الصدر والسوداني خارج الحلبة.. العراقيون ينتخبون مجالس المحافظات لأول مرة من 2013

الاثنين 18 ديسمبر 2023 08:59 ص

فتحت مراكز الاقتراع للانتخابات العامة في مختلف المدن العراقية، الإثنين، أبوابها أمام الناخبين للتصويت العام، لانتخاب أعضاء مجالس المحافظات، وذلك لأول مرة منذ 10 سنوات.

وستحدد هذه الانتخابات، التي ستعلن نتائجها الثلاثاء، شكل الحكومات المحلية التي ألغيت بعد الانتفاضة الشعبية ضدها في عام 2018، وينظر إلى نتائجها على أنها مؤشر للانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في عام 2025.

وجرى، السبت، الاقتراع الخاص، الذي شمل القوات الأمنية بكافة صنوفها والنازحين، حيث أكدت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، أن نسبة المشاركة بالاقتراع الخاص، بلغت أكثر من 67%.

وتعد مجالس المحافظات في العراق بمثابة السلطة التشريعية والرقابية في كل محافظة، حيث لهذه المجالس المنتخبة الحق في إصدار التشريعات المحلية، بما يمكنها من إدارة شؤونها وفق مبدأ اللامركزية الإدارية، دون أن يتعارض ذلك مع الدستور والقوانين الاتحادية التي تندرج ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات.

وتمتد الدورة الانتخابية لمجالس المحافظات العراقية 4 سنوات تبدأ مع أول جلسة لها، وفقا لقانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم، الصادر عام 2008.

ويتكون مجلس المحافظة الواحد من 10 أعضاء، يضاف إليه مقعد واحد لكل 200 ألف نسمة لما زاد على مليون نسمة، وفقا لآخر إحصائية سكانية تم وضع من خلالها سجل الناخبين، على ألا يزيد إجمالي الأعضاء على 35.

كما أن هناك فروعا أخرى تسمى مجالس الأقضية التابعة لكل محافظة، إذ تجرى انتخابات مجالس الأقضية في مرحلة ثانية خلال 6 أشهر من تاريخ إجراء انتخابات مجالس المحافظات.

وخلافاً لغالبية رؤساء الوزارة في العراق، يبدو أن رئيس الحكومة الحالي محمد شياع السوداني، خارج المنافسة في الانتخابات المحلية الحالية في البلاد، بينما يخوض حلفاؤه في "الإطار التنسيقي" سباقاً محموماً للظفر بمقاعد في محافظات الوسط والجنوب.

واعتاد السياسيون العراقيون الذين يشغلون مناصب حكومية، لا سيما رئيس الوزراء، استثمار مواقعهم لخوض الاستحقاقات الانتخابية، وغالباً ما ينظر إليهم فائزين حتى قبل إعلان نتائج التصويت، لكن في حالة السوداني فإنه اختار الوقوف على خارج الحلبة هذه المرة.

ويملك السوداني ميزتين كان بإمكانه استثمارهما، وهما إلى جانب موقعه التنفيذي الأعلى في البلاد، فإنه ينتمي إلى الجيل الثاني من السياسيين العراقيين، ولم يكن من القوى التي نشطت خارج البلاد في معارضة نظام صدام حسين.

وشارك جميع رؤساء الحكومة في الاستحقاقات الانتخابية المتعاقبة بعد 2003، بدءاً من إياد علاوي، وإبراهيم الجعفري، ونوري المالكي، وعادل عبدالمهدي، باستثناء رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي الذي واجه معادلة سياسية فرضت عليه عدم الانخراط في التنافس الانتخابي.

وتقول مصادر مختلفة من داخل "الإطار التنسيقي"، إن دخول السوداني في انتخابات مجالس المحافظات قد يثير حفيظة قادرة بارزين في التحالف الحاكم.

وينظر إلى السوداني على أنه سياسي شاب أسس حزباً ناشئاً يحمل اسم "تيار الفراتين"، بعدما انشق عن حزب "الدعوة الإسلامية"، وخرج عام 2019 من عباءة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.

وبعد انسحاب التيار الصدري من الحياة السياسية، وتولي "الإطار التنسيقي" مفاوضات تشكيل الحكومة، كان هناك أكثر من 14 مرشحاً لمنصب رئيس الوزراء، لكن السوداني حاز ثقة القوى الشيعية في النهاية، لكن كانت ثمة شكوك بأنه لم يكن «خياراً مرضياً» لعدد من قادة تلك الأحزاب.

