أسعار النفط والاقتصاد الخليجي

الخميس 18 فبراير 2016 05:02 ص

أصبح معروفاً أن دول مجلس التعاون الخليجي متأثرة جداً بأسعار النفط ليس فقط لأهميتها في الموازنات، وإنما أيضاً لأهمية الإيرادات النفطية في استمرارية الاستهلاك العام السخي كما المشاريع الاستثمارية الحيوية خاصة في البنية التحتية والتعليم والصحة.

ليس هنالك أي مؤشر اليوم من ناحية إمكانية ارتفاع السعر بسبب عاملي الطلب الخفيف نسبياً والعرض الكبير المستمر. إذا كان الغرب مسروراً من انخفاض سعر النفط، فهذا ليس حالنا حتى في الدول العربية المستهلكة بسبب ارتباطنا العضوي بالاقتصادات الخليجية عبر العمالة المهمة الموجودة هنالك.

تنشيط الاقتصادات الخليجية يساهم كثيرا في تنشيط الاقتصادات الأخرى بفضل التحويلات المالية الكبيرة.

تشكل الإيرادات النفطية السعودية 90% من المجموع العام، وبالتالي يمكن تخيل التأثير الكبير على الاقتصاد والمجتمع. الحلول ليست نادرة لكنها صعبة التطبيق إذ تتطلب تغييراً في العديد من السياسات والعادات الاستهلاكية والاستثمارية المعروفة. يقول صندوق النقد الدولي إن سعر النفط يجب أن يعود إلى 106 دولارات للبرميل حتى توازن المملكة موازنتها.

يقول الصندوق أيضاً إن استمرار السعر المنخفض سيدفع بدول المنطقة المنتجة للنفط إلى خسارة ما يقارب 300 مليار دولار هذه السنة. عجز الموازنة السعودية المتواصل منذ 2014 والمقدر في سنة 2015 ب 98 مليار دولار أو 15% من الناتج ليس قليلاً خاصة وانه مرجح للاستمرار لسنوات نتيجة الأسعار.

تستعمل المملكة قسماً من احتياطها النقدي البالغ قبل المستجدات النفطية في سنة 2014 حوالي 732 مليار دولار والذي يمكن أن يصل إلى 479 مليار دولار في سنة 2017. في ليبيا مثلاً يصل عجز الموازنة إلى 55% من الناتج وعجز ميزان الحساب الجاري إلى 70% منه وهذا كارثي بكل المعايير.

ونما الاقتصاد الخليجي 3% في سنة 2015 مقارنة بمعدل سنوي 4,5% خلال العقد الماضي. يشير صندوق النقد الدولي إلى نمو قدره 2,75% هذه السنة، وهذا جيد في الظروف السياسية والاقتصادية الحالية.

ما هي الحلول الممكنة التي يمكن تطبيقها في المملكة العربية السعودية والتي تصلح للدول الخمس الأخرى علماً أن الأوضاع تختلف قليلاً لكن العوامل الأساسية تبقى نفسها؟

أولاً: العمل ضمن الموازنات عبر تخفيض وترشيد الإنفاق ورفع الإيرادات ربما من الضرائب تجنباً لاستمرار العجز المالي. يجب تجنب تراكم الدين العام تماماً كما يحصل في لبنان منذ عقود علماً أن الأوضاع والظروف مختلفة كلياً. في الإنفاق لا شك أن الترشيد ممكن خاصة في الاستهلاك أي في تخفيف دعم السلع والمحروقات.

التقشف على الطريقة اليونانية غير ممكن واقعيا بسبب العادات الاجتماعية ودور القطاع العام الكبير في الاقتصاد والاجتماع. لا شك أن الترشيد ممكن وضروري في الإنفاق الأمني والعسكري، إذ إن الأرقام المنشورة في حدود 25% من الإنفاق العام كبيرة بكل المعايير.

من ناحية الإيرادات، هنالك طريقتان ممكنتان أولهما الضرائب وقد بحثت الحكومات الخليجية إمكانية اعتماد الضريبة على القيمة المضافة قبل سنة 2018 بنسبة 5%. أما ثانيهما فهي إمكانية خصخصة بعض الشركات أو جزء منها وقد تكلم بشأنها ولي ولي العهد السعودي وعن «أرامكو» تحديداً. إذا أحسن التطبيق، من الممكن أن تنهي دول مجلس التعاون عجزها المالي خلال خمس سنوات.

ثانيا: تنويع الاقتصاد وهذا معروف لكنه لم يطبق كما تشتهيه المجتمعات الخليجية. المذنب الأساسي هو سعر النفط المرتفع الذي يحد من الرغبة في التنويع وكأن الأسعار المرتفعة ستستمر لعقود طويلة. اليوم من الممكن الاستفادة من ظروف سعر النفط المنخفض لتمويل الاستثمارات الجديدة في القطاعات غير النفطية بما فيها الزراعة.

