصحيح.

خطوط الصدع

من الممكن إنشاء مثل هذا الصدع، خاصة وأن روسيا لا يبدو أن تتفق مع رأي المتشائمين القائلين بأن الحرب الأهلية في سوريا يمكن كسبها بالوسائل العسكرية. ووفقا لتقارير صحفية، فقد بعث الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» ورئيس مديرية الاستخبارات الرئيسية في روسيا(GRU)  إلى دمشق لمناقشة شروط رحيل «الأسد» في أواخر ديسمبر/ كانون الأول لعام 2015. قالت المصادر الاستخباراتية الغربية لبعض الصحف إن «الأسد» قد رفض هذا العرض بقوة. وبالنسبة إلى الولايات المتحدة، فإن وجود مثل هذه المهمة ينبغي أن يكون بادرة طيبة أن موسكو لا تزال تستثمر في العملية السياسية التي قد تنتج تسوية تفاوضية للنزاع.

تبقى الخطوط الحمراء لروسيا بشأن هذه العملية ثابتة بلا تغيير. موسكو لن تدعم عملية التغيير القسري للنظام، كما إنها لن تدعم عملية يتم بموجبها اختيار الفائزين في الحرب الأهلية من قبل قوى خارجية. وغالبا ما تفسر هذه السياسة ببساطة على أنها دعم للأسد. ومن الواضح أن نظام «الأسد» هو وكيل روسيا وهو المستفيد من حملة القصف الروسي. لكن موسكو لم تكن أبدا متشبثة بـ«الأسد» كشخص. منذ يونيو/حزيران 2012، عندما تم إبرام بيان جنيف الذي يوجه محادثات السلام الحالية، فقد دعمت روسيا عملية انتقال سياسي في سوريا من شانها، بحكم تعريفه كعملية انتقال، أن تؤدي إلى رحيل «الأسد» بعد أن تتطلب من جميع الأطراف الاعتراف بتكوين هيئة الحكم الانتقالي. وقد أكدت موسكو دعمها ا لهذا الموقف في اثنين من قرارات مجلس الأمن الدولي، برقمي 2118 و2254، منذ ذلك الحين.

في هذا السياق، فإن جملة القصف الروسي، المخيفة من المنظور الإنساني، يمكن أن يتم فهمها على أنها حملة للتصعيد المضاد ردا على المكاسب التي تحققت خلال الصيف من قبل المعارضة، والتي تركت النظام في حالة غير مستقرة. من وجهة نظر موسكو، فإن استمرار الاتجاهات السابقة كان من الممكن أن يؤدي إلى الإطاحة العنيفة بنظام «الأسد» على يد وكلاء للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة. وقد دفع هذا المنطق من الحرب بالوكالة روسيا إلى دس يديها في الموازين على نطاق واسع. من الواضح، على الرغم من أن حملة القصف يمكن أن تؤدي إلى تعزيز النظام بشكل كبير، وخاصة مع زيادة الدعم الإيراني، فإن التدخل الروسي لا يمكنه أن يضمن تحقيق النصر العسكري الحاسم بسبب عدم توفر القدرة العسكرية اللازمة لجيش «الأسد» من أجل استعادة السيطرة على البلد بأكمله. وحتى لو فعلت، فإن مستوى العنف الذي يرتكبه النظام يضمن أنه سوف يواجه تمردا لا ينتهي.

ولذلك فإن الحل التفاوضي هو استراتيجية الخروج الوحيدة القابلة للتطبيق في موسكو. ومع ذلك، فإن التدخل العسكري قد أنتج مشكلة. ورغم أنه قد جعل من الواضح بالنسبة إلى المعارضة وداعميها الخارجيين أنهم لن يكون بإمكانهم حسم الأمور عسكريا على أرض المعركة، فإن هذا الالتزام الروسي الكبير والتقدمات العسكرية التكتيكية قد ساهمت في زيادة تصلب موقف النظام في المفاوضات بطريقة غير مفيدة للأهداف الروسية.