ويقول مؤيدون لحكومة السوداني إنه يركز أكثر على إنجاح كابينته الوزرية خلال الدورة الحالية، لا سيما وأنه يحظى بتأييد وتوافق ائتلاف "إدارة الدولة"، الذي يضم إلى جانب القوى الشيعية أحزاباً سنية وكردية، ويشكلون أكثر من 280 نائباً في البرلمان العراقي.

لكن حكومة السوداني كانت تواجه ولا تزال عقبة أساسية تتمثل بغياب التيار الصدري، فيما يقول سياسيون من "التيار" و"الإطار" أن رئيس الوزراء كان واحداً من الذين حاولوا إشراكه في الحكومة، لكن تلك الجهود لم تحقق أي نتائج.

ورغم أن المجالس المحلية معنية بتقديم الخدمات الأساسية لسكان المحافظات، لكن الاستقطاب الحزبي يتحكم بمزاج الناخبين، حتى بعد مرور 10 سنوات على آخر انتخابات محلية في العراق.

ومنذ عام 2013، حين صوت العراقيون لاختيار مجالسهم المحلية، تغير الكثير في ميزان القوى، لا سيما بين القوى الشيعية، وجمهورهم في الوسط والجنوب.

وأجبر حراك شعبي اجتاح مناطق الوسط والجنوب، عام 2019، السلطات على إلغاء المجالس المحلية، لكن المحافظين بقوا في مناصبهم لإدارة شؤون مدنهم، بالتنسيق مع الحكومة المركزية.

والحال، أن عدداً من المحافظين استمر أكثر من 4 سنوات دون تغيير، أبرزهم علي دواي، محافظ ميسان منذ 12 سنة، والذي ينتمي للتيار الصدري وتخطط قوى "الإطار التنسيقي" لإزاحته من المنصب، إلى جانب محافظ البصرة أسعد العيداني الذي مضت عليه 6 سنوات محافظاً لواحدة من كبرى المدن العراقية وأكثرها غنى بالنفط والموارد الطبيعية.

غياب المجالس المحلية جعل المحافظين يتنفسون الصعداء لعدم وجود رقابة على إداراتهم، كما منح الحكومة المركزية فرصة لإجراء تغييرات مباشرة في تلك المدن تصل أحياناً إلى تغيير المحافظين، دون المرور بمجلس المحافظة.

ويقول المعارضون لإعادة انتخاب المجالس المحلية، إنها "حلقة زائدة تستنفد موارد الدولة المادية دون فائدة"، كما أنها تفتح الباب للتنافس والابتزاز السياسي الذي قد يعيق رئيس الوزراء عن إجراء أي تغييرات إدارية.

وعلى إثر ذلك، أعلن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، عدم المشاركة في الانتخابات، وأمر أتباعه بمقاطعتها لأنها "انتخابات الفاسدين"، وتبرأ من مرشحين ينتمون لـ"التيار" تمردوا على قراره الأخير.

وعلى الرغم من أن الصدر لم يوفر مواقفه في مهاجمة "الإطار التنسيقي"، وكرس في خطابه وصف "حكومة الفاسدين"، لكن المراقبين يعتقدون أنه يحافظ على مساحة مع السوداني، الذي ربما يخرج يوماً من عباءة "الإطار".

وانسحب الصدر من الحياة السياسية، شتاء العام الماضي، تاركاً 73 مقعداً في البرلمان العراقي، تقاسمتها أحزاب "الإطار التنسيقي" لتبلغ الأغلبية الساحقة في مجلس النواب.

وبالنسبة لجمهور الصدر، فإن الانتخابات المحلية تمثل "خطوة أخرى" لإبعادهم تماماً عن المؤسسات الحكومية والتشريعية، لذا يشعرون بأن "خيبة الأمل" ستستمر حتى موعد الانتخابات العامة بعد انتهاء الدورة التشريعية الحالية، وفق مراقبين.

وفي وقت سابق، دعا السوداني العراقيين إلى المشاركة بـ"قوة" في الانتخابات التي "تمثل حلقةً من حلقات النظام الإداري الديمقراطي، بعد 10 سنوات على آخر انتخابات لمجالس المحافظات، التي جرت سنة 2013".

وأشار إلى أن "تعطيل انتخابات مجالس المحافظات لم يكن في صالح الشعب والدولة"، مبيناً أن "مجالس المحافظاتِ ركن أساس في نظامنا الديمقراطي القائم على اللامركزية، التي تمثل مرحلةً مهمةً من مراحل التحول الإداري في العراق".

