«ناشيونال إنترست»: المستقبل الغامض للحلول السياسية في سوريا

الخميس 5 مايو 2016 12:05 م

عندما يكتب «فريد هوف» أو يتحدث عن سوريا فإن الجميع في واشنطن وحول العالم غالبا ما يستمعون إلى ما يرغب في قوله.

قبل انضمامه إلى المجلس الأطلسي «أتلانتيك كاونسل» كزميل أول، خدم «هوف» كمستشار لإدارة «أوباما» لشؤون الانتقال السياسي في سوريا. وربما تكون تلك واحدة من أكثر الوظائف الذهنية الأكثر صعوبة في حكومة الولايات المتحدة بأكملها. وقد شمل اختصاصه كل شيء بداية من إعداد المعارضة السياسية في سوريا لمرحلة ما بعد الحرب الأهلية إلى السفر في جميع أنحاء الشرق الأوسط لتعزيز المصداقية الدولية المهزوزة للمعارضة. وقد ترك «هوف» الحكومة في عام 2012، وإذا كان لكتاباته خلال السنوات الثلاثة الماضية أي دلالة، فإنها تعكس مدى الإحباط بسبب كون حكومة الولايات المتحدة لا تفعل كل ما في وسعها لوقف العنف الذي يمارسه الديكتاتور الوحشي «بشار الأسد».

والآن بعد أن صار «فريد هوف» خارج الحكومة، فإن بإمكانه أن يقول ويكتب ما يراه حقا. وقد فعل ذلك بشكل صحيح. في شهادة أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ في أكتوبر/تشرين الأول عام 2013 وصف «هوف» سياسة الإدارة الأمريكية في سوريا أنها تقوم على التمني وأنها مليئة بالخمول. مباشرة بعد اعترفت الولايات المتحدة بالائتلاف الوطني السوري كممثل شرعي للشعب السوري، فقد قال «هوف» في شهادته أن واشنطن «كان ينبغي عليها أن تساعد الائتلاف على تشكيل حكومة بديلة على الأراضي السورية المحررة مع الاعتراف بها دبلوماسيا ودعمها اقتصاديا والدفاع عنها. ولكن ذلك لم يحدث أبدا».

ويعترف «هوف» أنه نفسه كان بطيئا جدا في إدراك النتائج العكسية التي جلبتها سياسة إدارة «أوباما» في سوريا. في مقال كتبه في صحيفة بوليتيكو، وصف «هوب» أمله في أن سوريا كان بإمكانها تجاوز هذا النوع ممن الاضطرابات السياسية الذي شهدته مصر وليبيا واليمن إبان الربيع العربي إذا تنبه الرئيس السوري وقام بفتح النظام السياسي، وتوسيع الحريات الشخصية. قبل خروج عشرات الآلاف من السوريين إلى الشوارع للاحتجاج على فساد ووحشية النظام، وقبل أن يبدأ «الأسد» في مواجهة المتظاهرين باستخدام الذخيرة الحية، تصور «هوف» احتمال أن واشنطن يمكن أن «تغيير التوجه الاستراتيجي للبلاد» بعيدا عن إيران من خلال اتفاق سلام شامل بين (إسرائيل) وسوريا يضع حلا لأزمة مرتفعات الجولان.

الآن يعترف «هوف» بسهولة أنه كان مخطئا في مشاعره المتفائلة التي انطفأت منذ فترة طويلة قبل أن يقرر ترك القاع الضبابي. «بحلول سبتمبر/أيلول 2012 عندما استقلت من منصبي في وزارة الخارجية كنت أعرف أن سوريا كانت تغرق في هاوية»، وفقا لما كتبه «هوف». «وكنت أعرف أن البيت الأبيض كان لديه القليل من الحماس لحماية المدنيين (سوى كتابة الشيكات لإغاثة اللاجئين) والقليل من الاهتمام حتى في وضع استراتيجية لتنفيذ رغبة الرئيس باراك أوباما الذي أعلن أن الرئيس بشار الأسد عليه أن يتنحي».

بالمضي سريعا إلى عام 2016، فقد تفاقمت الأزمة الإنسانية في سوريا لتصبح أسوأ بكثير مما كانت عليه حين قرر أن يترك موقعه. هناك مدن بأكملها تعرضت للتدمير، وهناك 400 ألف من المدنيين قد لقوا حتفهم وفقا لإحصاءات الأمم المتحدة (عدد القتلى مرتفع جدا لدرجة أن الأمم المتحدة قد توقفت عن الحد) كما نزح أكثر من نصف سكان البلاد. يمارس طرفا الصراع جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بشكل شبه يومي. وقد أثبتت الدول الأعضاء في مجلس الأمن أنها غير قادرة على التوفيق بين مصالحها من أجل إنقاذ الرجال والنساء والأطفال من التعرض للقصف أو الموت جوعا في أكثر الصراعات وحشية في القرن الحادي والعشرين.