في انتظار الفشل

قد تميل الولايات المتحدة إلى تجنب اللعب بقواعد موسكو في جنيف، وبدلا من ذلك انتظار الفشل، الذي ترى أنه لا مفر منه، لحملتها العسكرية. كما قال وزير الدفاع الأمريكى «أشتون كارتر» مطلع فبراير/شباط: «أعتقد أن لديهم استراتيجية مدمرة، رغم أني لا أعرف كم الوقت اللازم كي يبدؤوا في الشعور بذلك». وفي هذا الخط من التفكير، حيث يواصل داعمو المعارضة تزويدها بالسلاح، بينما يتورط النظام و«الدولة الإسلامية» في مزيد من الاشتباكات بينهما، وحين تثبت القوات السورية أنها غير قادرة على الحفاظ على وضعها الهجومي الحالي، فإن روسيا سوف تصبح متورطة في سوريا بنفس الشكل الذي فعله الاتحاد السوفييتي في أفغانستان. لماذا تهتم الولايات المتحدة بالاستثمار في عملية سلام محكومة عليها بالفشل؟

وسوف يكون أمرا قاسيا وخطيرا تبني مثل هذه الاستراتيجية. وهي استراتيجية قاسية لأنها سوف تلقي بسوريا لسنوات أخرى عديدة في أتون هذا الصراع، وهي خطيرة نظرا لوجود فرصة للتصعيد بين الولايات المتحدة وروسيا في كل لحظة. قوات النظام المدعومة من روسيا وجماعات المعارضة المدعومة من الولايات المتحدة، تقاتل بعضها البعض يوميا بينما الطائرات الروسية تتحدى الحدود التركية والطائرات الأمريكية تحلق في سماء المنطقة في طريقها لشن الهجمات ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». روسيا وتركيا قد دخلا بالفعل في اشتباك ضد بعضهما البعض. ووفقا لتقارير صحفية، فإن روسيا والولايات المتحدة كانا على وشك الوقوع في حوادث مماثلة في أكثر من مناسبة. ما لم تكن الولايات المتحدة مستعدة للمخاطرة بحرب مع روسيا في الوقت الذي تنتظر فيه فشل استراتيجية موسكو، فإنها تحتاج أيضا عملية تؤدي إلى تسوية عن طريق التفاوض.

السبيل للخروج من هذا المأزق هو أن يتم اللعب على ورقة حاجة روسيا للوصول إلى حل عن طريق التفاوض. وكما تقر السياسة الروسية ضمنا، فإن هذا الحل ينطوي بالضرورة على قيام النظام السوري الحالي بتسليم السلطة إلى حكومة انتقالية تضم العديد من عناصر المعارضة.

«الأسد» هو المشكلة

ولكن «الأسد» لن يقبل بذلك أبدا. في واقع الأمر، فإنه لن يقل بما هو أقل من تحقيق النصر العسكري التام. اختار «الأسد» مقابلة الاحتجاجات السلمية التي اندلعت في الشوارع في عام 2011 مع موجة من القمع الوحشي لأنه كان يفهم من ذلك الحين أن قبول المطالب المتواضعة للمعارضة من شأنها أن تؤدي إلى سقوطه. لدى النظام قاعدة ضيقة للسلطة، تعتمد على الروابط العائلية الفاسدة، وقد أثبتت فشلها بشكل كبير في إدارة الاقتصاد وتوفير حاجات شعبها. وهي تستند في إحكام قبضتها على البلاد إلى قدراتها التدميرية وليس إلى السعي للتوافق مع المعارضة. بعد خمس سنوات من الحرب الأهلية، فإن كل هذه الأمور قد ازدادت صحة، ولذا فإنه ليس من المرجح أن يسعى «الأسد» إلى أي حل تفاوضي.