وحسب إحصاءات أعلنت عنها مفوضية الانتخابات، فإن 16 مليون ناخب يحق لهم التصويت في الانتخابات، عبر 7766 مركز اقتراع في عموم البلاد.

ويبلغ عدد المرشحين الكلي 6022 ضمن 38 تحالفاً، بينما يبلغ عدد التحالفات والأحزاب والأفراد 163 مرشحا، وبلغ عدد المرشحين للتحالفات 4223 مرشحا، وعدد المرشحين للأحزاب 1729 مرشحا، وللأفراد 70 مرشحا.

وبلغ عدد المرشحين من المكون المسيحي 16 مرشحا، وللصابئة 10 مرشحين، وللكرد الفيليين 13 مرشحاً، ولمكون الشبك 5 مرشحين، وللإيزيديين 4 مرشحين.

وتجري الانتخابات تحت رقابة واسعة، يشارك فيها 87 مراقباً دولياً، وأكثر من 33 ألف مراقب محلي، وأكثر من 5 آلاف من وكلاء الأحزاب.

وتتنافس قوى كثيرة للظفر بالمقاعد المحلية، أبرزها ائتلاف "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، وتحالف "نحن أمة" بزعامة رئيس البرلمان المقال محمد الحلبوسي، وتحالف "نبني" الذي يضم قيس الخزعلي وهادي العامري.

وقال المالكي، في تصريحات لمحطة تلفزيونية محلية، إنه "لا ينوي الحصول على ولاية ثالثة انطلاقاً من النتائج التي سيحققها في الانتخابات المحلية".

ويحاول حزب "تقدم"، الذي يتزعمه رئيس البرلمان المقال محمد الحلبوسي، الظفر بأكبر عدد من المقاعد المحلية، لا سيما في الأنبار، معقله السياسي والقبلي، لأن ذلك سيعني بالنسبة له انتصاراً حاسماً في نزاعه مع "الإطار التنسيقي"، الذي اشتد بعد قرار المحكمة الاتحادية إنهاء عضويته في البرلمان.

كما تحاول قوى سنية أخرى منافسة الحلبوسي في هذه المدن، لتحجيم نفوذه السياسي، وتعظيم وزنها السياسي والاستفادة منه لحسم المرشح البديل لرئيس البرلمان، والذي يبدو أن انتخابه تأجل إلى ما بعد الانتخابات.

وتشهد هذه الانتخابات مشاركة قوى مدنية، من بينها تحالف "قيم" الذي يضم 10 أحزاب، الذي يشكل خليطاً من أحزاب ليبرالية ويسارية إلى جانب حركات ناشئة من "حراك تشرين" الاحتجاجي.

إلى ذلك، قاطعت أحزاب معارضة صغيرة منبثقة من تظاهرات العام 2019، الانتخابات.

لكن أحزابا أخرى مماثلة آثرت خوض المغامرة على أمل بناء قاعدة شعبية.

ولا تبدو الخريطة السياسية الكردية هادئة هي الأخرى، وصحيح أن التنافس شبه محسوم في المدن الواقعة داخل إقليم كردستان، وهي أربيل ودهوك والسليمانية، لكن اشتباكاً سياسياً من المتوقع أن يندلع بين الحزبين الكرديين الرئيسيين في مدينة كركوك، التي ستجري أول انتخابات محلية منذ عام 2005.

وتبقى المنافسة تقليدية في مدينة كركوك بين الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل طالباني، وكلاهما يتنافس أيضاً في أجزاء من محافظة نينوى.

لكن الصراع على منصب المحافظ في نينوى وكركوك سيكون مفتوحاً ما بعد إعلان النتائج، ومن الصعب التكهن بالقوة السياسية التي ستظفر به، إذ عليها الخوض في تحالفات حرجة بين العرب والكرد والتركمان.

يشار إلى أنه خلال الأسابيع الماضية، امتلأت شوارع بغداد والمدن الكبرى، باللافتات الانتخابية وصور المرشحين، بعضها تم تمزيقه أو إسقاطه أرضا، في انعكاس للشعور العام بالاستياء وخيبة الأمل في أوساط الناخبين.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العراق انتخابات انتخابات العراق مجالس المحافظات مجالس محلية المالكي الصدر السوداني الإطار التنسيقي