هنالك إمكانية كبرى في تنشيط الخدمات ومنها تحديداً السياحة التي تبقى خجولة نسبة للفرص المتوافرة. تنشيط السياحة يتطلب مراجعة القواعد المعتمدة بما فيها التأشيرات والبنية التحتية والوسائل الترفيهية المتاحة.

هذه الفرصة مهمة ويمكن الاستفادة منها إلى حدود كبيرة، ومن الخطأ تجاهلها واعتبارها عابرة حتى لو كانت كذلك. هنالك فرص كبيرة تكمن في اعتماد التكنولوجيا الحديثة في كل النشاطات. الحكومة الإلكترونية مستمرة تطويراً في دبي التي من المقدر أن تصبح خلال سنة الحكومة الأكثر فعالية وإنتاجية في العالم. الشجاعة والإقدام في استعمال الجديد الفاعل هما في غاية الأهمية.

ثالثاً: أهمية الخصخصة ليست لإيراداتها، وإنما تسمح للقطاع الخاص بالتوسع وتكبير حجمه في الإنتاج. هنالك دور ضائع للقطاع الخاص ليس فقط في دول مجلس التعاون وإنما في كل الدول العربية. تمويل المشاريع الخاصة من القروض الميسرة هو في غاية الأهمية مع الاهتمام الكبير بالشركات الفردية والصغيرة والمتوسطة. الشركات الفردية هي أساس العديد من الاقتصادات الحديثة وتعتمد على التجدد والإبداع، وهذا لا ينقصنا في المجتمعات العربية وإنما يجب تحفيزهما مادياً وإعلامياً كما عبر تأمين المؤسسات العامة اللازمة لهما. «سيليكون فالي» هي النموذج الكبير الذي يمكن أن نقلده، علماً أن هذا يتطلب الكثير من الوقت والجهد والمال والظروف لكن يجب البدء به.

رابعاً: لا شك أن ظروف المنطقة الأمنية من اليمن إلى لبنان تؤخر عمليات النمو. الاستثمار يخلق النمو، وهذا ما نحتاج إليه. كي تحصل الاستثمارات الخاصة، لا بد من تهدئة المشاكل السياسية التي تبقى الأسوأ عالمياً. كل مناطق العالم تعالج مشاكلها بطريقة أو أخرى بما فيها الكوريتان، إلا أن مشاكلنا هنا تبقى أصعب وأعمق لأن العاطفة تختلط مع المصلحة وبالتالي يتعرقل التقدم.

خامساً: تخفيف المعونات المقدمة إلى المواطنين الخليجيين مما يدفعهم إلى القيام بالأعمال التي يقوم بها غير الخليجيين عرباً أو أجانب. هذا يتطلب الوقت والتدريب، لكن الأهم الرغبة في القيام بالأعمال المختلفة. الكفاءة موجودة حتماً، لكن الدافع للإنتاج والإنتاجية لم يكن موجودا في السابق وأصبح متوافراً اليوم والسبب في ذلك أسعار النفط.

أخيراً يجب أن لا ننسى المشاكل الجدية التي تعاني منها شركات الإنتاج النفطية والتي تؤثر ليس فقط على فعالية الأسواق وإنما على الاستثمار المستقبلي في القطاع.

لا يكفي أن تصرف الشركات بعض العمال وتخفض الإنتاج لتخفيف التكلفة، بل من الممكن أن يتعرض بعضها إلى مصير أسود أي الإفلاس. البعض الآخر سيقوم بالدمج والشراء أو يبيع قسما من أصوله أي يصغر الحجم أو ينتقل إلى إنتاج مصادر طاقة أخرى بدءا من الشمسية. تكمن المشكلة اليوم في أن الفارق اليومي بين الإنتاج والاستهلاك هو 2 مليون برميل وبالتالي الأسواق عائمة في النفط. لذا خف الاستخراج النفطي في أمريكا بحدود 50% وهنالك 4 مصارف أمريكية كبيرة وضعت جانباً 2,5 مليار دولار لتغطية القروض النفطية التي يمكن ألا تسدد.

المصدر | د. لويس حبيقة - الخليج، الشارقة

  كلمات مفتاحية

أسعار النفط الاقتصاد الخليجي دول مجلس التعاون السعودية الإيرادات النفطية الإنفاق العام المشاريع الاستثمارية

هل انهارت الاستراتيجية النفطية السعودية؟

كيف يمكن أن تساعدنا الأرقام على فهم الاستراتيجية النفطية السعودية؟

السعودية في مواجهة تحديات كبرى

ماذا يعني انخفاض أسعار النفط؟

هل تنتصر السعودية في الحرب على النفط الصخري؟

أسواق المال تتوقع مزيدا من الخفض في تصنيفات الدول النفطية

الرئيس النيجيري يناقش استقرار النفط مع العاهل السعودي

«النقد الدولي»: دول الخليج ستتكيف مع هبوط أسعار النفط