وهذا الاختلاف الكامن بين موسكو ودمشق لن يخرج إلى العلن إلا إذا أنتج جنيف اتفاقا يرفضه «الأسد». لذا يجب على واشنطن القيام بكل ما في وسعها لضمان استئناف المحادثات، حتى إذا كان ذلك يضمن قبول شروط روسيا ووضع مستقبل «الأسد» رسميا جانبا بشكل رسمي. يجب على الولايات المتحدة إعادة تركيز الجولة المقبلة من المحادثات على تشكيل حكومة وحدة وطنية تقبلها روسيا، لذا فإن المهمة الأولى سوف تكون لترتيب وقف إطلاق النار العام ووضع حد لأعمال العنف. تفاصيل الصفقة هو أمر ذو أهمية ثانوية لأن «الأسد» سيرفضها في كل الأحوال، وسوف ينفذ صبر روسيا تجاه النظام. عند هذه النقطة، فإن الولايات المتحدة وروسيا سوف يكون لديهما فرصة لإيجاد موقف مشترك بشأن إنهاء الحرب.

ولكن هذه المهمة سوف تكون مهمة عسيرة. ولكن في أي حرب أهلية بالوكالة، فإن الاتفاق بين الرعاة الخارجيين للأطراف المتحاربة ضروري لإنجاز السلام عن طريق التفاوض. وبالتالي فإن جلب الولايات المتحدة وروسيا على نفس الصفحة هو خطوة ضرورية لخلق ضغط لجلب الحرب إلى نهايتها. وجميع البدائل على حد سواء تعني فقط إطالة أمد حرب بالوكالة مدمرة وخطيرة في سوريا: الآلاف سوف يموتون، والملايين من اللاجئين سوف يهربون، وسوف يزيد خطر نشوب حرب بين تركيا وروسيا أو حتى بين روسيا والولايات المتحدة.

الطريق إلى حل تفاوضي في سوريا هو طريق طويل ويحتوي على الكثير من المنعطفات. عملية جنيف الحالية لا يمكنها تحقيق السلام الكامل في سوريا. ورغم ذلك فإنها يمكن أن تحرك سوريا باتجاه السلام إذا اعترفت الولايات المتحدة بأن الغرض الحقيقي من المحادثات ليس هو تحديد ملامح دقيقة لمستقبل سوريا، بل هي لإنجاز المهمة الأكثر أهمية بكثير مما تبدو عليه، وهي إقناع روسيا أيضا أن «الأسد» هو المشكلة.

المصدر | فورين أفيرز

  كلمات مفتاحية

روسيا الولايات المتحدة محادثات جنيف الأسد التدخل الروسي في سوريا المعارضة السورية

خيانة «أوباما» الكارثية: البيت الأبيض يهدي الانتصارات لـ«الأسد» وروسيا وإيران

خدعة «بوتين»: كيف تم استخدام جنيف كغطاء سياسي للحل العسكري الروسي في سوريا؟

كيف تبنى «أوباما» خطة «بوتين» في سوريا وأعطى «الأسد» نصرا دبلوماسيا؟

النص الكامل لاتفاق «بوتين - الأسد» الذي يتيح بقاء روسيا في سوريا إلى الأبد

4 مقاتلات روسية ترافق «الأسد» خلال زيارته إلى طهران ذهابا وإيابا

كيف يتحقق النصر لروسيا في سوريا؟

«داود أوغلو»: روسيا ستنسحب من سوريا مهزومة كما حدث في أفغانستان

الخارجية الأمريكية: «الأسد» فاقد للشرعية والاتفاق النووي ليس لتسليم المنطقة لإيران

«داود أوغلو»: على «وحدات حماية الشعب الكردية» الانسحاب من «أعزاز» فورا

«دي ميستورا»: استئناف المحادثات السورية في 25 فبراير «غير واقعي»

«دي ميستورا» يعتزم إعلان موعد الجولة التالية من محادثات جنيف غدا الجمعة

موسكو ودمشق .. فجوة أم جفوة؟!

روسيا العائدة إلى الشرق الأوسط: محاور وأولويات

«دي ميستورا» يعرب عن قلقه من بطء التقدم في مباحثات السلام السورية