وكان السفير «هوف» عطوفا بما يكفي للموافقة على إجراء هذه المقابلة. سألته عن اتفاق وقف الأعمال العدائية الذي صار ميتا الآن، وعما إذا كان هناك شيء بإمكان الولايات المتحدة أو روسيا فعله من أجل إعادته إلى الحياة. وعما إذا كان المجتمع الدولي يحتاج للبدء في ابتلاع الاتفاق غير المقدس مع الشيطان من أجل وضع حد للحرب التي دخلت عامها السادس.

س: في البداية يجب أن أعترف أن اتفاق وقف الأعمال العدائية، الذي توسطت فيه كل من الولايات المتحدة وروسيا، قد صمد لأطول مما كنت أتوقع. انخفضت معدلات العنف بشكل كبير كما انخفضت أعداد القتلى في صفوف المدنيين وتحسن وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة ودخل الاتفاق حيز التنفيذ. هل أخذتم مثلي على غرة؟

ج: كانت مفاجأة سارة لي أن وقف الأعمال العدائية أنتج نتائج إيجابية بشكل ما. أنفقت الميليشيات الشيعية وروسيا بالفعل المزيد من الجهد في قتال «الدولة الإسلامية» بدلا من المدنيين السوريين، وقد ترافق ذلك مع استيلاء الجيش النظامي على تدمر. وعلى الرغم من أن «نظام الأسد» استمر في منع بعض قوافل الإغاثة الإنسانية التابعة للأمم المتحدة وسرقة المستلزمات الطبية من بعضها الآخر، فليس هناك شك في أن الآلاف من المدنيين السوريين المحتاجين حصلوا على بعض الراحة التي طال انتظارها من الموت جوعا. لآن، ومع ذلك، يبدو أن مصلحة روسيا وإيران في القتال ضد «الدولة الإسلامية» قد تضاءلت، وقد صار تطويق حلب أولوية قصوى. لذلك فقد انهار اتفاق وقف الأعمال العدائية، في الوقت الذي يستهف فيه قصف النظام المنشآت الطبية بشكل متعمد.

س: يبدو إذن أن الاتفاق قد انهار بالفعل. المئات من المدنيين قتلوا في حلب منذ 22 إبريل/نيسان الماضي. ويظهر بوضوح أن نظام «الأسد» قد عاد إلى أساليبه القديمة المتمثلة في تعمد استهداف المستشفيات والمناطق المدنية ذات الكثافة السكانية المرتفعة. هل هناك أي شيء على الإطلاق يمكن لواشنطن وموسكو القيام به من أجل إعادة اتفاق وقف إطلاق النار إلى مساره، أم أن هذا يعد رهانا خاسرا؟

ج: موسكو يمكن أن تضع هذه الهدنة مرة أخرى على الطريق الصحيح بكلمة منها للأسد. أنا لا أعني أن أقول أن «بشار» هو مجرد متلق للأوامر. في الواقع فإنه يعتبر نفسه محور الكون وأن روسيا وإيران بحاجة إليه أكثر مما يحتاج إليهما. لكن موسكو يمكنها، إذا أرادت، أن توضح له ولقادة الجيش أنه إما أن تهدأ الأمور أو سيتم تعليق المساعدات العسكرية إلى أجل غير مسمى. لا يبدو أن هناك أمل في القيام بذلك. أما واشنطن فقد وضعت نفسها في موقف يجعلها تعتمد كليا على حسن نية «فلاديمير بوتين» في هذه المسألة. لذا فإن «بوتين»، على الأقل حتى الآن، هو من بيده الحسم. وبما أن العنف قد قتل آفاق المفاوضات، فإن على «بوتين» أن يتخذ قراره.

س: لقد كنت واحدا من أشد منتقدي سياسة «أوباما» في سوريا منذ أن رحلت عن الحكومة. عندما تتحدث عن سوريا فإن الناس يستمعون. ما هو الخطأ فيما تفعله الإدارة حاليا؟

ج: هدف الإدارة هو التحول السياسي عن طريق التفاوض في سوريا بما يتوافق مع مخرجات اتفاق جنيف في يونيو/حزيران 2012. وهي تريد أن ترى هيئة حكم انتقالي تنبثق عن المحادثات الحالية في جنيف. وهي واحدة من المفترض أن تنشأ عن موافقة متبادلة وتمارس السلطة التنفيذية الكاملة. يضع شرط الموافقة المتبادلة مصير «الأسد» في يد المعارضة. سوف ترحب بالإدارة برحيل «الأسد» لأنها تريد أن ترى سوريا موحدة ضد «الدولة الإسلامية»، في الوقت الذي يمثل فيه «الأسد» مع جرائم الحرب التي ارتكبها أحد أهم أسباب الانقسام.

ولكن استراتيجية تحقيق هذا الهدف ترتكز كليا على إقناع روسيا وإيران دون أي ضغوط أن «الدولة الإسلامية» تستمد بقاءها من جرائم الأسد. وهي تعلم مسبقا أن كلا منهما، لأسبابه الخاصة، يرغب في بقاء «الأسد» في السلطة. ولذلك تستمر سياسة «الأسد» في غرب سوريا في ممارسة القتل الجماعي وهي سياسة تجعل المفاوضات أمرا مستحيلا. في الشرق السوري، يتم مطاردة «الدولة الإسلامية» من قبل الطائرات والتحرش بها بواسطة الميليشيات الكردية. وبالتالي فإن الإدارة لديها أسوأ ما في العالمين. في الغرب، فإنها لم تتدخل لحماية سوري واحد من القتل الجماعي للنظام على مدار 5 سنوات وهي الآن تقف تشاهد، بلا حول ولا قوة، ترى استئناف هذه الأنشطة ضد المدنيين ونهاية أي آفاق للمفاوضات. وفي الشرق، فإنها تأمل أن «الدولة الإسلامية» لن يكون لديها ما يكفي من الوقت لتفعل في سياتل أو سانت لويس ما فعلته في باريس وبروكسل. ولكنها ليست قادرة على تشكيل قوة برية تتكفل بإيقافها عن العمل.

لا يوجد لدى الإدارة في سوريا في أي من الجبهتين أي أهداف استراتيجية واقعية.

س: من وجهة نظرك، هل لدى الإدارة خطة بديلة في حال انهارت عملية السلام؟

ج: أظن أن هناك العديد من الخطط البديلة. ولكن تطبيق أي منها يخضع لرغبة واستعداد الرئيس «أوباما».

س: هل سيناريو «علي عبد الله صالح» لا يزال ممكنا بالنسبة إلى «بشار الأسد»؟ بعبارة أخرى: هل هناك أي فرصة أن يتم التوصل إلى اتفاق يتم بموجبه استقالة «الأسد» في مقابل الحصانة عن الجرائم التي ارتكبها على مدى السنوات الخمس الماضية؟ أم أن هذا خيار مثير للسخرية؟

ج: إذا كان «الأسد» على استعداد للتنحي ومغادرة البلاد أظن أن المعارضة السورية سوف تعطيه كافة تأكيدات الحصانة التي يريدها. المشكلة العملية سوف تكون في من سيكون مشمولا ومن لن يشمله هذا الغطاء. يعلم «الأسد» أن موظفيه قد ارتكبوا أطنانا من الجرائم سوف تودي بهم إلى لاهاي في نهاية المطاف. ولذا فإنه ربما يحسب أن بقاءه في السلطة، جزئيا على الأقل، هو أفضل رهان له. المشكلة الأبرز مع سيناريو «علي عبد الله صالح»، الذي يعني تنحي «الأسد» وبقاءه في البلاد أن هذا السيناريو قد تسبب فعليا في تدمير اليمن.

 

 

 

المصدر | ناشيونال إنترست

  كلمات مفتاحية

سوريا بوتين أوباما فريد هوف بشار الأسد الدولة الإسلامية

خيانة «أوباما» الكارثية: البيت الأبيض يهدي الانتصارات لـ«الأسد» وروسيا وإيران

خدعة «بوتين»: كيف تم استخدام جنيف كغطاء سياسي للحل العسكري الروسي في سوريا؟

كيف تبنى «أوباما» خطة «بوتين» في سوريا وأعطى «الأسد» نصرا دبلوماسيا؟

«بروكنغز»: كيف ترتكب كل من روسيا والولايات المتحدة نفس الأخطاء في سوريا؟

«بشار الأسد» انتهى .. وبدأ اقتسام سوريا

«الجبير»: «الأسد» سيرحل عن السلطة .. سياسيا أو عسكريا

قطر تعرض على «بوتين» أفكارا جديدة حول سوريا

مصير العرب مع هزيمة التنوير الإنساني في سوريا